الثلاثاء، 8 أبريل 2025

السيطرة على العالم اليوم . الولايات المتحدة والصين. مفيش أي قوى عظمى تانية

 أشهر مجلة أمريكية جدية متخصصة في الجيوستراتيجيات وهي (فورين أفيرز) "الشؤون الخارجية"

أبريل 2021) وهو: (هل بإمكان أمريكا قيادة العالم وهي تعاني من الإنحدار والسقوط؟) 

 خبراء السياسات الخارجية (ألكسندر دوجين) يقول: "نحن نعيش في عالم القطب الواحد، وهذا هو الوضع الجيوسياسي والاستراتيجي الراهن، لأن الهيمنة الأمريكية في المجال العسكري والتقني حقيقة لا جدال فيها.. كما أن الليبرالية الديمقراطية ما تزال أيديولوجية مسيطرة على نطاق عالمي. الغرب لا يزال هو الذي يضع الرموز المعيارية للاقتصاد والسياسة والثقافة والتكنولوجيا ومجال المعلومات وأولئك الذين يتنافسون معه (الصين وروسيا) مازالوا مضطرين للعب حسب قواعده وهي "قواعد أحادية القطب الشاملة".

هذه الأحادية التي تتآكل بشكل ملحوظ وتطلق عليها مجلة (فورين أفيرز) نعت الانحدار والسقوط وهو ما يخلق ظروفا يمكن وصفها بغروب شمس العالم أحادي القطب.

ويضيف المحلل الأمريكي (دوجين) مفسرا طبيعة القطب الواحد فيقول: "يجب فهم أحادية القطب بشكل واسع: فهو يشمل التوازن العسكري والاستراتيجي والجغرافيا السياسية والاقتصاد (الرأسمالية) والقيم (الليبرالية) المتمثلة في حرية السوق والتجارة العالمية بدون ضوابط والتحكم في التكنولوجيا وتوجيه عالم الشبكة العنكبوتية (الواب) حسب ما تقتضيه مصالح الأمة الأمريكية، فالديمقراطية أو الرأسمالية هي ظواهر غربية مثلها مثل منظمة حلف شمال الأطلسي على الصعيد العسكري.. ولكن اليوم كل الإنسانية تقبل بها كواقع "بديهي" ما يعني أن أحادية القطب المقصود بها وجود قطب واحد مهيمن فقط على نطاق الكوكب ما زالت تحتفظ بنفوذها. 

المفكر الأمريكي توماس فريدمان (صاحب الافتتاحيات الشهيرة في نيويورك تايمز) تحليلا طريفا يشبه فيه انحدار الولايات المتحدة بالحالة اللبنانية إبان الحرب الأهلية لأنه كان مراسلا صحفيا في بيروت من 1975 إلى 1990.. فتطرق فريدمان إلى تجربته في تغطية تلك الحرب و"كيف أنه رأى ما يحدث في تلك الدولة من ألاعيب سياسية، حيث كان عدد لا بأس به من السياسيين يقدمون مصلحة أحزابهم وطوائفهم على مصالح الوطن، وقال إنه يتمنى ألا يحدث مثل ذلك في أمريكا"، فأسباب الهشاشة في أمريكا في نظر فريدمان هي سياسية وليست لا اقتصادية ولا حضارية. 

 المحلل (إيفن كريشر) من وكالة بلومبيرغ فهو يفسر انخرام التوازن بين الأقطاب التقليدية (أمريكا روسيا الصين) بالانتشار السريع والمريع لفيروس كورونا الذي زعزع كل المخططات الجيوستراتيجية التي وضعتها الدول العظمى في نطاق التنافس السياسي والعسكري والاستراتيجي المتعلق بالحفاظ على مناطق نفوذها "الطبيعية" فاضطرت هذه القوى العملاقة إلى نوع من الإنكفاء وانحسار كل دولة عظمى ضمن حدودها الجغرافية تحسبا للتهديد الصحي الخطير المنذر بالخروج عن السيطرة بل إن الفيروس أصبح مع (ترامب) تعلة للهجوم على الصين واتهامها بأن سمى باسمها الفيروس فتحولت كورونا في خطبه الشعبوية إلى "الفيروس الصيني!" مما جلب احتجاجا قويا من وزير خارجية بيجين الذي سمى بدوره فيروس (أيبولا) بالفيروس الأمريكي!! وما تبع هذه الشعبوية المتبادلة من ممارسات عدوانية في عدة مدن أمريكية ضد المواطنين الأمريكان من أصول صينية! 

نختم مقالنا بنصيحة قدمها الأسبوع الماضي عميد الدبلوماسية الأمريكية هنري كيسنجر(94 سنة) في كلمة له عبر تطبيق "زووم" ضمن ندوة أقامها المعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن حلل فيها ظاهرة القطبيات المتعددة ونصح "بأن تحاور واشنطن الصين حول إقرار نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب... لكن تحت الرقابة الأمريكية!!" 

ثعلب الدبلوماسية كيسنجر كما كان يسميه نظيره الفرنسي (ميشال جوبير) سيبقى دائما ثعلبا سياسيا ولن يتحول إلى حمل وديع حتى في هذه السن المتقدمة. 

*

الاقتصاد برضه مؤشر مهم للقوة. اليابان عندها تالت أكبر اقتصاد في العالم، بس الناتج المحلي الإجمالي بتاعها أقل من ربع الناتج المحلي الصيني. وألمانيا والهند وبريطانيا وفرنسا أصغر بكتير.

الاتجاد الاروبي ووهم فرانسا وحدة ظاهرية في دعم أوكرانيا، بس مفيش سياسة دفاعية أو أمنية أو خارجية أوروبية موحدة. عشان كده بكين وموسكو وواشنطن بيتكلموا مع باريس وبرلين، ونادرًا ما بيروحوا بروكسل.

روسيا ممكن تكون مرشح للقوة العظمى بسبب مساحتها الشاسعة ومواردها الطبيعية الضخمة وترسانتها النووية الكبيرة. أكيد ليها تأثير بره حدودها، زي الحرب في أوروبا ودفع فنلندا والسويد للانضمام للناتو. بس اقتصادها أصغر من اقتصاد إيطاليا، وميزانيتها العسكرية ربع ميزانية الصين على أقصى تقدير، فمش مؤهلة تكون قطب تالت. في أحسن الأحوال، روسيا ممكن تلعب دور ثانوي للصين.

الجنوب العالمي 

 الهند والبرازيل وتركيا وجنوب أفريقيا والسعودية مش بيخلي النظام متعدد الأقطاب، لأن مفيش ولا دولة من دول عندها القوة الاقتصادية والعسكرية والنفوذ الكافي إنها تكون قطب لوحدها. ببساطة، الدول دي مش قادرة تنافس الولايات المتحدة والصين.

صحيح حصة الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي بتقل، بس لسه ليها مكانة مهيمنة، خصوصًا لما نحسبها مع الصين. الدولتين دول بيمثلوا نص الإنفاق العسكري العالمي، وناتجهم المحلي الإجمالي المشترك بيساوي تقريبًا الناتج المحلي الإجمالي لأكبر 33 اقتصاد تاني في العالم مجموعين.

بريكس  التكتلات دي غير متجانسة ومش بتقدر تشتغل كأقطاب، وممكن تتفكك بسهولة. أكبر عضوين، الصين والهند، على خلاف امني . بالعكس، صعود الصين بيدفع نيودلهي إنها تقرب من الولايات المتحدة أكتر.

القوة بتتوزع أو لازم تتوزع. الآمال والأحلام للنظام العالمي

تلات عقود من العولمة والسلام النسبي نهم حرب الباردة الثانية 

بكين بتستخدم فكرة تعدد الأقطاب عشان تجامل الجنوب العالمي وتجذبه لقضيتها. تعدد الأقطاب كان موضوع رئيسي في حملة الصين الدبلوماسية الساحرة طول سنة 2023، في حين أعلن بوتين في قمة روسيا وأفريقيا في يوليو إن القادة اللي حضروا اتفقوا على تعزيز عالم متعدد الأقطاب.

نظام متعدد الأقطاب ممكن يكون أقل استقطابًا بشكل علني من عالم فيه قوتين عظميين متعاديتين، بس مش بالضرورة هيؤدي لعالم أفضل. بدل ما يكون حل سريع للتعددية، ممكن يؤدي لمزيد من التقسيم الإقليمي. بدل ما نتمنى تعدد الأقطاب ونضيع طاقتنا على نظام مش موجود، استراتيجية أكتر فعالية هي البحث عن حلول ومنصات حوار أفضل داخل النظام الثنائي القطبية الحالي.

على المدى الطويل، ممكن العالم فعلًا يبقى متعدد الأقطاب، والهند هي المرشح الأوضح للانضمام لصفوف الولايات المتحدة والصين. بس لسه اليوم ده بعيد. هنعيش في عالم ثنائي القطبية في المستقبل القريب – والاستراتيجيات والسياسات لازم تتصمم على الأساس ده.


 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق