سعيه لحسم الصراع الداخلي بشأن هويّة "إسرائيل"، بالانتصار للهويّة القومية اليهودية المحافظة والصراع الخارجي في مقابل الفلسطينيين، عبر ترسيخ الاستعمار على كلّ متر ممكن في الأراضي المحتلة والعمل على حسم المسألة الفلسطينية من خلال سحقها.
تحويل العالم إلى قرية كونيّة مفتوحة من جهة، وتصاعد الخوف على الهويّة والقِيم الوطنية من جهة أخرى، وبموازاة الآثار المدمّرة لتوحّش النيوليبرالية، وتقاطع ذلك مع هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، ولاحقاً الهجرة من الدول الإسلامية والعربية إلى الدول الغربية، كعوامل مركزية في صعود قوّة أقصى اليمين الجديد.
خلق التحالفات الدولية لنزع شرعية النضال الفلسطيني من خلال وصمه بـ"الإرهاب" ومعاداة السامية والرجعية المرتبطة بصراع العالم الحرّ، وتحويله إلى مركّب إضافي في الصراع مع التطرّف الإسلامي.
تشكّل "إسرائيل"، كدولة يهودية إثنوقراطية، نموذجاً متحقّقاً لفنتازيا أقصى اليمين العالمي (الأوروبي) الجديد وأيديولوجيا القومية الأهلية التي يحملها، فيها ومن خلالها تتماهى "الدولة" مع الجماعة الإثنية؛ وفي سياقها تتحوّل مؤسسات "الدولة" والميليشيات الاستيطانية المسلّحة التي تعمل تحت غطاء شرعي من "الدولة" والأحزاب الرسمية إلى تشكيل واحد في مواجهة السكّان الأصليين. ويشكّل مثال الاستيطان الرعوي وإقامة البؤر الاستيطانية (في فلسطين) نموذجاً عن هذا التداخل.
الصهيونية المؤسّسة التي انطوت على بذور التطرّف والأصولية بمجرّد ارتكازها على علمنة الدين وتحويل القصص التوراتية إلى خطة عمل، مُعتقدة أنها يمكن أن تسيطر على ديناميّتها والتحكّم الدائم في وجهتها وفق حساباتها. فكرني بموسي بن ميمون المشكلة الكبري
زعزعت التحوّلات الديمغرافية الاجتماعية التي نتجت بعد هجرات "الشرقيين" ونسب الولادة العالية بين الحريديين وتشكّل المستوطنين، معاً، هيمنة المؤسّسين، وأدّت إلى إقامة تحالف المهمّشين بين الليكود والشرقيين وصولاً إلى إطاحة حكم مباي (حزب "عمّال أرض إسرائيل") في عام 1977. ومنذ هذا الانقلاب واليمين يحكم إسرائيل بشكل شبه مستمر، باستثناء فترات قصيرة.
دفع احتلال الأراضي، التي تشكّل، وفق المخيال الديني، لب "أرض إسرائيل التوراتية"، في عام 1967، إلى الواجهة الجماعات الدينية القومية اليمينية من أتباع الحاخام (أبراهام) كوك، والتي عدّت المشروع الصهيوني غير مكتمل من دون استكماله عبر استيطان "أرض اسرائيل الكاملة"؛ وهي فرّخت تيّارات جديدة على رأسها الحردليّة، التي تجمع بين التزمّت الديني والقومي وتدفع في اتجاه استرجاع المملكة وإقامة "دولة شريعة يهودية".
مع الوقت، وبسبب خطاب اليمين الجديد المعادي لمؤسّسات "الدولة" وتأكّل قِيم الدولاتية، تعمّق الصراع والاستقطاب الداخلي، والذي وصل ذروته مع إقامة حكومة بنيامين نتنياهو السادسة (مطلع العام 2023) من أقصى اليمين الجديد الاستيطاني والكهاني والحريدي والشعبوي، وطرح مشروع الإصلاح القضائي لـ"وزير العدل" ياريف ليفين.
مشروعها الأيديولوجي القومي هو الصالح العام، ويُعبّر عن رغبات الشعب اليهودي وتطلعاته في "إسرائيل".
الحردليّة ترفض، من حيث المبدأ، واستناداً إلى أيديولوجيتها التوراتية المتطرّفة، قيام "كيان" سياسي لغير اليهود فوق "أرض إسرائيل"! مسلسل ان ارثودكس
بشأن "اليمين الجديد والتيّار الإفنجيلي"، يشير الصحافي والمترجِم علاء سلامة إلى نجاح التيّار الإفنجيلي في أن يكون مؤثّراً أساسياً في السياسة الأميركية الخارجية
الإفنجيليين (المسيحيين الأصوليين) ميدان معركة بين الخير والشر، لا مكان فيها للوقوف على الحياد، ولا أمل فيها للسلام. ومن أجل هذه المعركة، عمل الإفنجيليون على مدى عقود كي تشكّل أميركا و"إسرائيل" جبهة واحدة، دائماً.
الإفنجيليين الأميركيين، كان "الانتصار المعجزة" على الجيوش العربية في حرب عام 1967 دليلاً على أن "يد الربّ" كانت فاعلة في أرض المعركة لمصلحة "إسرائيل"، وأن الربّ بدأ، إذاً، تسيير العالم بخطوات واسعة نحو هرمجدون (المعركة الأخيرة بين الله والحكومات البشرية أو بين قوى الخير وقوى الشر).
والمثير أن التناقض بين هؤلاء الإفنجيليين، الذين يعتقدون بضرورة تنصير اليهود من أجل تيسير عودة المسيح، وبين الصهيونيين اليهود وغير اليهود، لم يُترجَم في أرض الواقع إلاّ دعماً لـ"إسرائيل" والصهيونية، وهو ما يجد فيه اليمين الإسرائيلي الجديد منفعة تسمح له بالتغاضي عن الأفكار الإفنجيلية التي تستعدي اليهود وتعاملهم كأدوات في سبيل تحقيق النبوءة.
عنوان "الحريديم: من الهامش السياسي إلى عُقر اليمين الاستيطاني"
ويجيب الباحث عن سؤال بشأن إلزامية تبنّي الحريديم للفكرة الصهيونية على خلفية تفاعلهم النشط مع اليمين الاستيطاني، بالنفي، مع تمسّكهم بما جاء في التوراة، ومفادها أن "مملكة إسرائيل" ستُقام حينما يأتي المسيح لأول مرّة إلى العالم. وتبنّيهم الفكرة الصهيونية سيعني بالضرورة سحب بساط القاعدة الدينية التي يقفون عليها ويتمسّكون بها، وهي أساس وجودهم وأساس معتقداتهم.
الجدل بشأن هويّة "إسرائيل" بين المكوّنات السياسية والدينية المتنازعة سبق سنّ قانون القومية في تموز/ يوليو 2018، والذي أغلق الباب على أي مبادرات إصلاحية (أو تجميلية)، مثل تلك التي طرحها رئيس الكيان السابق، رؤوفين ريفلين، في عام 2015، وعدّ في سياقها المواطنين العرب "أحد الأسباط الأربعة" في هذا الكيان.
"إسرائيل" قوت وجودها من الأيديولوجيا الصهيونية، وستظل كذلك على نحوٍ دائمٍ وحيوي، وأنه لا يمكن القفز عن الصهيونية، لا في واقع "إسرائيل" الحالي ولا في مستقبلها، حتى لو لم يُكثر الإسرائيليون الكلام على الصهيونية.
*
روح عنصرية ضد غير البيض وغير البروتستانت
تشابه بين حركة ترامب واليمين الأوروبي: يشير إلى أن حركة ترامب تشبه إلى حد كبير حركات اليمين في أوروبا، والتي تجتاح القارة بسبب انهيار أحزاب الوسط واليسار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق