طبيعة العلاقة بين الأديان والإنسان. وهذه الحقيقة هي أن الأديان السماوية بكل أنظمتها وتشريعاتها، جاءت من أجل خدمة الإنسان وسعادته. بمعنى أن الالتزام بتشريعات الدين وأنظمته، تفضي على المستويين العام والخاص إلى سعادة الإنسان واستقراره على جميع المستويات. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نتصور الدين الذي أنزله البارئ عز وجل بمعزل عن الإنسان ومصالحه النوعية.
فالعلاقة جد وطيدة وعميقة بين تشريعات الدين ومصالح الإنسان الخاصة والعامة. فهي تشريعات تصون الإنسان وتحمي حقوقه ومكاسبه. لذلك نجد أن القرآن الكريم أنكر على أهل الكتاب تنازلهم عن حقوقهم المشروعة وحرياتهم الإنسانية التي ولدوا عليها، ورضوا بالعبودية لرهبانهم وأحبارهم الذين تبوؤا سلطة التشريع بدل الحق جل وعلا.
(اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون).
فالأديان جاءت من أجل تحرير الإنسان من العبودية لغير الله سبحانه وتعالى، لذلك نجد القرآن الحكيم يدعو أهل الكتاب كافة ليتحرروا من هذه الأغلال والعبودية لغير الله، وأن يفردوا الله وحده بالعبادة والخضوع. إذ قال تعالى (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون).
جميع القيم والتشريعات الإسلامية، جاءت من أجل تحرير الإنسان وحمايته وتكريمه والسمو به في مدارج الكمال والرقي المادي والمعنوي.
دور الأديان في بناء الإنسان، نود أن نثير النقاط التالية : 1- حينما نريد أن ندرس التجربة الدينية في حياة الإنسان المعاصر، من الضروري التفريق والتمييز بين مستويين وهما : 1- المستوى المعياري: وهو مجموع القيم والمبادئ الخالدة، وهي العابرة لحدود الزمان والمكان. ولا مشكلة لدينا على هذا المستوى. إذ أننا نعتقد وبشكل جازم أن البارئ عز وجل لم يشرع للإنسان القتل والعدوان وممارسة الكراهية بكل مستوياتها وأطوارها. فالأديان السماوية كما أنزلها الله هي منبع الخير المطلق.
2- المستوى التاريخي: وهو مجموع الجهد البشري والدين كما هو معيوش.
يبدو أن كل الإشكالات المتعلقة بين أهل الأديان التوحيدية الثلاثة، تستوطن هذا المستوى. وينبغي أن تتجه كل الجهود الحوارية نحو صياغة علاقة إيجابية بين أهل هذه الأديان، بعيدا عن إكراهات وعبء التاريخ. كتاب اهل الكتاب
على أهل هذه الأديان في هذه اللحظة التاريخية الحساسة أن يتخذوا موقفا صريحا وواضحا تجاه الظواهر الثلاث : 1- ظاهرة الحركة الصهيونية في التجربة الدينية اليهودية، وهي الحركة التي اغتصبت أرض فلسطين، وهجّرت وقتلت شعب فلسطين، وكل ذلك تم بغطاء ديني توراتي.
2- ظاهرة الاستعمار ونزعات السيطرة والهيمنة التي سادت المجال الحضاري الغربي، واستفادت من الغطاء الديني المسيحي، وصولا إلى ظاهرة المحافظين الجدد في التجربة الدينية المسيحية.
3- ظاهرة الغلو والتطرف والإرهاب الديني في التجربة الدينية الإسلامية. وهي الظاهرة التي عاثت في أصقاع الأرض فسادا وقتلا، وعملت كل هذه الجرائم بتفسير وغطاء ديني إسلامي.
أغلبية الأحوال يتحركون بنوازعهم ورغباتهم وإيراداتهم وأهوائهم ولا يستخدمون العقل إلا من أجل الوصول إلى هذه الأغراض بأدق الطرق وأحكمها وأكثرها ضبطا وإحكاما. ويستوي في ذلك الأخيار والأشرار. وهذه هي قضيتنا مع العقل. إنه أداة بالغة الخطر، ولكنه أداة لن يستطيع أحد الاستغناء عنها، وكي تؤتي ثمارها الإنسانية الطيبة لا بد من إحاطتها بسياج من القيم العالمية ولا بد من تحريرها من رغباتها وأهوائها المضادة للموضوعية ولخير الإنسان وكرامته، ولا بد بشكل خاص من أن نحول دون تحول هذه القوة إلى سلاح ضارب يقضي على معاني الإنسانية فينا وعلى حساسيتها الجمالية، ويدمر قيم الحرية والكرامة والعدالة في عالم الإنسان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق