الخميس، 11 نوفمبر 2021

القوة الناعمة ***********

Nov 2, 2018

أمريكا الأقوى بالقوى الناعمة قبل الاقتصاد والجيش

أمريكا أكبر اقتصاد فى العالم وأكبر جيش. اقتصادها يمثل 23% من اقتصاد العالم.
والاتحاد الأوروبى 22%. والصين 16%. وروسيا 2% فقط.
ولكن نفوذ أمريكا العالمى أكبر بكثير من نسبة اقتصادها، والواقع أن نفوذ روسيا أكبر كذلك مما يمثله اقتصادها بسبب تقدم صناعة معدات الدفاع والحرب. فالاقتصاد جزء مهم من نفوذ وتأثير الدول فى العالم، ولكنه ليس العامل الوحيد. ونفوذ الصين أقل بكثير مما يمثله اقتصادها، ونفوذ الاتحاد الأوروبى أقل من نفوذ أمريكا بالرغم من التساوى فى حجم الاقتصاد.
النفوذ الدبلوماسى لكل من أمريكا والاتحاد الأوروبى قوى جداً فى العالم كله، بسبب علاقات الدول الأوروبية من أيام الإمبراطوريات واسعة النفوذ. الاتحاد الأوروبى يأتى فى المؤخرة فى اتخاذ القرار السياسى لوجود عدد كبير من الدول، ولم يستطع مثلاً إنهاء حرب البلقان إلا بقرار سياسى أمريكى تلاه تدخل عسكرى. بالتأكيد تتفوق أمريكا بمراحل فى المخابرات وأجهزة التجسس، ولكن الاتحاد الأوروبى وروسيا كلاهما عندهما مخابرات قوية.
واضح أن أمريكا هى الدولة الأولى فى العالم، فما سبب التفوق الأمريكى الكاسح، بالرغم من أن اقتصادها يفوق الصين 30% فقط، ويساوى اقتصاد الاتحاد الأوروبى؟ الحقيقة أن هذا التفوق سببه إطلاق حرية التفكير والابتكار والتخيل بفارق كبير عن دول العالم، ولذا فقوة أمريكا الكاسحة تزيد بأشياء تبدو بسيطة:
1. سرعة الانتقال من ابتكار الراديو والتليفزيون والتليفون وتصنيع أدواتهم إلى ابتكار الميكروشيب وتصنيع الكمبيوتر والتليفون المحمول والأقمار الصناعية وهى صناعات تتطور بسرعة فائقة.
2. اختراع الإنترنت والسيطرة عليه فى العالم كله، ما يعطى أمريكا قوة رهيبة.
3. صناعة السينما تمثل حجما هائلا من الإنتاج فى العالم، وهو لا يمثل فقط دخلا قوميا، ولكنه يشكل وجدان الشعوب وأفكارهم، ويغير هويتهم بهذا الفن.
4. استطاعت أمريكا بعد أن سيطرت على العالم إعلامياً ودعائياً بقنواتها التليفزيونية الانتقال بسهولة وبساطة إلى اختراع وسائل التواصل الاجتماعى والسيطرة عليها فى العالم كله، فهى تملك فيسبوك وتويتر وإنستجرام وغيرها، فهى بالتالى صاحبة لغة العصر.
5. استطاعت أمريكا ابتكار طرق حديثة للتجارة، والآن أصبح يمكنك شراء ساندوتش فول عن طريق أمازون، وهى ثانى شركة فى العالم يتعدى رأسمالها تريليون دولار.
6. الصحافة الأمريكية المقروءة والإلكترونية أقوى صحف العالم تأثيراً ومصداقية، مهما ادعت دول العالم الثالث غير ذلك. وأثناء الأزمات الكبرى العالم كله يقرأ النيويورك تايمز والواشنطن بوست التى أطاحت حملتها بالرئيس الأسبق نيكسون، والآن تخوض حملة تقصى الحقيقة فى مقتل خاشقجى.
7. أمريكا قوية بسبب السلطة الواسعة للرئيس، لكنها ليست سلطة مطلقة، لأن الكونجرس يمكنه أن يجبره على تعديل قرارات أو إلغائها.
8. استطاعت أمريكا أن تجعل اللغة الإنجليزية هى لغة العالم الأولى ولغة العلم والسياسة وحتى الرياضة.
أمريكا إذاً أقوى بكثير من الـ23% التى يمثلها اقتصادها بسبب الديمقراطية، وبسبب القوة التكنولوجية الجبارة لشباب المخترعين، وبسبب القوة الناعمة فى السينما والفن والموسيقى والصحافة والرياضة.
مصر الفقيرة الكثيفة السكان يمكن أن يرتفع نفوذها ويتحسن اقتصادها، إذا استعادت القوة الناعمة للموسيقى والغناء والأدب والثقافة والصحافة والمجتمع المدنى الكبير الذى يساعد فى تحسين أحوال مصر والمصريين، وهذا لن يتأتى داخل نظام مركزى غير ديمقراطى.
كانت صحيفة الأهرام العريقة مصنفة كإحدى الصحف العالمية والمؤثرة فى العالم.
الآن أحوال الصحف المصرية لا تسر عدوًا أو حبيبًا.
وكانت السينما المصرية تسيطر على المنطقة كلها، وأدخلت اللهجة المصرية فى كل البيوت العربية.
وكان المسرح المصرى الجاد والتجارى فى تفوق كبير، وكانت المقاعد محجوزة بالكامل بالمصريين والعرب.
وكانت جامعة القاهرة الأهلية والتى أصبحت حكومية منارة العلم فى المنطقة.
الآن بصعوبة تكافح، ولكن سبقها عدد من الجامعات العربية، أما بعض الجامعات الإقليمية والخاصة، فبعيدة تماماً عن المنافسة.
رجال الأعمال فى مصر فى النصف الأول من القرن العشرين أقاموا عدداً من الصناعات المهمة والشركات الرائدة، مثل مصر للطيران، واستديو مصر وكانت الزراعة المصرية متقدمة، وكان العمل الجاد والابتكار هو سبب النجاح.
الآن بسبب الفساد الذى انتشر فى العقود الأربعة الماضية أصبح الكثير من رجال الأعمال لا يعتمدون على الابتكار والعمل الجاد، بل على الوساطة والفساد.
إصلاح الاقتصاد وزيادة الإنتاج هما جزء من الحل.
وعودة القوى الناعمة أمر أساسى لازدهار مصر، ولن يتم ذلك إلا بتوسيع المجتمع المدنى ووجود هامش كبير للديمقراطية.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.

*

القوى الناعمة المصرية ماتزال مصدر إلهام للمنطقة !

الجمعة، 30 أغسطس 2019
يظل المصريون فخورين بـ"القوة الناعمة" لبلادهم خاصة أنها برزت في المنطقة العربية من العالم قبل انتشار هذا المصطلح في تسعينيات القرن الماضي على يد "جوزيف ناي" وهذا حقهم، ففي العالم العربي تعتبر مصر الدولة الأكثر سكانا وذات الجيش الأقوى، بالإضافة إلى تمتعها بموقع هام وجهاز مخابرات ذي نفوذ كبير، وقد كان يقال بأن القاهرة إذا عطست، فإن المنطقة بأكملها قد تصاب بالزكام.
ولأن التاريخ ليس من صنع جيل واحد من البشر، فإن أجيالا طويلة صنعت تاريخ هذا البلد الذي ما تزال آثاره دليلاً عليه، سواء في المرحلة الفرعونية أو اليونانية أوالرومانية أو الإسلامية أو في العصر الحديث، ويعتبر تاريخ مصر وآثارها أحد أهم مقومات القوة الناعمة لمصر، وعلى مر التاريخ كان موقع مصر سببا من أسباب بلائها وأطماع الأعداء فيها، ومع ذلك فقد آن الأوان لاستخدام الموقع كواحد من مصادر القوة الناعمة، فليست هناك دولة تتمتع بهذا الموقع المركزي تجاريا وجيوستراتيجيا في العالم كله، هذا رأسمال غير مادي لم نبرع في استثماره بعد.
أيضا الثقافة والفنون، تعتبران من أهم مصادر القوة الناعمة لمصر تماما كما هى بالنسبة للدول والجماعات في العالم، وتقدم الثقافة والفنون في العادة صورة عن الجماعة المعنية لدى الآخرين، وهناك دول برعت حتى الآن في تقديم ثقافتها إلى العالم بقصد اكتساب حب الآخرين وتقديم صورة إيجابية إلى الخارج، وفي مصر ماتزال توجد هنالك مصادر مهمة للثقافة بوسعها أن تقدم صورة أفضل للعالم كله منها الدين الإسلامي والدين المسيحي وفنون السينما والتليفزيون والفنون التشكيلية.
ومعروف إن السينما التي تعتبر أحد أزرع القوى الناعمة يمتد عمرها في مصر لأكثر من مائة عام استطاعت فيها تجسيد المجتمع وازدواجيته، فضلا عن التعبير عن هموم الناس باختلاف طبقاتهم الاجتماعية، بداية من الفنان "علي الكسار، ثم نجيب الريحاني وبديع خيري، ورمسيس نجيب أشهر باشاوات السينما، وأنتجت آنذاك مجموعة من الأفلام التي جسدت المجتمع المصري بحذافيره وتناقضاته.
ومن علامات ازدهار السينما المصرية وبروزها كقوى ناعمة في وقتنا الحاضر أن استطاعت أربعة أفلام جديدة كسر حاجز الخمسين مليون جنيه (الممر، كازابلانكا، الفيل الأزرق 2، نادي الرجال السري)، ومنهم فيلمان تجاوزا السبعين مليون جنيه، ومن المرشح أن يضاف اليها فيلم خامس في الأسابيع المقبلة هو "ولاد رزق2"، وبالنظر إلى تلك الأرقام سنجدها قياسية، بل إنها لم تتحقق من قبل، وتبشر بعودة سريعة إلى أمجاد الماضي القريب، أما ما سماه البعض ممن يضمرون الشر لمصر بـ "القوى الصاعدة في المنطقة" والتي تقوى على تقييد نفوذ مصر الإقليمي بحرمانها من إحدى أهم قواها على الإطلاق، فهذا كلام لايستند إلى حقائق الواقع بل يعتمد على خيال مريض يطمح دوما للنيل من أهم أزرع قوة مصر الناعمة وهى السينما المصرية.

القوى الناعمة المصرية ياسادة ممثلة في السينما والدراما التليفزونية والأغاني هى صانعة الثورات بامتياز ، لا  لأن "التغيير" مفهوم ثقافي، ولا لأن الثقافة سلاح المواجهة الأول لدى المصريين، بل لأن الثقافة مكون أساسي في الشخصية المصرية عبر تراث هائل من الفنون المرئية والمسموعة التي ساهمت إلى حد كبير في تنمية الوعي وتطوير العقلية.

وبقدر ما كانت الثقافة هى السلاح الأقوى في وجه التطرف والعنف في المجتمع المصري ولا تزال، فإن التحديات وعنف الحرب الدائرة على الإرهاب، وإنهاك الاقتصاد المصري وعدم الاستقرار السياسي، قد أثر بالضرورة على حركة القوة الناعمة وتناميها، وأدى لتعثرها وتعطل قدراتها على الإنتاج، مكتفية في كثير من الأحيان بأدواتها القديمة ورصيدها الثقافي الزاخر، مستعيدة في كثير من المناسبات الوطنية والأحداث القومية، الأغاني والأفلام نفسها ، وربما أيضا الشعارات نفسها.

وعلى شاكلة السينما تأتي الدراما التليفزيونية، والتي نجحت في الفترة الأخيرة أن تؤدي دورها كزراع أخرى للقوى الناعمة بعد نجاح حفنة من المسلسلات في خارطة 2019 الرمضانية ، على رأسها مسلسل "كلبش" بطولة "أمير كرارة، و"لمس أكتاف" بطولة "ياسر جلال"، ومن قبلهما "الزئبق" من بطولة كريم عبد العزيز، وهو من ملفات المخابرات العامة المصرية "قصة واقعية"، حيث نجحت هذه النوعية من الدراما الممتعة في إثراء نفوس المواطنين والعالم الخارجي والترويج لقوة وتأثير جهاز المخابرات العامة المصرية.

و ليس هذا العمل جديدا على دور الدراما المصرية الفعال، فمنذ عقود قدمت أعمال رائعة مثل "حرب الجواسيس ، وعابد كرمان ورأفت الهجان وجمعة الشوان والثعلب" وغيرها من الأعمال الدرامية الرائعة التي تثير حماسة الشباب المصري، وتزيد من عزيمته وثقته في بطولات آبائه وأجداده السابقين، لذا جاءت الأعمال الحالية بجودة ربما كانت أكثر إبهار صورتها عن مثيلاتها من تلك الأعمال التي ستظل خالدة على مدار التاريخ

كما أن الأمر المؤكد أن لدى مصر كنزا ثمينا لكنها لا يقدر قيمته، فمصر فتحت أبوابها لفنانين أصبحوا نجوما في دولهم، ولم يتأثر الفن في مصر بل زاد، ومن ثم يصبح القول بأن السينما المصرية تشهد تراجعا حاليا مقابل تطور أدواتها لدي بعض دول المغرب العربي ولبنان وفلسطين، فإن من يقولون ذلك لايدركون حقيقة إن القيم التي تنشئ المجتمعات الحية، وتضمن بقاء نهضتها، ليست القيم المادية فحسب، فالقيم غير المادية هى شريك ومكون أساسي لحضارات الشعوب.

وهنا أقصد تحديدا القيم الجمالية النابعة من البيئة المصرية الخالصة، والتي تعد الفنون أحد أوعيتها، وأن تنمية الحاسة الفنية بمفردات نابعة من تلك البيئة يساعد الفرد على تذوق الفن والاستمتاع به، وتجعله ذا حس مرهف قادر على رؤية الجمال في موطنه، وهو ما ينمي لديه ملكات إبداعية لم يكن لها أن تخرج لولا توافر بيئة إبداعية من حوله.

ولعل الشعوب التي تحقق تقدما اقتصاديا بعيدا عن الميدان الثقافي والفني واستلهام قيمه، يصبح أبناؤها آلات المصانع.. نعم إنها هنا تصبح جسد بلا روح، بما ينعكس على سلوكهم في ما بينهم ومع غيرهم، ولهذا فإن الفن والثقافة هما صناعة تصديرية بالدرجة الأولى دأب المصريون عليها طوال تاريخهم الحديث والمعاصر، وقد سبقا التمثيل الدبلوماسي بين الدول، فقبل افتتاح السفارات كان التواصل الثقافي والفني سباقاً بين مصر وقريناتها من الدول، كما أنه الشفرة التي يتمايز بها المصريون عن بعضهم هى منبع إلهام لا ينضب يتميز دوما ويحفظ لكل للمصريين هويتهم وتراثهم.

وللحقيقة أيضا ساهمت البرامج والأعمال الدرامية التليفزيونية في فترات سابقة، بجانب الأعمال السينمائية والمسرحية والغنائية، والصحافة، ودور النشر والمطابع المصرية، والعلماء والخبرات المصرية على تغلغل مكونات الثقافة المصرية فى الثقافة الشعبية العربية، إذ أصبحت الثقافة الوطنية للكثير من الدول العربية تضم بين ثناياها العديد من صور الثقافة الشعبية المصرية وقيمها ومعاييرها، وأصبحت اللغة العامية المصرية بمنزلة اللغة الشعبية عند العرب، وتشكل وعى أجيال من الشباب العربى، وذاكرتهم وأسلوب تفكيرهم، وأسلوب حياتهم من خلال كل هذه العناصر؛ وهو الأمر الذى كان له عظيم التأثير فى قوة السياسة الخارجية المصرية، وتعظيم مكاسبها ونفوذها الخارجى.

القوة الناعمة هي سلاح مصر الأول منذ عشرات السنين وستظل في المستقبل القريب والبعيد تثبت جداراتها كما يحدث الآن ،وما زال العالم العربي، وسيبقى، يعيش على قوة مصر الناعمة عبر فنونها السينمائية والغنائية والدراما التليفزيونية التي ماتزال تستقطب الجماهير العربية في المشرق والمغرب.

وعلى حد قول "جوزف ناي" الذي شغل منصب وكيل وزارة الدفاع في تسعينات القرن الماضي أن بمقدور القوة الناعمة جعل الناس أو الدول ترغب فيما أنت راغب فيه، وألا تستخدم القسرية أو الإغراء لجعلهم يتبعونك، أي إن القوة الناعمة هي القدرة والاعتماد على قوة الجذب والإقناع، بدلا من إجبار الدول على اتباع سياسات معينة، لذا فهي تعد وسيلة ناجحة في السياسة الدولية.

وفى ضوء كل ما سبق، يمكن القول أن مصر كانت ومازالت وستظل صاحبة القوة الناعمة المهيمنة على المستوى الإقليمى لمدة تزيد على ثلاثة عقود قبل ثورة 23 يوليو 1952، ومازالت مستمرة حتى الآن، فالثقافة والأفكار والقيم المصرية وجاذبية نظامها السياسى والاجتماعى، وشرعية سياستها الخارجية وممارستها الدبلوماسية، وكاريزمية رئيسها بين شعوب العالم الثالث، كانت وماتزال مصدرا للإلهام والجذب لدول المنطقة العربية ودول العالم الثالث كافة، فالثروات العلمية والفكرية والفنية والثقافية المصرية هائلة ولا تنضب، ولها جاذبيتها التاريخية فى قلوب وعقول شعوب المنطقة، شاء من شاء وأبى من أبى ستبقى مصر محروسة أبد الدهر بمشيئة الله وقدرته
+++++++++++++++
عبد الحليم محمود    مصطفي السباعي      مصطفي مشرفة      عمر مختار    الجامع الازهر والكنيسة الارثوكسية 
تجاوزة حدود الدولة القطرية لتشكل قيمة مضافة للدولة 
فاثرت علي العالم العربي والاسلامي بل الدولي 
ومصر امل الامة في الريادة في زمن حروب الجيل الرابع 
الاسلام سابق في القوة الناعمة عن طريق كسب الاعداء وسهم المؤلفة قلوبهم وان احد من المشركين استجارك قاجره حتي يسمع كلام الله والقرآن 
هل الاصل في الانسان الخيرية ام الشر  
دكتور ومدرس واستاذ لشريعة بحقوق و دار العلوم 
++++++++++++++++++++++++++++++
المركز العربي للبحوث والدراسات 

 الدكتور إبراهيم نوار في ندوة تحت عنوان "مصادر القوة الناعمة ومكانة مصر في العالم"، مع الأستاذة الدكتورة سهير عبد السلام عميد كلية الآداب جامعة حلوان
2018
وكان الدكتور إبراهيم نوار قد قدم دراسة أساسية في هذا الموضوع ضمن ملف العدد الثلاثون من دورية "آفاق سياسية"، والتي حملت عنوان "مصادر القوة الناعمة ومكانة مصر في العالم"، وإليكم نص الدراسة:

ما هي القوة؟

يعتبر موضوع "القوة" واحداً من الموضوعات التي شغلت الفلاسفة والمفكرين في فروع العلوم الاجتماعية منذ وقت مبكر في تاريخ الفكر البشري. وقد اهتم بهذا الموضوع فلاسفة الإغريق مثل أفلاطون وأرسطو والفلاسفة العرب وعلى رأسهم عبد الرحمن بن خلدون، كما اهتم بها مفكرو عصر التنوير والنهضة مثل جون هوبز وفلاسفة عصر الثورة الصناعية وما بعدها مثل ماكس ويبر وتالكوت بارسونز وصولاً إلى عصر الحرب الباردة مثل جورج كينان وهنري كيسنجر وروبرت دال حتى عصر ما بعد الحرب الباردة مثل إسهامات جوزيف ناي
والحقيقة أن دراسات القوة في الوقت الحاضر تعتمد إلى حد كبير على الإسهامات التي طورها كل من روبرت دال Dahl وجوزيف ناي Nye ، فقد استخلص دال مفهوماً واضحاً ومحدداً للقوة منذ العام 1957، ولم يكتف بذلك، بل إنه استمر في تطوير هذا المفهوم على ضوء المناقشات وإسهامات غيره من علماء السياسة حتى وفاته عام 2014. أما جوزيف ناي فإليه يرجع الفضل في سك مفهوم "القوة الناعمة" Soft Power ثم "القوة الذكية" Smart Power. ولقد أسهمت كل من المناقشات بين علماء السياسة والإضافات التي أجراها ناي نفسه في تطوير مفهوم القوة الناعمة والقوة الذكية حتى تجاوز كل منهما الصيغة الأولية التي كان قد نشأ بها.
وتعود أهمية الدراسات في موضوع "القوة" حالياً إلى التغيرات الشديدة التي تجتاح العالم والتي أسفرت عن تغييرات في بنية القوة على النطاق العالمي وتوازنات القوى مقارنة بما كان عليه الحال بعد الحرب العالمية الثانية أو خلال فترة الحرب الباردة. ويعتبر كتاب ناي الأخير (مستقبل القوة) The Future of Power (2011) من أهم الإسهامات في ميدان دراسة تلك التغيرات وبيان أثرها على مستقبل السياسات الخارجية للدول الكبرى القديمة والجديدة.
ما هي القوة الناعمة؟
القوة الناعمة إذن تعتمد على إحراز النفوذ بواسطة الإقناع والترغيب وتوفير مقومات التقدم والرقي وتقديم النموذج الجذاب الذي يغري الآخرين بالحذو حذوه وتقليده، بينما القوة الصلبة (المادية) تعتمد على فرض النفوذ بواسطة القوة المسلحة والعقوبات المادية، وقد ينتج عن استخدامها في معظم الأحوال الكثير من الدمار والخراب والتأخر. إن القوة الناعمة بتعبير آخر هي القدرة على خلق حوافز لتشجيع إقامة شبكات من العلاقات التعاونية التي تعود بالفائدة على أطرافها، بصرف النظر عن معايير المكاسب أو المنافع النسبية لكل طرف والتي قد تختلف بالنسبة لطرف عن غيره  من الأطراف. إنها علاقة win-win بين طرفين أو أكثر في سياق سلمي ينتج وفرة للجميع في الآثار الكلية الناجمة عنه
وبسبب طبيعتها التي تختلف عن القوة الصلبة (المادية)، فإن القوة الناعمة تعتمد أكثر ما يكون على مقومات تختلف عن تلك التي تعتمد عليها القوة الصلبة. إن استخدام القوة العسكرية وهي الأداة المطلقة لفرض النفوذ يتطلب قرارات من مؤسسات رسمية مثل البرلمانات والحكومات وقيادات الجيوش، لكن استخدام القوة الناعمة لم يعد يحتاج للإعتماد على الحكومات والمؤسسات الرسمية، وإنما يعتمد أكثر ما يكون على الهيئات والمؤسسات غير الحكومية مثل منظمات المجتمع المدني والشركات المتعددة الجنسية وحتى الأفراد. فقد أدى انتخاب إيمانويل ماكرون في فرنسا إلى صعود بلاده في عام 2017 إلى قمة جدول القوة الناعمة على مستوى العالم، بينما هبطت الولايات المتحدة إلى المركز الثالث بسبب انتخاب دونالد طرامب! ولا شك أن شعار الحملة الإنتخابية لطرامب "أمريكا أولاً" قد ترك صورة سيئة عن الولايات المتحدة في الخارج، وتأكدت هذه الصورة عندما أعلن طرامب خروج بلاده من معاهدة باريس للمناخ. كذلك فقد أدى عزل الرئيسة ديلما روسيف من كرسي الرئاسة في البرازيل عام 2016 إلى تراجع موقع البرازيل على جدول القوة الناعمة العالمي لتهبط إلى المركز 29  مقارنة بالمركز 23 قبل عزل روسيف (6)

وقد ساعدت تكنولوجيا الإتصالات الحديثة الأفراد على كسر الحواجز الجغرافية التي كانت تقوم حائلاً بينهم وبين القدرة على التواصل، وهكذا نشأت شبكات وغرف تعارف ومحادثات بين أفراد من بلدان ومناطق جغرافية مختلفة، ومن ثم فقد أصبح وعي الأفراد يتشكل بعيداً عن وسائل الإعلام الرسمية التي تكرس بشكل أو بآخر نفوذ المؤسسات الرسمية مهما قيل عن استقلال مؤسسات الإعلام التقليدي. وبذلك أصبح للأفراد دور أكثر أهمية في التأثير على نظرة الآخرين إلى السياسات المحلية في بلدانهم، وهذه النظرة أو الصورة التي تتكون لدى الآخرين تسهم بقوة في تشكيل مفهوم الآخرين عن قوة البلد أو حكومته أو مدى رشاد وصلاح سياسته
ومع ذلك، فإن المؤسسات التقليدية تظل جزءاً من مقومات القوة الناعمة من حيث كفاءة وفاعلية الأداء، وليس من حيث الحجم أو الثروة. ومن أهم مقومات القوة الناعمة التي ترتبط بالمؤسسات الرسمية كفاءة وفاعلية ومهارة الديبلوماسية، وكفاءة ومهارة وفاعلية السياسات العامة التي تعتمدها المؤسسات الرسمية وتعمل طبقاً لها في ميادين التجارة والثقافة والرياضة والعلاقات العامة مع المجتمعات الأخرى بما في ذلك تنظيم المهرجانات والمعارض والمسابقات وتشجيع الإبتكار والإختراع والدراسات والتطبيقات التكنولوجية المتقدمة. إن جزءاً مهماً من نجاح مفاوضات إيران مع الدول الكبرى على سبيل المثال يعود إلى "المهارة الديبلوماسية"، وهو ما ساعد على التوصل إلى إبرام اتفاق يضمن حق إيران في مواصلة برنامجها النووي باستثناء مكونه العسكري المتعلق بإنتاج سلاح نووي. في حين أن دولاً أخرى مثل ليبيا وسورية اضطرت إلى التسليم في الجولة الأولى وتخلت عن برامجها في إنتاج أسلحة متطورة بدون مفاوضات تقريباً
***
كذلك، فإن مصادر القوة الناعمة تتضمن مقومات تاريخية، مثل التاريخ والحضارة الفرعونية في حالة مصر، ومثل مثيلاتها في بلدان مثل اليونان والصين والهند. ومن مصادر القوة الناعمة كذلك مقومات جغرافية وهبات طبيعية مثل الموقع كما هو الحال في مصر التي تقع في ملتقى طرق التجارة العالمية بين الشرق والغرب، ومثل الشواطئ المشمسة الخلابة على شواطئها المطلة على البحرين الأبيض المتوسط والأحمر.
وعلى ذلك، فإن مصادر القوة الناعمة تنقسم بين مقومات نوعية بشرية مثل المهارة والميل للتعارف مع الآخرين والإختلاط بهم، وبين مقومات نوعية مؤسسية، وبين مقومات تكنولوجية ومقومات ثقافية ومقومات تاريخية ومقومات طبيعية. التجسس السياسي والعسكري والصناعي والتكنولوجي من مصادر القوة الناعمة.
ويحتاج استخدام القوة الناعمة عموماً إلى الصبر وإلى الاتصال في التخطيط والتنفيذ وليس الانقطاع؛ فبسبب طبيعة مصادر القوة الناعمة، يحتاج الحصول على نتائج استخدامها أو توظيفها إلى وقت أطول. وفي هذه الحالة، فإن نوعية الإدارة أو السياسة وطبيعة الإجراءات التنفيذية للحصول على النفوذ من استخدام مصادر القوة الناعمة تحكم إنتاجية استخدام مصادر القوة الناعمة. أما بالنسبة للقوة الصلبة، فإن استخدامها لفرض النفوذ لا يحتاج للأجل الطويل، وإنما يتحقق ذلك أو يفشل مباشرة بعد توظيف واستخدام مصادر القوة الصلبة في الأجل القصير. فالحروب قد تستغرق أياماً أو حتى سنوات، لكنها تنتهي في أغلب الأحوال إلى نتائج مادية واضحة ومكشوفة، وذلك على العكس من استخدام القوة الناعمة الذي لا تظهر نتائجه إلا عبر الزمن ومن خلال تراكمات بطيئة. فإذا لم تتوفر شروط الصبر والاتصال والاستدامة، فإن استخدام مصادر القوة الناعمة يفشل في تحقيق الأهداف المرجوة.
لقد سك جوزيف ناي   Joseph Nyeتعريف "القوة الناعمة" لكنني أعتقد أن ناي استفاد كثيراً من كتابات جورج كينان George Kennan   (1904- 2005) الذي وضع أسس سياسة الإحتواء containment ضد الإتحاد السوفييتي بعد الحرب العالمية الثانية، وأدرك بسرعة قوة القيود المفروضة على استخدام القوة العسكرية بعد أول حرب نووية يشهدها التاريخ. لقد أدرك كينان أن استخدام القوة ضد الإتحاد السوفييتي الذي يملك هو الآخر أسلحة نووية يمكن أن يؤدي إلى دمار العالم. ومن ثم، فإنه دعا بدلاً من ذلك إلى استخدام أسلوب "الحرب السياسة الشاملة" ضد الإتحاد السوفييتي والتركيز على ضرب "الأيديولوجية السياسية" التي يقوم على أساسها الإتحاد السوفييتي. ومن ثم فقد وضع كينان اللبنة الأولى لاستراتيجية التحول من الإعتماد على القوة الصلبة إلى الإعتماد على القوة الناعمة، وكانت بداية الحرب الباردة تعتمد على إقامة علاقة توحد أو تخلق تشابها وتطابقا بين "الشيوعية" التي تروجها موسكو وبين "النازية" التي هزمتها الدول الحليفة بما فيها الاتحاد السوفييتي. وباستمرار ترويج هذه المطابقة بين "الشيوعية"  و"النازية" تحولت العقيدة السياسية التي يقوم عليها النظام السوفييتي بعد فترة من الوقت إلى عقيدة مكروهة تدريجياً في العالم الغربي، فتم وقف تقدم الحزب الشيوعي الإيطالي، ثم وقع الزلزال الكبير في دول أوروبا الشرقية بسقوط سور برلين ومن بعده سقوط نفوذ الحزب الشيوعي داخل الإتحاد السوفييتي نفسه حتى سقط النظام بأكمله بدون استخدام للقوة الصلبة.
لكن كتابات جوزيف ناي لعبت بلا شك دوراً مهما في تطوير أسلحة المواجهة باستخدام مصادر القوة الناعمة في السنوات الأخيرة بعد سقوط النظام السياسي في الاتحاد المسوفييتي وفي دول المعسكر الاشتراكي. وتنامى تأثير أفكار جوزيف ناي بتأثير العولمة وانتصار التكنولوجيا وفتح الأسواق على سياسات الحماية والإحتكار.
وفي كتابه مستقبل القوة The Future of Power (2011) عرض ناي لتفاصيل اثنين من أكبر وأعمق التغيرات التي تعصف بالنظام العالمي وبهياكل القوة في دول العالم بسبب التحولات المصاحبة لعصر المعرفة والتجديد التكنولوجي، هذه التغيرات التي يجب أن تؤدي إلى إعادة النظر في مفهوم القوة وفي خريطة توزيع القوة في العالم. وقد استنتج ناي أن محور القوة يشهد حالياً انتقالاً من الغرب إلى الشرق power shift  كما يشهد في الوقت نفسه تغييراً عميقاً في طبيعة توزيع القوة من التركز إلى الإنتشار power diffusion مما ينقل القوة من مراكزها التقليدية في المؤسسات الحكومية إلى وحدات غير حكومية وهو ما يكرس مظهراً جديداً من مظاهر العولمة حيث تتكاثر تلك القوى التي تأكل من دور الدولة القومية التقليدية nation state وتقلل من قوتها داخلياً وخارجياً.  

هل يمكن قياس القوة الناعمة؟
تحيط بدراسة القوة الناعمة صعوبات شتى من أخطرها صعوبة القياس، وذلك على العكس من القوة المادية التقليدية التي يسهل قياسها بمؤشرات مادية قابلة للقياس. ومن ثم، فإن إدراك مقومات القوة الناعمة باعتبارها مفهوماً مقارناً يتوقف على سلامة قياس مؤشراتها المختلفة. وتعتبر المنهجية المستخدمة في تحديد وقياس مؤشرات القوة الناعمة في تقرير (القوة الناعمة العالمي) من أفضل ما تم إنجازه حتى الآن على هذا الصعيد. ويقسم التقرير مؤشرات القوة الناعمة إلى مجموعتين مختلفتين من حيث طبيعة كل منهما ومن حيث طريقة قياسها:
-         المجموعة الأولى، عبارة عن مقومات موضوعية يبلغ وزنها النسبي 70% على المؤشر العام للقوة الناعمة، وتشمل: الحكومة  Government، المقومات الرقمية Digital، الثقافة Culture ، المبادرة في المشروعات Enterprise ، والتفاعل والإشتباك Engagement، والتعليم Education.
-         أما المجموعة الثانية فهي عبارة عن مقومات ذات طابع معنوي يتم تقديرها بناء على استطلاع آراء خبراء في كل مجال منها، ويبلغ وزنها النسبي على المؤشر العام للقوة الناعمة 30% وتشمل: مقومات معنوية مبنية على آراء واستطلاعات (وزنها النسبي 30%) وتشمل: المطبخ والأطباق الوطنية Cuisine والمنتجات التكنولوجية ذات المنشأ الوطني Tech Products والثقافة Culture ووفرة سلع الرفاهية Luxury Goods والسياسة الخارجية Foreign Policy والقابلية للمعيشة Liveability.

ما هي مصادر القوة الناعمة في مصر؟
يربط مفهوم القوة الذكية  smart power بين مكونات ووسائل وأدوات توظيف القوة بمعناها الشامل (الصلبة والناعمة). وتتكون القوة المادية الصلبة أساساً من الخصائص الديموجرافية للسكان والإنتاج الإقتصادي المادي والقوة العسكرية. أما القوة الناعمة فإنها تشمل الثقافة (منتجات اللغة العربية) ومنها الفكر الديني ومؤسساته والفنون والألعاب الرياضة والتعليم والعلم والتكنولوجيا والمهارات الديبلوماسية والتاريخ والموقع والإعلام وغيرها. كما تشمل القوة الناعمة جودة مؤسسات الدولة والمجتمع وأدوات إنتاج وتوظيف القوة وأدوات إنتاج وتتنمية وتوظيف القوة ووسائل تعبئة نتائجها.  
إن مصر من الناحية الاقتصادية هي مجتمع زراعي بالأساس، ولم تتحول بعد إلى مجتمع اقتصاد صناعي متشابك وقادر على الاستمرار. هذا المجتمع الزراعي الذي نشأ في مصر منذ قديم الزمان كان يعتمد على وفرة الأرض ووفرة المياه، لهذا فإن هذا المجتمع أصبح الآن مهدداً، لماذ؟ لأن مصادر قوته كمجتمع زراعي تحللت، فلا المياه وفيرة ولا الأرض خصبة، حيث يميل المصريون إلى زيادة معدل التصحر عمداً بتبوير الأراضي الخصبة بقصد السكنى والتوسع في الخدمات. لهذا، فإن الاقتصاد المصري يواجه "مشكلة بقاء" survival problem ، وهذه المشكلة قد تحولت بالفعل إلى أزمة تتخذ وجوها متعددة مثل أزمة المياه وأزمة الأمن الغذائي وأزمة انتشار المساكن العشوائية وأزمة تلوث الهواء والتربة والمياه. ومن ثم، فإن وصولها إلى هذا المستوى في الظروف التي نعيشها يخلق وضعاً أشد تعقيداً يصعب فيه تحقيق الخروج "تلقائياً" من الأزمة.
ومن الصعب هنا الحديث عن استخدام القوة المادية التقليدية (العسكرية و/أو الإقتصادية) لتحقيق أهداف خارجية بينما الاقتصاد يواجه مشكلة بقاء. ليس ذلك فقط، بل إن ديبلوماسية التعامل مع الأزمة الناتجة عن بناء سد النهضة في إثيوبيا تشير إلى نقص شديد في المهارات الديبلوماسية العامة التي تعتبر واحداً من أهم مصادر القوة الناعمة. ويعتبر تهديد مصدر المياه الرئيسي لمصر واحداً من التحديات الخطيرة التي تمثل اختباراً للمصريين (الحكومة والمجتمع والأفراد) فيما يتعلق باستخدام أو توظيف إمكانات القوة الناعمة لتحقيق هدف تأمين إمدادات موارد المياه كأحد أهداف الأمن القومي المصري.
وتستمد مصر قوتها الناعمة من المجموعتين السابقتين من مصادر القوة الناعمة حسبما يحددها تقرير قياس القوة الناعمة على مستوى العالم وهو التقرير الأكثر مصداقية حتى الآن. وإذا بدأنا بالمجموعة الثانية من المصادر التي تترك أثراً معنوياً على الآخرين والتي تشمل الأطباق الوطنية والمنتجات التكنولوجيا المتطورة والثقافة وسلع الرفاهية والسياسة الخارجية والقابلية للمعيشة، فسوف نجد أن لمصر مزايا قوية في بعضها مثل الثقافة والأطباق الغذائية الوطنية بينما تقل هذه المزايا إلى حد كبير في منتجات التكنولوجيا المتقدمة ووفرة سلع الرفاهية والسياسة الخارجية وكذلك في القابلية للمعيشة. والأمر لا يتعلق هنا بأن يمنح المصريون لأنفسهم درجة في هذه المكونات، لأن ذلك يتوقف على تقدير الآخرين. إن إحدى خصائص هذه المجموعة من المكونات أنها تتوقف على أذواق وتفضيلات الآخرين.
أما المجوعة الأولى والتي تستحوذ على 70% من مؤشر القوة الناعمة فإنها تعتمد على خمسة مكونات رئيسية هي الحكومة، المقومات الرقمية، الثقافة، المبادرة في المشروعات، والتفاعل والإشتباك، والتعليم.
وأستطيع أن أقرر هنا بناء على بيانات تقرير التنافسية الدولية 2017 أن مؤشرات القوة الناعمة لمصر تتسم بالضعف بشكل عام، إذ أن الترتيب العام لمصر على مؤشر التنافسية يضعها في الثلث الأخير من دول العالم التي يشملها التقرير (مركز مصر هو رقم 100 من بين 137 دولة يشملها التقرير العالمي للتنافسية.(7)
السؤال الذي يواجهنا هنا هو: هل تملك مصر مقومات للقوة الناعمة؟
الإجابة نعم. مصر تملك الكثير من مقومات القوة الناعمة، لكن ممارسة القوة الناعمة يتطلب مهارة شديدة في استخدام هذه المقومات. إن مقومات القوة الناعمة مثلها مثل جهاز الكمبيوتر الذي يحتاج تشغيله إلى مصدر للطاقة، وإلى برامج تشغيل متعددة الأغراض. فإذا توفر لديك جهاز الكمبيوتر فهذا شيئ جيد لكنه ليس كافياً على الإطلاق لممارسة القوة الناعمة. فما هي إذن أهم مصادر القوة الناعمة في مصر؟
1-  التاريخ، التاريخ ليس من صنع جيل واحد من البشر، وفي مصر فإن أجيالاً طويلة صنعت تاريخ هذا البلد الذي ما تزال آثاره دليلاً عليه، سواء في والمرحلة الفرعونية أو اليونانية/الرومانية أو الإسلامية أو في العصر الحديث. ويعتبر تاريخ مصر وآثارها أحد أهم مقومات القوة الناعمة لمصر. ولهذا، فإن صناعة السياحة ليست مجرد مورد للنقد الأجنبي بل إنها مصدر من مصادر تقديم صورة عظيمة لمصر تتبادر إلى ذهن من يقرأ عنها أو يهتم بزيارتها أو يفكر في إنشاء مشروع فيها.
2-  الموقع، موقع مصر هبة من الله تعالى، لم يصنعه المصريون ولم يختاروه هو سابق لوجودهم، وهو أسهم في تشكيل حضارتهم وثقافتهم. وعلى مر التاريخ كان موقع مصر سبباً من أسباب بلائها وأطماع الأعداء فيها. ومع ذلك فقد آن الأوان لاستخدام الموقع كواحد من مصادر القوة الناعمة، فليست هناك دولة تتمتع بهذا الموقع المركزي تجاريا وجيوستراتيجيا في العالم كله. هذا رأسمال غير مادي لم نبرع في استثماره بعد.
3-  الثقافة والفنون، تعتبر الثقافة من أهم مصادر القوة الناعمة للدول والجماعات في العالم. وتقدم الثقافة في العادة صورة عن الجماعة المعنية لدى الآخرين. وهناك دول برعت حتى الآن في تقديم ثقافتها إلى العالم بقصد اكتساب حب الآخرين وتقديم صورة إيجابية إلى الخارج. وفي مصر توجد مصادر مهمة للثقافة بوسعها أن تقدم صورة أفضل للعالم كله منها الدين الإسلامي والدين المسيحي وفنون السينما والتليفزيون والفنون التشكيلية. وتعتبر تجربة الصين في تطوير المعاهد الكونفوشيوسية على مستوى العالم تجربة رائدة في ميدان توظيف الثقافة كمصدر من مصادر القوة الناعمة. المعاهد الكونفوشيوسية هي معاهد تشرف عليها وتضع برامجها وزارة التعليم في الصين. ويبلغ عدد هذه المعاهد في الوقت الحاضر نحو 500 معهد في 125 دولة تقوم جميعها بتعليم اللغة الصينية ونشر ثقافتها في الخارج ورعاية الصينين المقيمين في الخارج وتقديم الخدمات التعليمية إلى أبنائهم. وتتولى وزارة التعليم الصينية تطوير برامج هذه المعاهد ووضع خطط لزيادة عددها وتوسيع نطاق أنشطتها في كل أنحاء العالم. (8)
وتوجد لدى مصر مصادر أخرى مثل الألعاب الرياضية والتنوع البيئي تستطيع مصر تنميتها أو إحياءها للإسهام في بناء توليفة من القوة الناعمة تتكامل مع بقية متغيرات القوة لتحقيق أهداف الأمن القومي، وتعزيز القدرات التنافسية ورفع مستوى رفاهية المواطنين.


خاتمة
القوة الناعمة هي السهل الممتنع في العلاقات الدولية وسياسات الأمن القومي. إنها سهلة لأنها معنوية وهي صعبة للسبب نفسه؛ فإدراك القوة المعنوية قد يحتاج لأجيال بينما تحقيق القوة المادية قد يحتاج سنة واحدة أو أقل. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية والدمار الذي شهدته اليابان مع ضرب مدينتي هيروشيما ونجازاكي بالقنابل النووية، أدرك كثير من علماء السياسة وصناعها في العالم أن استخدام الأسلحة النووية لتحقيق النفوذ أو توسيع نطاقه على النطاق العالمي أصبح شبه مستحيل. ومع إن الولايات المتحدة تدرس الآن تحديث ترسانتها النووية بإنتاج سلة من الأسلحة النووية الصغيرة أو المتناهية الصغر، فإن صناع السياسة في واشنطن ربما يدركون في وقت قريب أن هذا الخيار سيؤدي إلى إدانة عالمية واسعة النطاق، لأنه سيفتح الباب لموجة جديدة من تدمير البشرية، لا يختلف فيها من يدمرها بقنابل صغيرة عمن يدمرها بقنابل كبيرة. لقد أصبح إنتاج الأسلحة النووية خارج حدود المعايير الأخلاقية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ولا أظن إن هذا الوضع سيتغير.
ولذلك، فقد حث علماء السياسة وصناعها على دراسة استخدام وسائل أخرى لتحقيق النفوذ والسيطرة. في البداية قدم جورج كينان نظرية الإحتواء، وبعد نحو ربع قرن قدم جوزيف ناي نظرية القوة الناعمة، وهي النظرية التي تقضي بتحقيق النفوذ أو التوسع فيه بطرق الترغيب وليس بوسائل الحرب والتهديد والإجبار. ومنذ قدم ناي للعالم نظريته عن القوة الناعمة (1991) حتى الآن تطورت هذه النظرية بشكل كبير وتفاعلت مع التغيرات التي تجتاح العالم. وقد استنتج ناي أن موازين القوة في العالم تشهد اليوم تغيرات عميقة أهمها تحول محور القوة إلى الشرق، وتحول مصادر القوة تدريجيا عن الدولة إلى شركاء جدد لها في العلاقات الدولية أهمهم الشركات المتعددة القومية والمنظمات غير الحكومية الوطنية أو الإقليمية أو العالمية المسلحة أو غير المسلحة، والمنظمات غير الحكومية ذات الطابع العالمي مثل أمنستي إنترناشيونال وجرين بيس وغيرهما.
ويعد الإنتقال من الإطار النظري لدراسة القوة الناعمة إلى التطبيق أشد تعقيداً عما نتصور بسبب ما فيها وما يحيط بها من الصراعات ذات الطابع السياسي والإقتصادي والعسكري. وتتمتع مصر بالكثير من مقومات القوة الناعمة، خصوصاً القوة الناعمة الثقافية (الآثار والمتاحف والتاريخ والآداب والمسرح والموسيقى وفنون السينما والتليفزيون وغيرها)، كما تتمتع بمصادر قوة ناعمة في مجالات السياحة الشاطئية والألعاب الرياضية والوجبات الشعبية التقليدية (يمكن هنا تفسير استماتة إسرائيل من أجل تسجيل الفلافل كوجبة شعبية إسرائيلية). لكن مصر لأسباب كثيرة ما تزال عاجزة عن توظيف هذه المصادر بسبب ضعف المؤسسات وتشتت أهداف العمل على تنمية مصادر القوة. وتحتاج مصر إلى إعادة ترتيب أولوياتها فيما يتعلق بتنمية مصادر القوة واستخدامها على الوجه الأحسن، كما تحتاج إلى تطوير كفاءة المؤسسات المعنية ببناء القدرات وتوظيف واستثمار مصادر القوة الناعمة بحيث تتناسب مخرجات القوة الناعمة مع الموارد أو المصادر المتاحة لها.
*
القوة الناعمة من ثلاثة مصادر أساسية:
 ثقافة البلد، وقيمه السياسية مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وسياساته. قد تصبح الحكومة قدوة للآخرين بحسب تصرفاتها في الملفات الداخلية (حماية حرية الصحافة والحق بالاحتجاج مثلاً) وفي المؤسسات الدولية (عبر دعم جهود التنمية وحقوق الإنسان). كانت حادثة اقتحام مبنى الكابيتول يوم الأربعاء الماضي مريعة بمعنى الكلمة، ومع ذلك قد يتعافى منها الأميركيون.
يكون جزء كبير من موارد القوة الناعمة منفصلاً عن الحكومة ويجذب الآخرين إلى البلد رغم سياساته، إذ تُطوّر الشركات والجامعات والمؤسسات والكنائس والحركات الاحتجاجية شكلاً من القوة الناعمة الخاصة بها، وقد يُرسّخ هذا العامل نظرة الآخرين إلى الولايات المتحدة. حتى أن الاحتجاجات السلمية المحلية قادرة على إنتاج قوة ناعمة. لم يكن التحرك الأخير ضد مبنى الكابيتول سلمياً طبعاً بل شكّل تجسيداً مزعجاً لنجاح ترامب في بث الانقسامات السياسية، لكنّ ما حصل لم يكن انقلاباً، بل صمد المعسكر الوسطي وقامت المؤسسات بعملها ولم يمنع شيء المصادقة على فوز جو بايدن بالرئاسة.
*
المال والأعمال.. الدبلوماسية الناعمة في صناعة الأفلام
Jan 17, 2021
الخصومة مع العلم لا تقتصر على النظم الديكتاتورية، ولكنها أصبحت سمة عامة للعمل السياسي، حيث جذب مفهوم الدبلوماسية الشعبية مجموعة من السياسيين المصريين، فقاموا بتشكيل وفد أطلقوا عليه "وفد الدبلوماسية الشعبية" لزيارة دول حوض النيل، وتحديدا إثيوبيا وأوغندا.

تعتبر الدبلوماسية الشعبية من أهم مجالات الدبلوماسية العامة، وهو علم تسهم علوم كثيرة في تطويره ليشكل أساسا لبناء العلاقات الدولية خلال القرن الـ21 بأساليب وأدوات جديدة تقوم على التفاهم والتعاون بين الشعوب لتحقيق أهداف طويلة المدى، وتبادل المعرفة وتجارب الكفاح، وبناء الصور الذهنية الإيجابية للشعوب.
Jul 20, 2021

*
 القوة الناعمة المتوحّشة التي تفتك بالعقل الجمعي العربي

لا تحكم الأنظمة العربية الشعب فقط بالقوة الأمنية الخشنة، والقوانين القمعية، ومصادرة الحريات، والتحكّم بمصدر الرزق، وتقديم أصحاب الحظوة لتقلد المناصب، واضطهاد من يسمّونهم "العامة" أداة الحكم الأكثر فاعليةً في إخضاع الشعوب العربية، وحقنها بمخدّرات الاستسلام وانتظار ما لا يأتي، هي النخب التي تحتضنها الأنظمة، وتعتاش في حاضنتها.
النخب العربية المتصدّرة مجالس الحديث والتأثير، في الإعلام والثقافة والأدب وحتى الفن، هي القوة الناعمة التي تستعملها الأنظمة لإحكام قبضتها على الشعوب، فهي التي "تبيع" للناس منتجات الطبقة الحاكمة و"منجزاتها" باعتبارها صالحة للاستهلاك البشري، وهي في الحقيقة مجرّد "نفايات" لا تصلح للاستهلاك الحيواني، شأن شركات المأكولات السريعة وال "جنك فود" التي تًزيّن منتجاتُها للأجيال الصاعدة المفتونة بها، وهي في حقيقتها من سقط الطعام؛ غير متوازنة، غنية بالكوليسترول والدهون المشبعة. وبهذا المعنى، هي سموم حقيقية متنكرّة في ثوب غذائي، وهذا هو بالضبط ما تبيعه النخب للجمهور العربي البائس.
النخب العربية المتنفذة، التي تدللها الأنظمة وتحملها "على كفوف الراحة"، فتنقلها من منصب إلى آخر، وتُغدق عليها المال بلا حساب، سواء على شكل رواتب أو أعطيات أو هبات وحوافز وتسهيلات، هي القوة الناعمة المتوحّشة التي تفتك بالعقل الجمعي العربي، وتعمل بمثابة الخنجر المسموم الذي يعطّل الوعي، ويشوّه العقول، ويزيّن له تلك المسوخ التي تتحكّم بمصائرها، وتصوّرها باعتبارها المهدي المنتظر الذي سيخلصها من شرور المسيح الدجال.
أخطر النخب وأكثرها سمّية الدينية التي تفصّل للحاكم الفتاوى على مقاسه، فترفعه إلى مصاف الآلهة، وتحصّنه من أي خطأ
أولا، تشويه المعارضة وشيطنتها، أي معارضة، حتى ولو كانت وطنيةً وراشدة. تصوّرها فئة خارجة عن "الإجماع الوطني" غير الموجود أصلا، ومهمتها الأساسية "تخريب" الجبهة الداخلية. وأصغر التهم التي تكال لها أنها "مرتبطة بالخارج"، وهي تهمة جاهزة لإضفاء صفة الخيانة عليها فيما بعد، حتى إذا أنشبت السلطة أظافرها فيها، برّرت تلك النخب هذه الخطوة بأنها جاءت "دفاعا عن الوطن" ووحدته وأمنه، وتخليصا له من فئات خارجة عن القانون..
ثانيا، محاولة تصوير الشعوب العربية أنها لم تبلغ بعد سن الفطام، ولا تستحق اختيار حكّامها. وتبلغ هذه المحاولات أسوأ صورها في تلك البلاد التي تصوّر الحزبية رجسا من عمل الشيطان، والمظاهرات والتعبير عن الرأي خروجا على "ولي الأمر"، وهو أمر يصل إلى حد الكفر والتخريب والإفساد في الأرض. أما الانتخابات فحكاية أخرى، فهي، في بعض الأصقاع، حلمٌ بعيد المنال، ولا تخطر ببال الشعب، حيث تُحرم تلك النخب من مجرّد ذكرها. وفي البلاد التي تجريها بين حين وآخر، تتم وفق نسخةٍ ممسوخةٍ تجعل منها مهزلةً بالتزوير والعبث، لتأتي تلك النخب متغنيةً بالنزاهة والحرية التي تمتّع بها الناخبون والمترشّحون، وكلا الجانبين خضعا لعمليات تشويهٍ معقدة، كي تأتي النتائج على المقاس المريح للأنظمة.
ثالثا، أما تلك المجموعات التي تعمل في حقل حقوق الإنسان، ومنظمات المجتمع المدني، فهي، إن سُمح لها أن تكون موجودة أصلا، مجرّد مجمعات للجواسيس المرتبطين بالخارج، يعملون على إرسال تقارير إلى العالم "تفضح الوطن"، ويتاجرون به سعيا وراء الشهرة والمال، وهي صورة تبرّع في بيعها وتسويقها نخب الجعجة الإعلامية، ومن يعتلون المنابر الرسمية، المسموح لهم دون غيرهم في التعبير والوعظ والتوجيه.
صناعة النخب الموالية، وتجهيز كتائب التوجيه على جبهة الوعي، من أهم وسائل السيطرة على عقول الناس
أخطر النخب وأكثرها سمية الدينية التي تفصّل للحاكم الفتاوى على مقاسه، فترفعه إلى مصاف الآلهة، وتحصّنه من أي خطأ، وتجهز له كل ما يلزم من نصوص مدعّمة بالأحاديث والآيات، لتبرير كل ما يفعله هو وبطانته، باعتباره عمل خيرٍ من أجل الأمة، وصلاحها ورفعتها، بل تجعل من طاعته عملا عباديا يتقرّب به إلى الله، فضلا عن تبرير أخطائه وفحشه و"الستر" عليه، حتى لو رؤي وهو يمارس الفاحشة على الهواء مباشرة.
صناعة النخب الموالية، وتجهيز كتائب التوجيه على جبهة الوعي، من أهم وسائل السيطرة على عقول الناس، وديمومة خضوعهم للاستبداد، وتصويره منجزا إلهيا، منّ الله به على الشعب. ومن حسن العبادة والتقرّب إلى الله عز وجل، أن يسبح الشعب بحمد من يلهب ظهره بالسوط صباح مساء، لأن هذا السوط أنعم الله به على من اختارهم من عبيده للعيش في كنف هذا الحاكم أو ذاك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق