الثلاثاء، 10 يونيو 2025

حلم الإنسان في السلام الدائم الذي كان فكر الفلاسفة مثل إيمانويل كانط في القرن الثامن عشر يروّج له ويعتبره هدفًا إنسانياً سامياً.

كتاب "السلام محنةٌ" الصادر حديثاً عن منشورات سيرف عام 2025، للباحث والكاهن اليسوعي الفرنسي بول فالادييه، أستاذ الفلسفة

يرى أستاذ الفلسفة أن هذه الحروب والصراعات لم تعد مجرد مواجهات عسكرية، بل تحطم الروابط الاجتماعية والثقافية بين الشعوب، وتقسّم الصفوف داخل المجتمعات الواحدة، وتبني حواجز بين الأديان والثقافات، حتى في زمن العولمة الذي كان يفترض به أن يوطد وحدة الإنسان ويقرب بين مختلف الشعوب والثقافات، إلا أنه، على العكس، حمل معه بذور التشرذم والانقسام، وأصبح منبرًا جديدًا لنشر النزاعات والانقسامات.

يستعرض الكتاب تاريخ مشروع الاتحاد الأوروبي الذي أطلقه روبرت شومان وألتيشيده دي غاسبري وكونراد أديناور بعد الحربين العالميتين من أجل إخماد نيران الحرب وإرساء رابطة متينة بين الدول الأوروبية، التي طالما عانت من الحروب والصراعات المستمرة. ويرى أن هؤلاء القادة السياسيين الخلّاقين كانوا يدركون أن القومية المتطرفة لا تُروَّض بالعنف والقمع، بل عبر بناء رؤية مشتركة تُشرك الشعوب وتفتح أمامها آفاق التعاون والتكامل. فقد كانت مبادئهم تنطلق من مبدأ التفاهم المشترك والتعايش بدلاً من اجترار الأحقاد القديمة. وبهذا المنطق، أرادوا تأسيس مستقبل يسوده السلام والاستقرار عبر تجاوز مآسي الماضي.

 الحروب الحاصلة في العالم هي حروب كلمات

رؤية فالادييه، لم تعد الحروب تقتصر على المواجهات العسكرية فقط، بل أصبحت "حروب كلمات"، حيث فقدت الكلمة مكانتها كصلة تواصل بين البشر، وأصبح العنف والسلاح هو المتحدث الأول

  • فقدان الكلمة لدورها التواصل: لم تعد اللغة جسرًا للتفاهم، بل أداةً للصراع والتلاعب.

  • العنف كـ"لغة أولى": أصبح العنف (المادي أو الرمزي) هو الوسيلة الأكثر تأثيرًا في فرض الآراء والسيطرة.

  • تكتيكات الحرب الجديدة: تشمل التضليل الإعلامي، الاختراق الرقمي، حروب البيانات، والهندسة الاجتماعية لزعزعة الاستقرار.

2. مفهوم "السلام الهجين" (Hybrid Peace)

يشير إلى حالة لا حرب ولا سلام، بل توتر ديناميكي تُستخدم فيه أدوات غير تقليدية، مثل:

  • الحروب السيبرانية: اختراق البنى التحتية الحيوية (مستشفيات، بنوك، شبكات اتصال).

  • الحروب النفسية: نشر الشائعات لتفكيك التماسك الاجتماعي (مثل تدخلات روسيا في الانتخابات الأمريكية).

  • حروب الوكالة: دعم جماعات مسلحة أو حركات انفصالية بشكل غير مباشر.

  • استهداف الأفراد: مراقبة الخصوم عبر التكنولوجيا (برامج تجسس مثل بيغاسوس).

اليمين المتطرف
  • استغلال الخوف: تُغذي الأزمات الاقتصادية/الاجتماعية (مثل الهجرة الجماعية) خطاب الكراهية.

  • رفض التعددية: يقدم اليمين المتطرف نفسه كـ"حامٍ للهوية" ضد التهديدات الوهمية أو المبالغ فيها.

  • العنف الرمزي: تحويل الخطاب السياسي إلى هجوم دائم (مثل شيطنة الخصوم أو توصيفهم بـ"أعداء الشعب").


 جوهر الأديان هو "دين" بمعناه اللاتيني (re-ligare)، أي الرابط الذي يوحد الناس، ويسعى إلى تحقيق سلام النفس وطمأنينة القلب، ويفتح الإنسان على مطلق يعطي معنى لوجوده. هذا السلام الداخلي هو أساس السلام الخارجي بين الناس. غير أنه يتساءل: هل لا تزال الأديان تلعب هذا الدور في عالمنا اليوم؟

بعض التيارات الدينية المتطرفة تساهم في تأجيج العنف والصراعات، مثل الأصولية الإسلاموية التي تدعو إلى الجهاد كحرب مقدسة، والهندوسية القومية المتطرفة "الهندوتفا"، والصراعات البوذية في ميانمار ضد الروهينغيا، والصهيونية المتطرفة في إسرائيل، فضلاً عن الصراعات الطائفية في إيرلندا ويوغوسلافيا وروسيا. ويُبرز أن هذه التيارات الراديكالية تبرر العنف باسم الدين، مما يؤدي إلى تفاقم العداوات، ويهدد سلام المجتمعات نفسها. لكنه يؤكد أن هذه "الهمجيات" لا تمثل جوهر الأديان ولا أغلبية المؤمنين الذين يسعون إلى السلام والتعايش.

المسلمين الذين يعانون من وصمة التطرّف بسبب أفعال الأقلية المتشددة، رغم أن الأغلبية ترغب في حياة سلمية.

يطرح فالادييه مفهوم "السلام الهش" الذي ينبثق من هذه التوترات الدينية والسياسية والاجتماعية. ولا يخفي نقده للكنيسة الكاثوليكية نفسها، التي في بعض الحالات ساعدت على قيام قوميات أدت إلى صراعات، أو تواطأت مع أنظمة ديكتاتورية قمعية.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق