Feb 1, 2019
كان ميكيافيلى ينصح أميره فى مؤلفه الشهير «الأمير»: «إياك إياك أن تحتقر أعداءك حتى لا تبالغ فى عدم تقدير حقيقة قوتهم أو مميزاتهم فتخسر معاركك معهم».
وفى الجزء الثالث من رواية «ماريو بوزو» الشهيرة التى تحولت إلى فيلم شهير، وهو «الأب الروحى»، يقول الأب «المؤسس» لعصابة المافيا الشهيرة، لابنه «الوريث» للزعامة: «لا تكره أعداءك حتى لا يتشوش تقديرك لهم».
وأزمة العقل السياسى العربى، والنفسية الإنسانية العربية المعاصرة، هى أنها «إما أن تحب إلى درجة التقديس فلا ترى أى عيب فيمَن تحب، أو تكره إلى حد الشيطنة الكاملة فلا ترى أى صفة إيجابية فيمن تكره».
ذلك كله ينصرف على أحكامنا على التاريخ وعلى الحاضر، وأيضاً على رسم صورة المستقبل.
الحكم فى عالمنا العربى على الأشخاص، والقرارات، والأحداث كله «شخصى، عاطفى، ذاتى، غير موضوعى» بامتياز.
نحن قوم لا نستطيع أن نرى أخطاء أنفسنا ولا احترام إيجابيات أعدائنا.
مثلاً: قد أختلف فكرياً أو عقائدياً مع «حزب الله» اللبنانى، لكن هذا لا يمنع أن أحترم كونه حركة مقاومة، منضبطة ثورياً وفكرياً.
مثلاً: قد أكره المشروع الصهيونى الإسرائيلى، لكن هذا لا يمنع أن أقدّر «الالتزام الوطنى للإسرائيليين بهذا المشروع»، وخدمتهم للحلم بكل إخلاص، وتفوقهم فى مجالات العلم والتكنولوجيا والزراعة والصناعات العسكرية.
قد أختلف مع سياسات حكام قطر التى أدت إلى تمزيق الأمة العربية، لكن لا بد من ملاحظة أنهم يُحسنون إدارة مواردهم، ولديهم شبكة علاقات سياسية قوية ومؤثرة تفوق عشرات المرات الوزن النسبى الحقيقى لبلادهم.
أبسط مثال هو أن تكون لديك القدرة على حسن تقدير فريق كرة القدم المنافس للفريق الذى تشجعه حتى لو هزمه.
اعتقد صدام حسين أنه قادر على غزو إيران فى أيام، وقسم إسرائيل إلى نصفين بصواريخه، ودحر أى خطط أمريكية لغزو بلاده.. وفشل.
اعتقد معمر القذافى أنه قادر على خلافة جمال عبدالناصر وزعامة الأمة العربية، وأن يصبح ملك أفريقيا المتوج.. وفشل.
اعتقد حكام كوريا الشمالية منذ الأب المؤسس «كيم آيل سونج» حتى الحفيد «جونج»، أن بلادهم قادرة على محو كوريا الجنوبية فى ثوانٍ والوصول بصواريخهم الباليستية إلى قلب الولايات المتحدة الأمريكية.. وفشلوا.
واعتقدت إيران أنها قادرة على السيطرة الأبدية على كل من بغداد والمنامة وصنعاء ودمشق وغزة، وها هى تعانى وتدفع فاتورة مؤلمة عسكرياً ومادياً تُلقى بظلالها على اقتصادها.
واعتقد ترامب أنه قادر على تأديب العالم بعقوباته الاقتصادية، فاتفق معظم قادة العالم على مواجهته ومحاولة التحايل على عقوباته، من الصين إلى اليابان، ومن المكسيك إلى كندا، ومن إيران إلى سوريا.
قد لا نحب هذا النظام أو هذا الحاكم، ولكن هذا لا يمنع أن نحسن تقدير أسلوب إدارته للصراع أو الأزمة معنا.
حتى تكره هذا النظام، أو هذه الدولة، فيجب عدم التهوين بقدرتها العسكرية أو ثروتها النفطية أو ثرواتها المادية أو شبكة علاقاتها الدولية.
لا تبالغ فى الخوف، ولا تستخفّ لدرجة إهمال وجود خصم لك، كل المطلوب منك -فقط- أن تعطى صديقك أو عدوك وزنه النسبى الحقيقى دون زيادة أو نقصان.
باختصار.. أحسِن التقدير دون أن تغلبك مشاعرك، سواء كنت «مع» أو «ضد».
*
الانعتاق من تقديس الأشخاص يأتي في مقدمة الشروط الأساسية للنمو والتقدم
تقديس الأشخاص ظاهرة تتصف بها المجتمعات المتخلفة المغلوبة على أمرها، والتقديس يعني ان ينظر لشخص ما انه منزه من الخطأ، وأن نقده من المحرمات ولا يجوز محاسبته على ما يقترف من أخطاء وأن ما يقوله ويعمله هو عين الصواب، فهو القائد الملهم والزعيم الأوحد، وكل ما يصدر منه هو حكم ووصايا واجبة التنفيذ. ويحصل هذا الافراط في التعظيم في ثقافات مغلقة وذات رؤية أحادية، حيث أن المتحمسين لهذا الفرد لا يرون سوى مزاياه ويضخمونها حتى يتجاوزوا بها كل حد مقبول ويحيلوه إلى رمز باهر وشاهق لا يحق لأحد التحديق به! بل يوجبون على المجتمع.. الإصغاء له والدوران حول أقواله وكأنه ليس من طينة البشر، غير مدركين ان السيرة الحياتية لأي شخصية مهما علت شأنها هي عبارة عن موضوع يخضع للدراسة والنقد والتحليل، وان تلك الشخصيات ماهي الا بشر مثلنا لها غرائز كما سائر البشر. تحب وتكره وتأكل وتشرب وتخطئ وتصيب. وظاهرة التقديس في المجتمعات البشرية لها جذورها التاريخية،
خصوصاً الشباب أن لا أحد فوق النقد مهما كان، فبميزان النقد يمكن تقويم الخلل والخطأ. والمشكلة هي ان هؤلاء يعتبرون أنفسهم فوق المساءلة وفوق الشبهات واحياناً فوق القانون، وبالتالي فأنهم من يحيطون أنفسهم بهالة مقدسة يمارسون من خلالها ما يشاءون سواء كانت أفعالهم صواباً أم خطأ. أن المبالغة في رفع شأن مثل هذه الشخصيات له جانب آخر ينعكس بالسلب عليها فأننا حين نرفع هؤلاء الى عنان السماء ونجعل منهم رموزاً مقدسة نثير حفيظة الآخرين عليهم، فيدفعهم هذا إلى محاولة الحط من قدرهم؛ فأنت أنشأت جبهات معادية لمن أغدقت عليهم المدح ومنحتهم عظيم الصفات.
*
رأي صواب لا يحتمل الخطأ .. !
يقول الدكتور علي الوردي في كتابة خوارق اللاشعور: ” إن من البلاهة إن نحاول إقناع غيرنا برأي من الآراء بنفس البراهين التي نقنع بها أنفسنا, يجدر بنا إن نغير وجهة إطاره الفكري أولا.. وإذ ذلك سنجده قد مال إلى الإصغاء إلى براهيننا بشكل يدعو للعجب”. إن إدراكنا لحقيقة الإطار الفكري لدى الآخرين ومقدمات ما يبتنى عليه من قراءات وأراء وأفكار, يساهم بشكل كبير في تجنبنا الوقوع في فخ النزاعات الفكرية والنقاشات التي لا تفضي إلى نتائج مرضية.
إن القناعات الشخصية سواء أكانت سياسية أو دينية أو غيرها لا تعدو عن كونها خاضعة لمقاييس نسبية و مقدمات وعوامل بيئة وثقافية ومؤثرات فطرية مختلفة , فالإنسان عادة ما ينظر إلى الأشياء من خلال إطاره الفكري الذي اعتاد اللجوء إليه لاستلال قراءاته واستنباط مخرجاته الفكرية إزاء القضايا والأحداث والمستجدات.
إن الانغلاق الفكري والتاطر بحزمة من الأفكار و المحددات الضيقة ستؤدي بالنتيجة إلى اضمحلال نزعة البحث والتحري الفطرية لدى الإنسان وتصيبه بالخمول والاتكاء على قاعدة رملية هزيلة لا تقوى على مقارعة الحداثة والمتغيرات الثقافية , مؤدية به إلى منزلق التخندق والتعصب والاستغراب, ونكران كل ما لا يراه من خلال زاويته الفكرية الضيقة, بغض النظر عن كونها – قاعدة المنطلقات الفكرية- صائبة أو خاطئة, فمدار الحديث يدور حول التمحور في دائرة التأطر والانغلاق حول متبنيات بعينها, بعيدا عن المرونة وتملي وجه الصواب أو احتماله. إن غياب التجرد في قراءة الأحداث وفق ما يتوفر من معطيات واقعية وبأدوات عقلية ومنطقية؛ يؤدي إلى خلق أزمات كارثية في البنية التكوينية للمجتمع بكل مفاصله, ويسهم بشكل أو بأخر, إلى الإسهاب في التمادي والتغول في فرض الذات والإرادة على حساب الآخرين, بل يتعدى إلى أكثر من ذلك ليصل إلى مراحل متقدمة في منهجة الآخرين و ادلجتهم واتخاذهم أدوات ضغط وتأثير لتمرير الأجندة وصناعة رأي عام ضاغط, قبال السياقات المنطقية العامة وتوجهات الآخرين و رادتهم, من خلال التأثير في سلوكيات الذوات من السطحيين, الذين يعدون ارض خصبة لنمو هذه الظاهرة وتناميها بشكل مضطر, مما يسهل عملية اقتيادهم وبرمجتهم بما يتسق وأطرهم الفكرية وما ينسجم ويتناغم مع تطلعاتهم المرحلية, التي من الممكن إن تحمل بين جنباتها شيء من الواقعة الممتزجة بالفوضى في الإجراءات والآليات المتبعة للوصول لغاياتها مشروعة..
*
تقديس الأشخاص أحد منابع الجهل والجور والتخلف
إذا بالغت أية أمة في تعظيم فرد واحد من سالف علمائها أو حصرت فهم الحقيقة ببضعة أفراد ممن كان لهم نصيب من التميز أو الشهرة من أبنائها وتوقفت بمعارفها عند انجازات أولئك الأفذاذ فإنها بذلك تعلن أنها تجهل أصالة النقص البشري الملازم حتى للعظماء المبدعين كما تجهل أن لكل جيل نصيبه من العظمة والإبداع وأن المعرفة الإنسانية عملية تراكمية تنمو باستمرار ،وقد تفجرت في العصور الأخيرة تفجرا لا مثيل له وأن هذه المزية التراكمية في العلوم والوسائل تجعل اللاحقين أقدر على التحقق والإنجاز والإبداع وبهذا الجهل للطبيعة البشرية أو التجاهل لحقائق التاريخ والواقع وما يزخر به من علوم وتسهيلات ومعارف تجور الأمة على نفسها وتحبط جهود اللاحقين من أجيالها وتحكم على ذاتها بالتخلف الأبدي والهوان المقيم..
إن بين الجهل والجور والتخلف تلازماً عضوياً فهو ثالوث مترابط يخنق عقل المجتمع ويلغي فردية الإنسان ويوقف حركة التاريخ ويعطل مسيرة الحضارة فمع استمرار جهل المجتمع بما له وما عليه يحصل الجور ومع الجور تسوء الأخلاق وتتدهور الضمائر ويتفاقم الجهل وباجتماع الجهل والجور وسوء الأخلاق وفساد الضمائر تسود الأنانية الشرسة ويتوطد التخلف وباستحكام هذه الشبكة من الآفات والمعوقات وتبادل التغذية بين أطرافها تتوالد عناصر الانحطاط وتترسّخ أركان الإفلاس الحضاري فتنسد الآفاق وتنغلق العقول ويشتد التعصب ويسود الاجترار ويختفي الإبداع ويتوجّس الناس من أي طارئ في الأفكار والأذواق والممارسات ويحتمون بما ألفوه ويبالغون في تعظيم الأشخاص الثقات وينقلب التقدير إلى تقديس وبذلك يستحكم الانغلاق ويتوقف النمو وتبدأ مرحلة الجفاف والتيبّس..
إن المبالغة في تعظيم المتميزين من الأشخاص هي أغزر منابع الجهل والظلم والتخلف إنها اخطبوط يغتال العقول ويكثّف الأوهام ويحجب الحقائق ويفسد الأذواق ويخرّب قدرات التقييم ويحيل الناس إلى إمَّعات مأسورين لأقوال فرد أو بضعة أفراد ممن كان لهم حظ من الذيوع والشهرة خاصة إذا كان هؤلاء من الأموات الذين توارثت الأجيال تعظيمهم وتشبعت بكيل الثناء الغامر لهم وأحاطهم البعد الزماني بهالات التبجيل والتفخيم وجعلهم فوق مستوى المراجعة أو النقد أو التدارك...
إن الناس قد اعتادوا التعامل مع غيرهم من الأفراد العاديين وهم يبنون أحكامهم على المظاهر ولا يستطيعون اكتشاف التميّز المعنوي الذهني والأخلاقي بل إن أبّهة المظاهر هي التي تأسرهم وتنال إعجابهم وتستحوذ على اهتمامهم لذلك فإن الناس في الغالب لا يعترفون لأحد من الأحياء بالتميز غير المرئي والمحسوس فيبقى الأشخاص الاستثنائيون مغبونين في حياتهم إلا إذا أبرزت أحدهم ظروف استثنائية لا تعود الى قدرة الناس على اكتشاف امتيازه وإنما لأن الأوضاع استوجبت الاستفادة منه فينال المكانة التي يستحقها في حياته أما الغالب على المتميز فإنه يتجرع آلام التهميش والاستخفاف وعدم الاعتراف فإذا تعاقبت القرون ظهر فجأة الاهتمام به وهنا يتدخل سحر الغياب وهالات البعد الزماني فتتضخم الصورة تضخماً مفرطاً ويصبح ترديد أقواله محطة مغلقة من محطات الدوران الهابط وليس نقطة من نقاط الانطلاق الصاعد وبهذا يكون التعظيم المفرط عائقاً حقيقياً من عوائق النمو المعرفي والحضاري ومنبعاً متجدداً من منابع الجهل والظلم والتخلف..
إن تقدم المجتمعات يتوقف على التكامل بين الإبداع والاتباع فإذا لم يتحقق هذا التكامل بقي المجتمع متخلفاً لكن كل إبداع ما هو إلا لبنة واحدة في صرح البناء الحضاري الذي يستمر تشييده فإذا حصل التوقف عند مرحلة معينة من مراحل الإبداع أو نال أحد المبدعين من التعظيم ما يجعل الناس يرفضون أي إبداع يأتي بعده فإن ذلك يعني توقف البناء وبداية التآكل الحضاري وتدهور المجتمع وتلبّك الثقافة..
من أين أتتنا عقلية تقديس الأشخاص؟!
من مشاكلنا الأخلاقية المساهمة فيما نحن فيه من ركون عن باقي الأمم المتقدمة: صناعة الفرد المُقَدِّس للأشخاص. صناعة الناظر للأشخاص كمقدَّسينَ. تكوين عقول راضخة راضية بجبروت الطغاة. تكوين عقول لا تقتات ولا تتنفس إلا في بيئات الطاعة والولاء المذموم. يا ترى من أين تأتي عقلية تقديس الأشخاص؟ ومن وراء جو قداسة الأشخاص؟
مما فهمته من شؤون الحياة الاجتماعية أن عقلية تقديس الأشخاص لها علاقة وطيدة بالبيئات المتخلفة أو قل: إن عقول تقديس الأشخاص لا تنبت وتستشري إلا في جغرافيا التخلف، والمنتج الحقيقي للعقل المقدِّس للأشخاص في حقيقة الأمر: المجتمع ككل. المجتمع بمؤسساته؛ أي كان الشكل المؤسّسي سواء بشكله القديم أم الجديد، وبما يَضخُ من أفكار ومعاني في عقول أفراده؛ وفي نظري القاصر بطبعي كإنسان أن هناك مؤسسات لها اليد الطولى في تكوين العقل المقدِّس للأشخاص؛ العقل الذي لا يمكنه أن يعيش إلا في بيئات تُقدِّس الأشخاص. العقل الذي لا يبتهج ولا يُسر إلا في بيئات تقديس الأشخاص. العقل الباحث عن من يتقدَّس أو من يُّدفع بِه لِيَّتقدَّس، هي المؤسسات التالية: الأسرة، المدرسة، الإعلام، ومن خلال هذا المقال سنوضح باقتضاب ما تقوم به هذه المؤسسات في سبيل بذر بذور قداسة الأشخاص.
أولا الأسرة: من أولى نوات المجتمع في تكوين العقلية المقدسة وسيادتها، وبالتالي حظها ليس بالتعيس في مسألة نبض حياة الشخصية المقدِّسة. تزرعُ الأُسرة في الطِّفلِ وهو صغير: خصلة تقديس وتعظيم أشخاص بعينهم، من خلال قناة الخوف والرهبة؛ والتي أول من يشرعن لها حق البث: الأب عن طريق الفزع والقلق الزائد لأبنائه من جنابه، والنظر إليه كشخص مقدَّس، وكسلطة عليا لا يمكن الوصول إليها بأي شكل من الأشكال.
وتعمل الأم القطب –الأول- من حيث التأثير في الأسرة على تكريس هذه السلطة -سلطة الأب-، من خلال تخويف الأبناء من الأب، وسرد قصص مرعبة عنه؛ قد تكون أقرب للخيال منها للحقيقة في حال تمرد الأبناء عليها. ظهور الأب في الوسط العائلي بنفسية قاسية نفسية غامضة تتسم بالغلظة والخشونة. الأب: هو تلك الشخصية الغامضة المتعالية المتجبرة لا حيز للعطف والحنان في قلبها إلا ماقلَّ.
من هنا نزرع في نفوس أبناءنا أنه لابد من وجود الشخص المهاب المقدس الذي لا تعقيب ولا مراجعة لأوامره في حياتنا. من هنا تكبر الأجيال وقد تتطور وترتقي في شتى المجالات، ولكن تبقى سمة القداسة ملازمة لها، وتبقى دائمة البحث عن من يتقدس. ثانيا المدرسة: تلعب المدرسة دوراً محورياً في صناعة العقل المُمَجِّد المقدِّس للأشخاصِ، وذلك من خلال تأييد المؤسسات المجتمعية في رؤياها وإكمال رسالتها، نظرياً وتطبيقياً، وإضافة بصمتها الخاصة ببراعة وتفننٍ.
نظرياً: تكمل المدرسة مهمة تكوين الشخصية المُقدِّسة للأشخاص من خلال نصوص تعليمية تقدم للطالب؛ تتناول شخصيات بذاتها، وتستطرد في مدح عظمتها إلى أن يستقر في مخيلة وعقل وفؤاد الدارس على أنها شخصيات مرموقة سامية من طين غير طينها لها ما يميزها عن باقي الأنامِ، وأن لولا هذه الشخصيات لما وجد من الأساس كل ما يحيط به من أشياء ضرورية وتكميلية؛ ومن بين هذه الشخصيات على سبيل المثال لا الحصر. أدبيا: امرؤ القيس، عنتر ابن شداد، سبويه الجاحظ.... وحتى المعاصرين أمثال العقاد، وطه حسين، والمنفلوطي، ونجيب محفوظ ووو... وغيرهم من الأقحاح، الذين لا يمكن أن يصل لمستواهم كائن من كان، ولا يمكن أن يأتي بِمعشار ما آتوا به، فالإبداع والجمال اللغوي انتهى عندهم ودُفن.
تاريخيا: تقدم أمجاد وانتصارات الأمة كاملة في شخص واحدا، ونتغافل بعقلنا الموروث في حالتيه الجينية والثقافية، عن ما وراء هذا المجد من منظومة متكاملة بدءً من أصغر مولود في الأمة إلى أكبرها، ومن ظروف محيطة متشابكة، بفضل هذا التشابك حدث المجد. وننسى كل هذا ونعلقه بشخص واحد وكأنه كان يعيش لوحده، وبهذا يكبر العقل المقدس للأشخاص فينا بقدر ما نكبر ونظل ندور ونبحث عن من يُقدَّس. تنسب كل الانتصارات الماضية وحتى الحاضرة لشخص واحد ويسلط الضوء عليه كمركز، وكمثال لذلك طرد المسلمين للمغول هنا لا نتذكر من الأحداث سوى الزعيم وفقط ركن الدين ببرس ونتغافل عن الجو السائد حينئذٍ وروح الأمة ومعطياتها المغذية المتكاملة الذي لولاه لما حدث انتصار.
الأفلام الزعائمية التي تتناول شخصيات بعينها كفيلم -أيام السادات- الذي قام بدور البطولة فيه النجم أحمد زكي، أو فلمه الثاني -ناصر ٥٦-، وبما أننا أصبحنا أمة السكن في ما مضى وفي جميع مجلاته وعلى ضوء هذه المجالات فلابد لنا من استدعاء الماضي وذكرياته سينمائيا من خلال أفلام تتناول شخصيات تاريخية بعينها كفيلم -الحجاج- على سبيل المثال مع العلم أنه طاغية وظالم ويكفيه طغياناً وظلماً؛ أنه قتل عبد الله ابن الزبير ابن العوام، ومع هذا الجرم الذي تندى له الجباه وتدمع له العين، إلا أن السينما العربية ما فتئت تقدمه لنا على أنه زعيم وبطل مغوار. وتم توجيهنا ونحن صغارا إلى مشاهدته لنتأثر به من خلال الهالة الكلامية بوجهيها الشعبوي والثقافي التي تدور حوله من شكر وثناء إلا درجة أننا ونحن صغارا لم نعد نرى غير شخصية الحجاج نموذجا للاقتداء، وأصبحنا نحلم بأن نرى هكذا نسخة تتكرر في زماننا. كل هذه الأفلام في حقيقة الأمر ما هي إلا نوع من أنواع تكريس قداسة الأشخاص في نفوس الناس وجعل النفسية من بديهياتها وأولوياتها البحث عن رموز لتقدسها وتلهث ورائها كما تلهث فريسة الضباع خلفها.
*
التّقديس والتَّعظيم وآثارهما
مفهوم التَّقديس والتَّعظيم يستعمل عند النَّاس فيما يتجاوز الحدَّ المشروع له، كما في تقديس بعض الشَّخصيَّات والمواقع والشِّعارات، حتّى وإن كان ذلك منطلقاً من واقعٍ يفرض مثل هذا التَّقديس،
فعندما نقدِّس شخصاً، حتى لو كان معصوماً ووليّاً، نتوجّه بانفعالاتنا إليه. ومع الزمن، يصبح ارتباطنا به ارتباطاً عاطفياً، بما يحرِّك فينا من مشاعر وجدانيّة،
إنَّ التّقديس الأعمى للأشخاص وبعض الأفكار، مهما كانت، يساهم إلى حدّ كبير في خنق العقل الفرديّ والجمعيّ، ويمنعه من الرؤية الواضحة والقراءة السّوية لما عند هؤلاء الأشخاص، وما في هذه التجارب من دروسٍ ينبغي التزوّد منها في تصويب أيّ اعوجاج وانحراف..
ويقول الدكتور علي شريعتي في هذا المضمار: "وهل ثمة فائدة تتوخّى وتأثير يتوقّع من التّقديس والتّعظيم، ونحن لا نعلم شيئاً مما فيها؟ وكذا الحال في تعاملنا مع الشخصيات العظيمة التي يمكنها أن تنقذ أمّتنا ومجتمعنا وتنجي الأجيال القادمة، نقدّسها ونثني عليها ولا نعرف عنها أيّ شيء!".
*
“الشيطنة” هي أخطر الأسلحة التي يستخدمها أعداء أمّتنا في حربهم علينا، شيطنة المناضلين والشهداء، شيطنة الرموز والقادة، شيطنة الحركات والجماعات، شيطنة الشعوب والأمم، لأن هذه “الشيطنة” تقيم متاريس العداء والكراهية بين أبناء الأمّة الواحدة، والشعب الواحد، والقضية الواحدة، وتصرف أنظارنا عن أعدائنا وهم أخطر الشياطين التي تهدد حياتنا.
أخطر ما في سلاح “الشيطنة” أنهم ينجحون في استخدامنا ضد بعضنا البعض، فيستدرجون بعضنا إلى شيطنة البعض الآخر، حتى إذا ما فرغوا من شيطنة ذلك البعض عمدوا إلى شيطنة البعض الآخر ممن وقع فريسة خداعهم، وهكذا تتواصل الحروب بيننا حتى يصبح أعداؤنا أسياداً علينا…
ما لم ولن تفهمه السعودية
السعودية درجت على شراء الذمم والرشاوي والدفع لكتبة السلطان وهي غير معتادة على التعامل مع الناس الشرفاء ذوي المواقف المبدئية اللذين لا يحيدوا عنها وبغض النظر عن الأموال التي من الممكن ان تقوم السعودية بدفعها مقابل صمتهم او عدم التعرض لجرائمها التي ترتكب وخاصة في اليمن. هذه الجرائم والمجازر التي ارتكبتها والتي ترقى الى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
بين الرياض وبيروت
عبد الله الرشيد
تصريحات
جورج قرداحي فليست بذاتها تستحق الرد، الرياض أكبر من أن تؤثر فيها تصريحات وزير لا قيمة له في بلده لبنان نفسه. الأخطار تتزايد على لبنان لأن إيران حولته إلى دولة مواجهة، ميليشيات «حزب الله» تحارب في المنطقة نيابة عن إيران وتدير عمليات عسكرية واستخباراتية. حولت إيران لبنان إلى مركز لإدارة معاركها الإقليمية والدولية،
بالنسبة للبنانيين، الحكومة السعودية كانت واضحة في بيانها بالتفريق بينهم وبين حكومتهم، وهم مثل اليمنيين الذين لا يحاسبون على أفعال الجماعة الانقلابية في صنعاء. وفي الوقت نفسه الذي صدر قرار إبعاد السفير اللبناني واستدعاء السفير السعودي من بيروت، استمر المطربون
اللبنانيون في الغناء على مسارح موسم الرياض مع غيرهم من الفنانين العالميين.
وما جاء من تبرير لما قاله قرداحي مهين للعقول، لأن جورج قرداحي معروفة جداً مواقفه الممجدة والمؤيدة لنظام بشار الأسد ضد شعبه، وتنظيم حزب الله الإرهابي ومشروعه الإيراني في المنطقة وصداقته بزعيم حزب المردة سليمان فرنجية (هو الذي رشحه للمنصب الوزاري) والمنتمي إلى تحالف حزب الله،
*
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق