النظام السياسى الذى أقامته لبنان منذ الأربعينيات من القرن الماضى والقائم على «المحاصصة الطائفية»، لم يعد ممكنا له الاستمرار دون ثمن فادح من الخسائر، فيما يخص لبنان، وقدر هائل من عدم الاستقرار والتطرف والإرهاب بالنسبة للمنطقة.
الشائع عن النظام السياسى اللبنانى أنه قائم على توزيع السلطات فى الدولة بين الطوائف، فالرئاسة للموارنة المسيحيين، ورئاسة الوزارة للسنة، وقيادة البرلمان للشيعة. وفى وقت ما اعتبر بعض علماء السياسة أن ذلك يعنى نوعا من «الديمقراطية التوافقية أو Consociational Democracy» التى تكفل التوازن والأثقال المضادة، وجذورها توجد فى دول تعددت شخصيات مكوناتها فى هولندا وبلجيكا وماليزيا، وفى دول اختلفت مقوماتها الطائفية اختلافا عميقا ولكن نخبها رأت النجاة فى التوافق على توزيع السلطة.
*
القبلية والديمقراطية والمغالبة
في المجتمعات التي تسود فيها العلاقات العصبوية اجتماعية كانت أم دينية، تتحول قواعد اللعبة الديمقراطية إلى قانون يشرعن ويجذر المحاصصة بين العصبيات على حساب مفهوم المصلحة العامة والمفهوم الديمقراطي لمعنى الأغلبية والأكثرية.
ليس هناك خلاف حول أن الديمقراطية بمعناها الحديث، هي وليدة علاقات اقتصادية واجتماعية تمثلت في تطور طبقة اجتماعية، هي طبقة البورجوازية التي خرجت من رحم مجتمع كانت علاقاته يؤطرها الدين والقرابة والتراتبية الاجتماعية، فكانت الديمقراطية بما تعنيه من حرية سياسية ومساواة هي الوجه السياسي للبنية الاقتصادية الرأسمالية، التي كانت خلف تشكل هذه الطبقة. فالديمقراطية تمثل الوجه السياسي للدولة الليبرالية التي ترتبط في جوهرها بمرحلة تاريخية شهدت نظام طبقة معينة هي البورجوازية.
الديمقراطية بمفهومها السياسي لا تستطيع أن تحكم العلاقة السياسية في مجتمع تقوم علاقاته على أساس التراتبية الاجتماعية، التي تعنى اللا مساواة أو أساس مفهوم القرابة الذي يعنى العصبة الاجتماعية، ولهذا فإن محاولات تبييئة الديمقراطية في مجتمعات تقوم فيها العلاقات على أساس الترابط العصبوى أوالتراتبية الاجتماعية، بدلا من التقارب الطبقي والفئوي، تلاقي من احتمالات الفشل أكثر من احتمالات النجاح.فلا يكفي رفع شعارات من قبيل، شعب، ديمقراطية، اقتراع عام، لكي يكون هناك محتوى يتناسب معها بالضرورة.
.اولا: يخرج مفهوم الأكثرية والأقلية عن معناه الحقيقي عندما يصطدم بمفهوم القبيلة، لأن ما يجرى أثناء عملية الاقتراع أو الانتخاب ليس تنافسا بين وجهات نظر سياسية، بل صراع عصبوي قبلي تحسمه الأكثرية القبلية بفضل تآزر أبناء القبيلة الأكثر عددا وليس بفضل البرنامج أو الأطروحة الأفضل من وجهة نظر المصلحة العامة وإنما من وجهة نظر مصلحة القبيلة، وفي هذه الحالة يصبح فوز الأكثرية لا يعدو كونه هزيمة قبيلة لقبيلة أخرى وانتصارا لمصلحة القبيلة الفائزة على حساب القبيلة الخاسرة. وعندئذ يخرج مفهوم الأكثرية والأقلية عن معناه كآلية ديمقراطية وظيفتها تبيان الإرادة العامة عند اختلاف الآراء.
تمحور القبيلة حول نفسها فلا ترى في فوز الأكثرية انتصارا للإرادة العامة بقدر ما هو هزيمة نكراء من قبل خصم هو الآخر لا يعتبر فوزه انتصارا للإرادة العامة بل لأبناء القبيلة.
ثانيا: يختلف مفهوم الائتلاف السياسي عن الائتلاف القبلي، فالائتلاف السياسي ينطلق من تقارب بين أطروحات وبرامج انتخابية تعكس رؤية وطنية بصرف النظر عن صوابها من خطئها، هذه الرؤية تتضمن ما تعتبره هذه الأحزاب المؤتلفة حلولا اقتصادية وسياسية اجتماعية لإشكاليات وقضايا مجتمعية تمتد على اتساع رقعة الوطن، بينما الائتلاف القبلي الذي يتم تحت مظلة انتخابات ديمقراطية هو عبارة عن اتفاق وتآزر بين قبيلتين أو أكثر في مواجهة خصم قبلي آخر قد يكون هو أيضا ائتلافا قبليا، ولا ينطلق هذا الائتلاف من رؤية وطنية شاملة لإيجاد حلول للقضايا الاقتصادية والسياسية- الاجتماعية التي يواجهها المجتمع ( رغم انه قد تحاول القيادات النخبوية في هذه العصبيات أن تتغطى ببعض الشعارات والأطروحات الوطنية لإخفاء حقيقة أهدافها وتوجهاتها العصبوية، وهذا ما كان يفعله أعوان القذافي من القيادات الشعبية أثناء التصعيدات تحت شعارات من قبيل السلطة الشعبية والمجتمع الجماهيري).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق