الخميس، 6 فبراير 2020

الدولار الأمريكي: قصة الوهم الذي تمّ خداع العالم به!*******

2015
جزء كبير من الهيمنة الأمريكية على العالم يعود الفضل به إلى هيمنة الدولار الأمريكي على الاقتصاد العالمي.. ولكن كيف بدأت هذه الهيمنة؟ وكيف تمكّنت الولايات المتّحدة من الحفاظ على عملتها كأقوى عملة على المستوى العالمي بالإضافة إلى تعامل نسبة هائلة من التعاملات الاقتصادية بالدولار الأمريكي (83.6%)؟ هذا ما سنكتشفه في هذا التقرير.

كان الدولار حينها مجرّد ورقة نقدية كثقة بينك وبين الحكومة، ولم يكن يساوي شيئًا في الواقع حيث أنّه ليس مغطىً بالذهب.

في عام 1929م حصل الكساد العظيم (أزمة اقتصادية عالمية استمرت لسنوات)، مما دفع الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت إلى إلغاء تغطية الدولار بالذهب عام 1933م ولكنّه أعاد تغطية الدولار بالذهب عام 1934م مع تعديلٍ نسبي لسعر الدولار للتخلص من إرهاصات تلك الأزمة. استمر الأمر على ما هوّ عليه إلى حين حصول اتفاقية Bretton Woods.

قبل أن تخرج الولايات المتّحدة منتصرةً من الحرب العالمية بعامٍ واحد، بدأت تعمل على إنشاء نظامٍ عالمي جديد وبالتالي إنشاء نظام عالمي اقتصادي جديد، تكون الولايات المتّحدة والدولار الأمريكي رأس الهرم فيه. وقد حصل ذلك عن طريق اتفاقية Bretton Woods سنة 1944م.
حضر هذه الاتفاقية 44 دولة من حول العالم، واستمر انعقاد المؤتمر لأكثر من 22 يومًا، تمّ فيه توقيع عدد كبير من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تنظم التجارة العالمية الدولية بالإضافة إلى تطبيق بعض الشروط والقيود عليها. أهمّ نتائج المؤتمر كان اعتماد الدولار الأمريكي كمرجعٍ رئيسي لتحديد سعر عملات الدول الأخرى; يمكنك أن تقول أنّ هذه الاتفاقية هي الاتفاقية الرئيسية التي أدّت إلى تشكيل نظام الصرف الأجنبي وتشكيل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للتطوير والتعمير، وهي الاتفاقية الرئيسية التي رسّخت هيمنة الدولار الأمريكي على تعاملات العالم الاقتصادية، حيث صارت هذه الدول الـ44 ترجع إلى الدولار الأمريكي لتحديد قيمة عملاتها دوليًا، مما جعل الدولار بمركز الملك.
كانت الولايات المتّحدة تمتلك 75% من ذهب العالم لوحدها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وكان الدولار الأمريكي هو العملة الوحيدة على مستوى العالم المُغطاة بالذهب (بقية الدول تخلّت عن تغطية عملاتها بالذهب بعد حصول تضّخمات في اقتصاداتها)، مما دفع عددًا كبيرًا من دول العالم إلى العمل على تكديس الدولارات الأمريكية بهدف استبدالها بالذهب مستقبلًا كاحتياطي، وصار عدد كبير من هذه الدول يستخدم عملة الدولار كاحتياطي النقد الأجنبي.
وهكذا تحقق حلم العمّ سام بالسيطرة على الاقتصاد العالمي.. ولكن تطورًا مهمًا حصل لاحقًا.

حرب فيتنام وصدمة نيكسون وإلغاء تغطية الدولار الأمريكي بالذهب


خاضت الولايات المتّحدة حرب فيتنام من العام 1956م – 1975م، وكالمعتاد، احتاجت الولايات المتّحدة إلى المزيد من الدولارات لتغطية تكاليف الحرب، ولكن الدولارات لم تكفي، لأن الذهب الموجود في الولايات المتحدة (بل والعالم) لم يعد كافيًا ليغطّي الدولار الأمريكي، لم يعد بالإمكان طباعة المزيد من الدولارات لأنّ الذهب الموجود لم يعد كافيًا لتغطيتها، وبالتالي قامت الولايات المتّحدة بتجاوز الحد الأعلى المسموح من الدولارات المطبوعة، وقامت بطبع دولارات غير مغطاة بالذهب دون أن تُعلِم أحدًا بذلك.

ولكن الأزمة الكبرى حصلت عندما طالب الرئيس الفرنسي تشارل ديغول عام 1971م بتحويل الدولارات الأمريكية الموجودة لدى البنك المركزي الفرنسي إلى ذهب (طالب بتحويل 191 مليون دولار إلى ما يقابلها من الذهب، وكان سعر الأونصة 35$)، عملًا باتفاقية Bretton Woods التي تسمح بذلك; أدّى هذا الأمر إلى عجز الولايات المتّحدة لاحقًا عن تحويل أي دولارات أمريكية إلى الذهب، مما دفع الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون إلى إصدار بيان في عام 1973 يلغي فيه التزام الولايات المتّحدة بتحويل الدولارات الأمريكية إلى ذهب، عُرفت لاحقًا باسم Nixon Shock أو صدمة نيكسون.

أصبح الذهب حرًا بعدها ولم يعد أحد يتحكّم فيه سوى العرض والطلب، وأصبحت جميع العملات بما فيها الدولار الأمريكي تقف على أرضٍ واحدة وصارت كلّها عملاتٍ إلزامية ورقية لا قيمة لها في الواقع سوى التزام الحكومات بها. انخفضت قيمة الدولار 40 ضعفًا من عام 1973 إلى الآن وارتفع سعر الذهب بشكلٍ جنوني، وأصبح سلعةً عادية مثله مثل الفضّة والبلاتين وغيرها.

كانت صدمة حقيقية للدول على مستوى العالم، إنّها خدعة تمّ خداع العالم بأسره بها، فبعد أن كانت تعمل على مرّ السنوات لتكديس الدولار الأمريكي كاحتياطي للنقد الأجنبي لتستبدله بالذهب عندما تريد، أصبحت الآن غير قادرة على ذلك، والأسوء من كلّ ذلك هي أنّها كانت ما تزال مجبرة على التعامل بالدولار، لأنّها لا يمكنها التخلّي عنه بعد أن قامت بتكديس كلّ هذه الدولارات في الاحتياطي النقدي الأجنبي وإلّا ضاعت أدراج الرياح.


قد يتساءل أحدهم: ولماذا لا تقوم هذه الدول بفكّ الارتباط من الدولار وإلغاء التعامل به؟ لأنّ الأسطول الأمريكي الذي يجوب العالم ليس موجودًا لحراسة فراغ فالقوة العسكرية هي من تحمي القوة الاقتصادية.
وهكذا، تحوّل الدولار إلى أضخم عملة نقدية احتياطية أجنبية على مستوى العالم; حيث صارت جميع الدول مرغمة على التعامل به بالإضافة إلى كونه العملة الرئيسية التي يتم تحديد باقي العملات بناءً عليها.. مما رسّخ الهيمنة الأمريكية على اقتصاد العالم.
+++++++++++++++++
نهاية بلطجة الدولار
2019

«صدمة نيكسون»، ليكتشف العالم، أن الولايات المتحدة كانت تطبع الدولارات بلا حساب، وأن ما طبعته كان أكثر بكثير من الذهب الذى تملكه، وأنها اشترت خيرات الشعوب، وامتلكت ثروات العالم بحفنة من «أوراق خضراء» لا غطاء ذهبى لها.. ولم تتمكن أى دولة من الإعتراض ورفض هذا النظام النقدى الجديد، لأن هذا كان معناه حينها أن كل ما خزنته هذه الدول من مليارات الدولارات فى بنوكها سيصبح ورقا بلا قيمة، وهى نتيجة أكثر كارثية مما أعلنه الرئيس الأمريكي.

وجمعت الدول فى خزائنها أكبر قدر من الدولارات، على أمل تحويله لقيمته من الذهب، فى أى وقت أرادوا، واستمر الوضع على هذا الحال حتى مساء الأحد 15 أغسطس عام 1971؛ حيث خرج الرئيس الأمريكى «ريتشارد ميلهاوس نيكسون»، وهو الرئيس السابع والثلاثون لأمريكا، بعد اجتماعات سرية فى «كامب ديفيد» مع رئيس الاحتياطى الفيدرالى ووزير الخزانة ومستشارين فى البيت الأبيض، ليصدم شعوب وحكومات العالم جميعا، ويعلن بشكل مفاجئ، أن بلاده لن تسلم حاملى الدولار، ما يقابله من ذهب، وهو ما سمى بـ «صدمة نيكسون»، ليكتشف العالم، أن الولايات المتحدة كانت تطبع الدولارات بلا حساب، وأن ما طبعته كان أكثر بكثير من الذهب الذى تملكه، وأنها اشترت خيرات الشعوب، وامتلكت ثروات العالم بحفنة من «أوراق خضراء» لا غطاء ذهبى لها.. ولم تتمكن أى دولة من الإعتراض ورفض هذا النظام النقدى الجديد، لأن هذا كان معناه حينها أن كل ما خزنته هذه الدول من مليارات الدولارات فى بنوكها سيصبح ورقا بلا قيمة، وهى نتيجة أكثر كارثية مما أعلنه الرئيس الأمريكي.

وأعلن نيكسون، حينها تعويم الدولار لينزل فى السوق تحت المضاربة، وسعره يحدده العرض والطلب، ولن تكون له قيمة ثابتة كما كان سابقا، خلافا لاتفاقية «بريتون وودز» التى جعلت قيمة محددة للدولار مقابل الذهب، وبذلك أصبحت واشنطن قادرة على التلاعب بقيمة الدولار، ومن ثم التلاعب بقيمة عملات الدول الأخرى المرتبطة به، عبر تحكمها فى كمية الدولارات التى تطبعها وتطرحها فى السوق النقدية.. وقال نيكسون كلمته الشهيرة: «يجب أن نلعب اللعبة كما صنعناها، ويجب أن يلعبوها كما وضعناها».. وبذلك صارت أمريكا تشترى ما تريده من ثروات الشعوب دون أن تخسر شيئا، لتحقق الرفاهية للشعب الأمريكى بلا تعب ولا حروب.

والآن وبعد 48 سنة من «صدمة نيكسون» للعالم، يبحث عدد من دول العالم، آليات التحرر من الدولار الأمريكي، وبدأت سيطرة العملة الأمريكية كعملة احتياط رئيسية فى العالَم تهتز؛ حيث تبحث الصين وروسيا والاتحاد الأوروبى وفنزويلا والبرازيل ودول أخري، عن طرق جديدة للتخلى عَن الدولار لمصلَحة عملات أخرى كاليوان الصينى واليورو.. وحتى حلفاء الولايات المتحدة فى الغرب، بدأوا يظهرون فقدان الصبر تجاه حروبها التجارية، وعقوباتها الإقتصادية لعدد من الدول، والتى تمس مصالحهم.

وتعرض الدولار الأمريكى لخسائر حادة أمام عملات رئيسية فى العالم، خلال الأيام الماضية.
ليتوقع بعض المحللين الاقتصاديين، أن يعيد سيناريو 2008؛ حيث انهار سعره ووصل إلى أدنى مستوياته فى القرن الحادى والعشرين، بسبب الأزمة المالية وأزمة الرهن العقاري، وسجل اليورو مستوى قياسيا أمام الدولار فى مارس؛ حيث وصل إلى 1.60، فيما سجل الجنيه الإسترلينى أكثر من دولارين، وهبط الدولار دون الفرنك السويسرى لأول مرة، ووصل الدولار إلى أدنى مستوياته فى 13 عاما أمام الين، ومنذ العام 1971 انخفضت القيمة الحقيقية للدولار الأمريكى حوالى 40 مرة، ودفع تراجع الدولار قوى اقتصادية صاعدة فى مقدمتها الصين وروسيا إلى المجاهرة بالدعوة لإيجاد عملة احتياط عالمية بدلا من الدولار.

ورغم ضغوط الإدارة الأمريكية على العديد من دول العالم، لكى تشترى الدولار من الأسواق وتلتزم بمنع انهيار أسعاره، ما زال الكثير من الدول والشعوب يأمل فى التخلص منه كعملة عالمية تسهم فى نقل ثقل مشاكل وعجز اقتصاد أمريكا إلى الآخرين، وتنويع الاحتياطيات المالية بإدخال عملات مثل اليورو والين وغيرها، ورغم أن الأمر صعب الآن إلا أنه خيار يمكن تحويله إلى واقع فى المستقبل القريب أو البعيد.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق