سقطت الخلافة كنظام ودولة، وركبت الأمة موجات القومية والوطنية والليبرالية والعلمانية والديمقراطية فقدت سيادتها وتحطمت وحدتها وتداعت عليها الأمم لتحتل أرضها وتنهب ثرواتها!
طاعة أولي الأمر بين المخْلصين والمدلِّسين
يقولون: طاعة ولاة الأمور، أمرَ بها الكتاب والسنة، وعليها إجماع المسلمين. فهي واجبة شرعا، ولازمة كرها وطوعا، حتى لو ظلموا وفسقوا، وحتى لو طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، وحتى لو نقضوا العهود وخانوا الأمانات.. نعم هكذا يقولون، «وحاكي الكفر ليس بكافر».
«التضليل الديني» هو بدون شك أحد الأسباب الكبرى لفشوِّ الفساد والاستبداد في الطبقات الحاكمة، وخاصة في البلاد العربية. فلا بد من تفكيكه والكشف عن زيفه وفساده.
الطاعة الشرعية لا تمنع من الإنكار والاعتراض على انحرافات الحكام وأخطائهم وخطيئاتهم، ولا تمنع نصحهم وتنبيههم، ومصارحتهم وتحذيرهم، وأنّ ذلك أجدى لهم ولأمتهم من تملقهم ومدحهم والتدليس عليهم. ولكن شيوخ الاستبداد يريدونها طاعة بدعية لا طاعة شرعية، وطاعة كسروية لا طاعة محمدية، ولذلك فهم يؤيدون ولي أمرهم مهما قال ومهما فعل، ويحثون الناس على طاعته وتمجيده حتى لو طغى وبغى. بل هم يزينون له ضلاله وبغيه وخيانته، ويصورونه بأنه عين المصلحة والحكمة والعبقرية. وفي النهاية يقنعونه – إن كان بحاجة إلى إقناع – أنَّ كلَّ ما يقوله حق، وكل ما يفعله صواب، وكل ما يصدر عنه حكمة وحق. وهذا هو منتهى الغش والتدليس، وغاية التلبيس والتبليس، على الأمة وحكامها.
طبائع الاستبداد وصناعة الاستعباد
ومن أهم الخلاصات التي انتهى إليها الكواكبي في حياته وبحثه وتفكيره: أن السبب الأول والأكبر لتخلف المسلمين وضعفهم هو الاستبداد السياسي. يقول في بداية كتابه المذكور: “كلٌّ يذهب مذهبا في سبب الانحطاط، وفي ما هو الدواء. وحيث إني قد تمحص عندي أن أصل الداء هو الاستبداد السياسي، ودواؤه دفعُه بالشورى الدستورية. وقد استقر فكري على ذلك – كما أن لكل نبأ مستقرا – بعد بحثِ ثلاثين عاما…”.
كثير من الناس اليوم يرون ويعلنون أن أسوأ ما تعاني منه دولنا ومجتمعاتنا هو الفساد، وأنه أول ما يجب إصلاحه. والحقيقة أن الفساد ليس سوى أحد منتجات الاستبداد وفروعه.
ويرى آخرون أن داءنا وسبب تخلفنا هو الجهل، وأن الدواء الشافي هو العلم الكافي، ولكن الاستبداد أيضا قد يصنع علما أو يشتريه، ثم يجعله في خدمته.. والعرب بالباب.. علوم وعلماء، ومفتون وخطباء، ومهندسون وأطباء، وهيئات وجامعات، وبحوث ومختبرات.. ولكن الاستبداد يجعل ذلك كله في طاعته وخدمته وتعزيز مكانته. فلا أمل في العلم الخاضع لمنطق الاستبداد.
قال الكواكبي: “والخلاصة أن المستبد يخاف من العلماء العاملين، الراشدين المرشدين، لا من العلماء المنافقين، أو الذين حَفر رؤوسَ محفوظات كثيرة كأنها مكتبات مقفلة”، ص45
فعادت المشكلة إلى أصلها وهو الاستبداد.
فالاستبداد يمنع الحرية، ويقطع الألسنة، فلا صوت يعلو فوق صوته، بل لا صوت أصلا سوى صوته. وحينئذ يفعل ما يشاء، ويقول ما يشاء، فلا تسمع إلا من يسبح بحمده، ويُـذكر الناس بفضله ومجده.
ومن الأبناء البيولوجيين الطبيعيين للاستبداد: الاستعباد. فالاستبداد لا يدوم ولا يستفحل إلا بعد أن يرسخ الاستعباد، وينتج طبقة واسعة من العبيد.
الإنجاب والتربية أعظم الجهاد
الإنجاب يحقق مقصدا عظيما من مقاصد الشريعة وهو حفظ النسل، وحفظ النسل يحقق دوام المقصد الأعظم والأول للشريعة، وهو حفظ الدين وحفظ الجنس البشري الذي به إقامة الدين.
الجهاد الأكبر الذي يجب أن نوليه الاهتمام اللازم، فـ(كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق