الأربعاء، 7 يوليو 2021

أحكام الفقهاء لا تصلح لكل زمان ومكان ... فقه جديد

Feb 11, 2019

بضاعة فقهية وتراثية فاسدة تقدم للناس باعتبارها الدين والإسلام فى مصر والعالم الإسلامى مردها إلى تصور شمولى تأسيسى خاطئ للدين والفقه.

منصب الإفتاء لمصر كلها، لترى أنك مثل كل متخصص فى أى ميدان: الطب، الهندسة، الحسابات، التجارة، أو أيا كان، فإن الشرط الأول الذى يتحقق به وجودك الوظيفى فى حيزك الاجتماعى هو أن تعطى الناس خبرة مفيدة حول ما يهمهم من ميدان تخصصك، أى أن المعرفة فى مجال التخصص هى البضاعة التى يعمل عليها المتخصص، لكن الفقه -بخلاف كل مجال تخصصى آخر- لا توجد له دائرة محددة يتخصص فيها من يمارسونه، 

والقاعدة التى أقصدها هى قاعدة العلم الكلى، فالفقه طبقا لتعريفه الأكاديمى المعتمد السائد حتى اليوم هو «العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من الأدلة التفصيلية»، والمقصود أدلة الكتاب والسنة طبعا، لكن التعريف كله يتسم بكل ما فيه بالإطلاق كما ترى، ولا يحدد لذاته مجال تخصص صريح، فالعلم مطلقا يمس كل شىء، والأحكام الشرعية أيضا مطلقة تخص كل شىء، وطبقا لكتاب «المهارة الأصولية» فإن: «الطريق الموصل إلى الفقه ظنى، ولكنه ينتهى حتما إلى نتائج قطعية وليست ظنية لأن الفقيه المجتهد إذا درس الأدلة التفصيلية –المقصود من الكتاب والسنة– حصل عنده ظن بالحكم الشرعى من دليله التفصيلى، وحصول هذا الظن يكفى لوجوب العمل به، فتكون النتيجة: هذا الحكم المظنون يجب العمل به، وكل ما وجب العمل به فهو حكم الله قطعا»

والتضارب الظاهر المؤسس والمجازفة الخارقة الكامنة فى تحول الظنى، أى البشرى والناقص والنسبى، إلى يقينى، أى إلهى نهائى مطلق، كما أتى فى الفقرة السابقة، كفيلان فى حد ذاتهما بتوضيح الأزمة الفقهية العميقة التى لا يجد فقهاؤنا الأفاضل طريقا لحلها اليوم، لكنه على أى حال كان الطريق الذى اتخذه الفقه منذ زمان تأسيسه القديم ليحقق المهمة المستحيلة، مهمة العلم الكلى الشامل الذى لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وعلى كل فقيه فى هذه الحالة أن تكون لديه إجابة فى كل ما يسأل عنه، وليس هذا فقط، بل وأن تنتسب إجابته إلى الدين والإسلام، صحيح الدين والإسلام، بل وأن يكون حكمه الفقهى هو حكم الله قطعا.

لكن -ومن منظور تجديدى- لا يمكن لفقيه حق، ولا لمسلم يخشى الله، أن يعمم ما روى فى مدونة الحديث على كل الحالات الأخرى ويكتفى به
وثالثا لأن مدونة الحديث كذلك مليئة بما يناقض هذا الحديث، منه قول منسوب للنبى أيضا: «لا تنفق امرأة شيئا من بيت زوجها إلا بإذن زوجها.
قيل: يا رسول الله ولا الطعام؟ قال: ذاك أفضل أموالنا».
وذاك رواه أبو داوود والترمذى وابن ماجه وأحمد والبغوى وغيرهم.
رغم أن هناك أيضا فى مدونة الحديث –من جهة ثالثة– ما ينقض نقضه، بل ويجيز مع سرقة الزوج رشوة خازن ماله كذلك، وهو حديث ورد فى الصحاح الستة منسوب فيه للنبى قوله: «إذا أعطت المرأة من بيت زوجها بطيب نفس غير مفسدة، كان لها مثل أجره، لها ما نوت حسنا وللخازن مثل ذلك».

الآن، بعد أن وضعت نفسك مكان فقيهنا الذى يملك أدوات العلم المطلق، فأظن أنك وضعت نفسك فى مأزق كبير إذا كان المنوط بك أن تتحدث باسم العلم الفقهى الكلى وأن تنطق بحكم الله الذى يستوعب كل شىء، ويعرف كل شىء، ولا يغادر كبيرة ولا صغيرة دون أن يكون له حكم فيها، ويجد لكل حالة مهما كانت إجابة، فماذا يقول فقيهنا لو أحب أن يتكلم، وماذا يقول لو أحب أن يصمت؟!

***************************
نظريتي إن الإسلام كفلسفة فيه
جانب روحي عظيم وأفكار متفردة
تقدمية وكفروض وطقوس مش
كثيرة ولا مرهقة لكن الفقه هو
الشيطان الذي خرب كل هذا وتحول
الإسلام وأتباعه حاليا إلى مسخ
مشوه متوحش 


+++++++++++++++++++

"فقه جديد".. رحلة بحث عن فقه معاصر يضاهى مذاهب الـ"الأئمة الأربعة".. هل توقف المسلمون عند آراء "الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة؟.. وهل المؤسسات الدينية تقوم بدور "العلماء المجددين"

"فقه جديد".. وإلا فالجمود والتخلف سيكون سيد الموقف

= دعوات لمراجعة قواعد أصول الفقه لتناسب عصرنا الحالى

= هل لزاما علينا التمسك بقواعد من 1300 سنة؟

"اختلف الفقهاء الأربعة.. إذ يقول الحنفية فى هذا المسألة كذا وكذا، بينما يرى الشافعية قولا آخر فيما اتفقا المالكية والحنابلة على هذا الرأى".. أظن أنك سمعت وسوف تسمع هذه الجملة عندما تطرح سؤالا على داعية أو مفتي تريد منه توضيح رأى الدين فى مسألة تؤرقك وتشغل بالك، وتأتى الإجابات بزيادة الأرق والحيرة على عكس ما تتصور أن الإجابة ستنهى الجدل القائم والقاعد فى رأسك وتزيد اللبس بدلا من إزالته.
المقدمة سالفة الذكر تلخص لك أن الكثير من شيوخ الدين حاصروا المتلقين لآرائهم فى دائرة الأئمة الأربعة الذين لهم كل الاحترام والتبجيل دون أن يعرضوا آراء معاصرة لعلماء جدد، متوهمين أن الاجتهادات الفقهية الجديدة تخالف مقاصد الشريعة الإسلامية التى فى معظم أحكامها مرنة وتخضع لظروف المجتمع الذي تطبق فيه والقابلة لتعدد الآراء، ومقرة بالآخر، طالما لم يحيد عن تحقيق فلسفة التشريع الإسلامى العادل.
التمسك بالمذاهب الأربعة صلب وقوى لدرجة دفعت البعض إلى التساؤل عن فكرة التقرب لله سبحانه وتعالى بأحد المذهب الأربعة، وما هو حكم التمسك بمذهب واحد من المذاهب الأربعة، وكانت تأتى أغلب الإجابات والفتاوى للشيوخ بأنه لا مانع من الانتساب إلى مذهب من المذاهب الأربعة: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، لكن من دون تعصب، ومن دون جمود على المرجوح إذا عرفت الراجح.
ونكرر مرة ثانية، لسنا بصدد التقليل من مذاهب الأئمة الأربعة، ولكنا نبحث عن مذهب فقهى جديد يضاهى المذاهب الأربعة يتناسب مع واقعنا، وخصوصا أن الأئمة الأربعة كانوا علماء الدين فى وقتهم وأجمع على إمامتهم كل المسلمين من أهل السنة بكافة توجهاتهم، وهؤلاء الأئمة كانوا متفقون على كل الأصول الفقهية، واختلفوا في بعض الفروع، والمسائل الفرعية التي اختلفوا فيها هي التي كوّنت نشأة المذاهب الفقهية الأربعة.
تاريخ ظهور الأئمة الأربعة بالترتيب هم حسبما جاء على ويكبيبيديا: الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت، (80هـ/699م - 150هـ/767م)، ومذهبه الحنفي، الإمام مالك بن أنس، (93هـ/715م - 179هـ/796م)، ومذهبه المالكي، والإمام محمد بن إدريس الشافعي، (150هـ/766م - 204هـ/820م)، ومذهبه الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل، (164هـ/780م ـ 241هـ/855م)، ومذهبه الحنبلي، وكانت علاقتهم بعضهم البعض، حيث كان أبو حنيفة النعمان بن ثابت هو أول الأئمة الأربعة وهو التابعي الوحيد بينهم ولقي عدداً من صحابة رسول الله، والمرجح أنه لم يلتق بأي من الأئمة الثلاثة الذين تلوه، ولكن الإمام الشافعي التقى بالإمامين مالك بن أنس وأحمد بن حنبل، حيث كان الشافعي تلميذ الإمام مالك وكان شيخ الإمام أحمد بن حنبل.

باب الاجتهاد لم يغلق

الدكتور وجيه أحمد فكرى حبيب مدرس العقيدة وفلسفة بكلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف، ردا على سؤال لماذا لم يظهر فقه معاصر يضاهى آراء الأئمة الأربعة:" الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب الأصيلة ومذاهبهم الفقيهة قائمة على الأصول التى يستطيع بها المفتى المجتهد أن يصدر الفتوى، ولذلك تجد ما يسمى بمجتهد المذهب ومنذ أيام الإمام "أبو حنيفة" باب الاجتهاد لم يغلق ويوجد اجتهادات لجميع القضايا المعاصرة".
ويرى "وجيه"  أنه يوجد مذاهب بجانب المذاهب الأربعة مثل المذهب الظاهرى المعمول به ويتبعه الكثيرون، بالإضافة إلى علم الإمام الليثى بن سعد وسفيان الثورى له مذهب والإمام البخارى له مذهب، ويوجد مذاهب كثيرة.
وفى العصر الحديث عندما دعا الإمام محمد عبده الفقهاء إلى الحديث فى القضايا الحديثة دون ذكر حواشى الكتب والتكرارات الخاصة بالفقه القديم هناك من اعترض من بعض العلماء، ونحن فى مصر نأخذ من جميع المذاهب بما فيها مذاهب الشيعة كالأمامية والزيدية".

لماذا يتمسك علماء الأزهر بمذاهب الأئمة الأربعة.

وعلل "وجيه" تمسك الأزهر بمذاهب الائمة الأربعة قائلا:" أصحاب المذاهب لهم أصول وقواعد يرجع إليها، بخلاف المذهب السلفى الموجود حاليا الذى ليس له قواعد ثابتة".

فقه جديد وإلا فالجمود والتخلف سيكون سيد الموقف

إبراهيم ربيع القيادى السابق بجماعة الإخوان، يختلف مع الآراء السابقة، مشددا على أهمية وجود فقه جديد، قائلا :" فقه جديد وإلا فالجمود والتخلف سيكون سيد الموقف" مضيفًا:" الماضي المستمر، حيث إن فقهاء القرن العاشر الميلادي (الثاني الهجري) يحكمون حياة الناس في القرن الواحد والعشرين".
ويقول: "الأنبياء كان مهمتهم التشريع لواقعهم وعليه فإن المؤسسات التشريعية هي ورثة الأنبياء وليس العلماء كما هو رائج، وعلم أصول الفقه الذي هو علم أدوات استنباط الأحكام لم ينشأ إلا في القرن الثاني الهجري واختلف المؤرخون فيما بينهم على أول واضع لعلم أصول الفقه، فذهب الأكثرون إلى أن الإمام محمد بن إدريس الشافعي هو أول من وضع علم أصول الفقه، وألف فيه كتابه المسمى "الرسالة" وإرساء حجر الأساس لهذا العلم، وذهب آخرون إلى أن الحنفية هم أول من وضع قواعد هذا العلم، وأن الإمام أبا حنيفة ألف فيه كتاباً سماه "الرأي" ضمنه قواعد الاستدلال"، مضيفًا: القرآن هٌدىً للناس" مستشهدا بقول الله تعالى:"شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ".
ويضيف: "معلوم أن الهٌدى لا يتوقف عند زمن النبوة بل هو متجدد بتجدد الزمان وتطور الحياة ولا بد مع كل تطور في أوضاع الحياة وأدوات المعرفة أن يتم تطوير أدوات استنباط الأحكام من نصوص الرسالة الخاتمة حتى تتماشى مع ما يستجد من ظروف الحياة وإلا حكمنا على هذه الرسالة بالجمود والتخلف عن ركب الحياة وحشاها أن تكون بل الجمود والتخلف هو من سمات الذين يستمتعون بالكسل واللامبالاة والذكر يبين للناس ما نزل إليهم أي أن كل وقت يجب تبيين ما نٌزل للناس (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [سورة النحل/ الآية: 44].
ويرى:"ويعيب على الناس أنهم لم يسيروا في الأرض وينظروا ومعلوم أن النظر ينتج رؤية جديدة، مستشهدا بقول الله: "أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ" [سورة الحج/ الآية:46]" ..ويتكلم عن المضارع المستمر للنظر في آيات الله  {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْـحَقُّ أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53]..ويتكلم عن الذين يعلمون بصيغة المضارع المستمر أيضا { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبَابِ (9) } [الزمر: 09 ]، وعليه فالقرآن رسالة الله الخاتمة إلى الأرض".
وفي كل عصر ووقت يتعامل الفقهاء بمقتضى ما يسمى بعلم أصول الفقه مع النصوص القرآنية والنصوص النبوية الموافقة للقرآن والتي لا تتصادم مع احتياجات الإنسان حيثما كان يتعامل هؤلاء الفقهاء مع نصوص الوحي لإسقاطها على الواقع المتغير في متطلباته وأوضاعه والمتطور في ادوات المعرفة".
ودعا إلى مراجعة قواعد أصول الفقه، قائلا: "ونحن في القرن الواحد والعشرين حيث التطور المذهل في تدفق المعلومات والتكنولوجيا وتطور أدوات المعرفة، وصار لزاما على فقهائنا المعاصرين مراجعة علم أصول الفقه الذي هو أدوات الفقيه في استنباط الأحكام من النصوص الثابتة وإسقاطها على الواقع سريع التغير، ومما تقدم ليس من المعقول ونحن في هذا الزمان الذي من أبرز سماته سرعة التغيير وتدفق المعلومات والتجدد اليومي في أدوات المعرفة وأصبحت الدنيا مفتوحة سماءً وأرضًا وأصبحت احتياجات الإنسان "كل يوم هو في شأن"..نقول أصبح ليس من المعقول التقٌيد بأصول فقه وضعها أناس لواقع مضى عليه أكثر من 1300 سنة وهذا الواقع الذي تم وضع أصول هذا العلم فيه يختلف شكلا وموضوعا وبيئة وأنماط عن ما يعيشه الناس الآن".
ولخص "إبراهيم" أزمة الفقهاء قائلا:"أزمة فقهاء العصر الحالي أنهم يعتبرون أن الثقافة تتشكل مرة واحدة وتستمر إلى الأبد.. الثقافة تيار يتشكل عبر جيل أو جيلين، وفي الوقت نفسه هي تراكم عبر الأجيال..بمعنى أن هذا الفكر ما زال يعتقد أن الثقافة تكونت مرة واحدة وإلى الأبد، وكي أضع النقاط على الحروف أقول إن مشكلة الفكر السلفي الإسلامي الراهن تكمن في أنه ما زال أسير فهم التراثيين للنص، وبالتالي هو أسير المنظومة المعرفية التي بدأت تتشكل في القرنين الثاني والثالث الهجريين متبلورة في القرن الرابع الهجري، ومازلت تلك الثقافة بأدواتها المعرفية تحكم طريقة تعامل فقهائنا في تعاملهم مع نصوص الوحي".

المؤسسات التشريعية ورثة الأنبياء

المجامع الفقهية لابد من تأسيس علم جديد لأصول استنباط الأحكام (علم أصول فقه جديد) حتى نحرر الدين من أسر الماضي ونحرر الإنسان من تنظيمات التأسلم الإرهابية".


+++++++++++++++

"اختلف الفقهاء الأربعة.. إذ يقول الحنفية فى هذا المسألة كذا وكذا، بينما يرى الشافعية قولا آخر فيما اتفقا المالكية والحنابلة على هذا الرأى"
تأتى الإجابات بزيادة الأرق والحيرة على عكس ما تتصور أن الإجابة ستنهى الجدل القائم والقاعد فى رأسك وتزيد اللبس بدلا من إزالته.

متوهمين أن الاجتهادات الفقهية الجديدة تخالف مقاصد الشريعة الإسلامية التى فى معظم أحكامها مرنة وتخضع لظروف المجتمع الذي تطبق فيه والقابلة لتعدد الآراء،

باب الاجتهاد لم يغلق

الدكتور وجيه أحمد فكرى حبيب مدرس العقيدة وفلسفة بكلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف، ردا على سؤال لماذا لم يظهر فقه معاصر يضاهى آراء الأئمة الأربعة

القواعد الفقهية مرجعية لإصدار فتاوى لمسائل حديثة



دور الفقيه إذا كان مجتهد أن يكون ملم باللغة والمنطق وله منهجية فى استنباط أحكام، ولا يوجد مانع أن يكون هناك فقه مجدد، أهم شيء أن يكون منهجه قائم على أسس علمية وليست على الهوى، ولذلك نجد أن المجامع الفقهية تعتمد على خبراء فى العلوم المختلفة سواء اقتصاد أو طب مثل البورصة فى العصر الحالى، بالإضافة إلى البحوث المعنونة بمسائل معاصرة يجتهد أصحابها فى استنباط أحكام فى قضايا جديدة ولم تكن موجودة سابقا، وقد شُرفت فى كتابة بحث فى مجال "بنوك النطف والأجنة، وإيجار الأرحام وبيع البويضات والاستعانة بحيوان منوى من شخص أجنبى".
+++++++++++++++

نحو فقه جديد ..

فقه الذي هو في الأول والآخر اجتهاد بشري وإنساني يحتمل الخطأ والصواب .. وتم وضعه في مجمله منذ قرون مضت وفي ظروف معيشية لم تعد مناسبة لعصرنا عصر تكنولوجيا المعلومات والفيمتو ثانية .

ونحن مازلنا محلك سر نعمل ونعيش ونتوارث وفق فقه وضعه آئمة عاشوا وماتوا من أكثر من ألف عام هل هذا يستقيم ياسادة .. كلا لا يستقيم لابد من التجديد في الفقه قبل تجديد الخطاب الديني .

*

الدراسات الدينية وسؤال التجديد .. هل من سبيل إلى فقه جديد يواكب التحوّلات

لا يمكن فهم وتحليل وتأويل النصوص الدينية إلا من خلال العلوم الإنسانية والفلسفية والأدبية، ولن يكتمل التكوين المعرفي والمنهجي لدارسي العلوم الدينية ما لم يدرسوا مسارات في التاريخ والأنثروبولوجيا (علم الإنسان) ونظرية المعرفة وعلوم اللغة والاجتماع والنفس وتحليل الخطاب والهرمنيوطيقا (فلسفة التأويل)، والاقتصاد والقانون والسياسة أيضاً. ولا يمكن للطلبة والباحثين أن يُموضعوا المعرفة الدينية في سياقها الإنساني الطبيعي ما لم تساعدهم المؤسسات الأكاديمية على توسيع آفاقهم العلمية والبحثية عبر برامج دراسية تحلّق بين التخصصات المتعددة وتشبّك بينها، قوامها التكامل المعرفي والثراء الثقافي والانفتاح على مدارس النقد الأدبي والاجتماعي والحضاري العالمية.

إن المنظور العلماني المتحرر من العاطفيّة الدينية، والعالمي المتحرر من المحليّة الثقافية، هو المدخل الأكثر علميّة وموضوعية في مقاربة النص الديني وهو المدخل الأكثر نجاعة في إنتاج معرفة دينية ذات معنى وجدوى في هذا العصر.

وهذا لن يتحقق في ظل الصيغة الراهنة المعتمدة في دراسة الدين والشريعة حيث التركيز المكثّف على استخدام المناهج التراثية والفقهية الأصولية في دراسة التراث الديني من دون أية مقاربة نقدية لهذه المناهج، ما يفضي بالضرورة إلى تعذّر تبلور رؤى نقدية في التعامل مع التراث الذي تتم دراسته. صحيحٌ أن هذه المناهج مؤطرة أكاديمياً ومؤسسياً وتُدرّس في جامعات حديثة وبأساليب تدريس عصرية نسبياً؛ ولكن هذا التأطير الأكاديمي والعلمي لم يشمل المحتوى المعرفي والمنهجي للمواد الدراسية بل اقتصر على الشكليات والمظاهر.

الدين معطى اجتماعي وسلوكي، ولا يمكن فهمه إلا بمقاربته بوصفه "ظاهرة" قابلة للمراقبة والدراسة والتفكيك والشرح بمنطق علمي. والتراث الديني هو نصوص لغوية تاريخية دراستها وتحليلها يحتاجان بصورة أساسية إلى إلمام بعلوم اللغة والتاريخ، بل أبعد من ذلك، إلى التعمّق في فقه اللغة وفقه التاريخ. كما أن محتوى هذا التراث من مفاهيم وقيم ومقولات يحتاج إلى معرفة بعلوم الاجتماع والنفس والفلسفة وغيرها. وبدلاً من فهم الإسلام من خلال علم "أصول الفقه" التراثي الذي يبحث في الأدلة الدينية للأحكام الشرعية؛ فإن الفقه الإسلامي نفسه يحتاج اليوم إلى فهم جديد من خلال العلوم الإنسانية والاجتماعية الحديثة بمعنى احتياجه لدراسة "أصول أصول الفقه"؛ أي البحث في الجذور والخلفيات الاجتماعية والثقافية والسياسية للروايات والمقولات الدينية نفسها والسياقات التاريخية التي تشكّلت فيها وعلاقات القوة وتوازنات السلطة التي أحاطت بعملية ولادة ونمو المحتوى أو السرد الديني المنقول إلينا عبر المدوّنات التراثية، أي الغوص والحفر المعرفي التنقيبي والتشريحي في البنية العميقة للنص الديني (أو النص المنسوب للدين) في محاولة لاستنباط الآلية التي تم وفقها تأسيس الأفكار وانبثاق المفاهيم.

هذه الانتقالة المنهجية المرجوة في التعامل مع علم الفقه الإسلامي يمكن أن توصلنا لما يسميه الباحث العراقي عبد الجبار الرفاعي "فلسفة الفقه"، والتي يعرّفها بقوله: "إنّ فلسفة الفقه تطمح لبيان حقيقة علم الفقه والكشف عن الهوية التاريخية والاجتماعية للفقه، وتحديد العناصر الراقدة خلف عملية الاستنباط، من مسلّمات وفرضيات وقبليات ومبان، تتنوع بتنوع تجارب الاستنباط، وطبيعة الفضاء المعرفي الذي تتمخّض في داخله تلك التجارب"(1).

وبالتالي فإن تحقيق نقلة نوعية حقيقية في تجديد الفكر الديني يتطلب تجديد مؤسسات وتقنيات دراسة وتعليم الدين. كما أن إعادة بناء الإدراك الديني في المجتمع وتحديثه يستدعيان إعادة هيكلة المعرفة الدينية وإعادة تشكيل البنية المؤسسية التي تتعامل مع هذه المعرفة. وفي هذا السياق يمكن اقتراح دمج كليات الشريعة بالكليات الإنسانية على مستوى المناهج والكوادر وبرامج البحث بما يخلق فضاءً معرفياً شاملاً وتكاملياً ويضمن "أنسنة" و"علمنة" المناهج الدراسية الشرعية بحيث تتم دراسة الظاهرة الدينية في سياقها الإنساني والتاريخي والاجتماعي الطبيعي وليس في سياق كهنوتي أو لاهوتي، وهو ما سيفضي لاحقاً إلى عقلنة وعصرنة الخطاب الديني وترشيد وتحديث الوعي الديني في المجتمع.

إن كليات الشريعة وعموم مؤسسات التعليم الديني بوضعها الحالي هي جزء من المؤسسة الدينية التقليدية التي تتعامل مع الدين باعتباره تركة مملوكة لها حصرياً تتوارثها أجيال المنتمين لهذه المؤسسة من دون مراجعة أو تجديد لأساليب التلقي والتحليل والتأويل في التعامل مع النصوص الدينية والتراث الإسلامي.
وكنتيجة لما باتت تحمله كليات الشريعة من رمزية هوياتية دينية وانغلاقها عملياً على فكر أحادي وهوية واحدة؛ لم نعد نرى طالباً مسيحياً أو بهائياً أو لادينياً يتقدّم للدراسة في هذه الكليات وذلك لأنها لا تقدّم العلم وإنما الأيديولوجيا ولا تخاطب العقول وإنما العاطفة العقائدية. ومعيار إصلاح هذه الكليات والمعاهد هو الوصول بمحتوى وأساليب التدريس فيها إلى مرحلة من الموضوعية والحياد والتنوع والرصانة العلمية بحيث يُقبل عليها غير المسلمين لدراسة الإسلام من دون أن يخشوا على عقائدهم وهوياتهم من التذويب والاستلاب ومن دون أن يخشوا على عقولهم من القولبة.

وعلى الرغم من حديث المؤسسة الدينية المتواتر عن صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان وإنسان إلا أن الذي يحصل عملياً أن أساليب ومضامين عملية تدريس الإسلام في كليات الشريعة تنتمي إلى زمان واحد غالباً هو القرون الأولى من التاريخ الإسلامي التي شهدت ظهور وتشكُّل الفقه الإسلامي، ومكان واحد هو المنطقة الجغرافية التي شهدت الانتشار المحدود للإسلام وقتها، ولغة واحدة هي اللغة العربية، وثقافة واحدة هي الثقافة التي أفرزتها محددات الزمان والمكان واللغة.
وهذه الطريقة في تدريس الدين باتت مضرّة بالدين نفسه لأنها حبسته في قوقعة العقيدة التي لا يهتم بدراستها إلا أتباعها وربما فئة قليلة منهم فقط، وحالت بينه وبين أن يتحوّل إلى معرفة إنسانية وحضارية يتعاطاها ويتداولها الناس جميعاً بحيث تنمو وتتطور بالتفاعل والتكامل مع عموم المعارف الإنسانية والكونية الأخرى.
إن إغلاق باب الاجتهاد الفلسفي في الإسلام واعتقال الدين في قلاع عقائدية تسمى الجامعات الشرعية أو كليات الفقه أو المدارس الدينية أدى إلى جمود المعرفة الدينية وركود الفكر الديني؛ وبالتالي حال دون حصول تحوّلات تجديدية حقيقية وذات قيمة ومعنى في المعرفة والفكر الدينيين. ما يتم تدريسه في الكليات والمدارس الدينية هو "موروث ثقافي" أحادي محكوم بزمانه ومكانه ووعي البشر الذين أنتجوه وتجربتهم وثقافتهم؛ ولكن المؤسسة الدينية تصرّ على اعتباره حقلاً معرفياً وأكاديمياً تسميه "العلوم الشرعية" وتفرضه قسراً على الدين والعلم معاً. وحتى مع ما يتم ترويجه من أن بعض كليات الشريعة تقدّم لطلبتها محتوى أكاديمياً أو نموذجاً في فهم الدين يحتفي بالتعددية الفكرية وتنوع الآراء الفقهية في المسألة الدينية الواحدة؛ فإن هذا الاحتفاء يحصل في إطار المنظومة التراثية الأحادية نفسها ولا يسمح برأي ينقد المنظومة ككل أو يحاول تفكيكها.

لماذا نتفاخر يا تُرى بانتشار الإسلام في الغرب في حين نطلق على دراسة الإسلام بمقاربات فكرية وفلسفية غربية أوصافاً مثل "التغريب" و"الغزو الثقافي"، وإذا كان الإسلام كونياً عالمياً وللجميع كما نقول؛ فلماذا نحتكره ونحصره في منظور ثقافي ماضوي محلي واحد وأحادي نريد فرضه على البشرية؟! أليست عالمية الإسلام حجّة معقولة تسوّغ دارسته بمختلف اللغات والمناهج البحثية والمداخل المعرفية؟!
إن أزمة التعليم الديني اليوم هي جزء من أزمة التعليم بصورة عامة في العالم العربي، والإصلاح بات ضرورة ملحة للمنظومة بالكامل. وليس صحيحاً أن يتم احتكار عملية تطوير المناهج الدراسية الشرعية من نخب من داخل المؤسسة الدينية نفسها؛ لأن فلسفة التجديد الديني ذاتها، وبضمنها فلسفة تجديد وتطوير المناهج، باتت تحتاج إلى مراجعة وتجديد فهي ليست عملية إدارية بيروقراطية يمكن إنجازها في وقت محدد ثم ينصلح الحال وينتهي كل شيء؛ بل يُفترض بها أن تكون جزءاً من عملية فكرية جدلية مفتوحة ومنفتحة وتعددية يشارك فيها بفاعلية وكثافة متخصصون في الفلسفة والاجتماع والأدب واللسانيات والتاريخ والفن والتربية والقانون وسائر العلوم الإنسانية.

ولا يقتصر ضرر احتكار دراسة الدين من قبل الكليات والمدارس الدينية على المعرفة الدينية والدين فحسب؛ بل يمتد إلى المعرفة والثقافة الإنسانيتين عموماً لأن هذه العزلة المفروضة على دراسة الدين أعاقت فهم الباحثين في العلوم الاجتماعية والإنسانية للظاهرة الدينية، فكما أن الدراسات الدينية المقولبة والمعزولة في كليات الشريعة عرقلت فهم العقل الديني للعالم من حوله وحبسته في زنزانة الرؤية التراثية الأحادية؛ فإن احتكار هذه الكليات للحق في دراسة وفهم الدين حرم باحثي التخصصات الإنسانية الأخرى من حق وفرصة مقاربته ودراسته، ما أدى إلى الحيلولة دون تطوّر فهم علماني عقلاني وموضوعي للدين والظواهر الفكرية والسلوكية المتصلة به، نتيجة نمو ما يشبه الخصومة أو القطيعة المعرفية بين دراسات الدين ودراسات الدنيا.
ولذلك لا يمكن اختزال الحل في إصلاح مناهج كليات العلوم الشرعية بشكل ترقيعي، ولا في إلغاء هذه الكليات؛ ولكن ينبغي اتخاذ خطوة مؤسسية تطويرية جريئة بإلغاء برامج بكالوريوس الشريعة فيها وتحويلها إلى كليات للدراسات العليا ذات الطبيعة التكاملية المعمّقة، بحيث يلتحق بها الطالب بعد حصوله على البكالويوس في تخصص إنساني كالفلسفة أو علم الاجتماع أو التاريخ أو اللغة أو الحقوق أو السياسة لينال منها شهادة الدبلوم العالي أو الماجستير في الدراسات الدينية ولكن من مدخل علمي إنساني وبمنهجية بحثية مغايرة للمدخل والمنهج التراثي التقليدي؛ بمعنى دراسة الدين من خلال حقل إنساني كعلم الاجتماع أو علم النفس أو النقد الأدبي أو التاريخي، أو من مداخل متعددة تشمل أكثر من حقل معرفي، لبلورة رؤية علمية مشتركة حول الظاهرة الدينية وفق ما يُعرف في الدراسة الجامعية بمفهوم "الدراسات البينية"(2)؛ بمعنى توسيع وتعميق منظور دراسة الظواهر الدينية ليشمل توصيف وتوضيح التحولات والإشكاليات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية المرتبطة بها، من خلال دراسات تتيح تلاقح وتفاعل المفاهيم والمعارف بين حقول العلوم الإنسانية المختلفة من جهة وحقل الدراسات الدينية من جهة ثانية، وتسمح بالاحتكاك والمعايشة بين الأساتذة والباحثين من مختلف التخصصات في فهم القضايا الدينية، فيحصل تثاقف وتعشيق بين المدارس الفكرية التراثية والحديثة بما يؤدي إلى تمازجها وتكاملها في إطار معرفي ومفاهيمي إبداعي وتجديدي يؤسس لمسارات وفضاءات اجتهادية وتنويرية، ويمهّد الطريق للوصول إلى مقاربات فلسفية مبتكرة ومعمّقة في دراسة الظاهرة الدينية المعاصرة وتحليل التراث الديني وتأويل النصوص الدينية ومراجعة عناصر ومكونات المدوّنة الإسلامية من موروثات ومقولات، فمثل هذه الدراسات باتت ضرورة معرفية تفرضها التحديات والتحولات والأزمات التي تواجه الدين وحضوره في المجتمع.

*

عالم الاجتماع ساري حنفي حول الأخلاق وسبل تجاوز القطيعة بين علوم الشرع والعلوم الاجتماعية


يجب عدم اختزال الدين في الفقه الذي يحتاج، في الواقع، أدوات علمية كانت تتطور وما تزال في بوتقة العلوم الإنسانية عامة والاجتماعية خاصة

 تلك الحالة لاستقطابات حادة تتحول حسب حنفي إلى "مادة غنية للجماهير لتعميق الفكر التكفيري بأشكاله العلمانية أو الدينية أو المزدوجة، لتجعل من الثنائيات القطبية تطفو على السطح مثل (وطني/خائن) و(مقاوم/عميل) وهي ثنائيات تعادي البناء الطبيعي للمجتمعات السليمة".

من الجوامع إلى الجامعات

أسلمة المعرفة ليست الحل

ليس هناك مشكل في "استخدام تعبير علم اجتماع إسلامي أو عربي أو لبناني أو جزائري، ومن أن يستوحي هذا العلم بعض مفاهيمه من التراث، وأن تطبع وتلون نظرياته من وحي واقع المجتمعات".
 الباحث المختص في سوسيولوجيا الهجرة واللاجئين "تشدد الخطاب العربي والإسلامي الراهن في مسألة الخصوصية الثقافية يبتعد عن فهم واقع مجتمعاته وتأثير أنظمة معرفية مختلفة من جراء العولمة. كما يرى حنفي أن "هذه الهواجس الوهمية تحول الخصوصية الثقافية إلى صيغة تبرير لإخفاقات المجتمعات العربية وتضر بفرص تطورها ولحاقها بركب الدول العلمية" ويتابع "من الضروري نقد المركزية الأوروبية للعلوم الاجتماعية، ولكن يجب ألا نختبئ وراء أصبعنا".


.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق