الجمعة، 26 نوفمبر 2021

"سياسة الإذلال" كيف تحطّم الجماعةُ الفردَ المختلف

 كما يُمارَس الإذلال من شخص قوي صاحب سلطة على شخصٍ ضعيفٍ وخاضع، إذ تتكثف في مفهوم الإذلال أشكال علاقة السيد/ التابع كافةً؛ الرجل/ المرأة، الأب/ الابن، الدولة/ المجتمع، وأخيراً بين الدول المنتصرة والمهزومة في الحرب، ما يتجسّد في الاتفاقات التي تلي الحروب. وتذكر الباحثة: "الذي يجعل الخزي شيئاً بغيضاً… الإدراك المؤلم لسلطة وقوة الفضح العلني، وهو موقف لا يمكن التخلّص من آثاره، فهو يدخل تحت الجلد، ويظلّ هناك داخل جسد من تعرّض للخزي". 

من كان يخرج عن عُرف الجماعات يوصم بالعار، فالإذلال العلني هو سلاح سلطة الجماعة لتحطيم الفرد المختلف. 

 فالجيش مؤسسة للتربية العسكرية، وغاية الإجراءات التأديبية الحفاظ على النظام وعلى الروح القتالية للجنود. 

*Aug 3, 2021

تاريخيّة الإذلال والخزي.. من المدرسة إلى الإنترنت

ما زالت المؤسسات العقابية تتمتّع بقدرٍ عال من العقاب العلني المُذل والمُخزي للسجناء والمعتقلين والموقوفين

الإذلال العلني بمُمارساته المُتعددة، دورا هاما في بناء المُجتمعات وتحوّلاتها، بل والسيطرة عليها وإخضاعها، وإعادة إنتاج ذوات نفسيّة وأجسادٍ اجتماعيّة مُطيعة لكلّ ما تفعله السلطة.

الذل هو شعور يُصيب الإنسان عندما يتعرّض إلى مهانةٍ معيّنة، تتعدد أشكال تلك المهانة من السبّ إلى الضرب أو العنف الممارس بشكلٍ عام، سواء كان عنفا ملموسا على الجسد أو عنفا معنويا بشكلٍ أو بآخر، يتحول هذا الذل إلى خزي عندما تحدث الإهانة بشكلٍ علني، هذا الخزي يصاحب الإنسان لفترةٍ من الزمن، وسط اجتماعات وبيئات بعيّنها، وأحيانا يتخلّص من ذلك الخزي عن طريق الانتحار. 

جُلّ العقوبات في المدارس تتم في العلن، ليتحول العقاب هنا في بعض حالاته إلى خزيٍ.

أشهر عقوبة مدرسية، وهي الوقوف متذنّبا في زاوية الجدران.

 أهمّية شبكات الإنترنت والتواصل الاجتماعي يوما بعد يوم، ليصبح بعد ذلك فضاء افتراضيا وواقعيا لمُمارسة العقاب العلني.

الشرائع الدينية تقر العقاب العلني من السلطة على مرتكبي الأفعال المُحرّمة مثل الزنا والسرقة. أما في المجتمعات التي لا تقرّ، فهي تمارس الخزي العلني بطريقة أو بأُخرى. عام 2010، عندما صفعت الشرطية التونسية بائع الخضار البوعزيزي على وجهه في الفضاء العام، جلب هذا له شعورا بالخزي ما اضطره للانتحار كنوعٍ من التمرّد والثورة على اضطهاده من قِبل السلطة.

من ضمن أسباب اندلاع ثورة يناير في مصر، تسريب عدة مقاطع مصوّرة داخل مراكز شرطيّة يقوم فيها الضباط بإذلال وضرب المواطنين، إذ خرج ذلك التعذيب من حيز المبنى الشرطيّ إلى العلن، فأصبح خزيّا جماعيا بالنسبة لفئاتٍ عدة، قد تعرضوا لهذا الفعل من قبل أو شعروا بواجب الثورة واسترداد كرامة الشخص المُذَل علنيا. 

يعدّ العنف الجنسي متمثلا في الاغتصاب والتحرّش نوعا من الخزي لأصحابه، تستخدمه السلطات لفرض هيمنتهم على الفضاء العام، كما حدث تكرارا في حروبٍ كثيرة، مثل نساء برلين المُغتصبات في نهاية الحرب العالمية الثانية من الحلفاء المُنتصرين، كذلك في حرب البوسنة والصرب منتصف تسعينيات القرن الماضي، اغتصبت النساء البوسنيّات من جنود الصرب، ليبقى ذكرى وشعور الخزي مع الآلاف من أبناء وبنات ألمانيا والبوسنة، بشأن ذلك العنف الجماعي المُمارس من قبل سلطة الحرب.

يلعب مفهوم الكرامة الإنسانية لدى المُجتمع بصفته الفردانيّة في علاقته مع السلطة دورا مُهمّا نحو مقاومة الإذلال والخزي كسياسة سُلطويّة، فكلما كان الإنسان مُدركا لمعنى الإذلال وممارساته، كلما استطاع بشكلٍ أو بآخر مقاومته.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق