السبت، 24 يوليو 2021

العلوم الإنسانية . العلم اللين والعلم الصلب . علم الاجتماع العربي

Jun 7, 2020

إصلاح الواقع

فإذا أردنا معرفة الواقع أو فهم الواقع أو فقه الواقع بطريقة "علمية"، فلا يتم ذلك بالاختلاط بالناس والنزول للأسواق والمكاتب والمعامل والمحلات، ومخالطة أصحاب المهن والحِرَف المختلفة وفهم الحياة من خلالهم فقط!

 بل ربما يتفوّق العامي صاحب السَفَر والتجارب بفهم تفاصيل وحِيَل الواقع أكثر من العالم المنعزِل المشغول بكتبه وتدريسه وتأليفه، فالمطلوب في فهم الواقع فهماً علمياً هو أن نرجع لأهل التخصّص في تلك الجوانب.

فالظواهر الاجتماعية والقوانين التي تحكمها تُفهم من خلال علم الاجتماع، وسلوك الأشخاص يُفهم من خلال علم النفس، والسياسة تُفهم مبادئُها من كتب العلوم السياسية وليس من متابعة الأخبار السياسية! والاقتصاد يفهم من كتب الاقتصاد، ووظائف الأعضاء وحركة الأجرام والقوانين القضائية وغيرها من العلوم تُفهم من أهل التخصص الدقيق.

العلوم الإنسانية علوم نسبية وغير قطعية بطبيعتها، لتعلّقها بالإنسان صاحب الإرادة الحرة التي تمكّنه من التصرفات المتعاكسة تجاه المؤثّر الواحد، فالضغط على الشعوب قد يؤدي للثورة، وقد يؤدي لمزيد من الخنوع والخضوع! بعكس المادة التي تستجيب بطريقة واحدة للمؤثّر الواحد، لانعدام الإرادة الحرة عند المادة، وهذا يجعل هضم وإتقان العلوم الإنسانية صعباً، فوجهات النظر في العلوم الإنسانية متباينة بشكل كبير، بعكس العلوم التجريبية التي تحسم التجاربُ المنضبطة الخلافَ في النظريات وتخفِّفه.

العلوم الإنسانية لها وظيفتان؛ وظيفة وصفية واقعية، ووظيفة معيارية قِيَمية مثالية. فالوظيفة الوصفية هي وصفها للواقع كما هو بحلوه ومره، بصوابه وخطئه، بإيجابياته وسلبياته، دون تقييم لذلك، فيكتفي العلم بوصف الواقع وتحليله.

والوظيفة الثانية: هي توجيه الواقع ووضع معايير له، والحكم عليه قِيَمياً، فهذا صواب وهذا خطأ، ويحدّد الحالة المثالية المطلوبة.

ومن هنا نستطيع القول إنّ العلوم الإنسانية تصف الواقع أولاً ثم توجّهه نحو ما تراه صواباً ثانياً، فهي مؤثّرة في الواقع وموجّهة له، وهنا تكمن خطورةُ العلوم الإنسانية.

فأصل التغيير والإصلاح هي العلوم الإنسانية، أما العلوم الطبيعية التطبيقية فهي غالبا علوم آلية خدمية مادية.

 إنّ العلوم التطبيقية تبني المدنية المادية، أما العلوم الإنسانية فتبني الحضارة الإنسانية، أو العلوم الطبيعية تبني جسد الحضارة والعلوم الإنسانية تبني روحَها وعقلَها الموجِّه.

 تهتم العلوم الإنسانية بالشأن الإنساني للأفراد والجماعات والدول والحضارات، فكل الحضارات تنطلق من فلسفة تجري في آلياتها ومؤسساتها جريان الماء في الأغصان، فهي "الغائب الحاضر".. الغائب عن وعي العامة، الحاضر بقوة وفاعلية في الحياة.

علم النفس الإسلامي، وعلم الاجتماع الإسلامي، وعلم التربية الإسلامية، والطب الإسلامي، والسياسة الإسلامية، وعلم الاقتصاد الإسلامي، والفنون الإسلامية، والإعلام الإسلامي

لماذا يجب الحذر في التعامل مع هذه الكتب؟ لأن الكاتب قد يكون في أحيان كثيرة قصير النظر في فهمه للإسلام، سطحي الاطلاع، ضعيف الفقه بالإسلام وقواعده العامة، بعيدا عن مرونة الإسلام وسَعته، وينعكس ذلك في نظرته لذلك العلم عموماً، وفي جزئيات مسائل ذلك العلم، فيشوّه ذلك العلم بدل أن يقدّم إضافة معرفية حقيقية.

وفي أحيان أخرى يكون فهمه لذلك العلم قاصراً أو سطحياً، فيُغفِل آراء راجحة في ذلك العلم، ويتبنّى آراء سطحية أو مرجوحة أو ضعيفة أو حتى متروكة، وربما جاء بها وبدأ بنقدها مع أنّها مهجورة غير مُعتمَدة عند المتخصصين في ذلك العلم.

 الكثيرين ممن يكتبون كتابات إسلامية يقفون من الأفكار الوافدة موقفَ المستريب الشاكّ الرافض لها قبل أن يفهمها ويهضمها، ويأخذ النافع منها ويرفض الخاطئ أو الصحيح من وجهة نظر الغربيين (سواء كانوا مسيحيين أو ماديين)، لكنه لا يناسبنا نحن كمسلمين.

 لهذا قلتُ: "احذر" ولم أقل "اترك".

*

 العلماء حتى وقت متأخر يقسمون ( العلم ) إلى قسمين ، العلم الصلب ، أي العلوم البحتة والتطبيقية ، والعلم اللين أو المرن ، وهو مجمل العلوم الاجتماعية ، حتى مؤخرا عندما انقلب المفهوم رأتنا على عقب ، فأصبحت العلوم المرنة هي العلوم البحتة والتطبيقية ؛ لأنه يمكن التحكم فيها في بيئة محصورة ( كالمختبرات والمعامل ) ، وأصبح العلم الصلب هو العلوم الاجتماعية ، لأهميتها وشيوع مراوحتها الواسعة ، وتعدد مدخلاتها ، واختلاف ظروف المجتمعات ، وتغيرها المستمر .

يفتقد علم الاجتماع العربي إلى نظرية التفسير تطور المجتمعات وتوقع مسيرتها المستقبلية ، وكثير من الأدوات المنهجية المستخدمة اليوم في علم الاجتماع العربي مستعار من تجارب أخرى

درسنا تطور علم الاجتماع ومدارسه الغربية ، الذي كان قد نشأ في بداية القرن التاسع عشر في المدرسة الفرنسية الاجتماعية أو الألمانية وكأنه ( الدين الجديد ) ، ثم انتشر في الدول الغربية ، ولم يتعلم طلابنا حتى الفرق بين أسباب ظهور علم الاجتماع الغربي واختلاف تفسيره ، الذي كانت ظروفه هي الانتقال من المجتمع الزراعي إلى الصناعي ، وبروز ما يعرف بالمجتمع البرجوازي ، وتقسيم العمل في المصانع الجديدة ، وتوسع سكنى المدن وهجرة الناس من الريف ، هنا ظهرت نظريات خاصة بتلك المجتمعات ، نقلها بعضنا على أنها ( معطى نهائي ) قابل للتطبيق على أي مجتمع آخر ؛ مثال عالم الاجتماع المصري زايد اللي تاثر بابو زيد

 ذهب بعض الدارسين العرب ، اكتشف الباحثون الغربيون ما تركه عبدالرحمن بن خلدون في مقدمته من تنظير ، ذهب بعض المشتغلين بدراسة المجتمع العربي بتطبيق مقولات ابن خلدون على المجتمع العربي المعاصر

 الفروق بين مجتمع وآخر من حيث المعطيات والمدخلات ، ينطبق أيضا على الفروق في الزمن ، فزماننا بالقطع لیس زمان ابن خلدون ، فلم تعد الغلبة في الدولة للعصبية القبلية ، أو تغلب أهل الوبر على أهل المدر ، كما وصف ابن خلدون ؛ لأنه ببساطة اختفت عصبيات وظهرت أخرى جديدة لم تكن معروفة في زمن ابن خلدون ، كمثل عصبية المؤسسات الحديثة مثل الجيش والقوات المسلحة أو الأحزاب المنظمة ، أو المؤسسات الاقتصادية الكبرى ومصالحها . إدا أحد أكثر العناصر خلد في دراسات المجتمع العربي اليوم اعتماده على تلك المناهج الغربية المختلفة ظروف نشأته

 فالمجتمع والتقاليد تعوق التفكير الحر مثال نوال السعدوي وفاطمة المرنيسي
لامستا محرم الاقتراب منه في المجتمع

 الباحثين العرب في علم الاجتماع فضلوا أن يكتبوا بلغات أخرى غير العربية بعيدا من المضايقات  وقدمت لنا دراساتهم من خلال الترجمة وربما حتى غير الدقيقة

سقف التسامح مع الكتابات الاجتماعية، وبخاصة الناقدة، كما يتوجب علم الاجتماع، قليلة، والكثير من الإبداع في هذا المجال تم في زمن (السقف العالي نسبيًّا للحريات)، الذي تمتعت به بعض المجتمعات العربية لمدة محدودة فيما بين الحربين العالميتين، بل حتى في ذلك الوقت كانت هناك ضغوط كما حدث لكتاب طه حسين في دراسته الشعر الجاهلي، الذي شكل أزمة لأنه يعيد التفكير في التاريخ العربي، أو بعد ذلك لنجيب محفوظ في رواية «أولاد حارتنا» التي مُنعت طبعتها لمدة.

لكثير من سبل التضييق (المجتمعي) وليس (الرسمي) فقط على هامش وقدرة الباحثين على الإبداع والتفكير خارج الصندوق في الشأن الاجتماعي، فما زالت هناك (مُحرَّمات) في مجتمعاتنا العربية لا تقبل المس بها بشكل بحثي وعلمي، كمثل تشريح دور القبلية أو التراتبية الاجتماعية أو نوع الأعمال التي كان تقوم بها شرائح من المجتمع. من هنا نجد الفقر النسبي في كتابة المذكرات الشخصية، وذكر الحوادث المهمة في المجتمع (منعًا للإحراج)، أو (تقليب المواجع)! ولقد عرف منذ مدة طويلة أن بعضَ مَنْ يكتب حول المجتمعات المحافظة العربية أطروحات للدكتوراه أو الماجستير في الجامعات الغربية يطلب عدم نشرها على العامة والاحتفاظ بها لمدة، وقد يعود بعضهم إلى فكرة النشر، ولكن بعد سنوات ومع تحرير ثقيل في المحتوى.

طبيعة الدراسة الاجتماعية أنها كلية وليست جزئية المنهج، فالأنظمة المجتمعية تساندية يؤثر بعضها في بعض، كتأثير النظام التعليمي أو الديني أو القضائي أو الاقتصادي أو السياسي في مجمل نشاط المجتمع؛ لذلك فإن دارس الاجتماع يتوجب أن يكون ملمًّا بالتاريخ والاقتصاد والقانون والسياسة وغيرها من العلوم الاجتماعية، دون ذلك يمكن أن يشوب نظرته وتحليله عوار ما سببه نقص المعلومات أو محدوديتها، كما يتوجب أن يكون ذا ذهنية منفتحة على الجديد والمختلف، وفي فضائنا العربي مثل أولئك الأشخاص جد محدودين بسبب طبيعة أنظمة التعليم ومحدودية التفكير الخلاق.

النظرية الاجتماعية في صلب دراسة طلاب علم الاجتماع، فإنها تنحصر في مدرستين كبيرتين؛ الأولى المدرسة الصراعية (صراع الطبقات) وتفرعاتها التي نشأت إبّان الصراع الطبقي في وسط القرن التاسع عشر في أوربا، وقد تطورت اليوم مع تطور تلك المجتمعات. والمدرسة الثانية هي الوظيفية التي نشأت في الولايات المتحدة، وكان غرضها الرئيس تبرير النظام الرأسمالي، ثم تفرعت إلى عدد من الاجتهادات، وعندما نظر علماء الاجتماع الغربيون إلى مجتمعات العالم الثالث استنبطوا ما عُرف بالنظرية الثقافية أو المدرسة الأنثروبولوجية، وهي نظرية في الأساس بررت تمدد الاستعمار الغربي في بلاد العالم الثالث ذات الموارد التي تحتاجها المجتمعات الغربية، ثم تطورت تلك المدرسة مع الزمن. تلك النظريات لم تبقَ على ما كانت عليه عند النشأة الأولى، فطبيعة التطور في المجتمعات فرضت المراجعة والتنقيح وإعادة النظر والتطوير، وقد ساهم علماء الاجتماع الغربيون في ذلك، إلا أن الدرس الأهم أنه لا يمكن تفسير تطور المجتمعات على قاعدة نظرية واحدة.

(الدولة المدنية) أو (المجتمع المدني) أو (عقد اجتماعي للحكم)، ونحن اليوم أكثر حاجة لمساهمة ابتكارية لعلماء الاجتماع العرب.

فطبيعة المعرفة البشرية أنه عندما تتغير الأعراف والقيم والعادات، وهي نسبية، تتغير معها البنى الاجتماعية والأنساق، ويحلّ تدريجيًّا القانون محلّ العرف، والمؤسسة بدلًا من الفردية، طبعًا هذا التغير تدري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق