Jan 21, 2021
ليلة 11 فبراير/شباط 2011، ثمة أمل نما في صدور من شاركوا في ثورة 25 يناير/كانون الثاني من نفس العام، لقد أطاحوا بالرجل الذي ظل جاثما فوق صدروهم 3 عقود
فالثورة تعني التغيير الجذري لكل البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما يعني تفكيك التكوينات القديمة ثم إعادة تركيبها بعد إعادة التوازن المفقود لعلاقات التأثير المتبادل فيما بينها، بما يحقق ضمانات تداول السلطة، وإعادة توزيع الثروة.
فالثورة لا تعني مجرد إطاحة حاكم أو نظام حُكم، ما لم تبزغ قوى جديدة حاملة لمبادئ الثورة، لتحل محل القديمة، وتقوم بعملية إعادة بناء هيكلية من شأنها تحقيق أهداف الثورة.
انتخابات برلمانية حصدت فيها التيارات الإسلامية الأغلبية، وبعد أشهر قليلة تم حل البرلمان تحت ذريعة قانونية، ثم أجريت انتخابات رئاسية فاز بها الرئيس محمد مرسي، وبعد عام واحد من حكمه جرى انقلاب عسكري أطاح به، وباقي ما جرى معلوم.
علاء الأسواني، في مقاله "حتى لا نكرر أخطاء ثورة يناير" الذي أكد فيه أن الثوار أخطؤوا عندما قبلوا بالحلول الوسط التي أدت في النهاية إلى إضعاف ثورتهم وتشويهها، في حين أن الثورة بطبيعتها تغيير جذري يهدم النظام القديم ليبني نظاما جديدا، حسب قوله.
بين دعم الثورة ومساندة النظام حتى يفوزوا في النهاية مع الطرف الفائز، واستطرد "لقد تسلل هؤلاء إلى الصفوف الأولى من ثورة يناير، وأدى وجودهم إلى مشاكل كبيرة دفع ثمنها الثوار".
ومن أخطاء ثوار يناير -حسب الناشط السياسي- أنهم قاموا بإلغاء ائتلاف شباب الثورة ولم ينتخبوا قيادة لهم، مشددا على أن لا نصر لثورة بدون قيادة من الشباب المنتخبين يتحدثون باسمها ويستطيعون حشد الناس في الشارع إذا تعرضت للخطر.
إلى جانب ذلك، فلقد تعفف الثوار عن طلب السلطة فوقعت في أيدي قوى أخرى مضادة للثورة، وأردف الأسواني "إن التاريخ يعلمنا أن الثورة إذا لم تصل إلى السلطة فإنها تنتحر عمليا لأنها لن تصل إلى أهدافها أبدا بل وستتعرض غالبا إلى القمع".
وأضاف أن أخطاء ثورة يناير استمرت بتقديس بعض الشخصيات واعتبارهم أيقونة، موضحا أن بعض الأيقونات انقلبوا على الثورة أو انحرفوا عن مبادئها فأصبحت أفعالهم السيئة محسوبة على الثورة، وتابع "حدث أكثر من مرة أن تعلق مصير الثورة بشخص اعتبرناه أيقونة، فإذا به يتردد ويخاف ويتراجع وقد دفعنا جميعا ثمن تخاذله".
مقال بعنوان "الخطايا السبع للمعارضة المصرية منذ ثورة يناير"- إلى عدة سقطات أخرى للثوار.
الهرولة لوراثة نظام مبارك وتقسيم الغنائم فيما بينها، وهو ما استغله المجلس العسكري لتعميق الانقسام السياسي وإشعال حرب بين الجميع.
خطأ عدم صياغة مشروع لما بعد مبارك يشعر الجميع بالمساهمة فيه، وهو ما أدى إلى تمركز القوى السياسية حول الأيديولوجيا كبديل لذلك المشروع، مما صنع خطيئة أخرى وهي عدم وجود خطاب يقنع الجماهير.
الأخطاء التحالف مع الدولة العميقة من أجل إزاحة الخصم السياسي، فمثلا لعبت جبهة الإنقاذ ذلك الدور ببراعة، ولم تمتلك مشروعا سياسيا سوى الإطاحة بالإخوان.
الإخوان
بفعل العدد والتاريخ والتأثير ظلت جماعة الإخوان هي الرقم الأهم في معادلة إخفاق مسار الثورة عن الوصول إلى أهدافه، وحتى الآن وبعد 10 سنوات مازالت تتلقى سهام الانتقاد من جانب صفوف الثوار وحتى من مؤيدي النظام الانقلابي.
رغم أن شبابا وقادة من أعضائها شوهدوا بميدان التحرير والشوارع المحتجة في اليوم الأول للثورة، فإن التنظيم لم يعلن بشكل رسمي المشاركة في المظاهرات وهو ما دعا كثيرا من أطياف المعارضة لاتهام الجماعة بعد ذلك بسرقة الثورة.
ربما كان للجماعة حساباتها في عدم الإعلان عن المشاركة في المظاهرات التي لم تتضح معالمها بعد، لكن ظل هذا الموقف لدى باقي الثوار الذين حسموا موقفهم مبكرا من المشاركة وظلوا يعاملون الإخوان كعنصر دخيل سارق لمكتسبات الثورة، مثل حصولهم على الأغلبية البرلمانية عام 2012 ثم وصول مرشحهم (مرسي) إلى سدة الحكم.
بل ومع تصاعد الأحداث الدرامية للثورة وُضعت الجماعة جنبا إلى جنب مع العسكر في خانة الخيانة، وظهر الشعار الشهير "هم اتنين مالهمش (ليس لهم) أمان.. حكم العسكر والإخوان".
واعتبر حشمت تعاون الإخوان مع حزب النور خطأ كبيرا ارتكبته الجماعة، واصفا إياهم بالمدعومين من الخارج والانتهازيين، كذلك رأى أن سياسة الحشد للرد على المناوئين مثلت خطورة كبيرة.
تعامل أغلب قواعد التنظيم بعد الثورة باعتبار جماعتهم بديلا للحزب الوطني من حيث السلطة والنفوذ.
ضعف التصورات الفكرية تجاه الثورة، فرغم أن تلك التصورات كانت موجودة في فكر الإخوان الأصيل، لكنها استبعدت بعد المؤسس حسن البنا، حيث سار التنظيم على ذلك خلال فترة حكم مبارك حيث انتهج آلية اصلاحية صرفة لتلافي الصدام مع النظام.
اصطف الإسلاميُّ والليبراليُّ، القوميُّ والوطني، الشابُّ والشيخ، المسلم والمسيحي في ميدان واحد
"جمهورية الخوف" التي لا تسمح إلا بالصوت الواحد يردّد ما تمليه عليه سلطة الانقلاب وأذرعها، أو نجا بجسده بعد أن هاجر من الوطن وعاش في الخارج.
*
لذا أعلن الجيش في الإعلان الدستوري، الصادر في 13 فبراير/ شباط 2011، نيّته إدارة البلاد "بصفة مؤقتة لمدة ستة أشهر، أو انتهاء انتخابات مجلسي الشعب والشورى ورئاسة الجمهورية". وقد يرى بعضهم حاليا أن الإعلان السابق لم يكن إلا مناورةً من قادة الجيش للالتفاف على الثورة وتهدئتها، حتى يتمكّن من الانقضاض عليها، خصوصا وأن الجيش المصري كمؤسسة هو أهم أركان النظام. وقد يرى آخرون أن قادة الجيش كانوا يتلمّسون خطاهم في فترة شديدة الصعوبة، خصوصا وأنهم كانوا مبعدين عن سدة الحكم خلال عقود حكم مبارك الذي حرص على تهميش دور الجيش السياسي.
من الكتابات الهامة بهذا الخصوص مذكرات الناشط المصري، وائل غنيم، بعنوان "ثورة" (دار الشروق، القاهرة، يناير/ كانون الثاني 2012)، والذي كان من أوائل الداعين إلى التظاهر في 25 يناير، يوم عيد الشرطة، من خلال إدارته صفحة "كلنا خالد سعيد" في "فيسبوك"، حيث يشير إلى أنه لم يستخدم لفظ "ثورة" في الدعوة إلى التظاهر يوم 25 يناير، إلا بعد هروب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، والذي فتح للنشطاء المصريين آفاقا جديدة. كما يتحدّث الكتاب أيضا عن خلفية وائل غنيم غير المسيّسة، وكيف سعى، طوال حياته، إلى الابتعاد عن العمل السياسي المنظم، حفاظا على أمنه الشخصي، وتعبيرا عن الثقافة السياسية المحافظة لشباب مصريين كثيرين يخشون العمل السياسي المنظم، ويفضلون النشاط على وسائل التواصل الاجتماعي بديلا عنه.
عزمي بشارة باستفاضة في كتابه "ثورة مصر: الجزء الأول: من جمهورية يوليو إلى ثورة يناير" (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت- الدوحة، 2016)، عن هؤلاء الشباب وجهودهم في الدعوة إلى التظاهر في 25 يناير وتنظيم تلك المظاهرات، وكيف أنهم وفّروا "نواة صلبة" لتلك الدعوة، ولكن الكتاب نفسه يتحدّث عن صدمة هؤلاء الشباب من حجم الاستجابة الجماهيرية ومطالب المتظاهرين بإسقاط النظام، وكيف تخطّت سقف مطالبهم التي كانت تقتصر على رفع حالة الطوارئ، وإقالة حكومة أحمد نظيف، ووقف مشروع توريث رئاسة الجمهورية، من مبارك إلى نجله جمال، وإلغاء نتيجة انتخابات مجلس الشعب السابقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق