كيف يمكن للإنسان أن يحوّر معنى نص دينى ويطوّع دلالاته ومعانيه لتبرير عمل إرهابى بشع كهذا؟
لا يقتصر الإرهابيون على الاستشهاد بالنصوص والأحاديث الدينية لتبرير أعمالهم الوحشية وتكفير ضحاياهم تمهيدًا لذبحهم
المتطرفين ما كانوا ليتجرأون على أعمالهم الإرهابية التى حصدت رؤوس ألوف الأبرياء لولا تذرعهم بقدسية النص. فلولا هيبة النص وطابعه الإطلاقى المقدس لما كانوا أقدموا عليها. وبمعنى آخر أن السلفيين المتطرفين لديهم أساليب خطابية تمكنهم بسهولة من التلاعب بالنص المقدس. فهم مثلا يقتطعون من الخطاب ما يبيح فى معناه الحرفى استخدام العنف دون النظر إلى السياق التاريخى له. لا شك أن المعنى الحرفى لأى خطاب مقدس له وقع خاص على المتلقى الذى لم يؤتِ من المعرفة إلا نتفًا يسيرة، فوقع تحت وطأة الحقائق المطلقة التى لا يجرؤ على الخوض فى تفكيكها. وقد كان ذلك حال الأوروبيين فى العصور الوسطى، حيث مورس العنف باسم الدين، بيد أن الأوروبيين قد شُغلوا منذ عصر التنوير بهذه المشكلة، وانخرط مفكروهم فى نضالٍ ضارٍ ضد الأصولية متأثرين فى ذلك بالفكر الديكارتى، الذى يعد فى ذاته محاولة عقلية جريئة لتفكيك الأفكار، وأضافوا عليه محاولات أخرى أجراها كبار مفكريهم وفلاسفتهم حتى تمكنوا من غربلة النصوص وتفكيكها والتخلص من الأفكار الظلامية التى ورثوها عن العصور الوسطى. والمقصود بتفكيك التراث هنا ليس تقويضه أو هدمه أو مجرد تحليله، وإنما هو عملية عقلية يتم بها فك الارتباط بين الأفكار التى تشكلت منها التصورات الذهنية عن موضوع ما بغية الكشف عما علق بها من افتراضات وانبنى عليها من أوهام أدت إلى تحولها إلى أفكار مطلقة. والتفكيك بهذا المعنى يأخذ أشكالًا عديدة حسب الموضوع الذى يجرى عليه. ففى تفكيك الخطاب مثلا يعد المنهج النقدى التاريخى إحدى أدوات التفكيك، لأن عملية الحفر فى معانى ودلالات الخطاب تقتضى بالقطع ربط الخطاب بالسياق التاريخى الذى تشكل فيه، ودون ذلك لا يمكن التوصل إلى معانيه المقصودة. فالمعنى الحرفى هو بمثابة توجيهات مجردة يهتدى بها محلل الخطاب من أجل تخليق الموقف التاريخى بسياقاته الاجتماعية والثقافية والسياسية الذى ولد فيه الخطاب، والذى بدونه لا يمكن أن تتضح معانيه. فلو قال مسؤول أمنى مثلا: «سأقطع دابر قُطاع الطرق»، فليس معنى خطابه ما يصرح به المعنى الحرفى لعبارته، أى إهلاكهم وإفنائهم من الوجود. وإنما يشير معناه السياقى للحزم فى اتخاذ الإجراءات القانونية الكفيلة بردعهم.
اتفق الاثنان على مسؤولية رجال الدين عما يحدث من تطرف وعنف، إذ يكتفون دائما بالتصريح المعتاد «الدين ليس مسؤولًا عن ذلك وإنما المتطرفون يستخدمون الدين لأغراض سياسية ما أنزل الله بها من سلطان» وعلى ضرورة التفكيك النقدى للتراث الدينى لكل دين للقضاء على الإرهاب، فقد اختلفا فى الحل المقترح. إذ يرى هانز كونغ أن الحل يكمن فى جمع الأديان على مشروع سماه «مشروع الأخلاق الكونية» التى لا يختلف عليها أى دين، أما بول ريكور فيرى أن التفكيك النقدى للخطاب الدينى الذى يلتزم منهج التأويل العقلى هو السبيل الوحيد للقضاء على وهم امتلاك المطلق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق