الجمعة، 2 يوليو 2021

ارتفع الإنفاق الاجتماعي فارتفع الفقر.. أين الخطأ الثاني؟

May 29, 2020

لا يمكن ﻷي مجتمع أن يزدهر أو يسعد إذا ما كانت اﻷغلبية العظمى من أعضائه فقراء وتعساء. إنما يتعلق اﻷمر باﻹنصاف. كما أن أولئك الذين يوفرون الغذاء والكساء والسكن لكل الناس، يجب أن يحظوا بنصيب مما ينتجون بأيديهم، بحيث يصبحون هم أنفسهم حسني المأكل والملبس والمسكن بشكل مقبول". قائل هذه العبارة هو أبو الاقتصاد الرأسمالي، آدم سميث،

عكس الإنصاف هو الاستغلال. أي أننا لو وجدنا أغلبية العاملين في أي مجتمع فقراء تعساء سيئي الملبس، نعرف أنهم يتعرضون للاستغلال

هناك عدد عن ماكينات صناعة الفقر في مصر. إذا أرادت مصر أن تقلص عدد الفقراء، عليها وقف عمل تلك الماكينات التي توقع ملايين جدد كل عام بين براثن العوز والجوع. فهي لن تستطيع ذلك بالاعتماد على زيادة المساعدات النقدية أو العينية التي تقدمها الحكومة، على أهمية الاثنين.

 اعتبار تدني الأجور هو أهم ماكينة تنتج ملايين الفقراء كل عام،

تدني الأجور هو الوجه الآخر لتزايد الأرباح، وتسمى الظاهرة "عبودية القرن الواحد والعشرين".. هو استغلال شبيه بالذي عرفته الدول التي شهدت الثورة الصناعية في القرنين الـ18 والـ19، أي استغلال الأيدي العاملة. والذي كان أهم أسباب الثورات الكبرى في إنجلترا وفرنسا، ثم روسيا (وألمانيا). واليوم، يعاني العالم من هذه الظاهرة، معيدا إلى النقاش العالمي الحديث عن اللامساواة وتركز الثروة وعلاجاتها الممكنة. ومصر ليست استثناء. وإن كان النقاش حولها ما زال خافتا.

أولئك القابعون أسفل السلم
حين تُترَك آلية تحديد الأجور في أيدي صاحب العمل وحده، يصبح الأمر بمثابة سوق يتحكم فيه مشترٍ وحيد.. أمام جيوش من ملايين الباحثين عن عمل. وهكذا تتولد لديه قدرة غير عادية على بخس الأجور التي يدفعها للعاملين (إذا تركنا صاحب العمل وحده لقانون العرض والطلب). وهكذا، وُلد الحد الأدنى للأجر، وانتشر في معظم دول العالم (الشرق الأوسط استثناء)، كي يحد من نفوذ صاحب العمل.
القطاع الخاص الجميل والوظائف القبيحة
في مصر، يعمل في القطاع الخاص (الرسمي وغير الرسمي) حوالي ثلاثة أرباع القوة العاملة. ويحظى القطاع الخاص بعدد من الامتيازات مثل الإعفاءات الضريبية والجمركية، ودعم للطاقة، وتطوير سريع للبنية التحتية التي تخدمه. وهو ما ساعده على تحقيق معدل ربحية مرتفع. إلا أن تلك المزايا لم تقترن بتحسين نوعية الوظائف التي يخلقها القطاع الخاص.
ويلاحظ البنك الدولي في تقرير الحالة التشخيصية لمصر (2015) أن معدل الربحية وصل إلى 40٪. وفي المقابل يشير نفس التقرير إلى تناقص نصيب الأجور من الناتج المحلي، على مدى العقود الثلاثة الماضية، أي أن ثمار نمو الناتج تعود إلى رأس المال، على حساب العمل المأجور.   
ولا يوفر سوى عدد محدود من منشآت القطاع الخاص وظائف "لائقة"، أي تتمتع بالتأمينات للتقاعد، والعطلات القانونية، وساعات عمل قصوى، وحد أدنى للأجر. وكانت تلك النوعية الرديئة من الوظائف في القطاع الخاص هي صاحبة أكبر زيادة في الوظائف المتاحة. لذا نجد واحدا من كل اثنين عاملين بأجر في المنشآت الخاصة لا يتمتع بوظيفة رسمية (عقد و/أو تأمين تقاعد). وهناك واحد من كل ثلاثة عاملين لا يحظى بعمل مستقر أو منتظم. ويقترن العمل غير المستقر في مصر بالفقر، بحسب بيانات بحث الدخل والإنفاق.
وإجمالا، خلال دورة النمو الأخيرة، 2013-2018، لم نر سوى زيادة محدودة جدا في الوظائف الرسمية في القطاع الخاص، بينما كانت الوظائف غير الرسمية في القطاع غير الرسمي (مثل العاملين بقطاع البناء والتخزين والنقل) هي صاحبة الزيادة الأكبر. وذلك بحسب مسح العمالة الذي ينتجه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، مع منتدى البحوث الاقتصادية.
لعاملون الفقراء
زادت نسبة العاملين الفقراء من 51٪ من إجمالي العاملين إلى 57٪ خلال الفترة 2012-2018. جاءت الزيادة الأكبر بين النساء (68٪ من النساء من العاملين الفقراء)، وأيضا تنتشر الظاهرة بين كبار السن (50-64 عاما). تنتشر الظاهرة أيضا بين الشباب، حيث نجد سبعة من كل عشرة شباب عامل يتقاضون أجرا أقل من أن يقيهم من الفقر. (وتنتشر الظاهرة أيضا بنفس النسبة تقريبا في القطاع الزراعي وفي ريف الصعيد).
الأجور هي أهم مصدر لتوليد الدخل، يعتمد عليها 60٪ من المصريين. ويقول المنطق بأنه كلما زادت الأجور، كلما ارتفع مستوى معيشة الأسر. أعط نقودا قليلة للعاملين في أسفل سلم الأجر، سيصرفون كل تلك الأموال على شراء سلع ومنتجات- محلية، وكلما زاد عدد المستفيدين، نشط الاقتصاد.
ولكن، يعاني الاقتصاد المصري مؤخرا من تباطؤ في الطلب الناتج عن انخفاض الاستهلاك المحلي. أي أن المواطنين لم يعودوا قادرين على زيادة مشترياتهم المحلية ومن ثم تنشيط الاقتصاد. وهنا يعتبر مد مظلة الحد الأدنى للأجر إلى القطاع الخاص الرسمي وغير الرسمي وسيلة فعالة وسريعة لتنشيط الطلب المحلي. ولن تكلف الدولة مليما (حيث أن الحكومة قد قامت بالفعل برفع الأجر الأدنى). كما أنها فرصة ذهبية لاستغلال انخفاض معدل التضخم الحالي، وهو الأقل منذ أن وعيت على الدنيا. لذا فالأثر التضخمي لزيادة الحد الأدنى للأجر سيكون محدودا.
ن أجل الإنصاف والعدالة، ومن أجل الاستقرار الاجتماعي ونشر الرضا الشعبي، والأهم من أجل نمو مرتفع وتنمية عادلة مستدامة. الأجر الأدنى هو مجرد خطوة في الاتجاه المعاكس، الاتجاه الأسلم. ولكن التخوف الرئيسي هو في نفوذ القطاع الخاص. حيث نجح كبار المستثمرين في شل أي تحرك حكومي أو اجتماعي كان من شأنه فرض أجر أدنى على المستوى القومي خلال العقدين الماضيين. فهل تدفع سوء المؤشرات الرسمية الحديثة الخاصة بالفقر والتشغيل إلى أن يختلف الأمر هذه المرة؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق