Feb 28, 2021
المعرفة لا تجعلنا أفضل حالا ولا أكثر سعادة مقابل التربية التي تساعد المرء على أن يكون أفضل.
أهم المفكرين في أوروبا اليوم وأحد علماء المستقبليات النادرين الذين يتوقعون ما سيحدث للعالم وفق ما يحدث اليوم، فضلًا عن كونه فيلسوفًا وعالم اجتماع فرنسي طبقت شهرته الآفاق.
في كتابه "إلى أين يسير العالم؟" يرى موران أن التقدم لا يعني نفع الإنسانية، مدلّلا باستغلال الدول الكبرى التقنية الحديثة لمصلحتها، وعدم قضاء الإنسان على الوحشية، وقد تنبأ في كتابه بأن تاريخ العالم لن يتوقف عن العنف والصدامات، معتبرا أننا لا نزال نعيش قيم العصر الحديدي.
موران أن من أهم التحديات التي تواجه الإنسان اليوم هي مسألة التخصص الشديد الدقة الذي "يمنع من رؤية الشامل وكذلك الجوهري، والحال أن المشكلات الحقيقية ليست جزئية أبدا "، ويرى أن تقسيم الاختصاصات يجعل إدراك "ما نُسج بشكل مشترك" متعذّرا، لأن الذكاء كما يقول لا يحسن إلا أن ينفصل، فهو يحور مركّب العالم إلى قطع منفصلة ومفككة ويجزئ المشكلات ويجعل في النهاية ما هو متعدد الأبعاد أحادي البعد.
فالثقافة الإنسانية هي ثقافة شاملة تغذّى عن طريق الفلسفة والمحاولة والرواية وهي ما يمكن أن نطلق عليه الذكاء العام الذي يواجه التساؤلات الإنسانية الكبرى ويحفز التفكير في المعرفة، أما الثقافة العلمية فتفصل بين المعارف وقد تصل بنا إلى اكتشافات رائعة ونظريات عبقرية لكنها لن تفضي بنا إلى تفكير في المصير الإنساني. ويضيف موران أن هناك بعض التحديات الأخرى كالتحدي السوسيولوجي والتحدي المدني.
العقل المحكم
الاكتظاظ رديف التراكم والترصيف، وهو لا انتقائي وغير منظم، أما الرأس المحكم فهو يتخلى عن مراكمة المعارف ويسعى إلى امتلاك أمرين هما "استعداد عام لطرح المشكلات ومعالجتها، ومبادئ تنظيمية تسمح بربط المعارف وإعطائها معنى دالًّا".
فالعقل المحكم عقل يسعى إلى تنظيم المعارف وتجنب تراكمها بصورة عقيمة؛ فالفكر المترابط ينفتح على السياقات العامة بطابعه السببي، مما ينتج فكرا علميا جديدا يقطع مع الجزئي أو لا يكتفي به في ظل التحولات التي عرفتها العلوم بظهور علوم جديدة سماها المفكر بالنسقية كعلم البيئة وعلوم الأرض والكونيات.
*
إدغار موران... نقد {البربرية الرأسمالية} في الغرب
May 10, 2020
هاشم صالح
بداية سوف أقول إن إدغار موران يمثل ظاهرة فريدة من نوعها. فهذا الرجل الذي اخترق القرن العشرين كله منذ ولادته عام 1921 لا يزال حياً يرزق حتى الآن. والشيء المدهش الذي يدعو للإعجاب حقاً هو أنه وصل إلى هذا العمر المتقدم وهو لا يزال في كامل ملكاته العقلية والنقلية. بل إنه يجوهر أكثر فأكثر إلى درجة أنه أصبح حكيم فرنسا والعالم كله في هذه اللحظات بالذات.
ودعا الغرب الرأسمالي المتغطرس إلى تغيير عاداته وأساليب حياته المتطرفة والمسرفة الغارقة في الشهوات والملذات الضرورية وغير الضرورية وعبادة العجل الذهبي. بل ودعا إلى انتهاج سياسة حضارية مختلفة كلياً عما سبق في كتاب مشهور بعنوان: «من أجل سياسة حضارية». وقال إنه لا حضارة من دون نزعة إنسانية تضامنية تحترم كرامة الإنسان وتتعاطف معه وتقيم العلاقات الأخوية بين جميع الأقوام والشعوب.
فنحن جميعاً نعيش على سطح هذا الكوكب الأرضي فإما أن نغرق معاً وإما أن ننجو معاً. وكارثة «كورونا» التي انقضت علينا فجأة أثبتت ذلك بكل وضوح. من أين جاءته كل هذه القوة والحيوية؟ العام المقبل سوف يصبح عمره مائة سنة بالتمام والكمال وهو لا يزال يكتب وينشر، بل ويحاضر في الجامعات والمؤتمرات. لا يزال يتحفنا بإضاءاته وأفكاره أمد الله في عمره. ونحن بأمس الحاجة إليها في الواقع.
*
الأزمة التي نمر بها فرصة لتغيير مسارنا
العدو الحقيقي للتعقيد حسب رأيه، هو “التبسيط الذي يمكن تحقيقه تدريجيا”.
ويذهب مؤلف أكثر من 100 كتاب (مترجم إلى 28 لغة) إلى أبعد من ذلك في التحليل، ويوضح أن التعقيد في أي نظام “عبارة عن مجموعة من العناصر المرتبطة ببعضها البعض في تنظيم منتج”، هو وفق وصفه الدقيق، “كل منظم”.
يشبّه “وحش الفلسفة المقدس” كما تصفه وسائل الإعلام الفرنسية، هذا “الكل المنظم” بنظام منتج للجودة، مشيرا إلى أن “الكائن الحي بفضل تعقيد بنيته قادر على التنظيم الذاتي”.
أوضح أن “المجتمع لا يوجد إلا من خلال التفاعلات بين الأفراد، كل له صفاته الخاصة والتي لا يمتلكها الفرد”، مضيفا أن “الأفراد هم أيضا نتاج للمجتمع، لأنهم بحاجة إلى التعليم والثقافة واللغة”.
كل كائن معقد يعتمد على بيئته، كما يقول موران، مستعرضا كمثال “الكلمة التي تأخذ معناها فقط في سياق الجملة”. وانتهز موران هذه الفرصة للتأكيد على ضرورة تعليم المفاهيم الأساسية للتعقيد لتحسين “قراراتنا وأفعالنا في العالم”.
يرى موران أن هذه الجائحة قد غيّرت علاقتنا بالموت، لأن الحداثة العَلمانية كبتت شبحه، ولم يبق له حضور إلا في أذهان المؤمنين، ثم جاء الفايروس ليعيد الموت إلى راهن المعيش اليومي، ولاسيما الموت الفردي الذي طالما كان يتمّ إرجاؤه إلى المستقبل. غير أنه ظهر في أبشع صورة، أملاها الواقع الصحي بحرمانه الطقوس الضرورية لتثبيت الغياب اجتماعيا، وقد أعرب حتى العلمانيون مثل موران أن الإنسان يحتاج إليها ليُحيي في الأذهان صورة الشخص الميت، ويخفف ما يصيبه من ألم.
إن كل حياة هي مغامرة غير مضمونة، فنحن لا ندري مسبقا كيف تكون حياتنا المهنية، ولا كيف ستكون صحتنا أو عواطفنا، ولا ما سوف يحدث، رغم أننا نعرف أن موتنا محتوم.
“توقعاته للإنسانية في عام 2021″، أجاب موران بأن “الأزمة التي نمرّ بها هي فرصة لإثارة الرغبة في تغيير المسار. وهذه الرغبة موجودة اليوم لدى الأقلية”.
*Apr 30, 2021
دعوةٌ إلى تحالف بين مختلف المعارف من أجل فهم الإنسان
كتاب "البراديغم الضائع: الطبيعة البشرية" (صدر في 1973). في صفحاته الأولى، وضعتَ أمام القارئ ما يشبه الجدول:
الكون: سبعة مليارات عام تقريباً
الأرض: خمسة مليارات عام تقريباً
الحياة: مليارا عام تقريباً
الزواحف: 300 مليون عام تقريباً
الثدييّات: 200 مليون عام تقريباً
الإنسان (العاقل): بين 100 ألف وخمسمائة ألف عام تقريباً
الدولة: عشرة آلاف عام تقريباً
الفلسفة: 2500 عام تقريباً
علوم الإنسان: صفر تقريباً.
كنتَ بذلك تُسفّه أوهام البشرية في معرفة الكون ومعرفة الإنسان. مقابل ذلك الادّعاء الذي راج منذ القرن التاسع عشر بأن العلم بات ديانة البشرية الجديدة بما أنه يفتح أمامها الغيب. جئتَ لتقول بأن العلوم التي تعتقد أنها قطعت مسافات طويلة ما هي إلّا في الخطوات الأولى من معرفة موضوعها. قلتَ لهم: الآن فقط بدأت المعرفة. لا أحد أراد أن يصدّق. الكلّ كان يريد أن يظلّ مطمئنّاً إلى مداره في المنظومة العامّة للعلم، وبذلك بدأتَ تُدفع نحو منطقة التهميش، في تلك السبعينيات ذاتها التي شهدتْ صدور أعمالك الكبرى.
أنّك كنت تكتب منهجاً كي تقول بأنّه لا يوجد منهج؛ علينا الاعتراف دائماً بوجود شيء ما يُفلت من المعرفة وأن نتعامل مع ذلك كأمر واقع وكجزء لا يتجزّأ من العلم. المنهج (La méthode) هو اللامنهج (L'a-méthode)، حسبنا أن نُحسن في كلّ مرّة تركيب المعارف لإنتاج حلول. هذا أقصى ما يأمل فيه العلم، وما عدا ذلك فهو تلاعب وتزييف.
لماذا لم تذب أفكارك في رؤيتنا للعالم؟ كلّ الظروف مهيّأة كي نستفيد من فكرك؛ عدد لا بأس به من كتبك وصل العربية، وحاضرتَ كثيراً بيننا، تُناصر القضية الفلسطينية رغم أصولك اليهودية. أكثر من ذلك، يمكن القول بأنّ علاقة مصاهرة تربطك اليوم بالعالم العربي بما أنّ زوجتك صباح أبو السلام باحثة مغربية في علم الاجتماع. ماذا نريد أكثر كي ندمج الفكر العالمي في نظرتنا للعالم؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق