Jul 5, 2019
لا تنتصر في كل المعارك بعضها يستحق الخسارة..
صدام فكري مع أصحاب المذاهب التقليدية المحافظة التي تقدم النقل على ما سواه، وترى الالتزام بحرفية النص الشرعي، كما ظهر في هذا المناخ فريق وسط، عمل على التوافق بين العقل والنقل، واعتبر أنه لا خلاف بين الاثنين
المدرسة الاعتزالية
شرح الأصول الخمسة وهي:
الأصل الأول: التوحيد.
الأصل الثاني: العدل.
الأصل الثالث: الوعد والوعيد.
الأصل الرابع: المنزلة بين المنزلتين.
الأصل الخامس: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وامتدت هذه المباحث من مسائل العقيدة إلى أبواب الفقه، التي غلب عليها المنهج العقلي الذي يعتمد على الأقيسة العقلية،
الاتجاه السلفي التقليدي
*
"فمن الذي ينكر أن في تراثنا الفكري والثقافي مدرسة متميز أعلت من قدر العقل، وقدمت ثمار تفكيره الناضج على "قدسية" النصوص، وهي مدرسة المعتزلة، أهل العدل والتوحيد؟. وإننا إذا شئنا أن نقدم لأجيالنا الحاضرة والمستقبلة تراثا يمجد العقل، ويؤصل فكرنا العقلي المتقدم، ويشيع في صفوفنا مناخا يساعد على ازدهار التفكير العلمي، فلابد لنا من البحث عن البقايا التي تركها الزمن وخلفتها أحداثه من تراث أهل العدل والتوحيد، وإحياء هذه الآثار ونشرها بين الناس
*
جناية النقل على العقل
يمكن تصور التاريخ العقلي للمسلمين على امتداد أربعة عشر قرنا؛ بوصفه ـ من حيث الإجمال ـ تاريخَ سيادة الوعي النقلي/ الأثري على الوعي العقلي. الاستثناءات العابرة المستفزة لهذا الوعي السائد لا تلغي هذا الحكم العام. والتاريخ/ تاريخنا الذي كانت مساراته تتحدد بقوة الانعطافات الجماهيرية التي تضطر السياسات النخبوية لمجاراتها، يشهد بأن "المنقول/ المحكي عن سلف ما"، هو الذي كان يشكل وعي هذه الجماهير، ومن ثم يرسم معالم حركة التاريخ لأمة الإسلام على اختلاف وتباين الظرف التاريخي وتنوع المعطى الجغرافي.
على امتداد تاريخنا الطويل، كان "النقل" ينتصر على "العقل" في كل معاركه التي يراهن فيها على التحولات الحاسمة في وعي الجماهير. صحيح أن المدرسة الاعتزالية/ العقلية شهدت نوعا من الازدهار في مرحلة الانفتاح الثقافي النسبي في العصر العباسي الأول، وصحيح أيضا أنها بدأت تأخذ طريقها إلى الوعي الجماهيري المثقف آنذاك، لكنها سرعان ما انحسرت، وبدا انحسارها واضحا/ مفصليا في محطتين: الأولى كانت الانقلاب المتوكلي الذي بدأ سنة232هـ على يد الخليفة العباسي المتوكل، والثانية كانت 433هـ بصدور "الاعتقاد القادري" الذي قرّر به الخليفة حيثيات العقيدة الرسمية التي تجرّم الاعتزال.
الحرب في الأخير حُسمت لصالح التيار النقلي التقليدي بفعل عوامل كثيرة؛ لم يكن العامل السياسي هو الوحيد فيها، وربما لم يكن هو الحاسم دائما، بل الأقرب أن انتصار النقل على العقل كانت نتيجة غير مباشرة للمواضعات الفكرية التي بدأت تتحكم في معادلات الواقع؛ بدليل أن التشيّع كان مجرما مع الاعتزال في كل من الانقلابين: الانقلاب المتوكلي والاعتقاد القادري، ومع هذا ازدهر ولم ينحسر، بل تأسست له دولة كبرى أوائل القرن السادس عشر الميلادي؛ ربما لأنه كان ينتمي إلى ذات المزاج النقلي السائد في العالم الإسلامي، المزاج الذي أصبح هو منطق التدين العام.
*
بين العقل والنقل || د.محمد راتب النابلسي
المعقول الصـريح الذي يشترك فيه جميع العقلاء المقابل للسفه والجنون، وإنما المقصود بالعقل هنا النشاط الذهني الذي ينبني على الاستنتاجات التي هي محل خلاف بين العقلاء
النقل فيشمل القرآن والسنة وإجماع الصحابة الذي يستند إليهما أو لأحدهما، ولا يمتد بحال إلى اجتهادات الأئمة التي هي من قبيل الاستدلالات بالمنقول. فتلك الاجتهادات وإن كانت تدخل ضمن المعنى اللغوي للنقل باعتبارها منقولة إلينا عن أسلافنا ولكنها لا تدخل ضمن المعنى الاصطلاحي للنقل وهو المقصود بالبحث في هذه المسألة.
بعد فهم المقصود الحقيقي من النقل -القرآن والسنة والإجماع- وكذا العقل-أراء الرجال المرتبطة بمستوى معرفتهم وفهمهم- وانكشاف زيف الألفاظ البراقة مثل الحرية والتقدم والمدنية نأتي لتحرير موضع النزاع الحقيقي وهو لمن تكون السيادة والسيطرة -بحسب تعبيرهم – للنقل أم للعقل، للشرع أم لأراء الرجال، لله أم لقيصر؟!
لكن أليس العقل هو الأداة التي يفهم بها النص؟ أقول: بلى.. وهل يخالف أحد في أن العقل هو مناط التكليف وأن الشرع لا يخاطب المجانين؟ العقل بهذا المعنى ليس هو موضع النزاع، إن حقيقة النزاع حول ما يصدر عن العقل من أراء، هل تكون لهذه الآراء السيادة والسيطرة على المفهوم قطعًا أو ظنًا راجحًا من أدلة الكتاب والسنة؟ أو بعبارة أخرى هل يقدم المعقول غير الصريح على نصوص -بالمعنى الاصطلاحي- وظواهر أدلة الشرع المنقول؟!
العقل ليس بشارع؛ لأنه لا حكم إلا لله تعالى، حتى هؤلاء المعتزلة الذين جعلوا للعقل دورًا في تقرير بعض الأحكام قد اتفقوا على أن العقل كاشف عن الحكم الشرعي وليس بمنشئ له.
التشريع المنزل المحكم المجمع على دلالته إنما كان يناسب الزمان الذي نزل فيه ولابد من إعطاء العقل الحرية ليكمل الطريق. وكما قلنا أن فصل الدين عن الدولة الذي ينادي به العلمانيون بلا خجل يتأسس على السيادة المطلقة للعقل أو الإنسان أو الأمة، فالمضمون واحد وإن تعددت العبارات الدالة عليه.
السيادة على هذا النحو لم تكن موضع نزاع في الفكر الإسلامي
ما أثبت في هذه القضية من تفرد الشرع بالسيادة لم ينازع فيه حتى كبار الحقوقيين من غير المتخصصين في الدراسات الشرعية، لأنه كما سبق موضع إجماع الأمة قاطبة.
الدكتور عبد الرزاق السنهوري في كتابه "فقه الخلافة وتطورها": "روح التشريع الإسلامي تفترض أن السيادة بمعنى السلطة غير المحدودة لا يملكها أحد من البشـر، فكل سلطة إنسانية محدودة بالحدود التي فرضها الله، فهو وحده صاحب السيادة العليا ومالك الملك، وإرادته هي شريعتنا التي لها السيادة في المجتمع، ومصدرها والتعبير عنها هو كلام الله المنزل في القرآن وسنة رسوله المعصوم الملهم، ثم إجماع الأمة".
*
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق