الاثنين، 22 نوفمبر 2021

الثورة المالية نهاية سيطرة البنوك والحكومات على الاقتصاد العالمي ***********

الوعد الكاذب

النقد هو العُملات المعدنية والورقية، هذا ما قد يخطر على بالك، لكن ما يهمنا هو المعنى الأكثر تجريدا؛ النقد هو المال الذي تدين به الحكومة لك. قديما، كان هذا دَيْنا حقيقيا على الدولة، ولا تزال صيغة الدَّيْن هذه موجودة على عُملات بعض الدول مثل بريطانيا. في عصرنا الحالي، هذا الضمان النظري لحقك تحوَّل إلى ضمانة مجردة، تكفل لحامل العُملة حق استخدامها في عمليات البيع والشراء. على النسق ذاته، تُشير الأرقام في حسابك البنكي إلى ما يدين البنك به لك.

المال عادة ثلاثة أدوار رئيسية في الاقتصاد: أولها أنه مخزن للقيمة، بما يعني أن المال يسمح لك بتأجيل الاستهلاك حتى تاريخ لاحق. وثانيها أنه وحدة حساب، مما يعني أنها تسمح لك بتعيين قيمة لسلع مختلفة دون الحاجة إلى مقارنتها، لذا بدلا من القول إن ساعة رولكس تساوي ستة أبقار، يمكنك فقط أن تقول إنها (أو الأبقار) تُكلِّف 10000 دولار. وأخيرا، هو وسيلة سهلة وفعالة لك وللآخرين لتبادل السلع والخدمات مع بعضكم بعضا.

منع التضخم في النظام النقدي، كان لا بد في البداية من معيار يحكم كمية النقد الذي يمكن لأي دولة أن تصدره تفاديا للتضخم وفقدان الثقة في العملة، وكان هذا المعيار هو الذهب، بمعنى أن أي كمية من العملة تصدرها الدولة ينبغي أن تمتلك غطاء موازيا لها من الذهب في البنوك المركزية، من أجل تفادي انهيار النظام النقدي.

 نعم، لم يكن المعيار الذهبي مثاليا لهذه الحكومات، لكنه على الأقل جعلها تحت المراقبة.
 على جانب آخر، أدَّى التقيد الصارم بالمعيار الذهبي في النهاية إلى تحجيم المعاملات الاقتصادية وانكماش الاقتصاد

المعيار الذهبي لدرجة أنه في عام 1944، حين وقَّعت 44 دولة على اتفاقية بريتون وودز التي قيَّمت جميع العملات الوطنية مقابل الدولار الأميركي وجعلت الدولار العملة الاحتياطية السائدة، فقد ظل الدولار نفسه قابلا للتحويل إلى ذهب بسعر ثابت قدره 35 دولارا للأونصة، لذلك يمكنك التفكير في الأمر على أنه معيار ذهبي جديد، ولكن بشكل غير مباشر. على أي حال، كان نظام بريتون وودز يعمل بشكل لائق حتى عام 1971، وفي ذلك الوقت ارتكب ريتشارد نيكسون أول مخالفة له استوجبت عزله، بعدما وضع الأساس لنظام النقود الورقية الذي نعرفه اليوم. وكان النظام الجديد عبارة عن لعبة ورق تعتمد على الثقة المدعومة باللا شيء، حرفيا لا مجازا.

 عام 1971، قال نيكسون إن الولايات المتحدة سوف تُعلِّق مؤقتا قابلية تحويل الدولار إلى ذهب أو أصول احتياطية أخرى. في النهاية، أصبح هذا التعليق المؤقت دائما، وأنهى أي نوع من الوهم بأن الدولار الأميركي، وبالتالي 43 عملة أخرى، مدعوم بالذهب. منذ ذلك الحين، كان للمال قيمة فقط لأن الاحتياطي الفيدرالي والحكومة الأميركية قالا إنه يمتلك قيمة، لقد كان قطعة من الورق اتفق الناس فيما بينهم على أن لها قيمة معينة. لم يكن من قبيل المصادفة إذن أنْ أفرز ذلك النظام فترات من التضخم المرتفع في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات. حسنا، ما يهمنا الآن أن نعلم أن النقود الورقية، منذ ذلك الحين، لم يكن لها أي قيمة جوهرية في ذاتها. 

لعبة الثقة

لقد تحوَّل النظام المالي العالمي بعد نيكسون إلى لعبة ثقة كبيرة، يتعيَّن فيها على الشعب تصديق وعود الحكومة. لكن الشيء الصادم حقا في هذا الأمر هو أن معظم الأموال المتداولة لم تعد موجودة حقا. نعم، هل تعرف أن مالك الذي تعتقد أنه موجود في حسابك في البنك ليس موجودا بالفعل؟

لقد أُقرضت هذه الأموال للعديد من البنوك، والعملاء الآخرين، والبنوك مسموح لها بالقيام بذلك بسبب نظام الاحتياطي الجزئي، الذي يخبرهم أن عليهم فقط الاحتفاظ بقدر معين من الودائع ويسمح لهم بالتصرُّف بحرية في بقيتها. هذا صحيح، أنت تعطي أموالك للبنك لحفظها، لكنه يستخدمها لأغراض أخرى، وهذا ما يسمى إعادة الترسيب (الترقيم).

ما تأمله البنوك في هذه الحالة هو أن نسبة صغيرة فقط من مستخدميها سوف تسحب أموالها بالفعل. وبالتالي، فإنها تحتفظ بمخزون صغير من النقود لتلبية حاجات السحب. الآن أعلم أنك تفكر أن هذا محفوف بالمخاطر بشكل لا يُصدَّق. ماذا يحدث إذا جاء جميع المودعين وطلبوا أموالهم دفعة واحدة؟ حسنا، ساعتها سنكون دخلنا في حالة تُعرف بـ "الذعر المصرفي"، وفيها لن يكون البنك قادرا على توفير السيولة اللازمة لعملائه.

الأمر المخيف حقا بشأن عمليات الذعر المصرفي هو أن كل بنك مُعرَّض لهذا الخطر، ليس فقط أولئك الذين يفتقرون إلى السيولة، ولكن أيضا أولئك الذين هم في وضع قوي نسبيا. كل ما يحتاج إليه الأمر هو شائعة واحدة لإثارة الذعر. كان الذعر المصرفي شائعا خلال فترة الكساد الكبير، فما إن يسمع الناس عن مواجهة أحد البنوك لمشكلة، حتى يتوافدوا إلى البنوك الأخرى لسحب أموالهم، وهكذا تنتقل المشكلة.

ما أدَّى في الواقع إلى تشكيل مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية (FDIC) في أميركا، حيث كانت الحكومة الفيدرالية ترى أنه إذا ضمنت قدرا معينا من الودائع، فسيشعر الناس بالراحة. الآن، على الرغم من أن هذا قد جلب الاستقرار للذعر البنكي الطاحن، فأنت بحاجة إلى أن تفهم أن المؤسسة تؤمن فقط ما يصل إلى 250000 دولار من الودائع لكل شخص، ولا يزال أولئك الذين لديهم أرصدة أعلى معرضين لخطر الخسارة.

كل هذا لأن البنوك بُنيت على نظام غير مستقر من الاحتياطيات الجزئية

السؤال الأهم، أين تذهب الأموال التي نودعها في البنوك؟ والجواب ببساطة أن النظام يسمح للبنوك بإقراض هذه الأموال لعملائها. 
فيجب الاحتفاظ بـ 5% فقط من ميزانيات البنك في هذه الأموال السائلة، ويمكن إقراض الـ 95% الأخرى. وهذا يعني في الأساس أنه يمكن للبنك أن يقرض 20 ضِعْف المبلغ المحتفظ به في ميزانيته العمومية. يُسمى هذا التأثير المضاعف للنقود (Money multiplier)، ويعني أن الأموال في الاقتصاد يمكن أن تكون مضاعفات عديدة للأموال الموجودة بالفعل في البنك. على أي حال

ولإعطائك فكرة عن مقدار تضخم المعروض النقدي القائم، يمكن أن تتأمل الشكل المرفق الذي يعود إلى عام 2001 ويعرض لتضخم قيمة النقود "M2" و"M3″، مقارنة بـ "M1″، واحد فقط من هذه القضبان هي أموال حقيقية.



جاء الوباء العالمي، ليُقرِّر بنك الاحتياطي الفيدرالي تخفيض نسبة الاحتياطي إلى 0% لجميع البنوك العام الماضي

بعبارة أخرى، أُلغيت أي حاجة إلى الاحتياطيات على الإطلاق. الآن، البنوك ليست مطالبة حقا بالاحتفاظ بالاحتياطيات من أجل تلبية طلبات السحب، فيمكنها بشكل فعال إقراض المبلغ الذي تريده. على جانب آخر، طُبع ما يقرب من خُمس إجمالي المعروض النقدي في الولايات المتحدة في 10 أشهر من العام الماضي. حصيلة 107 عام من تاريخ طباعة بنك الاحتياطي الفيدرالي للنقود طُبع خمسها في أقل من عام. نعم، إنه جنون حقيقي، وبالنظر إلى أن الغالبية العظمى من ذلك المال يعتبر من فئة "M2″، فإن ذلك يعني فعليا نقودا مطبوعة في الفراغ.

الأدهى من ذلك أنهم لا يحاولون إخفاء الأمر، في مقابلة سيئة السمعة مع نيل كاسكاري، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي في مينيابوليس في برنامج 60 دقيقة، أقر بقدرة الفيدرالي على ضخ أموال بلا نهاية أو أي قيود (9)، في حين أكَّد رئيس مجلس محافظي النظام الفيدرالي جيروم باول قيامه بضخ كميات هائلة من المال عن طريق طباعته.

ما الذي يعطي المال الذي تمتلكه قيمة على أية حال؟ قديما كان الناس يتبادلون المال بالذهب، لكن حاليا كل ما تمتلكه هو الثقة في البنك أو الحكومة التي أصدرت هذه العملة، سواء كانت دولارا أو جنيها أو يورو أو غيرها، وهذه الثقة تتآكل مع الوقت. تطبع الحكومات الكثير من الأموال وتتلاعب بالعملة لمنافعها الخاصة ولمنافع المؤسسات التي تُموِّلها، على حساب الشخص العادي مثلك أنت، وهذا بدوره يؤدي إلى موجات طاحنة من التضخم الذي يُرجِّح كفة "الإنفاق" على كفة "الادخار" مما يؤدي إلى زيادة الاستهلاك، ويقود في النهاية إلى كوارث بيئية.

اللا مركزية هي الحل


هنا ظهرت العملات المشفرة بوصفها أحد الحلول الثورية لمواجهة الأزمة.
، البيتكوين على سبيل المثال تمتلك نمطا يشبه الذهب، أي إن لها حدا أقصى للعرض، كما أن كمية صغير جدا من البيتكوين تُولد يوميا، بالإضافة إلى أن كميتها تنخفض إلى النصف كل أربع سنوات، والقاعدة الاقتصادية تنص على أنه كلما كان المعروض قليلا ازداد الطلب، وهذا ما يحدث بالفعل.

blockchain

يحتاج المستهلكون العاديون إلى التعامل مع مجموعة من الوسطاء الماليين للوصول إلى كل شيء، بدءا من قروض السيارات والرهون العقارية إلى تداول الأسهم والسندات. في الولايات المتحدة، تضع الهيئات التنظيمية، مثل الاحتياطي الفيدرالي ولجنة الأوراق المالية والبورصات (SEC)، القواعد الخاصة بعالم المؤسسات المالية المركزية والسمسرة، ويُعدِّل الكونغرس القواعد بمرور الوقت. نتيجة لذلك، هناك عدد قليل من المسارات التي يمكن للمستهلكين الوصول إليها مباشرة من رأس المال والخدمات المالي، في حين لا يمكنهم تجاوز الوسطاء مثل البنوك والبورصات والمقرضين، الذين يكسبون نسبة مئوية من كل معاملة مالية ومصرفية كأرباح.

يتحدَّى التمويل اللا مركزي هذا النظام المالي المركزي من خلال إضعاف الوسطاء، وتمكين الأشخاص العاديين من خلال التبادلات بين الأقران. 

"التمويل اللا مركزي هو تفكيك للتمويل التقليدي. 

اليوم، أنت تضع مدخراتك في حساب توفير عبر الإنترنت وتكسب 0.50% معدل فائدة على أموالك، ثم يستدير البنك ويقرض تلك الأموال لعميل آخر بفائدة 3% ويحصل على ربح 2.5%. مع "DeFi"، يقرض الأشخاص مدخراتهم للآخرين مباشرة، ويكسبون عائدا كاملا بنسبة 3% على أموالهم. قد تقول: "أنا أفعل ذلك بالفعل عندما أرسل أموالا إلى أصدقائي باستخدام "PayPal" أو "Venmo" أو "CashApp""، لكنك لا تفعل. لا يزال يتعيَّن عليك امتلاك بطاقة خصم أو حساب مصرفي مرتبط بهذه التطبيقات لإرسال الأموال، لذلك لا تزال مدفوعات الند للند تعتمد على الوسطاء الماليين المركزيين للعمل.

نهاية البنوك.. والحكومات أيضا


 كتابه "مستقبل النقود" (The Future of money) أن العملات المشفرة ستجلب نظام مدفوعات أرخص وأكثر كفاءة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق