خصوم جمال عبد الناصر يشنعون عليه بأمور كثيرة، لعل من أهمها مسألة غياب الديمقراطية عن مصر أيام حكمه وإلغاء الاحزاب السياسية وانفراد «الاتحاد الاشتراكي» كتنظيم سياسي وحيد يحكم البلد.
غياب مظاهر الديمقراطية المعروفة وأحادية التمثيل السياسي في مصر أيام حكم عبد الناصر، ولن نزعم أنه كان نظاماً ديمقراطياً ليبرالياً تعددياً. ولكننا ندعو الى فهم السياق التاريخي وظروف المرحلة عند النظر الى فترة حكم عبد الناصر، لا التعامل معها بمعايير اليوم فقط.
المرحوم جمال عبد الناصر قاد بنجاح ثورة حقيقية بالمعايير كافة سنة 1952. ليست انقلاباً عسكرياً ولا تمرد مجموعة ضباط، بل حركة تنطبق عليها جميع مواصفات الثورات، والتي أهمها وأبرزها التغيير الجذري للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في البلد.
أولاً : مشروع التحرر الوطني من الاستعمار وبقاياه. فقد كان استقلال مصر شكلياً، وكان البلد لا يزال يخضع لتحكم بريطانيا العظمى التي لها قوات موجودة على الارض في مصر وتسيطر على الطبقة العليا في البلد، وكان سفيرها في القاهرة أكثر أهمية ونفوذاً من الملك ذاته. فإذن كانت أولى الجبهات التي اشتغل عليها عبد الناصر هي الخلاص من بريطانيا واستعمارها. وبالفعل نجح في المرحلة الاولى في انتزاع «اتفاقية جلاء» من بريطانيا، ثم أتبعها بملحمة قناة السويس التي أمّمها وأعادها إلى الشعب المصري، ما أدى الى العدوان الثلاثي وحرب 1956 .
ثانياً: مشروع مواجهة الكيان الصهيوني في فلسطين. فقد ورث عبد الناصر عن الملك فاروق جيشاً مهزوماً في حرب 1948 التي أدت الى إنشاء كيان صهيوني عدواني متربّص على حدود مصر الشمالية الشرقية. وسرعان ما كشّر هذا الكيان عن أنيابه، فانخرط في هجوم القوى الاستعمارية القديمة على مصر سنة 56. وكان على عبد الناصر أن يستنفر قدرات مصر ومواردها في مواجهة «دولة اسرائيل» المدعومة من الغرب بلا حدود.
ثالثاً : مشروع القضاء على الإقطاع والخلل في توزيع الثروة. جعل عبد الناصر مبدأ العدالة الاجتماعية, أو الاشتراكية, على رأس أولويات نظام حكمه الجديد. فكبار الاقطاعيين من الباشوات والآغوات, وهم أقلية صغيرة اغلبهم من الاصول التركية والشركسية, كانوا يمتلكون اكثر من 95% من الاراضي الزراعية في مصر، بينما الغالبية العظمى من اهل البلد, الفلاحون خصوصاً, لا يكادون يمتلكون شيئاً، بل يعملون في الزراعة بنظام أشبه ما يكون بالسّخرة لدى الاقطاعيين الاثرياء، حيث لا يحصل الفلاح لقاء عمله المضني سوى على كسرة خبز له ولعياله الذين يرثون البؤس من بعده جيلا وراء جيل. ولإصلاح هذا الخلل البنيوي المتأصل في البلد, قرر عبد الناصر سلوك الطريق الصعب حتى لو أدى ذلك الى غضب ذوي المال والجاه وكرههم له, فقرر تفتيت الملكيات الاقطاعية الضخمة وتوزيع اراض على الفلاحين, خمسة دونمات للواحد, ليتيح للفلاح امتلاك بعض الارض التي أمضى حياته يعمل فيها. لقد كان برنامجاً ضخماً لإصلاح الاوضاع الخاطئة في مصر, أصاب فيه عبد الناصر وأخطأ، ولكنه لم يتردد في خوض هذا المسار رغم صعوبته وخطورته عليه وعلى نظام حكمه.
رابعاً : مشروع توفير الخدمات الاساسية, وخصوصاً التعليم والصحة, لعموم الشعب. لم يكن التعليم متاحاً للغالبية الساحقة من المصريين. فقط الاثرياء في أحياء القاهرة الغنية، وكبار الاقطاعيين كانت لهم المدارس الخاصة والاجنبية وجامعة «فؤاد الاول». أما اهل الارياف والصعيد والمناطق الشعبية فلم يكن لهم سوى الأميّة والجهل إلّا من كان محظوظاً فالتحق بأحد «الكتاتيب» الموجودة في بعض القرى. أطلق عبد الناصر برنامجاً هائلاً للتعليم المجاني, مدارس وجامعات, لكل ابناء مصر وفي جميع أرجائها. والكلام نفسه يقال عن موضوع الصحة، حيث أنشأ عبد الناصر المستشفيات والمراكز الصحية في كل مكان، وأتاح العلاج لكل الناس وعلى نفقة الدولة.
خامساً: مشروع السد العالي وتوفير الكهرباء لمصر. إنه المشروع الأبرز والأضخم والذي ما زالت مصر الى اليوم تعتمد عليه في الزراعة والطاقة الكهربائية ومياه الشرب. وطبعاً الطريق لم يكن سهلاً، واضطر عبد الناصر الى خوض صراع سياسي دولي على اكبر مستوى لإنجاز مشروعه التاريخي, بعد أن حاولت أميركا ومعها البنك الدولي والرأسمالية العالمية إحباطه بكل السبل, ولكن عزيمة عبد الناصر وإصراره أديا في النهاية الى تحقيقه بالتعاون مع الحليف السوفياتي. والنتيجة كانت توفير الكهرباء في جميع انحاء مصر, بعد أن كانت تعتمد على الفوانيس ومصابيح الزيت.
سادساً: مشروع النهضة الصناعية وتأسيس الصناعات الثقيلة في مصر. كانت مصر لا تزال في حالة بدائية من ناحية الصناعة. فالبلد يعتمد على اقتصاد يقوم على الزراعة والحرف اليدوية وبعض الخدمات, من دون بنية تحتية ولا صناعات أساسية ثقيلة. أنشأ عبد الناصر مصانع الحديد والصلب والاسمنت والغزل والنسيج والالمنيوم والصناعات الكيماوية والكابلات الكهربائية والاسمدة واطارات السيارات,,, اكثر من 750 مصنعاً تم انشاؤها, وهي كلها صناعات اساسية لا غنى عنها لأي بلد في حالة نموّ. وبقيت الدولة المصرية تعتمد عليها الى أواخر عهد حسني مبارك حين بدأت بتصفيتها لحساب كبار الحيتان من لصوص المال والاعمال.
نبذة عن المشاريع التي انهمك عبد الناصر في انجازها والشغل عليها. وهي مشاريع كبرى وهائلة وتحتاج الى جهد فائق وعمل متواصل بلا كلل. مشاريع نقلة نوعية وذات اهمية تاريخية فائقة. فلم يكن الرجل يملك «ترف» احتمال أحزاب الباشوات وديمقراطيتهم الزائفة المقتصرة على طبقة الاثرياء والاقطاعيين ومناورات برلمانهم الذي لا يصل سقفه الى مستوى السفارة البريطانية.
تلك المشاريع إلّا بوجود سلطة مركزية قوية ذات ارادة ورؤية وقادرة على اتخاذ قرارات صعبة وتنفيذها من دون إعاقات ودون الحاجة الى نيل موافقة أحزاب النخبة القديمة وتأييدها. كانت مسألة اولويات بالنسبة إلى عبد الناصر, ونهوض البلد واصلاح اوضاعها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية بنظره أهم من مظاهر الديمقراطية. والخلاصة ان ما قام به عبد الناصر يدخل ضمن نطاق الثورات الكبرى في تاريخ الشعوب, حركة التاريخ, تغيير شامل في بنية البلد الاجتماعية والاقتصادية, رفع طبقات وإنزال طبقات, تغيير في عناصر القوة ونظام الانتاج. ولا يوجد في التاريخ أمثلة كثيرة على حركات تغيير كبرى من هذا النوع تمت بشكل ديمقراطي سلس!
لسنا ضد الاحزاب ولا الديمقراطية ولا الانتخابات, أبداً, بل نراها طريق الحاضر ولا غنى عنها لمستقبلنا. ولكننا نشرح ونحلل ما حدث في الماضي، وكيف نفهمه في سياقه التاريخي. فيجب أن لا ننسى أن معايير الزمان والظروف كانت مختلفة عن أيامنا.
*
الدائرة العربية، والدائرة الإسلامية، والدائرة الأفريقية، وجاء ذلك في كتابه "فلسفة الثورة".
تحرير الأرض وإلى تحرير الإنسان وإلى إلغاء كل أشكال الاستعمار والاستعباد والاستغلال. واهداء عبد الرحمن بدوي كتاب نيتشه
أينما ذهبت في أقطارنا العربية، ورغم مرور هذه العقود كلّها على وفاة الرئيس الخالد الذكر جمال عبد الناصر، تجد له ولثورة يوليو المُلهمة لثورات عدة أثراً في كل مكان، وتجد له ذكرى في كل حي أو شارع، وتجد أن اسمه يتردد كنموذج للقائد العربي الذي رفع اسم أمّته عالياً رغم كل ما واجهه من نكسات ومن حروب ومن معارك.
الجزائر كيف كان الجزائريون يحملون تقديراً خاصاً لثورة يوليو ولجمال عبد الناصر بسبب دور مصر في دعم ثورتهم التي قامت بعد 131عاماً من الاستعمار الفرنسي، قامت لتحرر الجزائر.
ويقول الجزائريون إن قبائلياً لا يعرف العربية كان يستمع في جبال أوراس إلى خطاب لجمال عبد الناصر سأله مراسل جريدة "لوموند" الفرنسية هل تعرف العربية؟. قال: لا. فقال له لماذا تسمع جمال عبد الناصر؟. قال: أنا أسمعه بقلبي قبل أن أسمعه بأذني.
في تونس يتحدثون عن ثورة يوليو، ويتحدثون بشكل خاص عن دورها في مساندة الشعب التونسي ضد الاستعمار، وعن خلاف عبد الناصر مع الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة،
ليبيا كانت لها علاقة خاصة مع الرئيس جمال عبد الناصر لدرجة أن العقيد الراحل معمر القذافي كان يعتبر نفسه تلميذاً لجمال عبد الناصر وأميناً على القومية العربية بعد رحيل القائد الخالد الذكر.
السودانيون مع الرئيس جمال عبد الناصر حين جاء في آب 1967، أي بعد أسابيع على نكسة حزيران، وكيف استقبله السودانيون وحملوا سيارته وكان لذلك الاستقبال الدور الكبير في إجبار الحكام العرب على قبول لاءات جمال عبد الناصر "لا صلح، لا تفاوض، لا اعتراف" مع العدو الصهيوني.
وما يقال عن بلاد المغرب العربي الأخرى يقال أيضاً عن موريتانيا عن شعب المليون شاعر الذي بقي انتماؤه القومي والحضاري إلى أمّته بارزاً في كل المراحل وكنا نلاحظ ذلك في كل تظاهرات . السيد ولد اباه
الموريتانيين ضد التطبيع مع العدو الذي وصل إلى إغلاق السفارة الصهيونية في نواكشوط وحرقها، كلنا نذكر كيف كانت جماهير موريتانيا ترفع صور جمال عبد الناصر، والأمر نفسه ينطبق على دول الساحل الأفريقي الشرقي من الصومال إلى جزر القمر إلى جيبوتي، فجمال عبد الناصر كان موجوداً بين أبنائها، والصوماليون لا ينسون لجمال عبد الناصر دوره في منع تقسيم الصومال بعد الاستقلال إلى صومال فرنسي وصومال إيطالي وغيرها، كل ذلك وكان جمال عبد الناصر حاضراً في أطراف الأمّة كما كان حاضراً في قلبها.
فاليمنيون لا ينسون كيف انتصرت ثورة يوليو وجمال عبد الناصر لثورتهم الجمهورية في الشمال(عام1962) ولثورتهم التحريرية في الجنوب، وكيف قدّمت مصر أبناءها شهداء أبطالاً دفاعاً عن الثورة والاستقلال والتقدم في اليمن، كذلك الأمر في الجزيرة العربية، رغم كل محاولات منع التفاعل مع ثورة يوليو وجمال عبد الناصر ومع خطاباته ومع إذاعة صوت العرب لكن كانت له مكانة خاصة، ليس في صفوف الشعب وحده، وإنما أيضاً في صفوف الأمراء الأحرار الذين ذهبوا إلى مصر، حتى الملك سعود بن عبد العزيز حين اختلف مع إخوانه في الرياض وكانت بينه وبين الرئيس جمال عبد الناصر خلافات حادة، لم يجد سوى مصر يلجأ إليها ليمضي سنواته الأخيرة.
البحرين تؤرّخ أبرز انتفاضاتها ضد الاستعمار البريطاني بانتصارها لمصر في مواجهة العدوان الثلاثي، وكذلك الأمر في قطر حيث كان أبناء قطر، مواطنين وشيوخاً، يذهبون إلى القاهرة فقط لكي يلتقوا جمال عبد الناصر وقد حدّثني أحدهم كيف كان ينتظرون كل خميس بعد الظهر في إحدى صالات السينما التي يزورها جمال عبد الناصر كل خميس من أجل أن يلتقطوا صوراً مع القائد الكبير.
الأمر نفسه تجده في الإمارات، تجده في الكويت التي لا تنسى لموقف جمال عبد الناصر من خطاب عبد الكريم قاسم الذي أراد ضم الكويت إلى العراق.
في سوريا كلنا يذكر كيف خرجت سوريا عن بكرة أبيها تستقبل جمال عبد الناصر يوم إعلان الجمهورية العربية المتحدة (1958)، وكيف كان في الأردن أحرار ينتصرون لجمال عبد الناصر، وقد دخل المئات من الشخصيات ومن الضباط الأحرار السجون بسبب علاقتهم بمصر وبثورة يوليو وجمال عبد الناصر.
العراق فكلنا يذكر أن ثورة 14 تموز 1958، كانت بإلهام من ثورة يوليو، وقد انتصر العراق يومها لجمال عبد الناصر في معركته ضد حلف بغداد، وكان العراقيون في معظمهم يدعون إلى الوحدة مع مصر.
يصرّ العروبيّون اللبنانيون على إحياء ذكرى ثورة يوليو كلّ عام.
فلسطين الجريحة كانت تعلق الآمال الكبيرة على جمال عبد الناصر، وكلنا يعرف أن الفلسطينيين في العالم، كانوا يعتبرون أن زعيمهم الحقيقي هو جمال عبد الناصر.
الدور العربي
*
دخول الأزهر على خط تمجيد "ثورة يوليو" باعتبارها انحيازا للفقراء والمهمشين، فيما يرى معنيون بشؤون المؤسسات الدينية أن حركة الضباط قلصت وضع الأزهر لصالح سيطرة السلطة عليه، عبر قرارات تعيين شيخ الأزهر بدلا من انتخابه، كما كان يحدث أيام الملكية.
انقلابا على الحكم الملكي وتلبس لباس ثورة شعبية- وبين حركة الضباط في يوليو/تموز 2013 التي عدّها مراقبون انقلابا على أول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد هو الرئيس الراحل محمد مرسي.
1952 كان هناك ضباط منحازون للديمقراطية وعودة الجيش لثكناته،
في ذكرى ثورة يوليو نتذكر ضباطاً في الجيش المصري كانوا مع عودة الحياة النيابية، وعودة الأحزاب، وعودة الجيش إلى ثكناته! في وقت انحازت فيه النخبة المدنية، ومن طه حسين إلى السنهوري، ومن الاخوان الى اليسار لبقاء الجيش في الحكم. نكاية في الوفد! وفد النحاس باشا.. فلا وفد الآن!
23 يوليو 1952 - لم تكن ثورة ولم يكونوا أحرار - وفاروق لم يكن لصاً او فاسداً ولم يكن عميلاً ولم يفرط يوماً فى ارض مصر وكان الملك الوحدوي الذي يحكم مصر والسودان - وفى كل عام فى تلك ألايام سنترحم على جلالة الملك فاروق
بمناسبة ثورة يوليو المضحكه.. حب يحول مصر من دولة زراعية لدولة صناعية والحمد لله ربنا وفقه ولا هي بقت صناعية ولا رجعت زراعية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق