التضخم العالي.
ما يخشاه العالم، أن تكون موجة التضخم المقبلة سريعة وقوية ومستدامة، وبالتالي توجه الحكومات والبنوك المركزية صعوبات لكبحها والتعامل معها بالطرق التقليدية ومنها زيادة سعر الفائدة وسحب السيولة من الأسواق وتعطيشها.
كل التوقعات تشير إلى أن الموجة المقبلة للتضخم ستصيب معظم دول العالم خلال الفترة المقبلة، وربما خلال هذا الصيف، وأن انتعاش الاقتصادات الكبرى، وفي مقدمتها الاقتصاد الأميركي، ورغبة الدول في العودة بالإنتاج والأنشطة الاقتصادية المتنوعة وحركة السفر والطيران والتجارة إلى حالة ما قبل كورونا تدعم قفزة التضخم تلك.
تدعمها أيضاً رغبة محمومة من قبل الصين في قيادة الاقتصاد العالمي خلال السنوات المقبلة، وبالتالي إقبالها الشديد على تخزين السلع والمواد الخام والسلع الوسيطة والنفط والمحاصيل وغيرها قبل زيادة سعرها، ورغبة لا تقل من قبل مئات الملايين حول العالم في السفر والتسوق والشراء وزيادة الإنفاق.
يصاحب ذلك أيضاً الإقبال الكبير على شراء السلع والمواد الخام والأصول، سواء من قبل الدول، كما يحدث حالياً في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أو الأفراد الذين يخشون على مدخراتهم من التآكل بسبب التضخم القادم.
التضخم خطر على المواطن والاقتصادات والدول والبنوك المركزية، فزيادته تؤدي إلى حدوث قفزات في أسعار السلع، وزيادة في تكلفة الإنتاج، وتفاقم في الدين العام
والتضخم يعني تآكلاً في المدخرات والدخول، وضعفاً في القدرة الشرائية للمواطن، فما يملكه المواطن لشراء كرتونة من البيض قد لا يكفي لشراء نصف هذه الكرتونة في حال زيادة الأسعار.
والراتب الذي لا يكاد راتبه يكفي لتغطية الاحتياجات الشهرية قد لا يكفي هذا الدخل الثابت لتغطية 3 أسابيع من الشهر وربما أسبوعين فقط، ويتكرر الحال مع رغيف الخبز الذي قد تلجأ الحكومات إما لتحريره ووقف الدعم عنه، أو زيادة سعره، أو إنقاص وزنه في حال التضخم العالي، وهو ما قد يثير اضطرابات في بعض الدول الديموقراطية، أما الدول السلطوية فستواجه ذلك بتشديد القبضة الحديدية واعتقال المعارض لأي قرار حكومي برفع الأسعار.
وربما يؤدي التضخم في النهاية إلى حدوث ركود شديد في الأسواق قد يصل إلى حالة الكساد، وهو ما يعني إغلاق مزيد من المصانع وتسريح العمال وتراجع إيرادات الدولة من الضرائب والتأمينات وغيرها.
كذلك يؤدّي التضخم العالي إلى انفجار فقاعة سوق العقارات والقروض الاستهلاكية وقروض السيارات كما حدث في الولايات المتحدة عام 2008 وأدى إلى حدوث الأزمة المالية العالمية، وكذا إلى تعميق الفجوة في الدخول داخل الدول، وزيادة الأغنياء غنى والفقراء فقراً، وزيادة فجوة النمو غير المتوازن بين الاقتصادات الغنية والفقيرة
إزاء هذا الوضع المعقد تقف بعض الحكومات محتارة وربما عاجزة أمام التعامل مع خطر التضخم، فليس من السهل عليها أن ترفع أسعار السلع والخدمات من بنزين وسولار وكهرباء ومياه وغاز طهي وغيرها لمعالجة الخلل في مركز الدولة المالي، وذلك في ظل المعاناة المعيشية التي عانى منها المواطن طوال أكثر من عام والنصف عام منذ تفشي وباء كورونا.
وإذا كانت الدول الفقيرة أكثر تضرراً من مخاطر التضخم، فلن تكون الدول الغنية أيضاً في مأمن من هذه المخاطر، ولذا ستتردد هذه الدول كثيراً في زيادة الأسعار، كما حدث مؤخراً مع حكومة بريطانيا التي تراجعت عن زيادة ضريبة البنزين حتى لا تثير غضب السائقين المنهكين من إجراءات الإغلاق والقيود.
مع زيادة التضخم باتت البنوك المركزية مجبرة على التخلي عن تشديد سياساتها النقدية كما حدث خلال معالجة أزمة وباء كورونا، والتخلي عن سياسة سعر الفائدة الصفرية كما حدث مع الدولار.
قد تسمح بعض البنوك المركزية في دول المنطقة بخفض عملتها الوطنية وزيادة أسعار الفائدة بمعدلات كبيرة لحماية العملة من خطر "الدولرة" وتخلي المودعين عنها، وهو ما يعني في النهاية زيادة كلفة الاقتراض والدين العام الحكومي الذي تكافح الحكومات للجمه بعد أن شهد انفلاتاً كبيراً في ظل تفشي كورونا وتراجع إيرادات الدولة، سواء بالسيولة المحلية أو النقد الأجنبي.
لعلنا نذكر أن رئيس الاحتياطي الفيدرالي " البنك المركزي الأميركي" بول فولكر اضطر إلى رفع سعر الفائدة في الولايات المتحدة حتى 20%، في محاولة لوقف ارتفاع معدلات التضخم في نهاية سبعينيات القرن الماضي عقب الارتفاع الكبير والسريع في الأسعار، ومعدل التضخم. كما رفعت بعض الدول سعر الفائدة إلى 50% كما حدث في الأرجنتين للحيلولة دون انهيار عملتها.
الاحتفاظ بالعملات الأجنبية وشراء الأصول من أراضٍ وعقارات وذهب وأدوات
كهربائية وسيارات وأسهم في الشركات وأدوات دين حكومية "سندات وأذون خزانة"، قد تكون الحل الأمثل لمواجهة موجة التضخم بالنسبة للمدخر الصغير.
Jun 10, 2021*
الإخفاق في السيطرة على التضخم يُفقد الاقتصاد العالمي قوة الدفع
الاقتصاد العالمي شهد ارتفاعا في التضخم مع إنفاق تريليونات من الدولارات على شكل حزم تحفيز من الحكومات والبنوك المركزية.
انفجار في الطلب على الاستهلاك
اعتبر محللو اقتصاد أن الإخفاق في السيطرة على جموح التضخم بسبب حزم التحفيز المالي التي قدمتها حكومات العالم بات هاجسا كبيرا لواضعي السياسات النقدية وخاصة البنوك المركزية، التي يبدو أنها أمام تحدّ لم تكن تتوقعه خاصة مع القفزة الكبيرة في الاستهلاك بعد تخفيف قيود الإغلاق.
لندن - شهد الاقتصاد العالمي ارتفاعا في التضخم هو الأسرع منذ 14 عاما مع إنفاق تريليونات من الدولارات على شكل حزم تحفيز من الحكومات والبنوك المركزية في مواجهة تداعيات جائحة كورونا.
وجاءت الولايات المتحدة في مقدمة الدول صاحبة معدلات التضخم الأعلى بمعدل 4.2 في المئة في أبريل الماضي، وبينما تأتي المعدلات الطبيعية للتضخم بالنسبة إلى الدول المتقدمة عند اثنين في المئة، تصل في الدول النامية إلى 4 في المئة.
وتأتي تلك المعدلات التضخمية عقب حزم وحوافز مالية ضختها الحكومات الكبرى لدعم الشركات والبنى التحتية بهدف تعزيز التعافي الاقتصادي، ما أدى إلى زيادة الاستهلاك والطلب العالمي على السلع خصوصا الطلب على الطاقة.
“انخفاض الطلب العالمي على السلع بشكل عام أدى إلى تراجع معدلات التضخم، وعند ظهور اللقاحات ووجود حلول لمشكلة الجائحة إلى حد ما، عاد الاستهلاك إلى الصعود، وارتفعت معه معدلات التضخم مرة أخرى”.
الرابط القوي بين الاستهلاك والتضخم من جهة، ومعدلات النمو من جهة أخرى، إذ كل منهما يشكل سببا ونتيجة للآخر في نفس الوقت.
حزم التحفيز دفعت الاستهلاك إلى الصعود وزاد معه التضخم
توقع البنك الدولي نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 5.6 في المئة خلال 2021، بينما توقع صندوق النقد الدولي أن يحقق نموا بنحو 6 في المئة.
الحجج والمبررات العالمية ظهرت لتقول إن “التحفيز المالي لن يؤدي إلى تضخم كبير، لأن الأسر ستدخر جزءا كبيرا منه لسداد الديون التي تراكمت عليها خلال فترة الوباء، ما يحجم الطلب”.
“فإن الحجج تتحدث عن أن الاستثمارات في البنية التحتية لن تزيد الطلب فحسب، بل ستزيد العرض أيضا”.
على المدى القصير سيؤدي الركود في أسواق العمالة والسلع وفي بعض أسواق العقارات إلى منع حدوث طفرة تضخمية مستدامة. لكن على المدى الطويل فإن السياسات النقدية والمالية المتساهلة ستبدأ بإحداث ضغوط تضخمية مستمرة، وفق روبيني.
Jun 17, 2021
*
التضخم في الأسواق
«التضخم النقدي»، الذي يؤدي بدوره إلى «التضخم السعري»، الذي يحدث عندما تزيد كمية النقود مع ثبات كمية السلع والمنتجات، فيزداد الطلب على السلع، فترتفع الأسعار.
يُمكِن أن يحدث التضخم السعري أيضًا بسبب ارتفاع تكاليف الأعمال، مما يترتب عليه ارتفاع الأسعار. فمثلًا قد ترتفع أسعار المواد الخام خاصة النفط، أو قد ترتفع تكاليف العمالة مما ينعكس على أسعار السلع والمنتجات. يُعرَف هذا النوع من التضخم السعري باسم «تضخم ارتفاع التكاليف». يوجد نوع آخر من التضخم السعري يُسمى «التضخم الناتج عن الطلب»، حيث يحدث التضخم في هذه الحالة نتيجة ارتفاع المستوى المادي للمواطنين وبالتالي يحتاجون إلى شراء المزيد من السلع، يؤدي ذلك إلى زياد الطلب على السلع مما ينتج عنه ارتفاع أسعارها. لذا، أحيانًا قد يؤدي خفض الضريبة إلى حدوث تضخم لأن ذلك يعني زيادة في صافي الدخل للأفراد وبالتالي ارتفاع الطلب على السلع.
تلجأ البنوك المركزية إلى زيادة مخزون النقود دون وجود غطاء له، كما في حالات حدوث عجز في الموازنة مع عدم قدرة الدولة على الاستدانة من الخارج، فتضطر إلى طباعة النقود لتغطية نفقاتها مع علمها بالآثار الكارثية لذلك. إن قيام البنك المركزي بهذا الأمر أشبه بإصدار شخص ما شيكًا بدون رصيد.
لكن أحيانًا يكون الهدف من زيادة النقود المُتداوَلَة هو تحفيز الاقتصاد وخلق فرص عمل، حيث تقوم البنوك المركزية بذلك أما عن طريق:
1) زيادة الأوراق المالية المتداولة؛ أو
(2) زيادة الدين الحكومي؛ أو
(3) خفض احتياطي الإقراض؛ أو
(4) خفض أسعار الفائدة
عندما يخفض البنك سعر الفائدة، تقل تكلفة الاقتراض وبالتالي يشجع ذلك أصحاب الأعمال على الاقتراض لتنمية أعمالهم، وهذا يعني استثمار الأموال في الصناعة، ورفع الإنتاج مما يسهم بدوره في تحفيز الاقتصاد. وبالمثل، يؤثر خفض سعر الفائدة إيجابًا على سوق الأوراق المالية حيث يسهم في تحسين نتائج أعمال الشركات التي لديها مديونيات نظرًا لتراجع المصروفات التمويلية، إلا أن قرار خفض أسعار الفائدة لا يلقى ترحيبًا لدى المستثمرين، لأن انخفاض الفائدة على مدخراتهم يعني حصولهم على عائد أقل.
السؤال هنا، هل يُمْكِن أن يؤدي التضخم إلى انتعاش اقتصادي؟ نعم، هناك فرصة لحدوث ذلك إذا كانت الظروف مواتية. فحيث أن التضخم لا يحدث بين عشية وضحاها، قد يتزامن مع طباعة الدولة مزيد من النقود، توسع بعض الشركات في إنتاجها وشراءها معدات جديدة وتوظيف عمالة، إلى جانب زيادة استهلاك المواطنين للسلع، مما قد يترتب عليه نمو في الاقتصاد قبل أن ينمو التضخم.
التضخم حقيقة واقعة في كل زمان، وهي بالطبع تؤثر على بيئة الاستثمار. لذا؛ يجب على المستثمرين فهم أثار التضخم وإدارة محافظهم الاستثمارية وفقًا لذلك. يُنصَح المستثمرين دائمًا بالحرص على تنويع الاستثمارات ما بين الأسهم والاستثمارات ذات الدخل الثابت بما يحقق عوائد حقيقية كفيلة بمعالجة أثار التضخم.
*
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق