يرى الماركسيون أن الدولة هي "ظاهرة اجتماعية" خلقتها عوامل اقتصادية كالإنتاج ، ونشأت في البداية عند ظهور الزراعة واستئناس الحيوانات، هذا صنع ما يسمى "بالفائض" أو القيمة الزائدة عن الاستهلاك في المجتمع البدائي.
كان ظهور الفائض نقطة تحول في تاريخ البشرية، ففي السابق كان يعيش الإنسان على الصيد بدون أي فكرة عن تخزين وبيع وشراء وتبادل من أي نوع، لذا كان الصراع بين البشر محدود فقط على الطعام والجنس كأي حيوان، أما عند ظهور الفائض نشبت خلافات حول توزيعه بطريقة عادلة..خصوصا مع مواسم الجفاف التي جعلت مخزون بعض الجماعات عُرضة للنهب والسطو ، وهنا بدأ التحوّل العقلي الأبرز في وعي الإنسان بمعرفة ماهية العدالة.
فالقرآن المكي مشهور بآيات التسامح، أما المدني بآيات القتال..ولولا المنظور الحنبلي والحديثي القديم باعتبار أن آيات القرآن جميعها قديمة قِدَم الله نفسه لتم حلّ هذه المعضلة في رأيي بكلام المعتزلة الدقيق الذي يرى أن القرآن به محكم ومتشابه، فأما الآيات المحكمة هي التي تتناول أصل الدين والتوحيد والأخلاق بدلالة واحدة، وأما المتشابه فيتناول أحداثا وتشريعات مظروفة زمكانيا، ومن هذا المنظور تم اعتبار تاريخانية هذه الآيات بما اصطلح عليه قديما بخلق القرآن، ولأنها مسألة لازالت شائكة في الفكر الإسلامي فأغلب المثقفين عاكفين عن تناولها مخافة النقد والتكفير والهجوم..رغم إيمان الفقه الإسلامي عموما بتقييد آيات أو تخصيصها وهو سلوك مرادف لقول المعتزلة بالأساس..
+++++++++++++++
حينما يصنعُ الدينُ التغيرَ الاجتماعي
ماكس فيبر
نصيب القيم الدينية في هذا الفعل التحويلي
الماركسيين الثقافة في حسبانهم مجرد انعكاس ميكانيكي للبنية الاقتصادية؛
يعيد الثقافة دورها الجوهري الذي اختزلته النزعات الماركسية في الإيديولوجيا أو البنية الفوقية.
يمثل المنجز الشهير لـ”ماكس فيبر” (1920_1864)، “الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية”مساهمة قوية ورائدة، من الزاوية التي تهم طبيعة التغير الاجتماعي وربطه بما هو فكري وثقافي وديني تحديدا. وهو ينطوي على أطروحة مركزية تجسد صعود الرأسمالية الحديثة بأميركا الشمالية وأجزاء من شمال غرب أوربا فيما بين القرنين الـ16 والـ18، حيث سادت أشكال من المسيحية البروتستانتية
قوة الرابط بين الاقتصاد والدين
إن روح الرأسمالية، جسدتها أخلاق البروتستانت التي تفرض نفسها كواجب على كل فرد، للرفع من رأسماله كغاية في ذاته، وليس لمجرد الانتفاع. أخلاق ترى أن الله قدّر للأشخاص حياة خلاص أو عذاب، ولأن الفرد قلق لجهله بمصيره أسيتمّ إنقاذه أم تعذيبه، فإنه يبحث عن علامات انتقائه ونجاته بالاستثمار في العمل، حيث النجاح والثروة من علامات الانتقاء، فهو مدعوّ إلى العمل بغاية النجاح الإلهي في الأرض، استجابة لأمر إلهي ينتظر منه في هذا العالم وليس خارجه لأنها بقدر ما تتضمن دعوة للاغتناء، تمنع إضاعة الثروة أو الإسراف في التمتع بها.
إن كون كل فرد لوحده أمام الله، يشجع تنامي النزعة الفردانية، ويجعل الإنسان “زاهدا في العالم ممّا يشي بأن للسلوكات الاقتصادية جذورا دينية،
ما يمكن استخلاصه من التصور الفيبري أن معادلة الحداثة واقتصاد السوق والديمقراطية لا يمكن التفكير فيها خارج الدور المركزي للقيم. فإذا كانت الرأسمالية قد أوجدت الثروة فالفضل عائد في ذلك للقيم الثقافية والدينية والبروتستانتية تحديدا، لأنها أرست ملامح العقلانية الاقتصادية والحداثة الديمقراطية من الداخل. بهذا فهو طرح يقلب تصور ماركس كليا حول مفاهيم أساسية كالأيديولوجيا. فإذا كان الدين بالنسبة إلى ماركس مجرد أيديولوجيا، فإنه لدى فيبر يولّد نظاما اقتصاديا واجتماعيا متكاملا، بل بمقدور هذه الأيديولوجيا الدينية ذاتها أن تكون محركا للتغير الاقتصادي والاجتماعي والثقافي المأمول.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق