الخميس، 2 يناير 2020

هذه أفضل الأفلام التي صدرت في السنوات العشر الأخيرة

الإنسانية ضد التكنولوجيا
إذا كنتم من عشاق الأفلام الرومانسية، لهذه الفئة اختار القائمون على موقع "كوليدر" (Collider) فيلم "هي" (Her) كأفضل عمل رومانسي رغم كونه يجمع بين الدراما والخيال العلمي، ولكن من خلال قصة شاعرية كتبها وأخرجها سبايك جونز.
أحداثها تدور في المستقبل، حيث تحتل التكنولوجيا المساحة الأكبر من المشهد وتسيطر الوحدة على ما تبقى منه، فنشهد ثيودور الذي يعمل في كتابة الرسائل الشخصية وشديدة الحميمية للآخرين، في حين يقع بحب سامانثا صاحبة صوت نظام تشغيل اصطناعي ذكي، فهل يمكن لمثل هذه العلاقة أن تستمر أو أن تكون حقيقية؟
فاز الفيلم بالأوسكار والغولدن غلوب بينما صنفه معهد الفيلم الأميركي كأحد أفضل عشرة أفلام صدرت في 2013، أما النقاد فأشادوا بأداء خواكين فينيكس الذي استطاع تجسيد المشاعر بعبقرية وسلاسة، كذلك أثنوا على سكارليت جوهانسون التي نجحت في خلق حياة كاملة لشخصية فقط من خلال الأداء الصوتي.

حين تكسر اللغة حاجز الزمناختارت مجلة "وايرد" فيلم "وصول" (Arrival) كأفضل فيلم خيال علمي، وهو ما اتفقت معه مواقع فنية عديدة أخرى، أسباب هذا الإجماع لا يبررها فقط فوز الفيلم بالأوسكار والبافتا، وإنما فكرته الفلسفية التي قدمها صناعه بشكل إنساني وعاطفي، مما جعل العمل لا يجذب فقط عشاق أفلام الخيال العلمي المعتادين، بل عشاق الدراما أيضا.
فالعمل يحكي عن عالمة لغويات يتم اختيارها لمهمة صعبة ومصيرية، إذ عليها التواصل مع كائنات فضائية -تصل للأرض ويخشى أن تهدد أمان واستقرار العالم- واستنباط لغتهم، ورغم كل التوقعات المسبقة والأحكام التي يطلقها البشر على تلك الكائنات، فإن البطلة تتمسك برأيها فترى الفضائيين كائنات مسالمة ما لم يثبت العكس، وهو ما تسعى لتأكيده خلال مهمتها.

+++++++++++++++
فاز بالأوسكار.. كيف شرح فيلم "Parasite"الحقد الطبقي في المجتمع الرأسمالي؟

في هذا النظام، من الممكن أن تتشارك أسرتان الفضاء ذاته، وهما يسكنان عوالم مختلفة تمام الاختلاف. هذا هو حال أسرتي "كيم" و"بارك"، اللذين يقبعان في القلب من أحداث فيلم "طفيلي". ففي المدينة نفسها، تعيش أسرة كيم في قبو ذي سقف واطئ لا يرى الشمس سوى من نافذة واحدة، مكدسين في منزل صغير لا غرف فيه ولا أبواب، وغير بعيد عنهم، تسكن عائلة بارك، في بيت فاره مُكوّن من طابقين وحديقة واسعة صمّمه مهندس ديكور شهير.


تصير المسافة بين الأسرتين أصغر وأصغر عندما يستطيع كي-تيك ابن عائلة كيم، بتزكية من زميله الموسر، أن يحصل على وظيفة مدرس خصوصي لدا-هاي، ابنة عائلة بارك. وبعدها، وبمزيج من الحيلة والدهاء، ينجح بقية أفراد الأسرة في توظيف أنفسهم جميعا لدى عائلة بارك. فتعمل كي-جونغ أخت كي-تيك مدرسة رسم لـدا-سونغ أخو دا-هاي، ويستبدل الأب سائق السيد بارك، وتستبدل الأم خادمة العائلة. لكن، حتى بعد أن تسكن العائلتان البيت نفسه، تظل الهوة التي ولّدها المجتمع الرأسمالي بينهما على حالها.
   عند تلك الهوة، يضع بونغ كاميرته، ويعود مرة أخرى لثيمة الصراع الطبقي التي سبق وناقشها في فيلم الخيال العلمي "سنوبيرسر" (Snowpiercer)؛ لكنه يترك هذه المرة عناصر الخيال العلمي والشخصيات الخاضعة لقوالب طبقية حادة التي وقعت في القلب من الصراع، ويستبدل بها واقعنا المعاش وشخوصه الحقيقية. يقول بونغ: "في سنوبيرسر استطعت أن أوصل رسالتي للناس بشكل واضح وقوي. لكن في "طفيلي"، أردت أن أقترب من المسألة على مستوى آخر، أردت أن أنظر عبر مجهر لكل زاوية من زاويا البشر، أن أبصر أكثر المواضيع شمولا عبر أصغر العدسات".[1]
حواجز لا نراها
ربما ليس من المصادفة ما صرّح به بونغ في حوار سابق من كون فكرة فيلم "طفيلي" قد واتته أثناء المراحل الأخيرة من إنتاج فيلم "سنوبيرسير"؛ فالثيمة المسيطرة على الاثنين واحدة، مع الاختلاف الكبير في التناول. فعلى العكس من رمزيات "سنوبيرسر" الصارخة والقوالب الصارمة التي يضع فيها الشخصيات من غني مستغل وفقير مغلوب على أمره، نجد بونغ في "طفيلي" يأخذ اتجاها أكثر هدوءا، يجعله أقدر على التعبير عن الصراع الطبقي بشكل أعمق وأكثر اقترابا من الواقع.
  
فمثلما هو الحال في واقعنا المعاش، الحواجز التي تفصل الطبقات في "طفيلي" لا تبدو صارمة؛ عائلة كيم استطاعت اختراق عالم عائلة بارك والعبور من القبو للبيت الفاره بسهولة. الطبقات هنا لا تفصل بينها أبواب حديدية يحرسها مسلحون مثلما هو الحال في "سنوبيرسر"، ومن ثم يصير العبور من طبقة لأخرى أمرا بالغ السهولة، أليس كذلك؟
  
ليس تماما. لا يعني دخول عائلة كيم عالم عائلة بارك زوال الحواجز بينهما، فأبناء العائلة الثانية لا يعدون كونهم مجرد خدم لأبناء العائلة الأولى. لكن، وهنا تكمن المشكلة التي يسلط عليها بونغ الضوء، في الظروف الاقتصادية التي تحيط بالعالم الآن، تصير أقصى أحلام عائلة كيم هو الاحتفاظ بوظائفهم كخدم لعائلة بارك. الصراع هنا، في النصف الأول من الفيلم، ليس بين عائلة كيم وعائلة بارك، بل عائلة بارك وغيرهم من المعدمين والعاطلين.
لكن، وهذا ما يذهب إليه بونغ في فيلمه، أن تطلب من الفقراء صعود السلم الطبقي في الوضع الحالي لا يختلف كثيرا عن طلبك من أعرج أن يتسلق جبل إيفرست،، فكما قال بونغ نفسه في أحد الحوارات: "في مجتمع اليوم الرأسمالي، توجد تراتبية وطبقية تخفى على العين؛ نحاول دائما أن نُخفي هذه التراتبية ونغض البصر عن تلك الطبقية وكأنها أشياء عفا عليها الزمن. لكن، في الواقع، لا تزال الحواجز بين الطبقات موجودة ويستحيل عبورها".[2] [3]
المشكلة ليست في الفقراء أنفسهم، بل في كون كل شيء في النظام الرأسمالي مصمما ليحكم على مساعيهم بالفشل، وبعدها، يعود ليلقي عليهم اللوم. وهو ما نراه بوضوح في أحداث الفيلم. كي-تيك وكي-جونغ على درجة عالية من الذكاء، ومع ذلك فشلا في الالتحاق بالجامعة؛ الأم كانت رياضية ولم تحصل على الدعم لتنجح؛ والأب أنشأ مشاريع كثيرة صغيرة باءت كلها بالفشل.
هنا، في ظل محدودية الفرص أو بمعنى أدق انعدامها، تصير الطريقة الوحيدة أمام عائلة كيم لتصعد ولو خطوة صغيرة على السلم الطبقي هو جر أولئك الذين يقفون على تلك الخطوة للأسفل، وهو ما يفعلونه بلا تردد. يشغل الأب وظيفة سائق السيد بارك والأم وظيفة مدبرة المنزل، بعد أن تآمرت عائلة كيم ونجحت في الإيقاع بالسائق والمدبرة السابقين والتخلص منهم ليحلوا محلهم. فحتى تترقى عائلة كيم درجة، كان على أحدهم أن يهبط درجات. من هنا، تنشأ سلسلة الصراعات الطبقية في الفيلم، والتي يدخل فيها العنف والدماء لا محالة.
قد تقف للتساؤل بعد النهاية، مَن المذنب هنا؟ كأي صانع أفلام واعٍ بالواقع، تأتي إجابة بونغ في "طفيلي": لا أحد. فبعيدا عن القوالب المنمطة للأغنياء الأشرار والفقراء المظلومين التي يقدمها صناع الأفلام في تلك الحالات -وقدمها بونغ نفسه في "سنوبيرسر"- نجد الأثرياء من أفراد عائلة بارك، والفقراء من أفراد عائلة كيم، كأي عائلتين عشوائيتين قد تقابلهما أثناء سيرك في شوارع مدينتك: ليسوا بالشياطين ولا بالملائكة.
  
فكما يقول بونغ نفسه عن فيلمه في أحد الحوارات: "حتى وإن لم يكن هناك شرير، يمكن دائما للكوارث أن تقع".[4] وإن كنت مصمما أن تجد الشرير الحقيقي، فليس عليك أن تنظر أبعد من الوحش الذي اختاره بونغ ليضعه في القلب من فيلم "طفيلي"، النظام الرأسمالي المعاصر، ذاك الذي حكم على أفراد عائلة كيم بأن تكون أقصى أحلامهم أن يحيوا 
حياة كالحياة، ولم يترك لهم طريقا واحدا مستقيما ليصلوا لمبتغاهم، فلم يجدوا أمامهم سوى سلوك الأزقة الخلفية المعتمة المرصوفة بالاحتيال والملوّثة بالدماء.
كل تلك الأفكار التي ضمّنها بونغ جون هو في فيلمه "طفيلي" جيدة ومتسقة فيما بينها. لكن وبما أننا أمام عمل فني وليس فكريا، يبقى علينا أن نتساءل: كيف سخّر أدواته السينمائية ليُعبّر عنها بجماليات تنأى عن المباشرة؟
  
روائح تهدم كل شيء
بين يدي مخرج أقل حساسية من بونغ، ربما انتهى فيلم "طفيلي" كمحض عمل فني آخر يغلب فيه الفكر على الفن وينحو منحى الخطابة. لكن، وبما أننا نقف أمام مخرج بارع، فقد وظّف بونغ كل عناصر صورته لتخدم المعنى الذي أراد بشكل هادئ وعميق يدخل لصميم المعاني دون أن يحيطها بخطب رنانة وعبارات جوفاء.
رحلت الأسرة الثرية واستبدلتها أخرى، ورحل شبح القبو الفقير واستبدله آخر، لكن النظام الذي وضع كل من أولئك في مكانه ظل يدور، ليُعلي من شأن البعض، بينما يطحن البعض الآخر لمدى لا يعلمه أحد، فكما قال الفيلسوف سلافوي جيجيك: "من الأسهل أن نتخيل نهاية العالم على أن نتخيل نهاية الرأسمالية".[5]



الطفيليات البشريّة وعبقريّة فيلم «Parasite»


متفوقا بذلك على فيلم "1917" وحتى فيلم "الجوكر" ومطيحًا بهيمنة الأفلام الأمريكية عامة والأفلام الناطقة بالإنجليزية خاصة. لذلك، أكاد أراهن على أن المُخلصين والمتعصّبين 
للسينما الأمريكية لسبب أو لآخر، سيُسيل الفضول لعابهم، وربما يبدؤون البحث عن الفيلم لمشاهدته.

حبكة الفيلم بأخذ منعطف غريب ومشوّق حين يلجأ أفراد العائلة الفقيرة إلى الأساليب الملتوية ونصب المكائد لموظفي العائلة ليأخذوا محلّهم تحت شعار "الغاية تبرر الوسيلة". فبالنسبة لهؤلاء "المساكين" الذين يُعانون الفقر المدقع والتهميش والازدراء، لم يحل بينهم وبين تحقيق هدفهم أي تأنيب للضمير أو خوف من أن تنكشف ألاعيبهم. لذلك، تراهم يؤدون أدوارهم بإتقان واحترافية دون أن يرفّ لهم جفن، وهو ما يجعلنا نتساءل؛ هل هم مساكين بالفعل؟ أم أن معاناتهم طويلة الأمد جعلتهم يضربون بكل القيم والأخلاق عرض الحائط؟
على الطرف النقيض من المجتمع، نجد العائلة الثرية التي قد تبدو حياتها مثالية وقد يبدو أفرادها سُذّجًا وطيبين ولكن سرعان ما تتجلى حقيقتهم بعيوبها وبشاعتها حين يبدأ ربّ الأسرة الحديث عن رائحة عفنة تصدر من الأب الفقير، الذي عيّنه سائقا خاصا. وبالنسبة للرجل الثري، لا يعنيه مدى إتقان السائق لعمله، ولا يهم مدى رضاه عن تصرفاته وأسلوب حديثه، طالما أن هذه الرائحة تنبعث منه، وهو ما لخّص غطرسة الطبقة "الراقية" وعنجهيّتها في الفيلم.

من خلال توظيف الكوميديا السوداء، يصوّر لنا الفيلم الصراع الطبقي داخل المجتمع الرأسمالي في أبهى تجليّاته والذي لا يقتصر على كوريا الجنوبية أو الدول الغربية فحسب، بل نجده في العالم أجمع، ما يفسر كسر الفيلم لحاجز اللغة وتجاوزه حدود الوطن لبلوغ العالمية. وبفضل عبقرية مخرجه، يقدّم «Parasite» مادة لا يستعصي فهمها على الجمهور بمختلف فئاته، كما يدفعهم للتساؤل، وربما يسبب لهم الحيرة؛ فهل ينبغي لهم التعاطف مع العائلة الفقيرة أم الغنية، أم الاثنين معًا، أو ربما الشعور بالازدراء تجاه الاثنين أيضًا؟ ومن هو الطفيلي حقا؟ الفقير الذي يعيش من خلال خدمة الغنيّ؟ أم الغنيّ الذي لا يستطيع الاستغناء عن الفقير ليعيش حياة مُترفة؟



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق