الأحد، 21 نوفمبر 2021

الإبادة الثقافية.. كيف تمحو أمة كاملة قبل إطلاق رصاصة واحدة؟

 الإبادة الثقافية هنا ليست على طراز "العولمة الأميركية" في صورتها الحديثة في هذا العصر، كمطاعم الوجبات السريعة أو نشر الثقافة الأميركية في مجتمعات لا تُشبهها، فالأمر هنا يصل إلى التدمير الفعلي للمعتقدات والأفكار والنسق المجتمعي للأقليات بالقوة، بغرض تفتيت النسيج المجتمعي والوصول إلى حالة الخضوع الكامل أو التهجير والتطهير العِرقي.

وعلى الرغم من أن الإبادة الثقافية حالة تحدث وتكرّرت تاريخيا، لا تخضع للكثير من التناول تحت وطأة الإبادات العسكرية والمواجهات المسلحة، فإن العديد من الدراسات الحية التي أخذت بُعدا جغرافيا واسعا 

كتاب "الإبادة الثقافية" لمؤلفه لورنس دافيدسون الذي طبعته دار "العبيكان" وترجمته: الأستاذة منار إبراهيم الشهابي، وخرج في 170 صفحة على 6 فصول، يناقش في البداية الأسس النظرية، ثم الإبادة الثقافية والهنود الأميركيين، ثم روسيا واليهود في القرن التاسع عشر، ثم إسرائيل والفلسطينيين والإبادة الثقافية، ثم قبل الخاتمة يتحدث في الفصل الخامس عن استيعاب الصين للتبت وإدماجهم.

النزعة المحلية والشعبوية العاطفية 

يستعرض الكاتب في الفصول الأولى أزمة النزعة المحلية لدى الكثير من الشعوب، والتي تُشكِّل النواة الأولى لكراهية الأقليات بشكل عام، وذلك بناء على المرجعية المجتمعية أو العقائدية أو الشعبوية، وقد شرحها الكاتب كمقدمة مهمة لتحليل حالة الرفض المجتمعي الكبير للأقليات العِرقية أو الدينية المختلفة عن النمط المجتمعي السائد، فالنزعة المحلية لدى المجتمعات هي النمط الأكثر شيوعا في العالم تقريبا، نزعة رفض التعددية الثقافية والتنوع الثقافي والإثني؛ فالثقافات المجتمعية بطبيعتها تُفضِّل الأنماط المجتمعية المتشابهة في الهيئة والتصرفات واللغة والطعام وأشكال العلاقات الاجتماعية، فهو نمط مريح وأكثر قبولا بالنسبة للكثيرين، لكنه على الرغم من كونه طبيعيا من الناحية النفسية، فإنه يتشبّع في العديد من الأحيان بصورة مضادة لطبيعته المريحة الهادئة.

 كيف كان تحوُّل العلاقة بين الألمان واليهود من التنافر بين عِرق يرى في نفسه السمو عن الجميع وهم الألمان، وبين جنس اعتاد التشرذم على مدى عقود

كيف انطبعت في قلوب وعقول الألمان حتى ظنوا أنها كراهية بمحض إرادتهم الحرة، رغم أنها في الحقيقة لم تحمل سببا منطقيا، بل كراهية بطابع سياسة هتلر العليا وحسب.

حازت هذه اللعبة السياسية على الشق الأكبر من تحركات القوميات الشعبوية حول العالم، حيث شكّلت تلك الأقليات "العدو" الافتراضي الذي تتعارض قيمه وأفكاره مع الصورة المجتمعية المتقلبة بين عموم المجتمع، لكن اللافت للنظر في تلك القصص أنها لا ترتبط دائما بالشعبوية بقدر ارتباطها بحالة رفض كل ما هو مختلف مجتمعيا أو دينيا أو ثقافيا، وهي حالة لا ترتبط بفئة اجتماعية بعينها أو بطائفة معينة، لكنها تُشكِّل جزءا مهما من الوعي المجتمعي لدى الكثيرين حول العالم.

 تاريخ مواجهة الأقليات العِرقية والدينية في مختلف النقاط الجغرافية على الخريطة، لفهم أن حركة الإبادة الثقافية كانت حراكا أقل تكلفة وخطورة من الإبادة الدموية عبر القتل والتهجير، كما أنها تتماشى بشكل كبير مع مطالبات الاندماج الثقافي الذي يطالب به أنصار العولمة، ويمكن رؤيته بشكل واضح في اختبارات الاندماج الثقافي التي تفرضها العديد من الدول كشرط أساسي لمنح الجنسية.

امريكا والهنود الحمر 

الصين والتبت 

الايغور 

*


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق