الثلاثاء، 30 نوفمبر 2021

المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة +

Oct 28, 2020

 1. قطاع كبير ممن أدانوا، من دون "ولكن"، ومن دون تبرير للجريمة، قتل المعلم الفرنسي بسبب دروسه لا يرون أن المس المقصود بمقدسات الشعوب الأخرى يُعَدُّ جزءا طبيعيا من حرية التعبير، هذا مع أن بعضهم يرفض المبالغة في رد الفعل عليه ما دام هذا المس يبقى مقصورا على بعض المهووسين الهامشيين، ولأن الحضارات الكبرى الراسخة لا يهزها الكلام. ولكن حتى بالنسبة لمن يصنف هذا المس ضمن حرية التعبير للهوامش القصوى يميز بين ذلك، وبين التشجيع عليه بحجة التضامن مع ضحية قمع حرية التعبير. وما تقوم به الحكومة الفرنسية عمليا هو التشجيع عليه ليصبح العداء للإسلام نوعا من العرف المقبول بحجة التضامن مع حرية التعبير. وهذا مرفوض ومدان.

2. يتكلم ماكرون للفرنسيين في سباق انتخابي مع ماري لابين، ولكنه ينسى أمرين: الأول أن المسلمين يسمعون ما يقول، سيما أنه لا ينتقي مفرداته بعناية حين يتحدث عن الإسلام هكذا ببساطة، ولا يفصل بينه وبين التطرف ولا يبرئ الإسلام من الجرائم التي يقترفها البعض باسمه، بل يعتبر الإسلام في أزمة، والثاني أنه بذلك يسهم في خلق أجواء العداء للمسلمين والأجانب، ما يهيئ المزاج العام المواتي لماري لابين وأمثالها.

3. لم يقل أي رئيس دولة مسلم سواء أكان يعجبنا أم لا أن البوذية في أزمة بسبب الجرائم بحق الروهينغا، ولا حمل أحد القادة العرب الكونفوشية مسؤولية ما يجري للمسلمين الإيغور في الصين (بل بالعكس ملأوا أفواههم ماءً للاسف ولم يدينوا حتى السياسات ذاتها)، ولم نسمع عن رئيس دولة مسلم خرج للحديث عن أزمة في المسيحية حتى بسبب الجرائم التي ترتكب باسمها، ولا أقصد جرائم ارتكبتها دول علمانية ذات أغلبية مسيحية بل جرائم ارتكبت باسم المسيحية.

4. الإسلام دين عظيم يتبعه مليار ونصف المليار إنسان، وتوسم باسمه حضارة كاملة، ولا يجوز الزج باسمه بهذه الخفة عند مكافحة العنف والإرهاب والتطرف. ويجب أيضا ان تفهم الحكومات في الغرب أنه عند غالبية الشعوب تعتبر الديانات مكونا في الهوية للمتدينين وغير المتدينين على حد سواء، وهؤلاء يعادون العنف والتطرف والإرهاب، ويرفضون الرد على الكلام بالقتل، ولكنهم يعتبرون المس بالدين مسا بكرامتهم. كما يجب أن يفهم ماكرون أن حرية التعبير لمهاويس يهوون المس بمقدسات الشعوب الأخرى، لا يعني التسامح مع هذا المس وقبوله بوصفه أمرا عاديا، بل يجب التثقيف ضده، لا التشجيع عليه بحجة التضامن مع حرية التعبير.

إذا كان ثمة ناصحين عرب مسلمين لماكرون فهذه مصيبة.

*Mar 23, 2021

عزمي بشارة.. في تضافر المقاربات من أجل فهم الدولة

"المقاربة الماركسية التي ترى أنّ أصل الدولة يكمن في الحفاظ على المُلكيّة الخاصة، وأن الدولة الحديثة نشأت مع النظام الرأسمالي تحديداً، بوصفها أداةً لتدبير مصالح الطبقة الرأسمالية وقمع الطبقات الأخرى". 

مقابل ذلك، تحصر "المقاربة الليبرالية الحاجة إلى الدولة في الحفاظ على السِّلْم الاجتماعي بوصف التجاوزات على حرية الناس وملكيتهم الخاصة حالاتٍ استثنائية، لأنّ القاعدة أن المجتمع ينظّم نفسه من دون دولة، ومِن ثمّ يجب مقاومة تمدُّد وظائف الدولة وأجهزتها على حساب آليات التنظيم الذاتي للاقتصاد والمجتمع" بحسب تعبير صاحب "أن تكون عربياً في أيامنا".

 التمييز بين الدولة ونظام الحكم، فـ"توصيفات مثل 'ديمقراطية' أو 'شمولية' لا تخصّ الدولة ولكنْ أنظمة الحكم فيها، وحين نتحدّث عن دول رأسمالية أو نامية فنحن نتحدّث عن طبيعة اقتصاد تلك الدول".

 النظام الديمقراطي يُعيد تشكيل مؤسّسات الدولة، كالبرلمان، والحكومة، وجهاز القضاء، لتصبح مؤسّساتٍ ديمقراطيةً، وهو أحد معاني 'دولة ديمقراطية'". ومن ثمّ يستدرك: "لكنّنا نفصل بين المفهومين ــ الدولة والنظام الديمقراطي ــ في هذه الحالة، لكي نتمكّن من فهمِ مركّبِ الدولة الديمقراطية".

لا يمكن تصوّر الدولة من دون نظام سياسي، ومن دون سكّان، ومن دون طبيعة جغرافية، ومن دون منشأ تاريخي. ولكنْ ثمة مؤسّسات بيروقراطية تدخل ضمن أيّ تعريف للدولة. ففي ما عدا المصطلح المجرّد، 'دولة'، الذي يفيد بدلالات مثل السيادة والشرعية، ويمثَّل باسمٍ ورمزٍ وعلَمٍ ونشيد وطني وسرديّة رسمية للتاريخ تتجسد في مناسبات وأعياد وطنية وطقوس، وما إلى ذلك، ثمة مؤسّسات، ثمة كيان للدولة بالمعنى الضيّق. ولكنْ، هل هو من الغِنى والتركيب والسّماكة إلى درجة أنّه يمكن أن يُفسَّر نظرياً، باستقلالٍ عن النُّظم السياسية والمجتمعات؟".

 لماذا تطوّرت الديمقرطية في الغرب ولم تتطوّر عربياً على الرغم من كون الدول العربية نشأت من رحم الأجهزة البيروقرطية الغربية؟ ويرى أن السؤال لا معنى له من زاوية العلوم الاجتماعية، لأنّها تبحث في الظواهر ولا تبحث في غيابها.

ينتقل صاحب كتاب "المجتمع المدني: دراسة نقدية"، بعد ذلك، إلى دراسة التمايز بين الدولة ونظام الحكم بشكل أكثر عمقاً، وهو يعتمد هنا على ضخّ محاضرته بمفاهيم جديدة مثل المواطَنة والبيروقراطية لمقاربة هذا المحور.

"التمييز بين الدولة ونظام الحكم قائم في الحداثة، وأن التماثل الذي تصنعه الديمقراطية بينهما هو تماثل مركّب يتجلّى في وحدة الدولة وتوزيع السلطات. أمّا في الدولة السلطوية، التي يبدو فيها التمايز واضحاً بين الدولة والنظام، فتضعف مؤسّسات الدولة لصالح قوى النظام الحاكم. وفي حالة فرض وحدة الدولة بالقوّة من أعلى، ينشأ احتمال ظهور الشروخ والتصدّعات عند تغيير النظام". 

قدّم المفكر العربي خمسة تعريفات للدولة، أولاً بما هي "سُلطة تَحتَكِر وسائل العنف، ولديها القدرة على ممارسة هذا الاحتكار على إقليمٍ وسكّانه. والتمكّن من احتكار العنف ليس قائماً في مفهوم السلطة ذاته، وشروطه متضمّنة في الحداثة وما وفَّرتْه من التكنولوجيا ووسائل القمع ووسائل التنظيم من تحكم ورقابة". وثانياً باعتبارها "سُلطَة تشريعية لسنّ القوانين السارية، تُدار بموجبها شؤون السكّان الذين أصبحوا مواطنين بتعريفهم بالقانون وخضوعهم للقانون. وقد تكون هذه السُّلطة في يد حُكّامٍ غير منتخبين أو في يد برلمانٍ منتخب".

التعريف الثالث للدولة الذي يقترحه بشارة فهو "سيادةٌ على إقليم محدّد بحدود تُسَمّى حدود الدولة، ويُمارَس فيها احتكار العنف والتشريع". وفي تعريف رابع يقول: "تمارس الدولة السيادة على شعب يقع ضمن حدودها، خاضع لسلطاتها، وتُمثِّلُه السُّلطة رسميّاً أمام الدول الأخرى. فهي دولته. إنّها دولة هذا الشعب بمعانٍ كثيرة".

التعريف الخامس، فيعتبر فيه أن الدولة "جهاز بيروقراطي محترف متخصّص بإدارة الشأن العام بموجب قوانين تنظّم عمله. يمثّل جهاز موظّفي الدولة هذا، على اختلاف دوائرها، جَسَد الدولة المادّي المحسوس في التواصل مع المواطنين". 

 "داعش"، والذي حقّق غالبية شروط تعريف الدولة المشار إليها، أبرزها احتكار العنف والتشريع في إقليم وعلى جماعة سكّانية، كما أنشأ جهازاً بيروقراطياً فاق في نجاعته بعض الدول المعترف بها على الأقل في تحصيل الجباية، فهل يمكن أن يجري تصنيفه علمياً كدولة؟

 "داعش" لم يحظ باعتراف، لأنه أقام كيانه فوق أرض دولة ذات سيادة معترف بها، ولم يصبح عنفه الفائق شرعياً بمجرّد احتكاره، بل لم يتمكّن من استدامة هذا الاحتكار لمدة طويلة حتى يصبح تعبيراً عن السيادة بحيث يتكيّف مع النظام الدولي ويتكيّف النظام الدولي مع وجوده.

 يفصّل بشارة أهمية معطى "الاعتراف الدولي" لاكتمال شرعية الدولة. يقول: "بات الاعتراف الدولي بالسيادة على الإقليم والسكّان ضرورياً" رابطاً هنا بين هذا الاعتراف وكون النظام العالمي هو في النهاية نظام وحدته الدولة، ما يعني أن غياب الاعتراف الدولي يعرّض الكيان الذي يدّعي أنه دولة إلى عدم الاستقرار.

وإنما الحروف الأهلية والفتن التي لم يختلف عن التخويف منها مفكّرو الحداثة الأوروبية مثل هوبز عن مفكّري العصر الوسيط، ومنهم الفقهاء المسلمون حين فضّلوا السلطان الغشوم على فتنة تدوم".

*

 انشغلتُ نظرياً بقضايا فكرية واجتماعية تكتسب أهمية بارزة راهنًا من قبيل: الطائفية، والسلفية، والدين والعلمانية، والمجتمع المدني، وكان البعد التاريخي دائماً حاضراً وكذلك السياق العربي الإسلامي (يمكنك تسميته تراثاً إن شئت) في هذه القضايا المهمة؛ غير أن اشتغالي بالتراث لم يُبعدني عن الواقع كما فعل بالتراثويين.

الدافعين، العقلاني والأخلاقي، هما اللذان دفعاني إلى اقتحام غمار السياسة نفسها، ومن ثمّ دفعتني للاهتمام بالفكر.

لا يزال البحث العلمي عندنا محكوماً بخوف من الانتقادات الشعبوية

 نقد الديمقراطية في الدول التي تعيش في ظل أنظمة حُكم ديمقراطية يختلف تماماً عن نقد الديمقراطية في مجتمع يعيش في ظل الطغيان.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق