Sep 27, 2020
السقوط النهائيّ لمثقّفي الهيمنة
البرجوازيين المنخرطين في مشاريع الحكم ما بعد الكولونيالي / الاستعمار / كمروّجين ومبشّرين بأجندات سياسيّة ثقافيّة واجتماعيّة تكرّس التبعيّة للغرب الرأسمالي
الإمبرياليّة الجديدة، ومحتلين للفضاء العام. مهمتهم إقصاء أيّ حسّ نقدي تجاه الخيارات السياسيّة والاجتماعية والاقتصادية التي تتخذها تلك السلالات /النخبة/ ولو كانت كارثيّة التأثير على الأكثريّة المغيّبة
أمر يجعل من مهمّة كسر احتكار تلك النخبة لوظائف المثقّف وتعويم مفهوم المثقف العضوي المعادي للهيمنة على أوسع نطاق ممكن بين الطبقات المستضعفة
مهمّةً ملحةً أكثر من أيّ وقت مضى، ولا سيّما من خلال تعظيم الانتفاع من نافذة التواصل العريض مع المجتمعات والسهولة النسبيّة للوصول إلى المعارف التي يوفرها الإنترنت وأدوات الإعلام الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي.
إشارة ماركس وأنجلز في «الأيديولوجيا الألمانيّة» رائدة لناحية تحديد دور للمثقفين كجزء من سياق المجتمع الرأسمالي «حيث الطبقة التي تمتلك وسائل الإنتاج الماديّ بتصرفها (بما فيها رأس المال بالطبع)، تسيطر في ذات الوقت على وسائل الإنتاج الفكري»، وأن مهمة الإنتاج الفكري «توكلها الطبقة المسيطرة لمفكري الطبقة المنتجين لأيديولوجيتها
المثقفين يندرجون تحت ثلاث فئات: مثقفون تقليديون (رجال الدين الرسمي، موظفو الدّولة والصحافيون المحترفون مثلاً) وهم حكماً من بقايا نظام اقتصادي وسياسي اندثر منذ بعض الوقت وليست لديهم أيّ قيمة فعليّة، لكن الطبقة المهيمنة تجدهم مفيدين في إعادة انتاج أيديولوجيا الخضوع والحفاظ على الوضع القائم. وهناك مثقفون تكنوقراط (الخبراء المتخصصون في الإدارة والماليّة والأكاديميا الذين يعملون في فضاء مؤسسات الإنتاج الاقتصادي والمالي وتأهيل البيروقراطيّة بشكلها المعاصر) وهؤلاء يتجنبون عادة الخوض في المسائل السياسيّة مباشرة ويعملون بدقة ضمن قواعد وخطوط غير مكتوبة لكن متوافق عليها. وأخيراً، هناك المثقفون العضويّون وهم أولئك الذين لا يرتبط نشاطهم الفكري حصراً بوظائفهم بقدر ما يتجاوزها نحو التأثير الأوسع بالمجتمع، وتقديم نوع من قيادة أخلاقيّة ثقافيّة وفكريّة نقديّة الطابع لتوجهاته السياسيّة والاجتماعيّة في نطاق ظروفه الماديّة البنيوية. ويُقرأ من غرامشي بأن المثقفين العضويين يمكن في النهاية أن يكونوا على طرفَي نقيض من الهيمنة، أكانت من إمبريالية أجنبيّة مباشرة أو من طبقة محليّة حاكمة: مثقفو الهيمنة، وهم حكماً من الطبقة البرجوازيّة أو من المتوهمين بإمكان الالتحاق بأجوائها ينخرطون بالكليّة في مشاريع الحكم القائمة ويروجون لخياراتها السياسيّة والثقافية والأخلاقيّة، ويحتلّون الفضاء العام لإقصاء أيّ حسّ نقدي تجاه الخيارات السياسيّة والاجتماعية والاقتصادية التي تتخذها تلك النخب الحاكمة، في مقابل مثقفين معادين للهيمنة قد يكونون برجوازيين أصلاً (كما ماركس مثلاً) انتصروا على وعيهم الطبقي الزائف، وتجاوزوا سقوف أيديولوجية البرجوازيّة سايكولوجيّاً وسياسياً، وتلك قلّة نادرة دائماً، أو منحدرين من الطبقة العاملة. يراهن غرامشي دائماً على دور ثوري وطليعيّ لفئة المثقف العضوي المعادي للهيمنة نتاج الطبقة العاملة ـــ بمعناها العريض من دون الاقتصار على مفهوم بروليتاريا العصر الصناعي الضيّق ـــ بوصفه الأقدر على تحدي الأوضاع القائمة وكشف تهافت أيديولوجيا النخبة المهيمنة ونقد السياق الاجتماعيّ والثقافيّ للمجتمع، وبالتالي صياغة نوع من توجه محدد نحو التغيير وقيادته لتأسيس الحالة الثوريّة.
البريطانيّ برتراند رسل – إلى أنّ المثقف العضوي المعاصر قد يؤثر على أحاديث الناس العاديين، لكن حتماً ليس على سلوكياتهم، وأن تصور المثقفين عن أهميّة آرائهم موهوم ونرجسيّ ولا يمت للحقيقة بكبير صلة، بدلالة أن الدّفق الاجتماعي الغالب يدفع باتجاه مناهض للمصالح الاستراتيجيّة للمجتمعات وللبشريّة عموماً.
تبدو تجربة مختلف المجتمعات العربيّة منذ بداية القرن العشرين وإلى اليوم كأنها في صيغة انتقالها من ظلام قرون الاستعمار العثمانيّ إلى عصر الاستعمار التقليدي وانتهاءً بعصر التبعيّة للإمبرياليّة الغربيّة الجديدة. تشترك معاً في الدّور المخيّب للآمال الذي لعبته النخبة المثقّفة في كل منها سواء لناحية انخراطها الكليّ في تكريس هيمنة الاحتلال الأجنبي
سلطة السلالات القروسطيّة (ملكيّات ومشيخات وجمهوريّات معسكرة) التي وليت وكالة إدارة الكيانات الوظيفيّة تركة الاستعمار التقليدي لمصلحة الإمبرياليّة الجديدة، أو لدورها في الترويج لأجندات سياسيّة ثقافيّة واجتماعيّة واقتصاديّة تكرّس التبعيّة للغرب الرأسمالي وللنظام النيوليبرالي، وسلوكها الخيانيّ في إغلاق الفضاء العام لمجتمعاتها وإقصاء أيّ حسّ نقدي تجاه الخيارات السياسيّة والاستراتيجيّة التي تتخذها السلالات الحاكمة، ولو كانت تلك الخيارات كارثيّة التأثير على الأكثريّة المغيّبة ومناهضة لمصالح (الدّولة) ذاتها، والإقليم العربيّ على المدى المتوسط والطويل.
حالات فرديّة نادرة وعبقريّات معزولة تجاوزت سياقها الطبقيّ والمحليّ، وغالباً ما دفعت أثماناً باهظة من دمها، وأكدت القاعدة ولا تنفيها.
مراجعة نقديّة لدور هذه النخبة في المفاصل الحاسمة من تاريخنا المعاصر (سواء في مسار القضيّة الفلسطينية انتهاء إلى دولة رام الله وإمارة غزّة، أو في هزيمة الـ 1967، أو في حرب أيلول 1970 في الأردن، أو في حرب تشرين 1973، أو في حرب لبنان الأهليّة، أو في سقوط مصر في مربّع كامب ديفيد، أو ردّة عسكر الجزائر إلى حضن الأميركي، أو حربَي الخليج وسقوط بغداد 2003 إلى ويلات ربيع العرب الأميركي والهجمة الغربيّة على سوريا وليبيا، وكسر ثورة البحرين، والعدوان على اليمن، واستهداف المقاومة في لبنان)، لتكشف عن نسق روتيني من انحياز يكاد يكون رثاً ولا عقلانياً مع الإمبرياليّة ضد الأوطان، ومع السلالات الحاكمة ضد المواطنين، ومع مصالح النخبة المهيمنة ضد الطبقات الأقل حظاً. بل انخرط كثيرون يصعب حصرهم في خدمات استخباريّة وتجسسيّة مباشرة كـ «مخبرين محليين» وطلائع للجيوش الغازية ودعاة تطبيع علني، ناهيك بالطبع عن أكوام الكتّاب والصحافيين المهاجرين إلى مصانع البروباغندا السعوديّة والقطريّة مدّاحين ومتزلفين وأبواقاً مشرعة ضدّ أعداء الهيمنة
لكّن هستيريا تطبيع الأنظمة العربيّة (العلني حصراً - تأكيداً على عمق الاتصالات السريّة وعراقتها)، وتسارعها الانهياريّ الطابع تجاه تأسيس علاقات رسمية ونخبوية مع الكيان العبري (تحت الرّعاية الأميركيّة المباشرة) كشفت عن سقوط نهائيّ لا رجعة عنه لفئة مثقفي الهيمنة البرجوازيين، ليس التقليديين منهم والتكنوقراط فحسب، بل والأخطر: المثقفون العضويون. تسابق هؤلاء، متطوعين أو مضطرين لا فرق، للتّرحيب الحار – حد التّهريج أحياناً - بالاختراق العبراني السافر لبلادهم، وقرارات السلالات الحاكمة بكسر كل غلافات السريّة التي طالما أحاطت بها علاقاتها الحميمة العتيقة بالكيان الاستيطاني، كلٌّ بحسب موقعه ومساحة تأثيره.
هذا السّقوط المدوي والنهائي لفئة مثقفي الطبقة البرجوازيّة العربيّة – على أنواعها - يدفع بقيتنا من بقيّة الطبقات (العاملة والوسطى كلتيهما) والمعنيين باستمرارية المواجهة مع الإمبراطوريّة وذراعها العبريّة لإعادة التفكير مليّاً في طرائق استرداد مساحات التأثير من مثقفي الهيمنة، ليس لناحية مقاطعة منتجاتهم الثقافيّة والإعلاميّة فقط، وبل التضامن لبناء مساحات وفضاءات بديلة عنها تسمح بتصعيد مثقفين عضويين معادين للهيمنة من أبناء الطبقة العاملة، وأيضاً من أبناء الطبقة البرجوازية والطبقة الوسطى الذين لديهم الحد الأدنى من القدرة على تحدي الذّات ومساءلة الأيديولوجيا الغالبة على مجتمعاتهم.
الفضاءات التقليديّة للمواجهة الثقافيّة في العالم العربي من خلال الأحزاب اليساريّة (والشيوعيّة!) والصحافة – بمفهومهما الكلاسيكيّ – والجامعات واتحادات العمّال قد خضعت بالكامل للأنظمة الحاكمة وأجهزتها الأمنيّة والاستخباريّة، فأُخرجت تماماً من الخدمة الفعليّة ولم تعد بذات صلة بأي جهود تغييريّة، أو انتهت بالكليّة، أو تحوّلت إلى روابط مشجعين للسلطات السياسيّة في كل مبادراتها من منح نساء الطبقة البرجوازية الحق في قيادة السيّارات وصولاً إلى التطبيع العلني وما بينهما. لذا، لا مفرّ أمامنا اليوم من نقل ساحة المواجهة الثقافيّة – للسواد الغالب من المتعلمين من أبناء الطبقتين الوسطى والعاملة الذين يتعذر عليهم بالطبع الانخراط في العمل العسكريّ المباشر للمقاومة لسبب أو لآخر - إلى فضاء الميديا الإلكترونيّة وتأسيس وجود هناك يمنع بداية احتكار تلك المساحة من قبل مثقفي الهيمنة وتحويلها من قبلهم إلى مساحة إضافيّة للبهلوانيّات الأيديولوجيّة. وتالياً فرض مناخ نقدي للنقاشات العامّة يسمح بتقييم المواقف الاستراتيجيّة الطابع للأنظمة الحاكمة وسادتها الإمبرياليين من وجهات نظر بديلة، وتقديم تصورات وأفكار ونظريّات تتحدى الأنساق الرجعية المحافظة والليبراليّة المتوحشة - التي تحبها الأنظمة وترضاها – وتعريها على العلن، سواء في السياسة أو الاقتصاد أو الأدب أو السينما أو الفنون. وربّما نكون محظوظين أكثر من غيرنا في الأجيال السابقة لناحية ما تنتجه التكنولوجيا الحديثة اليوم من أدوات قريبة تمكّن تعظيم الانتفاع من نافذة التواصل العريض مع المجتمعات، وتسمح بالوصول اللحظيّ غير المسبوق إلى المعارف التي يوفرها الإنترنت، كما إمكانات التنوير عبر أدوات الإعلام الإلكتروني (صحف افتراضيّة ومدونات ومواقع متخصصة وغرف نقاش عام وبودكستات ومواقع تواصل اجتماعي، رغم هيمنة الشركات الأميركيّة على تلك الأخيرة).
وهي أدوات زهيدة التكلفة بمجملها، واسعة الانتشار بما لا يقارن مع أدوات الإعلام التقليديّ
دلالة على الأزمة الخانقة التي تعيشها السلالات الحاكمة وانسداد آفاقها ومحدودية خياراتها في صياغة استجابات استراتيجيّة للتحديات الوجوديّة التي تواجه مجتمعاتها، وتعرية لضعفها البنيوي والأخلاقي، وواقع اعتمادها في صراع البقاء حصراً على دعم الإمبرياليات الأجنبيّة الطامعة وهزالة نخبها البرجوازيّة وانحطاطها. ولذا، فإن دمقرطة مفهوم المثقّف العضوي المعادي للهيمنة وتوسيعه بالإفادة من معطيات التكنولوجيا المعاصرة ليست ترفاً اليوم بقدر ما هي مهمّة عاجلة وفرصة تاريخيّة قد لا تتكرر.
*
عبد الناصر سلامة
رئيس تحرير صحيفة "الأهرام" الحكومية السابق، فكرني بحسن نافعة
مقال سلامة، الذي عمل رئيساً لتحرير الأهرام خلال عامي 2012 و2013، طالب مقدِّم البرامج نشأت الديهي عبر برنامجه بإحالة سلامة للتحقيق بتهمة "الخيانة"، قائلا إنه يمثل خطراً على الأمن القومي المصري بـ"مفرداته الوقحة ونداءاته التي تسهم في زعزعة ثقة المواطن في دولته".
سلامة كتب في مقال نشرَهُ الأحد عبر فيسبوك وتناقلته مواقع إلكترونية تبُث جميعا من خارج مصر بعنوان "افعلها يا ريس"، قائلاً: "لماذا لا تكون لدى الرئيس السيسي الشجاعة الأدبية والأخلاقية، ويعلن مسؤوليته المباشرة عن الهزيمة الثقيلة أمام إثيوبيا، وإضاعة حق مصر التاريخي في مياه النيل".
مقال سلامة "سبا وقذفا، وليس إبداء للرأي"
تعليقا على الضجة التي أثارها مقال سلامة، يقول أستاذ في كلية الإعلام في جامعة القاهرة، طلب عدم ذكر اسمه، إن لجوء مستهلكي المادة الإعلامية إلى الرأي المخالف أمر طبيعي بسبب ما سماه "حالة الصوت الواحد التي تعيشها وسائل الإعلام المصرية".
السيسي: "لا يليق بنا أن نقلق أبدا.. عيشوا حياتكم (...) بلاش هري"،
السيسي: ربنا قال لي هخلي معاك البركة.. وريني هتعمل ايه لبلدك ولناسك
يارب اقدر او نقدر مع بعض *****
يقول لا تقلقوا يطلعوا يقولوا لا تقلقوا وبعدها يطلع يقول اقلقوا وانا قلقان يطلعوا يقولوا لزم نقلق😂😂 وبعدها يطلع يقول لا يليق بنا ان نقلق يطلعوا يقولوا لا تقلقوا 😂😂
* Jul 16, 2021
حسني مبارك، عبارته الشهيرة: "خليهم يتسلّوا"، في إشارة إلى المعارضة التي كانت تنتقد البرلمان، والتزوير الذي أطاح جميع المعارضين. العبارة الارتجالية التي عبَّرت، في حينه، عن تصديق النظام لتأثير ما يفعله، تكرّرت، أوّل من أمس، على لسان الرئيس عبد الفتاح السيسي، ولكن بصيغة أخرى، حين توجّه للمصريين، قائلاً: "عيشوا حياتكم وبطّلوا هري"، تعليقاً على الاهتمام الشعبي بأزمة سدّ النهضة.
الهري" باللغة المصرية المحكية، تعني كثرة الكلام من دون جدوى.
للارتجال، إلّا أنه عبّر، من خلال جملته المقتضبة، عن الطريقة التي ينظر فيها إلى الشعب المصري
فالجنرال، الذي استقال من الجيش ليخوض الانتخابات الرئاسية، وهي محسومة له، يتعامل مع المصريين كجنود لديه، وليس كمواطنين من حقّهم المشاركة في الحياة السياسية، وإبداء الرأي الذي قد يتعارض مع قرارات السلطة، بل وانتقادها إذا لزم الأمر. هو لا يقبل ذلك حتّى من المقرّبين منه، الأمر الذي يفسّر عدم قدرته على العمل مع الكثير من الشخصيات المشهود لها بالكفاءة والنزاهة، نتيجة رفضها قراراته المفاجئة. وقلقل من رجال الاعمال +++ وله شخصية المستقله من كلام مراته
الحياة التي يرغبها السيسي للمصريين، عادية أو ربّما أقل من عادية. فالرئيس، الذي قضى على الطبقة المتوسّطة، هو نفسه الذي حرص على الاهتمام، شكلياً، بالطبقات الأقل فقراً، من خلال مبادرات وتسهيلات عدة تتمحور حول توفير سكن مناسب وخدمات بأسعار قليلة، مقارنة بالخدمات الخاصّة. لكنّ الرجل نفسه انتزع الكثير من الطبقة المتوسّطة، لتنحدر وتصبح أقل من متوسّطة، بسبب قراراته التي حمّلتها أعباءً أكبر من قدرتها، وجعلت مستوى معيشتها يتراجع بشدّة. أمّا الدعم الذي حصلت عليه الطبقات الفقيرة، فيتراجع تدريجاً، بسبب الزيادات المحدودة لقيمته، ورفعه عن الكهرباء والمحروقات وغيرها من الخدمات، التي ستُباع بالأسعار العالمية، خلال السنوات المقبلة، وفق خطّة الحكومة. حتى المباني، التي تقطنها العائلات، ستؤول للحكومة مستقبلاً، بحكم تحويل غالبيّتها إلى حقّ الانتفاع، وليس نظام التملّك.
لا يحاول النظام شرح الوضع للمواطنين، إلّا بالطريقة التي يريدها، ومن الزاوية التي تخدم مصلحته
فتارةً هو الشخص الواعي الذي يدرك ما يُحاك ضدّ بلاده من مؤامرات، بالتالي يخرج للتظاهر في مواجهة "أهل الشرّ"، كما يحب الرئيس أن يلقبّهم، وتارةً أخرى هو الشخص الذي لا يفهم، ولا يعي ما يحدث حوله، ولا يعرف كيف تُدار الدولة، بل لا يجب عليه أن يشتكي من قرارات زيادة الأسعار، وغيرها من القرارات التي تؤثّر سلباً في حياته. حتّى ممثّلوه في البرلمان عرضة للإسكات، وقد ظهر ذلك عندما وبّخ السيسي نائباً، بسبب محاولته إبداء اعتراضٍ على قرارٍ مرتبط بالأسعار. ولا يحاول النظام شرح الوضع للمواطنين، إلّا بالطريقة التي يريدها، ومن الزاوية التي تخدم مصلحته، وعبر إظهار أنه الأفضل والأقوى، خصوصاً لجهة المشاريع التي يتمّ تنفيذها. فإبراز مشاريع الطرق، وغيرها، يُنسب للرئيس وحده، بينما في الحقيقة، دفع كلفتها المواطن، بشكل مباشر، سواء عبر الرسوم، أو من خلال تحمّل الأعباء المالية الزائدة على جميع الخدمات لتسديد ديون الاقتراض.
السياسة، من وجهة نظر السيسي ونظامه، هي توجيه الشعب لتحقيق أهداف السلطة. وهذا الأمر يعكس، بوضوح، تصاعد دور الاستخبارات، ورجلها الأوّل اللواء عباس كامل، في الأمور الداخلية. ففي الوقت الذي كان يحتفي الرئيس المصري بمشاريع تحسين عددٍ من القرى، أوّل من أمس، وقف إلى جواره مدير الاستخبارات العامّة مع بعض رجال الأعمال، الذين أُجبروا على دفع ملايين الجنيهات، ليحصلوا في مقابلها على امتيازات عدة، من بينها عضويات في البرلمان، وتسهيلات لمشاريعهم، بالتعاون مع الجيش، وغيرها. تنفيذ قرارات السيسي وتوجيهاته من دون نقاش، هي سياسة يتّبعها جميع المسؤولين، حتى الذين يُفاجأون بتعليمات رئاسية على الهواء مباشرة، خلال المؤتمرات. هؤلاء يستجيبون بغضّ النظر عن التكلفة والتداعيات على الجودة، وهو ما يدفع إلى إعادة تأهيل عددٍ لا بأس به من المشاريع، بعد وقت قصير من افتتاحها.
*
إنسان يتلقى ريالا واحدا من أي دولة أجنبية؛ سواء كانت صديقة أو شقيقة، خارج عقود العمل، ولم يفصح لسلطات دولته عن هذا الريال فإنه يعد متخابرا وعميلا لتلك الدولة الصديقة أو الشقيقة، خصوصا المثقفين. حتى ولو كانت المعاملات المالية تتم خارج النظام المصرفي للدولة.
*
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق