أين نحن من المصلحة العامة؟!
Nov 29, 2019
تتطور الدولة عندما تطغى المصالح العامة على المصالح الشخصية، ولا يستطيع أحد
أن ينكر أهمية المصلحة العامة وضرورة تقديمها على المصالح الخاصة والشخصية، حيث إن المنفعة العامة ستشمل المجتمع كافة، وعليه وجب تذليل كل الصعاب التي تحول دون تحقيق هذه المنفعة الجماعية، وبالتالي:
عندما تتعارض مصلحة الفرد مع المصلحة العامة من الواجب خضوع مصلحة الفرد للمصلحة العامة الجماعية.
لكن هذا الطرح لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يستغل بطريقة عشوائية ومن دون مبالاة بحيث يتم من خلالها إلحاق الضرر بالمصلحة الفردية، لذا فإن ذلك له أهمية كبيرة من أجل قطع الطريق على المتجاوزين وأصحاب النفوذ، وعلى المسؤول أن يحرص على الصالح العام وأن يجعل جل عمله وأهدافه في صالح البلد من دون تجاوز لحقوق أحد، ومن غير تجاوزات أخرى قد لا تحقق المصلحة العامة، وهو أمر من الممكن أن يؤدي إلى فقدان ثقة المواطن في الأشخاص او المؤسسات الحكومية، وربما تمرده في تحقيق هذه المصلحة وفي تطبيق القانون وهو ما سيهدد الاستقرار الاجتماعي.
لذا وجب محاسبة المقصرين لضمان مصداقية القانون المطبق على الجميع دون استثناء، وتاريخنا المشرف يشهد باحترام المصلحة العامة من شخصيات عظيمة احترمت هذه المصلحة الجماعي
مؤسسة الأيام للنشر في عام 1989 على يد نخبة من الكوادر الإعلامية البحرينية
*
ماذا تعني المصلحة العامة وكيف تتحقق؟
المؤسسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية هي عبارة عن صراع مستمر على المصالح بين مختلف مكونات وطبقات وفئات المجتمع حول توزيع الموارد المختلفة. هذه عبارة مقتبسة مع تصرف من كتاب اسيموجلو وروبنسون (لماذا تفشل الامم- 2006).
مفهوم المصلحة العامة من المفاهيم التي تستخدمها الكثير من الجهات الرسمية والمنظمات المجتمعية والافراد والاحزاب السياسية المختلفة وكل يدعي حمايتها دون ان يتم الاتفاق على معناها بدقة وماذا يقصد بها ومن الذي يحدد هذا المعنى ووفق اي معايير أو موازين.
تشعبت مفاهيم المصلحة العامة مع تطور الدولة. فقد كانت الدولة حتى القرن الثامن عشر مقتصرة على الامن والجيش (بحسب تعبير ادم سميث «الحارس الليلي»). توسع هذا الدور ليشمل مجالات كان يقوم بها أفراد أو جماعات مثل التعليم والصحة. ازداد تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية بشكل خاص بعد الازمة الاقتصادية 1927 (الكساد الكبير) ووجدت الدولة نفسها مضطرة (تحت ضغط فكري واقتصادي) إلى التدخل لتحقيق استقرار اقتصادي وسياسي وترك المجال مفتوحا للمبادرة والمنافسة الحرة فيما دون ذلك. هذا التدخل تطور في شكل مؤسسات ادارية واقتصادية وسياسية والقوانين المنظمة لها. فكيف تطورت هذه المؤسسات والقوانين ووفق اي مصالح تم تحديد نطاقها ومسؤولياتها وصلاحياتها؟
باسم المصلحة العامة تم تحديد هذه المؤسسات والقوانين، وباسم المصلحة العامة وُضع الدستور ومنحت صلاحيات التشريع لمؤسسات الدولة لتنظيم حياة الناس. وباسم المصلحة العامة منحت مؤسسات اخرى صلاحيات تقيد الحريات وتكبل الحقوق، وتجرد بعض الافراد أو الجماعات من ممتلكاتهم وحرياتهم كليا أو جزئيا. وباسم المصلحة العامة تدخل الدولة في اتفاقيات وعلاقات سياسية واقتصادية ودبلوماسية. وباسم المصلحة العامة تنشأ الحروب والنزاعات، وباسمها تتعطل الدساتير، وباسمها يعين الوزير والمدير والمحافظ والمسؤول. وباسمها يتم العبث احيانا بالانتخابات ونتائجها. هذه السلطات والامتيازات التي تمنح باسم المصلحة العامة تجعلنا نتساءل حول مضمون ومحتوى ومدلول المصلحة العامة.
للتعرف على ابعاد هذه الفكرة ومعانيها علينا الدخول في ضمائر المنادين بها وبتحقيقها. اي كيف يحدد هذا المسؤول وجود مصلحة عامة في تصرف ما أو قانون ما أو مداولات برلمانية أو قرارات حكومية؟ الحاجة إلى الكشف عن الدوافع الحقيقية يجعل التعريف صعبا وإن وجد قد لا يحظى بإجماع. وبالرغم من عدم النص عليها صراحة نجد الكل يتشبث بها ويرددها في كل مناسبة حتى اصبحت روح القانون وعاملا مهما في تطبيقه.
لذلك يقول البعض إن المصلحة العامة مفهوم متغير ويحتوي على قدر كبير من الاحتمالية، فهو يختلف من وقت إلى اخر ومن نظام سياسي إلى اخر ومن ظروف إلى اخرى، ناهيك عن التضارب بين المصلحة العامة الاجتماعية والمصلحة العامة الاقتصادية والمصلحة العامة البيئية والمصلحة العامة السياسية، لذلك علينا ان نبحث دائما في الدوافع خلف القرارات الادارية والسياسية والاقتصادية، وأن نحاول تحديد المصلحة العامة وكيف تتحقق في كل تصرف أو قانون أو سلوك مؤسسي أو فردي في كل حالة على حدة؟ وأن نتساءل هل جميع ما يصدر عن هذه المؤسسة أو ينتج من تطبيق هذا القانون أو ذاك هو مصلحة عامة؟
يرى افلاطون ان المصلحة العامة هي التماسك المجتمعي ووحدته الناتجة من الشعور الجمعي بالسعادة والالم، اما ارسطو فإنه يرى ان هناك دستورين، احدهما صحيح وهو لمصلحة الامة والاخر عقيم وهو لمصلحة الدولة. ميكيافيلي يضع عناصر المصلحة العامة ويجعلها ثلاثة هي الحرية والامن والكرامة ويتحقق ذلك بشجاعة فذة من الحكم. اما آدم سميث فيراها في حرية السوق والتنافس الحر. في حين أن جون لوك يرى ان المصلحة العامة هي الامن والسلم ومصلحة الجميع وهي هدف المجتمع السياسي وأن رفاه الناس هو القانون العام. اما روسو فيرى ان المصلحة العامة هي القيمة التي تسعى لها المجتمعات وغاية الحكومات. ما يتفق عليه هؤلاء الفلاسفة هو ان المصلحة العامة لا ينبغي ان يكون تعريفها أو تحديدها حكرا على جماعة أو شخص سواء كان فيلسوفا أو نظاما حينها حتما ستكون مصلحة خاصة.
وسط هذا الغموض يوجد تعريف يقول: «المصلحة العامة هي مجموعة من الظروف تسمح بازدهار افراد المجتمع». وبالتالي فهي عملية خلق هذه الظروف» ضمن نظام اجتماعي وسياسي واقتصادي وقانوني. فكيف يتم ذلك؟ المسؤولية تقع على جميع فئات المجتمع والسلطات لخلق هذه الظروف. على مكونات وفئات المجتمع ان يتجاوزوا خلافاتهم، وأن يكونوا قادرين على العمل معا، وقول الصدق والاستماع لبعضهم ضمن هذه الخلافات ليتمكنوا من خلق توازن في المصالح- وتعاون بين فئات مختلفة حول هذه المصالح- لتحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية للجميع. بذلك يتم خلق مجتمع متماسك قادر على خلق الثقة والتعامل مع الاختلاف والخلاف الذي لا بد منه. المسؤولية في ذلك على الجميع ولمصلحة الجميع.
لذلك تظهر الحاجة إلى وجود آلية يتفق عليها المجتمع لحسم الخلاف حول المصلحة العامة وماذا تعني ومتى تتحقق. هذه الالية هي التي تمثل النظام الديمقراطي الذي يعطي الجميع حق التمثيل في اتخاذ القرار. من هنا تأتي اهمية وجود نظام انتخابي عادل لا يميل إلى مصلحة طرف على اخر. بعض النظم الانتخابية هي التي تعطل مسرى الديمقراطية في العالم العربي. وقدرة بعض المصالح في التحكم في سير العملية الانتخابية وتحديد (او تحييد) نتائجها يضر بمصالح فئات اخرى ويؤدي إلى النزاع والصراع وفي بعض الاحيان ادى إلى ثورات وحروب. لذلك فإن اي تدخل في العملية الانتخابية واستخدام المال السياسي والنفوذ الديني والوجاهة الاجتماعية لتحقيق نتائج معينة أو ضمان نجاح مرشح على اخر لا يخدم السلم الاهلي ولا يخدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي ولا يبني مناخا استثماريا صالحا للتنمية المستدامة ولا يعزز مبدأ التنافسية الحرة في المجتمع. فهذا التدخل هو عبث بالمصلحة العامة وتعطيل للحوار والنقاش والمداولات التي تفضي إلى تحديد معين لمعنى ومفهوم المصلحة العامة.
*
الجانب المثمر من الأنانية
سيلفيا النقادي ٢٨/ ١٢/ ٢٠١٩ |
هكذا تعلمنا، أو هكذا قالوا لنا منذ نعومة أظافرنا: «إن أحد المخاطر التى يمكنها أن تهدد سلامتنا وازدهارنا هى «أنانيتنا».. علينا أن نبذل دائماً المزيد من الجهد فى التفكير فى الأشخاص حولنا.. فى تقبل وتفهم وجهة نظرهم المختلفة عنا.. فى الترحيب وقبول معانى المصلحة العامة عن المصلحة الفردية».. بمعنى أكثر تبسيطاً أهمية إرضاء الآخرين!. بهذه النصائح التى نشأ الكثير منا عليها كان على جانبها الآخر أيضاً خطر معاكس تسبب لدى الكثير فى إنكار الذات بل والتواضع فى محوها أحياناً من أجل هذا «الهوس» لإرضاء الغير، أو هذا الخجل من قول «لا» للآخرين، وهذا ما ربما ملأ حياتنا بكثير من الالتزامات تجاه أشخاص استنفد بعضهم طاقتنا وتسبب بعضهم الآخر فى إهدار مواهبنا فبقينا فى وظائف لا نحبها أو فى علاقات طويلة مع أصدقاء نعلم أنهم غير مخلصين أو كانوا لا يستحقون منا كل هذا الجهد، لأنه ببساطة «عقدة الأنانية»، والخوف من استحواذها على سلوكنا كانت دائماً محل السيطرة! حتى يأتى اليوم ونستيقظ لنجد أن أفضل وأجمل سنوات عمرنا مضت مع أشخاص لم يكن لديهم هذا القدر من الامتنان المقابل لما قدمناه لهم من تضحيات، ونكتشف أننا ربما لن نحصل على مكافأة حقيقية فى الآخرة من أجل هذه التنازلات التى قدمناها وهو ما سيصيبنا بالغضب والإحباط لأننا لم نتعلم كيفية التمييز بين الجوانب السيئة والجيدة من هذه الصفة.. بمعنى آخر لم نتعلم الفرق بين ما يمكن أن يسبب إهمالاً وألماً للآخرين وبين الشجاعة لإعطاء الأولوية لمشاغلنا الخاصة خلال حياتنا اليومية ومراجعة احتياجاتنا الحقيقية بعيداً عن رغبات الآخرين، وهو ما كان علينا البوح به منذ البداية بصراحة مع هؤلاء الذين يدعون أنهم يحبوننا!. وربما تكون الفلسفة الهندوسية دليلاً مفيداً فى هذا السياق لأنها تقسم حياتنا إلى أربع مراحل لكل منها أدوارها ومسؤولياتها، بدءاً من دورنا لتلقى العلم والمعرفة، إلى دورنا كآباء وأمهات إلى دورنا «كـ» جدود ومستشارين، ولكن الأهم والمثير فى هذا الإطار هو هذه المرحلة التى تعرف باسم «سانياسا» «Sannyasa» وهى - المرحلة التى نلتقى فيها بعد سنوات من الخدمة للآخرين- بالجوانب النفسية والروحية لدينا، بمعنى أن نمارس الحياة ببساطة.. نأكل الطعام الأساسى.. نذهب للسفر والمعرفة كثيراً.. نحتفظ بقليل من الممتلكات.. ننفصل عن كل من هم فى عجلة مع أمور الحياة ومتطلباتها، ومع كل من لا يقضون وقتاً كافياً يعكس الجوهر الحقيقى لمعنى وجودهم على قيد الحياة. وربما لا يكون أسلوب هذه الحياة مناسباً للجميع لممارسته فى أى وقت، ولكن فى النهاية لا يمكن أن تكتمل معنى الحياة الجيدة دون نسخة من هذا الأسلوب، فهناك سنوات تصبح رؤوسنا فيها منخفضة.. سنوات ننشئ فيها أطفالاً.. نجمع فيها أموالاً.. وهناك سنوات علينا أن نقول فيها هذا كافِ.. وكفى للمطالب المادية.. كفى للهلث وراء الجنس والرومانسية.. كفى للتواصل الاجتماعى السطحى.. ومرحباً بالعقول المتجهة إلى الداخل وإلى الأعلى.. هذه ليست قسوة.. هذا ليس كسلاً.. هذا ليس جنوناً.. هذه فقط فترة نحتاج فيها أن نتخلى عن هذا المعتقد السائد الذى ينادى: «بأن تكون حكيماً عليك أن تضع الآخرين فى المقدمة»!. * المصلحة لا صداقة ولا عداء دائم كيف تتغير الثوابت ببساطة ترتبط بارادة الشعوب وقوة الحكومات مثال اتاتورك علمانية تركيا وانهيار السوفيت اختراع العلمانية في السياسة التري لا تعرف الثبات لتجنب صدام مع الدين كيف يصبح الشخص شريرا؟ عندما يقيس تصرفه بمصلحته لا بالقيم والمبادئ. May 30, 2021* هل الأنانية تجعلنا خيرين وسعداء؟الفردية أمر جيد، والجماعية أمر سيئ. هذا أول ما خلصت إليه عندما كنت مراهقاً بعدما قرأت أطروحة فريدريك هايك ابو الليبرالية الجديدةأكدت كل تجربة حياتية خضتها هذه القناعة بداخلي. ولذلك، أشعر بضيق شديد عندما يستمر أعداء الفردية، عن جهل أو سوء نية، في تشويه صورتها. الاتهامات المضللة على وجه الخصوص الموجهة إلى الفردية أنها تشكل مرادفاً للأنانية والتمحور حول الذات. ويرى مروجو هذا الاتهام أن أنصار الفردية لا يفكرون إلا في أنفسهم، بينما الناس داخل المجتمعات التي تسودها روح الجماعة يتركز تفكيرهم على المجموعة التي ينتمون إليها. في الواقع، العكس تماماً أقرب إلى الحقيقة، هذه النتيجة التي خلص إليها بحث أجراه أربعة علماء نفس، هم: شون رودز وريبيكا ريان وأبيغيل مارش من جامعة جورج تاون وديفون غنتر من جامعة هارفارد. نتيجة واحدة بقوة: وجود ارتباط وثيق بين الرفاه والعمل الخيري تسهم الروح الفردية في ازدهار الأشخاص، الأمر الذي يدفعهم لأن يقوموا بمزيد من أعمال الخير، ما يغذي بداخلهم شعوراً طيباً عن أنفسهم. باعتباري أحد تلاميذ هايك، أثارت هذه النتيجة بداخلي شعوراً بالطمأنينة والثقة، وليس الدهشة. أيضاً هذه الروح من «التضامن» الاجتماعي ليست طوعية تماماً ولا شاملة، بجانب أن «التناغم» المزعوم الذي تحققه عادة ما يكون قسرياً وضيق الأفق. التأكيد الفردي على استقلالية المرء وحريته من الممكن أن يفكك الارتباطات الاجتماعية، لكنه في الوقت ذاته يفتح المجال أمام الأشخاص المنتمين لخارج «مجموعتنا»، بما في ذلك الأغراب تماماً. وبذلك نجد أن الفردية تتناغم مع الكوزموبوليتانية. اللاقومية وشركات متعددة الجنسيات والمواطنة العالمية واللاحتكار ما الذي يجعل بعض الثقافات أكثر فردية عن غيرها؟ على ما يبدو، يكاد يكون في حكم المؤكد أن التنمية الاقتصادية تسهم في ذلك؛ لأنه كلما شعرت بالرفاه والأمان، قلت حاجتك للاعتماد على الأفراد المحيطين بك مباشرة لضمان البقاء. ومع ذلك، تبقى الاقتصاديات مجرد جزء من الإجابة، خاصة أن هناك دولاً مثل اليابان ازدادت ثراءً من دون أن تصطبغ بصبغة فردية أكبر. ورغم أن جذور الفردية تبدو غربية، من الواضح أنها مستقبلاً ستصبح ظاهرة عالمية بالنظر إلى أنها تنتشر بسرعة في جميع أرجاء المعمورة. * |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق