السبت، 17 يوليو 2021

وحدة العرب تمزقها التحديات... والقادم أعظم! .الوحدة العربية **********

 نهايات النصف الأول من القرن التاسع عشر بأن القادم سيكون أفضل، وأن العرب لأنهم «أمة واحدة»، ستكون لهم «إمبراطورية موحدة»، لكن كانت الصدمة الكبرى التي تلقتها الأجيال العربية اللاحقة

وأصبح هناك أكثر من 20 دولة لم تعد تجمعها إلا الجامعة العربية التي كانت قد أنشئت لتكون إطاراً لدول وشعوب من هذه الأمة الإسلامية التي وصفت في القرآن الكريم بـ«كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ».
في 7 أبريل (نيسان) عام 1947 التقى في دمشق 3 أفراد، هم ميشيل عفلق، وصلاح البيطار، واللوائي نسبة إلى لواء الإسكندرون زكي الأرسوزي، وأسسوا حزب «البعث» تحت شعار «أمة عربية واحدة» كمحاولة لتوحيد العرب كلهم، في إطار دولة واحدة، وتحرير من لا يزال محتلاً من العالم العربي كله.
لقد كانت أحلام حزب «البعث» وردية وجميلة، وكان بعد التحاق أكرم الحوراني به في عام 1952 قد تمكن من تشكيل فروع له في كثير من الدول العربية، مثل الأردن والعراق ولبنان... واليمن (الشمالي)، ثم بعدما أصبح أهم الأحزاب القومية العربية،
بخاصة بعد اندماج مصر وسوريا بزعامة جمال عبد الناصر، وأصبح هناك ما يسمى الجمهورية العربية المتحدة.

Aug 6, 2020

القومية العربية عندما تتحول إلى مشروع إبادة للشعوب

ظهرت القومية العربية كتيار طاغ، بعد سقوط دولة الخلافة الإسلامية (الدولة العثمانية)، وما رافق هذا الحدث من احتلال معظم الأقطار العربية، وتقسيمها وفق اتفاقية سايكس بيكو 1916، التي حملت اسمي مندوبي بريطانيا وفرنسا.

وعندما تحوّلت القومية العربية من مشروع تحرر من الاحتلال الغربي، إلى مشروع سلطة، كشرت أنيابها في وجه الشعوب العربية، وغرزت نصلها في رقاب المواطنين وحطمت الإنسان العربي، تحت ذرائع مستهلكة  كالأمن القومي ومحاربة الارهاب، وفوق حقيقة واحدة غير معلنة، هي إبقاء الحاكم على كرسي السلطة، أو صراع على السلطة الخاسر فيه هو الشعب. ومن يقرأ تاريخ النظم القومية في مصر عبد الناصر وسوريا الأسد وليبيا القذافي، سيجد في طريقه جرائم ومجازر مهولة، يشيب لها شعر الرأس.

لست هنا للحديث عن القومية التي مضت بعد أن أذاقت الناس الويلات، وبقيت آثارها المأساوية حتى اللحظة الراهنة، إنما للحديث عن النسخة الجديدة للقومية العربية، التي تضم في طياتها خليطا من نظم جمهورية وملكية، تتفق في ضرورة "تأميم القمع العربي"، ورفض أي تدخل إسلامي إيجابي في هذا المشهد القمعي، مع الترحيب بالمنتج القمعي الغربي والاصطفاف معه. وإذا كانت شعارات القومية التي مضت رفعت شعارات التأميم من قبيل" نفط العرب للعرب"، فإن القومية الجديدة اتخذت شعارات تأميم غير معلنة أولها "دم العرب للعرب".

عندما تدخلت تركيا في سوريا ضمن عملياتها العسكرية (درع الفرات 2016، وغصن الزيتون 2018، ونبع السلام2019)، وصولا إلى تدخلها الأكثر حضورا في إدلب التي تضم ما يقارب الأربعة ملايين مواطن سوري، فروا من ظلم نظام الأسد "القومي" المدعوم عربيا وغربيا، والاحتلالين الروسي الإيراني، عندما حدث التدخل التركي في هذه المنطقة، أصيبت النظم العربية بحالة من الهياج، وسارعت إلى إصدار بيان باسم الجامعة العربية يدين ما وصفه بالاحتلال التركي لأراض عربية، وتجاهلت القصف الروسي الهمجي الذي مسح معرّة النعمان وبلدات مجاورة من الخارطة.

*

الرابطة القومية يمكن نسجها من خلال تفاعل منظومة بشرية معينة مع بيئة طبيعية واحدة ينشأ عنها التمايز والتباين بينهم وبين منظومة بشرية أخرى تعيش وتتفاعل مع بيئة جغرافية مختلفة، بدليل أن هناك من يرى، وهو محق في ذلك، أن بيئة أهل وادي النيل مثلاً تختلف عن بيئة أهل الخليج العربي أو بيئة أهل الشام، ما يعني أنه ليست هناك رابطة واحدة لشعوب العالم العربي.
التساؤل الذي لا بد أن يُطرح في هذا السياق: هل يمكن إحياء الشعارات والآيديولوجيات التي تلاشت مع مرور الزمن كالفرعونية والعثمانية والقومية العربية؟ ثم عن أي قومية نتحدث؟ ناصرية أم بعثية أم قومية معينة كالتي في الشام؟

التاريخ يقول ومن خلال تراكم التجارب التي عاشتها الشعوب العربية خلال سبعين سنة، بأنها لم تعد تتحمس لأي وحدة رغم جاذبيتها، ولعل التجارب التي مرت بها الشعوب العربية في سبعة عقود تجعلها تزهد في أي رابطة آيديولوجية جديدة كانت أم قديمة. الحقيقة التي بات يعرفها كل من عاصر واحدة من تلك الآيديولوجيات، من قومية إلى شيوعية أو إخوانية، هي أنها رُفعت كشعارات بغرض الوصول لكرسي الحكم والإمساك بالسلطة.

عبد الناصر كان قد اختصر القومية في شخصه بدليل مشروع الوحدة التاريخي مع سوريا. ثم جاء البعث بشعاره الخادع «الأمة الخالدة» لتشهد سوريا والعراق جرائم وأفعالاً دموية لا يمكن أن تمر بخلد أحد لتتكشف صورتها لاحقاً فما كانت إلا تجسيداً للديكتاتورية وبامتياز. أما الشيوعية العربية، فقد شهدنا انتحارها في اليمن الجنوبي آنذاك عندما تصارع الماركسي مع اللينيني على السلطة وكان الثمن قتل الآلاف من الشعب اليمني. عصر «الإخوان» أيضاً لم يكن مختلفاً عن ممارسات القوميين والبعثيين والشيوعيين.

تقويم العرب للتاريخ غالباً ما يكون بطريقة انتقائية وبصورة زاهية متضخمة بالأنا وبعيدة عن الموضوعية والواقعية؛ ما يؤدي بلا محالة، إلى الإحباط وفقدان الثقة عندما ترتطم بالواقع وحقائق الأشياء.

إفرازات الثورات العربية آنذاك وما نتج منها من فوضى عارمة ومساس بالحريات ومكاسب ومغانم لطرف على حساب أطراف، كشفت لنا عن أننا كعرب ما زلنا نعيش في دوامة الصراع حول قضايا الحداثة وإشكالية الدولة المدنية والدينية، علاوة على الموقف من التراث وعلاقتنا بـ«الآخر»، كما شاهدنا آنذاك في دول ثورات ما سمي الربيع العربي، حيث عج فضاؤها الفكري بالآيديولوجيات المتناحرة والتيارات المتعددة ليتحول إلى صراع ونزاع.

الوحدة العربية ليست مطلباً في وقتنا الراهن، ومن يصر على ذلك فهو يعيش خارج التاريخ ويحلم بعالم النوستالجيا. ليس عيباً أن يتعلم العرب من أخطائهم ويوقنوا بأن الدعوة لوحدة عربية سياسية عبارة شعاراتية بالية ومتهالكة أكل الدهر عليها وشرب، بدليل حجم الخلافات والصراعات بين الدول العربية وكذلك انهيار مشاريع الوحدة ناهيك عن مهازل زعماء الأنظمة العسكرتارية العربية السابقة كصدام حسين والأسد والقذافي وأفكار الاندماجات التي بشّروا بها وانتهت للتلاشي.

بإمكان العرب تفعيل جملة من عناصر الالتقاء والتقارب في منظومة تعاونية نفعية منطلقة من وعي ومصالح الشعوب وتنظيمه في أشكال مصالح متبادلة. إننا معنيون أكثر من أي وقت مضى إلى تشكيل نسيج عملي يربطنا ويفيدنا، متحرراً من مفردات الوحدة الوجدانية والشعارات الرنانة؛ ولذا التواصل والتعاون ما بين الحكومات العربية ضروري ومُلح في وقتنا الراهن، بشرط أن يدفع باتجاه صياغة أفكار وآليات جديدة وعبر لقاءات حوارية مباشرة ودائمة ومبادرات متواصلة، في حين أن الشعوب لا قلق عليها لأن رباطها وجداني على الدوام.

كلمة السر هي في توظيف كل العوامل والإمكانات والقواسم المشتركة ما بين الدول العربية في اتجاه أكثر إنتاجية وتفاعلية من مفهوم الوحدة السياسية، فالنزعة الاقتصادية النفعية المتبادلة ستحقق الغاية التي نريدها إن أردنا الحقيقة.

مثال لنا الاتحاد الاوروبي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق