وتطور النقاش الذي كان من المفترض أن يكون فنيا بحتا حول الفيلم إلى جدل مسيّس فيه تبادل للاتهامات والشتائم وانتشر من قاعة العرض في الجونة إلى وسائل الإعلام والتواصل المختلفة وصولا إلى البرلمان.
"الفيلم يسيئ لسمعة مصر وينكر جهود الدولة في تحسين الأوضاع فيها".
اتهام لمهاجمي الفيلم "بالأمنجية" وهو مصطلح يتضمن "موالاة السلطة وأجهزة الأمن".
بمناسبة الهجمة الأمنية والأمنجية على فيلم #ریش ، الطريف أن الحكومة المصرية كانت قد أشادت بالفيلم وكرمت مخرجه وأبطاله في احتفالية بالمركز القومي للسينما ، وقالت وزيرة الثقافة إيناس عبد الدايم أن الفيلم إنجاز تاريخي مصري وخطوة جديدة على طريق استعادة الريادة المصرية في مجال السينما!
نوع مختلف من السينما يندرج ضمن المدرسة العبثية وتذكرنا حكاية تحول الرجل فيه إلى دجاجة بالرواية التي تعتبر إحدى روائع الأدب العالمي "المسخ" لفرانز كافكا التي يفيق فيها البطل "غريغور سامسا" ليجد نفسة تحول إلى حشرة.
حتى المبررات التى ساقها الفنان شريف منير لانسحابه من الفيلم تبدو واهية، إن لم تصب فى مصلحة الفيلم لدرجة قد تجعلنا نلومه على موقفه حيث يشير إلى أن مشاهدة الفيلم أتعبته.. وهى شهادة نجاح أن حرك الفيلم مشاعر فنان وليس مجرد مشاهد عادى على هذا النحو الذى لم يعد يشعر معه بالراحة فى الكرسى الذى يجلس عليه! وربما جاء استكمال منير لتساؤلات عمرو أديب ما مثل فرصة للبعض للغمز واللمز بشأنه ومحاولة النيل منه حين راح يشير إلى أن العشوائيات التى كانت موجودة سابقا يجب صرف العيون عنها فى الجمهورية الجديدة! وهو الأمر الذى أججه تأكيد آخرين بأن الفيلم يسئ لسمعة مصر وينكر جهود الدولة فى تحسين الأوضاع فيها.
يتكرّر المشهد في مهرجان ساويرس السينمائي، حيث يصبح الوطن عند هؤلاء هو ما يحب أن يشاهده السيسي، في مسلسل "الاختيار" وغيره من أعمال دراميةٍ محشوّةٍ بكل الأكاذيب التاريخية والاجتماعية، المصنوعة في مطابخ الأجهزة الأمنية. وبالتالي، يصبح انتقادها أو الاعتراض على مضمونها نوعًا من خيانة الوطن، والتآمر عليه.
الأكاذيب التي ترصّع فساتين ممثلات مهرجان الجونة (السياحي)، والذي يرسّخ ذلك المفهوم المبتذل لعملية الإبداع، والتي هي، حسب مفهوم السيسي، أن تكتب وتنتج أعمالًا فنية تبرز عظمة الحاكم، وتحارب كل من يعارضه أو ينتقده، وتقول للمتلقي إن هؤلاء هم أعداء الوطن،
*
خالد يوسف: اتهام الأعمال الفنية بتشويه سمعة الدولة هو الإساءة الحقيقية
أوصياء على الدولة والحفاظ على صورتها الرمزية.
الفيلم قدم صورة من قاع المجتمع على غرار أفلام سابقة مثل “حين ميسرة”، و”هي فوضى” أطلقت مبكرا تحذيراتها المجتمعية من خطورة تراكم ظاهرة العشوائيات.
ملوثا بالسياسة أكثر من اهتمامه بالسينما وتقييم أعمالها على أسس فنية،
جاءت المشكلة في التعامل مع “ريش” ومؤلفه ومخرجه عمر الزهيري على أنه عمل سياسي وجرى تطبيق مقاييس الوطنية عليه واستخدام بعض صكوكها الشعبوية، كأن مصر خلت من العشوائيات وقضت تماما على مشكلتها، وأن مجرد فيلم يحمل وجهة النظر الفنية لصناعه قد يتسبب في تشويه ما يتم من إنجازات على الأرض.
كشفت الأزمة عن ارتفاع أصوات قطاع من الشعبويين في مصر ومن يعتقدون أنهم أوصياء عليها، مقابل خفوت أصوات العقلاء ومن يريدون أن تزدهر قوتها الناعمة عبر الفن والثقافة ويراهنون على أن السينما من أهم هذه الأدوات.
اقحام السياسة في الفن يقود إلى تضليل الرأي العام لأن إرضاء الحكومة على حساب الموضوعية والمهنية والمنطق يكرس الاصطفاف الذي لا يقود إلى تحقيق تقدم ملموس على مستوى الحريات.
تسييس القضايا المجتمعية،
“متاجرة بالوطنية”
دعاة الوطنية المزيفة لو تمعنوا في محتوى الفيلم لوجدوا أنه يخدم النظام الحاكم ولا يشوه صورة الدولة بدليل أن لجنة الرقابة الفنية لم تمنعه، وهذا يُحسب للنظام وأدواته حيث يملك مشروعات كبرى يحاول بها محو الصورة السلبية التي يتحدث عنها فيلم “ريش”، فمن أين يأتي الاتهام بتشويه الصورة.
*Oct 22, 2021
اصطدمت بألاعيب السياسة ودوائر معينة، فدفعت ثمنا باهظا، وأعتقد الآن أن الأفضل هو ممارسة عملي الإبداعي فقط مشتبكا مع الواقع، ومعبّرا عن تصوّراتي وطارحا رأيي بكل صراحة، لكن لن أعود مرة أخرى إلى البرلمان”.
إظهار الفقر أو العشوائية أو القبح في بلد ما لا يعد إساءة، وهناك المئات من الأفلام بل الآلاف من الأفلام التي تتحدّث عن عشوائيات في فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة، وهي من أروع الأعمال الفنية العالمية.
ليست مهمة الفن تقديم الحلول إنما طرح الأسئلة، وهي “وحدها ترى والأجوبة عمياء”.
مسلسل "الاختيار" في جزئه الأول، عدّه يوسف مكرّسا لمفهوم الدولة الدينية بدلا من مقاومتها
يقول للفنان شريف منير (أحد المعترضين على الفيلم) إنه يجب محاكمته لأنه قام بأداء دور ضابط موساد في فيلم “ولاد العم”.
محاكمة الإبداع بهذه الطريقة يمثل نوعا من الإرهاب لأي مبدع يحاول التفكير خارج الصندوق، مؤكّدا أن الحرية هي التي تحقّق مصلحة الأوطان وتحسّن سمعتها وليس الشجب والمنع.
الأمر كله خيال ومن حقّ صاحب الخيال أن يرى ما يريد”.
وضرب مثلا بفيلم “الناصر صلاح الدين” للمخرج المصري الراحل يوسف شاهين، فلا تجوز محاسبة الفيلم بالمعايير التاريخية أبدا، فشاهين أراد إظهار صلاح الدين باعتباره رجلا متسامحا وعادلا واختلق له ابنا شهيدا في إحدى المعارك، رغم أن ذلك مخالف للواقع التاريخي
وشدّد على أن المجتمعات لا تتقدّم إلاّ بمخالفة السائد والتمرّد على المعتاد، فعندما أطلق المفكّر المصري الراحل قاسم أمين، قبل أكثر من مئة وعشرين عاما، فكرة تحرير المرأة اصطدم بتصوّرات اجتماعية وتفسيرات دينية وواجه تكفيرا وتحريضا كبيرين، لكن بعد عقود من المثابرة صارت المرأة مشاركا أساسيا في المجتمع.
وأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”، معتبرا أي عمل غير صادق زبدا.
“الدولة ليست لها علاقة بالعقيدة الدينية، وإنما القضية الدفاع عن القانون والأمن العام”، وأنه “لم يكن صحيحا أن يقول أحد إننا نفهم ابن تيمية خطأ، فهذا خطاب لا يخصّ الفن، إنما تقديمه يكون عبر المؤسّسات الخاصة بالثقافة والفكر”
معظمها غير إبداعي، وضعيف التأثير، مستثنيا مسلسل “القاهرة – كابول” الذي عرض خلال رمضان الماضي.
جو شو وعبد الله الشريف
“حين ميسرة” 2007 الحاصل في العام ذاته على جائزة أفضل فيلم وأفضل مخرج في المهرجان القومي للسينما، وفيلم “دكان شحاتة” 2009، وفيلم “كلمني شكرا” عام 2010، وهو الآن يستعدّ للتحوّل للمرة الأولى في حياته إلى تقديم مسلسلات درامية.
*
مرأة المسحوقة وسط قساوة عالم الرجال وعلاقات القوة وسط عالم لا يرحم، غارق بالاستلاب والفقر واليأس والرثاثة يجعل منها امرأة قوية، وأماً تفعل المستحيل لإعالة أولادها، وإدامة الحياة لهم حتى ولو كانت بقسوة الموت نفسه وارتكاب فعل القتل.
شخصياته الخالية من أي تعبير والجامدة الملامح، البطيئة الحركة
يتجنب مقابلة الممثلين قبل التصوير أو عمل بروفات لهم لتمثيل مشاهدهم، ويترك التعامل معهم لمساعدي المخرج، لكنه يراقبهم عن بعد ويزجهم في صورتهم الحقيقية أمام الكاميرا، أو يصورهم أحياناً دون علمهم ليحصل على استجابات عفوية لا فعلاً تمثيليا أمام الكاميرا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق