السبت، 2 أكتوبر 2021

حركة طالبان او القاعدة . أفغانستان

حكم الشريعة

2014

ظهرت حركة طالبان في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، شمالي باكستان، عقب انسحاب قوات الاتحاد السوفيتي السابق من أفغانستان.
وبرز نجم طالبان، وأكثر عناصرها من الباشتون، في أفغانستان في خريف عام 1994.
ويعتقد على نطاق واسع أن طالبان بدأت في الظهور لأول مرة من خلال المعاهد الدينية، التي تمول في الغالب من السعودية، التي تتبنى نهجا دينيا محافظا.
ووعدت طالبان، التي توجد في مناطق الباشتون المنتشرة في باكستان وأفغانستان، بإحلال السلام والأمن وتطبيق صارم للشريعة بمجرد وصولها للسلطة.
وفي كلا البلدين، طبقت طالبان عقوبات وفقا للشريعة مثل الإعدامات العلنية للمدانين بجرائم القتل أو مرتكبي الزنا أو بتر أيدي من تثبت إدانتهم بالسرقة.
وأمرت الحركة الرجال بإطلاق لحاهم والنساء بارتداء النقاب.
وحظرت طالبان مشاهدة التلفزيون والاستماع إلى الموسيقى وارتياد دور السينما، ورفضت ذهاب الفتيات من سن العاشرة إلى المدارس.
ونفت باكستان مرارا أنها هي من أسست طالبان، لكن لا يوجد شك كبير في أن العديد من الأفغان، الذين انضموا في بادئ الأمر إلى صفوف الحركة، تلقوا تعليما في المعاهد الدينية في باكستان.
وكانت باكستان أيضا واحدة من ثلاث دول فقط، بالإضافة إلى السعودية والإمارات، اعترفت بطالبان حينما وصلت للسلطة في أفغانستان من منتصف التسعينيات وحتى عام 2001.
وكانت باكستان آخر دولة تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع طالبان.
ورغم أن باكستان تبنت نهجا أكثر حدة في السنوات الأخيرة ضد مسلحي طالبان الذين ينفذون هجمات على أراضيها، فإن رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، الذي انتخب في مايو/ أيار الماضي، أكد أن المفاوضات مع المسلحين تمثل واحدة من أولوياته.
دخلت حركة طالبان في أفغانستان بؤرة اهتمام العالم عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 على مركز التجارة العالمي بالولايات المتحدة.
واتهمت الحركة بتوفير ملاذ آمن في أفغانستان لزعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن وأعضاء التنظيم الذين اتهموا بالمسؤولية عن هذه الهجمات.
وبعد فترة قصيرة من هجمات سبتمبر، أطاح غزو التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بطالبان من السلطة في أفغانستان، لكن لم يجر اعتقال زعيم الحركة الملا محمد عمر.
وبزغت طالبان من جديد خلال السنوات القليلة الماضية في أفغانستان ونمت حتى أصبحت أكثر قوة في باكستان، ويقول مراقبون إنه لا يوجد تنسيق محكم بين الفصائل والجماعات المتشددة التابعة لطالبان.
ومازال يعتقد أن طالبان في أفغانستان تخضع لقيادة الملا عمر، رجل الدين الذي فقد أحد عينيه أثناء قتال مع قوات الاحتلال التابعة للاتحاد السوفيتي في ثمانينيات القرن الماضي.
وبحلول عام 1998، كانوا قد سيطروا على نحو 90 في المئة من أفغانستان.
ووجهت إليهم تهم ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان والثقافة، وكان أبرز مثال على ذلك في عام 2001 عندما دمرت طالبان تمثالي بوذا في باميان بوسط أفغانستان على الرغم من موجة غضب دولية ضد ذلك.
وفي السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2001، غزت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة أفغانستان. وبحلول الأسبوع الأول من شهر ديسمبر/ كانون الأول انهار نظام طالبان.
ولاذ الملا عمر وزملاؤه بالفرار. ويعتقد بوجه عام أنهم لجأوا إلى مدينة كويتا الباكستانية التي كانوا يوجهون منها حركة طالبان.
لكن إسلام أباد نفت وجود ما يعرف باسم "شورى كويتا".
وعلى الرغم من وجود أكبر عدد على الإطلاق من القوات الأجنبية في تاريخ البلد، استطاعت طالبان توسيع نطاق نفوذها على نحو مطرد مما جعل مساحات شاسعة من أفغانستان غير آمنة وعاد العنف في البلاد إلى مستويات لم تشهدها منذ عام 2001.
وكان هناك العديد من الهجمات التي شنتها طالبان على كابول خلال العامين الماضيين، كما نفذت في سبتمبر/ أيلول عام 2012، غارة كبيرة على قاعدة كامب باستيون التابعة لحلف شمال الأطلسي (ناتو).
وفي الشهر نفسه سلم الجيش الأمريكي السلطات الأفغانية الاشراف على سجن باغرام المثير للجدل الذي يضم ما يزيد على 3 الآف مقاتل من طالبان وإرهابيين مشتبه بهم.
وخلال السنوات القليلة الماضية، زاد اعتماد طالبان كذلك على تفجير عبوات ناسفة على جوانب الطرق كسبيل لمحاربة الناتو والقوات الأفغانية.
ومن الصعب تحديد عدد من قتلوا في تلك الهجمات على وجه الدقة، لكن وزارة الداخلية الأفغانية تقول إن طالبان مسؤولة عن قتل ما يزيد على 1800 فرد من قوات الشرطة الوطنية الأفغانية عام 2012.
كما قتل نحو 800 فرد من جنود الجيش الوطني الأفغاني في تفجير قنابل على جوانب الطرق خلال الفترة نفسها، وفقا للتقديرات.
ويعود الوجود الأمريكي الراهن في أفغانستان إلى عام 2001 مع اجتياح عسكري استهدف الإطاحة بحركة طالبان من الحكم بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/آيلول في الولايات المتحدة
*Jan 24, 2021
«حرب شاملة على «الإرهاب» على نطاق الكوكب
*
فرضت طالبان قواعدها الخاصة في المدن التي سيطرت عليها، وتم إجبار النساء على ارتداء البرقع كما ورد أن المسلحين قاموا بضرب وجلد الناس لخرقهم القواعد الاجتماعية.
بايدن عن قرار الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، قائلاً إنه لا يستطيع تبرير "وجود أمريكي لا نهاية له وسط صراع أهلي في بلد آخر".
السماح بمرور طالبان كان السبيل الوحيد لإنقاذ أرواح المدنيين
 طالبان أغلقت جميع المدارس في منطقته، لقد قالوا إن أي تعليم يجب أن يكون وفقا لتفسيرهم الصارم للشريعة الإسلامية، وذلك أحد المؤشرات العديدة المقلقة للسكان المحليين.
وخلال فترة حكمهم السابقة من عام 1996 إلى عام 2001، حظرت طالبان التعليم والعمل للنساء والفتيات وقيدت وصولهن إلى الرعاية الصحية، لكن بعد طرد الحركة من السلطة، استعادت النساء مواقعهن في الحياة العامة وشكلن ربع البرلمان.
 من المتوقع أن تغادر آخر القوات الأجنبية المتبقية البلاد بحلول 11 سبتمبر/أيلول المقبل.
يصادف هذا التاريخ الذكرى العشرين لهجمات القاعدة في 11 سبتمبر / أيلول على الولايات المتحدة. وكانت تلك الهجمات قد حفزت الغزو الذي قادته الولايات المتحدة لأفغانستان لإزاحة طالبان من السلطة بسبب إيوائها أسامة بن لادن وشخصيات أخرى من القاعدة.
*
إذا كان الانسحاب الأميركي على يد حركة طالبان من أفغانستان نتيجة متوقعه؛ فإن هناك نتيجة أخرى متوقعة في المستقبل القريب في حال استمرت حركة طالبان في سياساتها الحالية، وهي الإخفاق في إدارة البلاد بشكل جيد، مع احتمالية استمرار حرب أهلية طويلة بلا خاسر ولا فائز، وهي أمور تؤدي في النهاية إلى طمع الدول الإقليمية والدولية في التأثير في الشأن الداخلي الأفغاني بشكل أكبر؛ أي أن تكون البلد عرضة مرة أخرى لمزيد من التدخل الأجنبي، والذي يمكن أن يكون عسكريا. وبعبارة أخرى، لو حدث ذلك، فإن أفغانستان تعيد بذلك تجربتها التاريخية السابقة قبل قدوم الولايات المتحدة مرة أخرى.
الحركة تتعامل مع الحكومة الأفغانية الموجودة في كابل على أنها حكومة عميلة موالية للمحتل الأجنبي، وتتعامل مع السلطات المحلية باعتبارها سلطات غير شرعية وتسعى لاستبدالها بسلطة أخرى بديلة هي سلطة الحركة. وهي تعمل على تحقيق ذلك مدفوعة بزهو الانتصارات العسكرية والسياسية خلال الشهور القليلة الماضية. إن علامات النجاح والانتصار تبدو أمامها في كل مكان؛ لكن هذه هي اللحظة المثالية التي تتجمع فيها الخيوط التي تؤدي إلى الهزائم لاحقا.
إذا تعاملنا مع حركة طالبان باعتبارها حركة مقاومة ضد الاحتلال الأجنبي فإن تجربة حركات الاستقلال الوطنية التي تمت في الخمسينيات والستينيات يجب أن تكون حاضرة أمام أعينها. وإن إنهاء الوجود العسكري ليس نهاية الوجود الأجنبي؛ بل ربما يكون هو أسهل خطوة في إنهاء هذا الوجود، ونهاية الوجود الأجنبي يحتاج إلى إنهاء الوجود الاقتصادي والسياسي والفكري. وهذه أمور لا تنفع فيها المدافع، كما أن وفرة الشجعان والمقاتلين لا تفيد فيها كثيرا. وكثير من الدول الأفريقية والآسيوية أنهت الوجود العسكري الأجنبي بعد معارك طويلة، لكنها ظلت في النهاية أسيرة دولة الاحتلال اقتصاديا، وتسير إلى أنماطها في الإدارة وتسير شؤون الدولة. فإذا كانت الحركة تظن أنها من خلال هذه المعارك سوف تقضي على الوجود الأجنبي، فإن هذا جزء صغير من الصورة، في حين أنها تتجاهل أجزاء أخرى.
أما لو تعاملنا مع حركة طالبان على أنها حركة إسلامية تسعى لتطبيق الشريعة الإسلامية وتوسيع إمارة طالبان الإسلامية؛ فإن تجربة الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) يجب أن تكون حاضرة أمام أعينها. لقد كانت تجربة صعود داعش قوية وحماسية، حيث استطاعت في وقت قليل الاستيلاء على مساحة شاسعة من الأراضي في دولتين مختلفتين، كما أنها حكمت أعدادا كبيرة من السكان، وضمت لها آلاف المقاتلين من بلدان مختلفة، لكن كما كان الصعود قويا، كانت الهزائم مدوية. ولم تستطع داعش الصمود لسنوات قليلة، لتنكمش بشكل كبير. لذلك، فإن الانتصارات السريعة والمتتالية ليست دليلا في ذاتها على أن الطريق سوف يكون مفروشا بالورود، بل ربما يكون فخا نصبه لك الآخرون من أجل الإسراع في القضاء عليك مستقبلا.
أما لو تعاملنا مع حركة طالبان باعتبارها فاعلا سياسيا أفغانيا يسعى للوصول إلى السلطة والاستمرار فيها، فإن تجارب الحكم والإدارة يجب أن تكون حاضرة أيضا أمام أعين الحركة. وإن القوة شرط أساسي للوصول إلى السلطة والمحافظة عليها، لكنها لوحدها ليست كافية. وإن نجاح أي نظام في الاستمرار مرتبط من الناحية السياسية بقدرته على استخدام وسائل غير عنيفة تساعده في البقاء في الحكم؛ فإذا كان النظام ديمقراطيا فإنه يعتمد على المشاركة الشعبية والمحاسبة وتحقيق رغبات المواطنين، وهذه الآليات غير العنيفة تساعده على الاستمرار، حتى لو تعرض إلى مصاعب وتحديات. أما في الأنظمة غير الديمقراطية، فإن المستبدين بحاجة إلى بناء شبكات دعم للنظام، والحصول على تأييد شرائح مجتمعية معينة تساعده على قهر واستعباد الشرائح الأخرى، أو ضمان إسكاتهم. ويمكن لتجربة طالبان أن تكون تجربة حكم سلطوي جديدة، تعتمد فيها الحركة على دعم جماعات إثنية وأيديولوجية معينة من أجل استمرارها في الحكم، لكنها بهذا الشكل ستكون نظاما سلطويا جديدا يتشكل باسم الدين لخدمة قطاعات إثنية وعرقية. ويمكن للحركة أن تعمل على بناء نظام سياسي فيه مشاركة أعلى ومحاسبة أفضل وقدرة على تحقيق رغبات المواطنين بشكل أكبر، لكن هذا لا يتم من خلال الخطط العسكرية، بل من خلال البرامج والتحالفات السياسية. والخلاصة أن طالبان تحتاج للتفكير في السياسة باعتبارها شيئا أكبر من الانتصارات العسكرية.
* Aug 15, 2021
سيكون من السذاجة تصديق التأكيدات المضللة لطالبان بأنها تحترم حقوق المرأة أو الصحافة وتريد خدمة الشعب والبلد. لقد أظهر الماضي أن كلمات إسلاميي العصر الحجري لا قيمة لها على الإطلاق، فهم لا يريدون برلمانا ولا انتخابات ولا حتى حرية دينية، وإنما يريدون أميرا وبضعة من الملالي يحكمون باسم شريعتهم على النحو الذي يناسبهم".
افترضت حكومة بايدن أن الأمر سيستغرق من طالبان ما لا يقل عن عام ونصف للعودة إلى السلطة. والآن استغرق الأمر أسبوعا ونصفا. وباستراتيجيتهم الوحشية والماكرة، فاجأت طالبان الولايات المتحدة والغرب عموما بشكل تام".
الأسبوع الماضي، تحدث الرئيس الأمريكي إلى حلفائه حديثا من القلب، عندما دعا الأفغان إلى القتال أخيرا من أجل أنفسهم. لكن الجميع كانوا يعرفون أن ذلك مجرد أمنية صعبة المنال".
أضافت الصحيفة الألمانية: "كان الغرب منغمسا في معضلة وخيمة العواقب: فكلما طالت مدة بقاء قواته، زاد اعتماد قوات الحكومة الأفغانية عليها. وعندما سحب الغرب قواته انهار البنيان، وكان ذلك متوقعا. لقد استعلى الغرب بشكل ميؤوس منه في أفغانستان. وهذا اعتراف ذاتي واجب منذ مدة، لكنه ليس مسوغا للهروب من المسؤولية. ويتعين على أمريكا وأوروبا الاعتراف بأن تواجد القوات هناك كان كافياً لتأبيد حالة الجمود مع طالبان. ولم تكن تلك بالاستراتيجية لكن أي شيء آخر (كان) يعني الفشل
 الغرب لحقته فضيحة ولديه نقص في الموثوقية والأخلاق!
هذه النهاية المصاحبة بالرعب تكشف للأسف أيضا مدى عدم اكتراث بعض الحكومات الغربية بمصير الكثيرين من الأفغان أنفسهم، وخاصة أولئك الذين ساعدوا الغرب، على سبيل المثال كمترجمين. وبدلاً من إحضار الموظفين الأفغان المحليين إلى بر الأمان،
الولايات المتحدة والغرب لحقتهم فضيحة بأنهم من أرادوا فرض قيمهم وسيطرتهم في واحدة من أصعب مناطق العالم، لكنهم فشلوا بعد ذلك بسبب الفرضيات الخاطئة ونقص القدرة على التحمل. وأخيرا، في حالة كابول، اكتمل ما كان يلوح في الأفق منذ عقد بالتمام والكمال، وهو أن: أمريكا، بعد أن بدأت الألفية الجديدة متحمسة بشدة كمصمم لشكل العالم تريد فقط الآن العودة إلى ديارها، وربما ستبقى هناك لفترة أطول".
ومثلما أدت الهزيمة في فيتنام إلى إعادة التفكير في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، يجب أن تقود الهزيمة في أفغانستان كلاً من الولايات المتحدة وحلفائها إلى إعادة التفكير فيما يمكن تحقيقه من خلال التدخل العسكري. والنساء الأفغانيات الآن في طريقهن إلى ارتداء البوركا (النقاب)، وكل من ساعد الغرب وآمن برؤيتنا لمجتمع أكثر ليبرالية وانفتاحا تتعرض حياته للخطر. ورؤية ذلك أمر يكاد لا يطاق
 استعادة طالبان، التي دخلت الآن كابول، لجزء كبير من أفغانستان، هي انتصار للجهاد العالمي؛ لأنها تعطي الأصولية السنية الأكثر تطرفا ديار أمة يمكنها أن تؤسس فيها نموذجها الخاص لإمارة على أساس النسخة الأكثر قتامة للشريعة.
*
وكانت حركة طالبان تفرض نظاما إسلاميا عندما حكمت أفغانستان بين عامي 1996 و2001، فمنعت النساء من الخروج من المنازل وحظرت الترفيه ونفّذت إعدامات علنية.
وتسعى طالبان لتغيير صورة التشدد التي ترسخت عنها لإقناع العالم بأنها باتت أكثر براغماتية خلال عشرين سنة فقدت أثناءها السلطة بعد أن حكمت أفغانستان بوحشية.

بايدن يلقي باللائمة على الأفغان: لم يكن ممكنا أن نعطيهم إرادة القتال

الرئيس الأميركي يؤكد أن مهمة بلاده في أفغانستان لم تكن يوماً بناء دولة.

الغريب لا يبني لك وطنا.

 الحقائق المهمة لا تُذكر في محاضرات طويلة ومجلدات ضخمة بل تقال بكلمة أو جملة واحدة مُكثّفة؛ فأهمية النور لا تكمن في شدّة سطوعه أو كثرته واتّساعه بل في انبعاثه في الوقت والمكان المناسبيْن.

أفغانستان بعد سيطرة طالبان: صورة صادمة لفرار مئات الأفغان من كابل على متن طائرة عسكرية أمريكية
تراجعت شعبية بايدن بعد أن دخلت طالبان العاصمة كابل منهية الوجود العسكري الأميركي الذي استمر 20 عاما، وكلف دافعي الضرائب في الولايات المتحدة تريليونات الدولارات وآلاف الأرواح.
لم يفي طلبان بوعدهم بالدوحة بل قتلوا يجب احترام النساء والاطفال والاقليات 
لا يريدون برلمانا، ولا سياسة انتخابية، فلديهم أمير ولديهم مجلس ملالي؛ هذه هي الرؤية التي يرون أنها الأفضل للإسلام".
*
بانتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979. في الحالتين هو انتصار للإسلام الحركي، سواء تعلق الأمر بالإسلام الشيعي في إيران أو السنّي في أفغانستان
الثورة الخمينية في إيران حملت شعار محاربة أميركا، التي وصفها الخميني بـ "الشيطان الأكبر"
يجب انتظار أن يبعث انتصار "طالبان" دينامية جديدة في تيارات الإسلام الحركي، خصوصا السلفي منه، في وقتٍ تشهد فيه تجارب الإسلام السياسي المحسوب على تيار الإخوان المسلمين، نقيض الإسلام السلفي، انتكاسات متتالية في كل الدول التي وصلت فيها إلى السلطة، وهو ما يجعل المنطقة مقبلةً على مستقبل غامض سيحتد فيه الصراع بين الإيديولوجيات الأصولية المتشدّدة الساعية إلى إقامة وفرض تصوراتها التي ترى في حركة طالبان، بعد ما حققته من انتصار باهر، نموذجها الأعلى.
*
Aug 17, 2021
موضوع المرأة مرتبط بمسألة السلطة وتحولاتها، وهو لا يعكس الصراع على السلطة السياسية فقط بل الأيديولوجية أيضًا حيث يدور الصراع بين قيم المجتمعات المحلية من جهة، وقيم الإمبراطورية المهيمنة أو ما يسمى المجتمع الدولي الذي يفرض تحديداته للحسن والقبيح، والمقبول والمرفوض وما يتلاءم مع ما سمي العالم الحديث.
رئيس المجلس الإسلامي السوري الشيخ أسامة الرفاعي في مدينة إعزاز في الشمال السوري المحرر
أولوية حرب الأفكار بأن الله لن يسأل الإنسان عن طعام عياله وشرابهم وكسوتهم، ولكنه سيسأله عن أفكاره ومعتقداته، وبدا أنه ضد حرية المرأة؛ رغم أنه محسوب على ثورة قامت من أجل الحرية،
حين يحدد الشيخ أولويته في الحرب على هذه المنظمات فهو إنما يتجاوب معها في التحول من الهدف المركزي إلى الأهداف الثانوية، أو ينقل الصراع من المركز إلى الهوامش، إذ إن من يعنيهم الشيخ من المنظمات النسوية إنما ينشغلون بالعنف المجتمعي ضد المرأة في حين يتم تجاهل عنف الدولة الذي هو السبب الرئيس في كل هذه المآسي (من دون تبرير أي شكل من أشكال العنف ولكننا نتحدث عن أولويات).
الإعلام الغربي وكثير من العرب أن المرأة واللباس هي الأولوية المقلقة من سيطرة طالبان، ولكن لم يتم البحث عن أولويات الشعب الأفغاني تحديدًا في هذه الحالة ولا الاعتراف بوجود تنوع داخله، فبالتأكيد طالبان لها شعبية وليست مجرد قوة عسكرية. ومن الطبيعي أن أولوية الأفغاني في هذه الحالة تتمثل في سؤال: ماذا بعد فراغ السلطة وغياب الرئيس والحكومة؟ فهذه التحولات من شأنها أن تهدد ضروريات الحياة للناس جميعًا ومن ثم يغدو اللباس مسألة ثانوية، ولكنها تتحول إلى أولوية لدى المولعين بحرب الأفكار والرمزيات ولو على حساب الضروريات، والقرآن أباح النطق بكلمة الكفر لحفظ الحياة!
 في ما يخص الأمر الثاني، فإن موضوع المرأة مرتبط بمسألة السلطة وتحولاتها، وهو لا يعكس الصراع على السلطة السياسية فقط بل الأيديولوجية أيضًا حيث يدور الصراع بين قيم المجتمعات المحلية من جهة، وقيم الإمبراطورية المهيمنة أو ما يسمى المجتمع الدولي الذي يفرض تحديداته للحسن والقبيح، والمقبول والمرفوض وما يتلاءم مع ما سمي العالم الحديث.
فاللباس مسألة تختزل قيم المتغلب الذي يريد أن يفرض النموذج؛ فهو يضيق بالاختلاف رغم أنه يبشر بالديمقراطية التي تستلزم الحرية في الأفكار والأذواق والتعددية والأحزاب واستظهار إرادة الشعب بأدوات قابلة للقياس. ولكن الحرية هنا تُختَزل فقط في سيادة نموذج السلطة الغازية؛ وليس أن يحدد كل فرد ما يريده هو لنفسه. ومن هنا لا تجد الصحافة الفرنسية -على سبيل المثال- حرجًا في أن تقلق على لباس المرأة الأفغانية وألا تقلق من منع الحجاب في فرنسا؛ لأن الإلزام في الأولى والمنع في الثانية يأتي وفق النموذج، فالحرية مرجعها ما تحسّنه وتقبّحه السلطة المهيمنة.
 الصراع بين القيم المحلية من جهة، والقيم "الوافدة" أو التي يراد إشاعتها بالغزو العسكري أو الفكري في ظروف وملابسات لا يتوفر فيها شرط الحرية (وأهمها الخروج من ربقة الاحتياجات الأساسية)، وفي هذه المعركة تمثل القيم المحلية المغايرة الماضي أو التخلف الذي لا يتلاءم مع العالم الحديث؛ رغم كل ضحايا عمليات التحديث بالقوة، إذ تذهب بعض التقديرات إلى أنه راح ضحية الحرب على أفغانستان نحو مليونين، فضلًا عن أنها أنفقت نحو تريليون دولار.
حرب القيم هذه من مكملات السعي نحو السلطة والهيمنة، فإنها تردّنا مجددًا إلى مسألة الحرية التي لم نصل إلى مفهوم مشترك لها، ومن ثم تشعبت المعارك الداخلية بين الفرقاء في الربيع العربي، وهو الأمر الذي عطّل مسار الثورة على الأنظمة والتغيير ومزق صفوفها، وهو ما يظهر مجددًا في التعليق على سيطرة طالبان متوزعًا على طرفين: ليبرالي وإسلامي.
زو أفغانستان كان خطأ كما توصل كاتب في صحيفة "الغارديان" (Guardian)! يأتي ذلك بعد عقدين أخفقت خلالهما أميركا في بناء نظام قادر على الصمود رغم كل الشعارات والمليارات التي أُنفقت (وليس العراق عنا ببعيد أيضًا!).
"لا تحارب في الخارج لبناء دولة او إقامة ديمقراطية لآخرين ليسوا مستعدين للدفاع عن أنفسهم"، وأن "ما نراه الآن يثبت أن ما من قوة عسكرية يمكنها تغيير مجرى الأحداث في أفغانستان المعروفة بأنها مقبرة الغزاة"،
البنتاغون إذ قال "لم نتوقع استسلام القوات الأفغانية من دون قتال في بعض الأحيان". وإخفاق تجربة الأميركيين في بناء نظام علماني في أفغانستان مسبوق بإخفاق تجربة السوفيات في 1979 في بناء نظام يساري شيوعي فيها، وهذه النقطة تحديدًا هي التي تقسم الطرفين: الليبرالي والإسلامي، وتفسر الانزعاج على جانب والفرح على جانب آخر!
مثال الاعلام يكون الوعي
اعتراف بهزيمة مشروع 11 سبتمبر/أيلول ووعود الديمقراطية والتغيير التي رفعها بوش الابن،
نجد خطابات تهنئة طالبان بالنصر الذي تحقق التي صدرت عن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وهيئة علماء فلسطين، وحركة حماس، ومفتي سلطنة عمان، وغيرهم. فبيان علماء فلسطين تحدث عن "النصر الكبير على الغزاة الأميركان وحكومتهم العميلة"، في حين تحدث بيان حماس عن "اندحار الاحتلال الأميركي". أما مفتي عُمان فتحدث عن "الفتح المبين والنصر العزيز على الغزاة المعتدين"، ولكن بيان الاتحاد العالمي كان حذرًا حين تحدث عن مجرد استبشار وارتياح للعبور إلى مرحلة جديدة. ورغم التهنئة والتبريكات لم يُخف بيان علماء فلسطين قلقه حين دعا إلى "المحافظة على النصر من خلال توفير الحريات"، وحين تساءل الاتحاد العالمي عما إذا كانت المرحلة الجديدة ستختلف عن سابقتها.
تراجعت أميركا إذن عن خطاب القيم (المتمثل في بناء حكم ديمقراطي) إلى خطاب المصالح وحسابات تكلفة الغزو (البشرية والمادية) وحسابات الأمن القومي؛ خصوصًا أن طالبان حركة وطنية محلية وليست لديها أيديولوجيا جهادية عالمية كالقاعدة، فهي لم تكن دولة إرهابية أصلًا ولا هي مصنفة أميركيًّا ضمن جماعات الإرهاب. هذا المنطق هو الدرس الأفغاني الذي تعلمه الأميركان وحركة طالبان في ما يبدو! ولو احتكم إليه أطراف الثورة في الربيع العربي (ومعهم الشيخ الرفاعي) لاختلف الوضع. فنحن أمام دولة وحركة يعيد كل منهما حساباته ويصحح أخطاءه على خلاف فرقاء الثورة وأطراف المعارضة المختلفة التي لا تخطئ وتمتلك حسابات راسخة لا تخيب.
فطالبان 2021 ليست طالبان 1996 أو 2001،
(2013-2021)
فارق شاسع بين التحليل السياسي (المبني على معطيات وتقدير الموقف متعدد الأوجه)، والانفعال السياسي والانحيازات الأيديولوجية التي تتمحور حول القارئ أو المعلق على الحدث لا حول الحدث نفسه،
كإبراز صورة مراسلة "السي إن إن" (CNN) بحجاب على أنه بسبب سيطرة طالبان على كابل، الأمر الذي دفع المراسلة نفسها إلى تصحيح هذا الفهم وأنها معتادة على لبس الحجاب في شوارع كابل، وكقراءة صورة الحشد الأفغاني الذي كان يجري مع الطائرة الأميركية المغادرة من كابل على أنهم خائفون من طالبان؛ رغم أنهم كانوا مدفوعين بشائعة عن السفر من دون وثائق، وحلم الهجرة من واقع سيئ يداعب خيال مختلف الشباب حتى في العالم العربي نفسه، فما بالك في لحظة تغيير غامضة وتثير الخوف عند الجميع بغض النظر عن طالبان وغيرها، والأمر نفسه شهدناه في لحظة سقوط بغداد وهرب صدام حسين، ولكنها الصور النمطية والتحيزات القبْلية التي يتورط أصحابها في الانفعال السياسي لا التحليل.
معتز الخطيب كلامه موزن ***

الحركة وتنظيم الدولة الإسلامية

 يطبقان ما جاء في "كتاب الله وسنة رسوله"، وبالتالي، فإن أي معارضة لهما، هي بمثابة معارضة الله ورسوله. وعلى هذا الأساس، يمنحون أنفسهم الحق في اتباع كافة الأساليب لقمع أي شخص أو فرد أو جماعة مخالفة لرأيهما، مثل الإعدامات العلنية للمدانين بجرائم القتل، أو مرتكبي الزنا أو بتر أيدي من تثبت إدانتهم بالسرقة، أو الرجم بالحجارة وغيرها من الأساليب.
 يكنّان العداوة للمفاهيم الديمقراطية الغربية، كالمساواة بين الرجل والمرأة، والتعددية، وحقوق الإنسان، وحرية التعبير وغيرها من المفاهيم العصرية، ويتبعان ممارسات صارمة لوأد أي معارضة أو تمرد ضدهما في مهده.
 يحاربان معسكر الكفرة والمنافقين، ويعتمدان في ممارساتهما على الكتب والمرجعيات الدينية المتشددة.
الاثنان أن دور المرأة يقتصر على الإنجاب ورعاية الأطفال والقيام بالأعمال المنزلية. وبالنسبة للنساء، يُجبرن على ارتداء الحجاب والنقاب، أما الرجال فيطلب منهم إطلاق لحاهم.
 يحظّر الاثنان مشاهدة البرامج التلفزيونية الترفيهية والاستماع إلى الموسيقى وارتياد دور السينما.
لى العكس من سياسة طالبان تجاه النساء، عرف تنظيم الدولة كيف يحسن استغلال النساء وقدراتهن في خدمة التنظيم. وتم تدريبهن (وخاصة اللواتي انضممن إليه من أوروبا) على كيفية نشر الدعاية وتجنيد الفتيات عبر الإنترنت، كما سُمح لهن بالعمل طبيبات وممرضات ومعلمات وموظفات، ولعبت بعضهن دوراً في مراقبة النساء الأخريات الأقل التزاما بنظام التنظيم في منازلهن والإبلاغ عنهن.
أنشأ كتيبة شرطة نسائيةحملت اسم "كتيبة الخنساء"، بعد أن بسط التنظيم سيطرته خلال زمن قياسي على مدينتي الموصل في العراق والرقة في سوريا.

العدو مشترك

التنظيم يرى أن ألدّ أعداء الإسلام هم أعداء الداخل قبل الخارج. ويرون أنه بإمكانهم استدراج عدو الخارج (البعيد) إلى المنطقة عن طريق ضرب أعداء الداخل (الحكومات في البلدان المسلمة التي لها علاقات مع الغرب، وطوائف الإسلام الأخرى).

في سوريا والعراق، حيث جرّ التنظيم عشرات الدول الأوروبية إلى الحرب هناك.

تنظيم الدولة توسعي لا يعترف بالحدود، وينظر إلى العالم أجمع كعدو ما "لم يؤمن ويحكم بكتاب الله وسنة رسوله"، كما فعل "السلف الصالح" على حد زعمه.

صنفت الولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى، تنظيم الدولة ضمن قائمة الإرهاب، في حين لم تُصنف طالبان كحركة إرهابية.

طالبان فتحصر نشاطها ضمن حدود دولة افغانستان.
يعيش البشتون، مثل باكستان وأفغانستان. فهي ذات توجه قبلي منذ نشأتها.

 تنظيم الدولة، وعلى عكس طالبان، سعى منذ البداية إلى جذب أعراق وجنسيات مختلفة من جميع أنحاء العالم، وعينهم قادة وضباط في صفوفه، مثل العرب والأكراد والتركمان والشيشان والأوزبك والكازاخ والطاجيك والإيغور وغيرهم.

يقللون من مواد علمية كالفيزياء والكيمياء والعلوم الطبيعية، ويدخلون بدلاً من ذلك مواد دينية مثل الفقه والأحاديث النبوية وغيرها.

تنظيم الدولة، فلم يعارض التعليم الحديث ولم يلغيه، بل ألغى بعض المواد التي لا تناسب أفكارهم مثل الموسيقى وأبقى على المواد الضرورية كالعلوم واللغة وغيرها، وأضاف المزيد من المواد الدينية إلى المناهج التعليمية.

استولوا على الكثير من المعدات العسكرية الأمريكية والأوروبية أثناء سيطرتهم على مناطق عدة في العراق وتجارتهم بالنفط حينما سيطروا على الآبار في سوريا والعراق.

طالبان فعدا عن زراعة الخشخاش التي انتشرت في معظم ولايات أفغانستان، لديها صلات واضحة بباكستان منذ البداية ولم تتغير علاقتها بها أبداً، افيون 

رغم انهيار التنظيم في العراق وسوريا، إلا أنه لا يزال صامداً في "ولاية خراسان" في أفغانستان، التي تأسست من قبل مجموعة من المسلحين والمنشقين عن حركة طالبان باكستان (يُعرفون أيضاً باسم طالبان البنجاب) وطالبان أفغانستان في عام 2015.

تشمل "ولاية خراسان" حسب ادبياتهم كل من أفغانستان وأجزاء من باكستان وإيران وأزبكستان وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان، لكن التنظيم لا يزال يُعرف باسم "داعش" في أفغانستان.

انضم إلى هذا التنظيم الكثير من السلفيين المختلفين مع قادة طالبان، متهمين الأخيرة بأنها عميلة للاستخبارات الباكستانية، ويهدف التنظيم إلى محاربة جميع الحركات المسلحة في "ولاية خراسان" مثل طالبان والقاعدة، إلى جانب حكومات المنطقة. وقد تبنى التنظيم عدة عمليات عسكرية في أفغانستان راح ضحيتها المئات حتى الآن.

*
السعودية وقطر 

تُكرّس سيطرة حركة «طالبان» على أفغانستان، تراجُع النفوذ السعودي الإجمالي في العالم الإسلامي، لمصلحة دولٍ كقطر وتركيا، كون هذه العودة للحركة إلى الساحة الدّولية تجري بمعيّة الدوحة التي استضافت مفاوضات مطوّلة بين الولايات المتحدة و«طالبان»، أسفرت عن النتيجة التي انتهت إليها الأحداث في هذا البلد

للسعودية أسباب عديدة لكي تتوجّس من سيطرة حركة «طالبان»، المعدَّلة جينيّاً للانخراط في «المجتمع الدولي»، والمبتعدة عن التزمّت السياسي السعودي، على كابول، وسط ذهول عالمي من سرعة سقوط المدن الأفغانية، بعد أن دار الزمن دورة كاملة، وعاد إلى نقطة البداية. لكن الواقع هو أن ما جرى كان يُطبخ منذ سنين في الدوحة، حيث أقيم للحركة مكتب تمثيل سياسي، بضوء أخضر أميركي، لغرض التفاوض بينها وبين الأميركيين، في رحلة التعديل الجينيّ التي دامت طويلاً، حتى يصبح ممكناً إنهاء هذه الحرب المكلفة بشرياً ومادياً، بعد أن تصبح «طالبان» التي فضّل قادتها ذات يوم الموت على تسليم زعيم «القاعدة» الراحل أسامة بن لادن، لأنّهم أعطوه الأمان، أكثر قابلية للانخراط في ديناميات سياسية. مع ذلك، كان النقاش في قاعة الاجتماعات في فندق «شيراتون - الدوحة»، يدور بالتوازي مع القتال الذي لم تكن الحركة لتقبل بإيقافه قبل زوال الاحتلال. فـ«طالبان»، بغضّ النظر عن ارتباطاتها ومنشئها في إحدى حاضنات المخابرات الباكستانية، وعدائيّتها تجاه كلّ مخالف في الرأي، سواءً كان فرداً أم مجموعة أم دولة، تبقى حركة مقاومة للغزاة، وهذه نقطة قوّتها الرئيسة التي تجعلها قادرةً على إسقاط أفغانستان بمثل السرعة التي سقطت فيها، بمجرّد خروج الآلة الحربية الأميركية التي لا يمكن أن تقارَن بقوّتها عندما كانت واشنطن مستعدّة لدفع ثمن الاحتلال، وهي لم تَعُد.

السعودية مثّلت الحليف الأوّل لـ«طالبان»، إنما بحلّتها القديمة، عندما كانت تخدم أجندة الرياض، ومعها واشنطن، باستخدام النسخة الأكثر تزمّتاً من الإسلام التي تولّت المملكة نشرها لبسط النفوذ في العالم، قبل أن يقلب ابن لادن الطاولة على الجميع. والسعودية، مع الإمارات وباكستان، هي الدول الوحيدة التي اعترفت بنظام الحركة عندما سيطرت على أفغانستان في العام 1996. لكن الزمن تَغيّر على المملكة، كما تَغيّر على «طالبان»، ليس بالمعنى الديني فقط، وإنما السياسي أيضاً. فسعي محمد بن سلمان إلى خلع عباءة الوهابية عن كتفَيه، ليس هو الذي يمكن أن يفسد العلاقة مع الحركة، إنما مشكلته الحقيقية أن الإقامة الطويلة في قطر، وضعت «طالبان» في مكان آخر ليس لابن سلمان تأثير كبير فيه، وجعلتها أقرب إلى الحلف «الإخواني» الذي يضمّ قطر وتركيا، منها إلى الوهابية السعودية، بصيغتَيها الجديدة المخفّفة والقديمة كاملة الدسم.

الزمن تَغيّر على المملكة، كما تَغيّر على «طالبان»، ليس بالمعنى الديني فقط، وإنما السياسي أيضاً

وقوف المملكة إلى «جانب الشعب الأفغاني الشقيق وخياراته التي يقرّرها بنفسه دون تدخّل من أحد»، تبدو إشارة واضحة إلى ما تَعتبره الرياض تدخّلاً تركياً محتملاً من خلال إمكانية السيطرة على مطار كابول.

عمان خرقت الصمت الخليجي 

*

ما زاد الطين بلة وأطلق شرارة الانهيار هو هروب القادة وأمراء الحرب خارج البلاد، حتى قبل أن يصل مقاتلو "طالبان" إلى مزار شريف أو كابول

لم ينهر الجيش الأفغاني لأسبابٍ فنيةٍ تتعلق بالتسليح والتدريب، والذي يتفوّق على مقاتلي "طالبان" بهذه الجوانب، وهو الأمر الذي سبّب كابوساً للإدارة الأميركية التي تعي أن هذا التسليح المتقدّم الذي قدّم ثمنه دافع الضرائب الأميركي سيؤول إلى أيادي "طالبان". لم تنهر الحكومة والجيش الأفغانيان بتاريخ 15 أغسطس/ آب 2021، ولكن الانهيار الفعلي حصل في فبراير/ شباط 2020، عندما فاوضت الإدارة الأميركية "طالبان" وحدها، وبمعزل عن حلفاء واشنطن في الحكومة الأفغانية الذين لم يُدعوا إلى طاولة المفاوضات، ولم تكن مطالبهم على أجندة التفاوض الأميركي - الطالباني. اختارت إدارة دونالد ترامب أن تفاوض "طالبان" على القضايا التي تعنيها هي، ضاربة بعرض الحائط النتائج المترتبة على شركاء الولايات المتحدة في الحكومة الذين عملوا معهم عقودا.

*

«طالبان» والطبيعة الدينية للإمارة الإسلامية

رضوان السيد 

منطقتنا العربية ما عرفت ظواهر دينية مشابهة لـ«طالبان». فحركات «الهوية» بالمنطقة العربية نوعان: صحويات آلت إلى أن تكون تفكيراً وأحزاباً هدفها الوصول للسلطة وبعد «التمكين» إقامة «دولة إسلامية» على اختلاف التسميات والتفاصيل – والنوع الثاني: سلفيات متنوعة آلت أشدها راديكالية إلى أن تكون «جهاديات» على شواكل «القاعدة» و«داعش». ولكي يكون واضحاً ما أقصده فإن هذين النوعين ما شهدا انتشاراً في العالم العربي فقط؛ بل امتد النوعان في سائر أنحاء العالم الإسلامي وفي المهاجر، وبالطبع مع التلوينات الخاصة بكل بيئة. فـ«الجماعة الإسلامية» بباكستان (1941) متأثرة في فكرها وحركيتها بـ«الإخوان المسلمين»، ثم صارت مؤثرة فيهم. وكذلك الجهاديات والإجراميات والراديكاليات الأصغر والأكبر في إندونيسيا وآسيا الوسطى والساحل الأفريقي، تأثرت بـ«القاعدة» و«داعش» مع تلوينات البيئات الخاصة، وآلت أخيراً إلى أن تكون عصابات جريمة منظمة أو غير منظمة مثل «بوكو حرام» أو «أنصار الشريعة»، لكن بعضها لا يزال «يتشرف» بالانتساب إلى إحدى الجائحتين!

 الطالبانيين المتشبثين بالتقاليد مع انضباطية أشد بتأثيرات حركات الهوية الإسلامية الأخرى، هم الأشبه عند السنة بالملالي الشيعة في إيران. ولدى الإيرانيين ثقافة كبرى اخترعت للدولة الدينية صيغة «ولاية الفقيه» التي تربط التقليد العريق بالتجديد الفقهي والديني. ولا كذلك الأمر مع تقليديي «طالبان» غير المبدعين. ففي العبادات والشعائر والأعراف تسود لديهم مواريث الحنفية والقبلية والعُرفية المزعجة في اهتمامها بالتفاصيل. أما فلسفة الحكم العام، فهم لا يزالون عند نظرية الخلافة، ويتصورون أنفسهم ليس أكثر من إحدى إماراتها. وستكون مشكلاتهم الرئيسية داخلية في إدارة شؤون الحكم بمختلف مؤسساته، وتعاونهم وستعاونهم باكستان في ذلك؛ لكن المؤسسات الباكستانية محدثة بدورها. وسيعاني ما يسمى المجتمع المدني كثيراً في أيامهم. وبالطبع هم لن يميلوا لـ«القاعدة» أو لـ«داعش»، لأنهم يعتبرون أنفسهم التقليد الإسلامي الصحيح. ومع أنه لا علاقة وثيقة لهم إلا بباكستان؛ فهم لن يعودوا لخوض صراع مع إيران ولا حتى مع روسيا والجمهوريات الإسلامية المجاورة. فمن تلك الأقطار غُزيت أفغانستان وهم لن يسعوا لإثارة نزاعاتٍ معها. والطرف الذي يمكن أن يستفيد من علاقة مع أفغانستان في عهد «طالبان» هو الطرف الصيني، وقد زار وفد طالباني رسمي الصين قبل شهرٍ ونصف الشهر، ولاقى ترحاباً شديداً. في فيتنام 1975، ورغم كل ما قيل ويقال، ما خسرت أميركا في الجيواستراتيجيا؛ لأن فيتنام ما صارت تابعة للصين. فإذا سيطرت «القوة الناعمة» الصينية المعاونة في أفغانستان؛ فإن ذلك يكون خسارة كبيرة للولايات المتحدة وحلفائها.

 الصيغة السنية التقليدية (في غير زمن التقليد) للدولة الدينية. وهي تناظر الصيغة الشيعية للحكم الإسلامي في إيران. وما كانت لدى الملالي خبرة كافية في شؤون الحكم عندما وصلوا إليه، لكنهم استخدموا إدارات وخبرات الدولة الإيرانية العريقة. وصحيح أنه ذهب ضحية التغيير الثوري ذاك عدة ملايين من الإيرانيين، لكنه استقر في النهاية، وإن لم يستطع أن يقيم دولة ناجحة.

أما في أفغانستان، فرغم متغيرات العقدين الماضيين، ما صارت هناك مؤسسات قوية ومتجذرة. ولذلك ستكون هناك معاناة كبيرة لدى السكان وبخاصة أن نحو الثلث من الأفغان هم من فئات محدثة. ولذلك أُقدّر أن الهجرة ستتعاظم وهي قوية ومتدفقة حتى إلى إيران المتعبة من هجرات شيعة الهزارة. قلت إنه تجاه الخارج ستكون أفغانستان الطالبانية موضوعية أو محايدة. لكن هل ستعود معارضات الأقليات الدينية والإثنية إلى البروز مثل فترة «طالبان» الأولى؟ هذا يتوقف على سلوك «طالبان» تجاه الشركاء الوطنيين وهو لم يكن ملائماً في فترتها الأولى!

نموذج «الإمارة الإسلامية» لا يُغري بالانتشار أياً يكن ضعف الدول الوطنية المجاورة. لكن هناك دولة دينية ثالثة في العالم هي الطالبانية بعد إسرائيل وإيران. ثم هي الأولى في العالم السني المعاصر!

*Aug 19, 2021

"ستستغرق قيمنا وقتا حتى تسود في أفغانستان، ربما قرنا أو أكثر. نعم، قد تُحرم أجيال عديدة من التنوير. لكن باستثناء الاستعمار الوحشي هذا هو السبيل الوحيد".


حسن نافعة 


دروس الهزيمة الأميركية في أفغانستان

أشد أنواع الحيرة التي يلفها الغموض، فبينما كانت قوات حركة طالبان، المصنفة إرهابيا على القوائم الأميركية، تتجه مرفوعة الرأس، بزهو المنتصر، نحو أبواب العاصمة الأفغانية، بعد نجاحها في السيطرة على معظم المدن الرئيسية الأخرى، كانت القوات الأميركية، والتي جاءت إلى هذا المكان أصلا لتسقط "طالبان" وتمحوها من الوجود، تهرول مسرعةً نحو طائراتها العسكرية المصطفّة في المطار، 
المواطنين الأفغان، من المتعاونين مع الاحتلال الأميركي أو من الخائفين من عودة "طالبان" إلى مقاعد الحكم، أو خليط من هذين الصنفين معا، يتدافعون للحاق بطائراتٍ تتهيأ للإقلاع. وحين لا يجدون فيها موطئا لقدم كانوا لا يتردّدون في الاختباء تحت أجنحتها، أو يهرولون للإمساك بإحدى عجلاتها قبل أن تنطلق في الجو! ولأنه مشهدٌ لم يكن يوحي إطلاقا أننا إزاء عمليةٍ منظمةٍ لانسحابٍ متفقٍ عليه سلفا، بل الأحرى إزاء حالة من الارتباك التام والفوضى الشاملة، فقد تولد لدى المشاهد إحساسٌ قويٌّ بأن الولايات المتحدة لا تنسحب من أفغانستان باختيارها وإرادتها الحرة، وإنما تفرّ منه مضطرة ومرغمة، بعد أن أيقنت أنها ستخسر حربها ضد "طالبان" لا محالة، حتى لو قرّرت البقاء في أفغانستان ألف عام أخرى... جملة من الملاحظات يستدعيها هذا المشهد الباعث على الحيرة والملفوف بالغموض!:

الغزو بدأ يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2001، أي بعد أسابيع قليلة من أحداث "11 سبتمبر" التي جرى خلالها تدمير برجي التجارة العالمية في نيويورك، وقتل ما يقرب من ثلاثة آلاف شخص. السبب المعلن لهذا الغزو رفض حركة طالبان التي كانت تتولى السلطة في أفغانستان منذ العام 1996 تسليم زعيم تنظيم القاعدة المتهم بتدبير "11 سبتمبر"، أسامة بن لادن، وكان يتخذ من أفغانستان مقرّا له. لذا، يمكن القول إن غزو أفغانستان كان يعدّ، من المنظور الأميركي، مجرد مرحلة أولى في "حربٍ كونيةٍ على الإرهاب"، تقودها الولايات المتحدة، وكان ينبغي أن تشارك فيها دول العالم كافة.

استطاعت القوات الغازية هزيمة "طالبان" بسهولة خلال أيام معدودة، ثم شرعت سلطة الاحتلال الأميركي على الفور في إقامة نظام سياسي أفغاني جديد، كانت تأمل أن يكون أكثر ديمقراطية وأقل قابلية لتفريخ الإرهاب. لذا يمكن القول إن الأهداف المعلنة للغزو تمحورت حول إسقاط حركة طالبان وتدميرها واستئصال جذورها، من ناحية، وإعادة بناء الدولة الأفغانية على أسس جديدة، من ناحية أخرى. غير أن تطوّر الأحداث أثبت أنه كانت لدى الإدارة الأميركية القائمة آنذاك، بقيادة جورج دبليو بوش الابن، أجندة خفية تسعى إلى تمكين الولايات المتحدة من إحكام هيمنتها المنفردة على النظام العالمي، وتحويل القرن الواحد والعشرين إلى قرن أميركي خالص، ما دفعها إلى العمل على استغلال أحداث "11 سبتمبر" وتوظيفها لخدمة مشروع اليمين الأميركي الجديد، بدليل أنه ما إن نجحت في إزاحة "طالبان" حتى حوّلت وجهتها نحو العراق، وقامت بغزوه وإسقاط نظامه الذي لم تكن له أي صلة بالإرهاب. ومن المفارقات أن عام 2003، والذي جرى خلاله غزو العراق، كان العام الذي تمكّنت فيه حركة طالبان من إعادة تنظيم صفوفها، وبدأت تخوض حرب عصابات ضد الاحتلال الأميركي في أفغانستان.

الديمقراطية لا تُستورد ولا تُفرض من الخارج، وإنما يجب أن تنبع من داخل الشعوب نفسها، وأن تعكس آمالها وطموحاتها

الثانية: تتعلق بمسار هذه الحرب ونتائجها، فقد أنفقت الولايات المتحدة، خلال فترة احتلالها أفغانستان، والذي استمر عشرين عاما متواصلة، أكثر من تريليون (ألف مليار) دولار، وخسرت أكثر من 2400 قتيل، بخلاف حوالي 27000 جريح. أما الجانب الأفغاني فقد خسر ما يقرب من ثلاثة ملايين شخص بين قتيل وجريح. ولم يتمكّن النظام الذي أقامته الولايات المتحدة ليحل محل نظام "طالبان" من السيطرة على كامل الأراضي الأفغانية في أي وقت، على الرغم من امتلاكه جيشا قوامه ثلاثمائة ألف مقاتل، ومسلح بأحدث أنواع الأسلحة. ومن المفارقات أن هذا الجيش الضخم لم يتمكّن من الصمود أمام حركة طالبان، والتي لم يتجاوز تعداد مقاتليها 75000 مقاتل.. صحيحٌ أن الولايات المتحدة كانت، ولأسباب داخلية في المقام الأول، قد قرّرت، منذ سنوات، أن تنسحب من أفغانستان، وقامت بالفعل بتخفيض قواتها هناك أكثر من مرّة، إلا أنها ظلت تأمل أن يتمكّن النظام البديل الذي أقامته من البقاء والاستمرار، وهو ما لم يحدُث، فقد سقط هذا النظام الذي تصوّرت الولايات المتحدة أنه يقدّم نموذجا أرقى من نظام "طالبان"، وانهار في أول اختبار حقيقي، حتى من قبل أن تبدأ قوات "طالبان" في اقتحام العاصمة، بل وفرّ رئيسه إلى الخارج، حاملا معه أقصى ما يستطيع من الأموال المنهوبة!

انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان يأتي استجابةً لرؤية أشمل لإدارة الأزمات الدولية، تهدف إلى تقليص الاعتماد على أدوات القوة الخشنة

 تقليص الاعتماد على أدوات القوة الخشنة، واستبدالها بأدوات القوة الناعمة والذكية، الأمر الذي يتطلب عدم زجّ قوات أميركية مقاتلة في الميدان إلا في حالات الضرورة القصوى ولفترات محدودة جدا، والاكتفاء بالاحتفاظ بقواعد عسكرية ثابتة في مناطق حيوية من العالم، بعيدا عن مناطق التوتر. لذا يتوقع أن يعقب الانسحاب الأميركي من أفغانستان انسحاب تدريجي من مناطق أخرى، كالعراق وسورية، والاعتماد أكثر على القوى الإقليمية الحليفة، كإسرائيل وتركيا، في القيام بالمهام القتالية نيابة عنها عند الضرورة. أما بالنسبة للصراع المستقبلي مع قوى لديها طموحات كونية، كالصين وروسيا الاتحادية، لدى الولايات المتحدة من أدوات القوة الناعمة ما يمكّنها من مواجهة التحدّي، من دون اللجوء إلى الدخول في حروبٍ أو عمليات قتالية.

 الولايات المتحدة استخلصت الدروس الصحيحة من تجربة الحرب المريرة في أفغانسنان؟ ربما! لكن ما هي بالضبط هذه الدروس؟ أظن أنها تنحصر في ثلاثة: أن الحرب ليست هي الوسيلة الأفضل للتوصل إلى الأهداف المنشودة عند إدارة الأزمات الدولية. أن الإيمان بعدالة القضية التي نحارب من أجلها، والإصرار على مواصلة النضال مهما بلغت التضحيات، هما مفتاحا النصر في أي مواجهات دولية. أن الديمقراطية لا تُستورد ولا تُفرض من الخارج، وإنما يجب أن تنبع من داخل الشعوب نفسها، وأن تعكس آمالها وطموحاتها.


*Aug 22, 2021
Sep 9, 2021

كيسنجر عن

 أفغانستان: خواء أميركي استراتيجي


يقول كيسنجر: «يجب أن ندرك أنه لا توجد أي خطوة استراتيجية دراماتيكية متاحة في المستقبل القريب لتعويض هذه الانتكاسة الذاتية، مثل تقديم التزامات رسمية جديدة في مناطق أخرى. الاندفاع الأميركي من شأنه أن يفاقم خيبة الأمل بين الحلفاء ويشجع الخصوم، ويزرع الارتباك».

حزب بنسخته الأوبامية ثرثر كثيراً بخطاباته الأخلاقوية الإنسانية الليبرالية العالمية.
من دروس وعبر هذه الكارثة السياسية الإنسانية الأمنية الأميركية بقيادة من الحزب الديمقراطي بنكهته الأوباموية، هو أن التعويل الجوهري يجب أن يكون على قواك الذاتية، وعدم التفريط في حلفائك الصادقين في لحظات المحن.

يحسب فوكوياما أن أهم ما فقدته الولايات المتحدة (ومعها الغرب الأوروبي) هو القوة الأخلاقية أو التفوق الأخلاقي. وهي الاعتبارات القيمية والديمقراطية والإنسانية التي لا تكفي لإحقاقها قوة الجيوش أو حتى الاقتصاد أو ما قيل ويقال عن نمط الحياة الأميركي والأوروبي.
إن هذا الحزن العميق أو الكآبة المتعددة المصادر وبمناسبة الانسحاب من أفغانستان وليس بسببه، لا تُخفي خيبة عميقة من هذا «الإسلام» الذي يحتارون جميعاً في طرائق التعامُل معه أو مع معتنقيه. هناك ما يقارب ثلث الشعب الأفغاني (عدده نحو أربعين مليوناً) يريد الهجرة الآن إلى أي مكان. وهؤلاء الهاربون أو مريدو الهرب هم جميعاً مسلمون مثل «طالبان»، لكنهم يخشون «طالبان» خشية شديدة لتجاربهم السابقة معهم في سنوات الحكم والحرب، ولأنهم لا يشاركونها قيم العيش الإنساني والتوقعات.
نعم، لا يريد أكثرنا إخافة العالم ولا الخوف منه، لكنّ هذين الأمرين يحدثان على الدوام. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

*
Aug 27, 2021

«طالبان» لا تشبه كثيراً «النهضة» التونسية أو «الإخوان» المصرية أو «القومي الإسلامي» السودانية. «طالبان» جماعة قبلية بشتونية يتزعمها قادة دينيون. أما «الإخوان» فليست حركة كفاح وطنية ولا مكوناً محلياً، بل جماعة دينية أممية تعد كل العالم الإسلامي دولتها، وكل المسلمين في العالم أتباعها، وإحياء الخلافة الإسلامية مشروعها، وهي وسيلة للوصول للحكم، مثل البعثية ذات الفكرة القومية العربية المتشددة التي ترفع شعار «العرب أمة واحدة»، ومثلها الشيوعية الأممية.

«طالبان» حركة دينية اجتماعياً بسيطة، وليست سياسياً شريرة، مثل «القاعدة» و«داعش». المفزع أنها مركّب سهل للجماعات الإسلامية المتطرفة أو حتى بعض الأنظمة، لأن الخطاب الطالباني الأفغاني في أعماقه مشابه لهذه الجماعات. ومثل معظم الجماعات المماثلة هي ذاتية التدمير، وستؤلب العالم ضد نفسها بسبب عجزها عن التأقلم خارج حدودها. وهي، كأي حركة دينية أو مؤدلجة أخرى، ستزداد تشدداً في داخلها. فور ساعة انتصار «طالبان» حرص المتحدثون باسم الحركة على الظهور على شاشات التلفزيون، والجلوس مع ممثلي الحكومات والمنظمات الدولية، حتى يبدوا معتدلين يمكن للعالم التعايش معهم. ثم مرت أيام قليلة واتضح أنهم القشرة العليا، أما تحت سطحها توجد القيادة الحقيقية؛ المتطرفون حَمَلة السلاح. وهذا أمر مألوف في التنظيمات السرية، التي تعمل تحت الأرض. فالحديث مع مفكر وقيادي في «الإخوان» المصرية مثل عبد المنعم أبو الفتوح يوحي بالموضوعية والإيجابية والاعتدال. وسواء كان طرحه عن إيمان به، أم مجرد علاقات عامة، كما يتهمه الآخرون، فإن الحقيقة أن صناعة القرار وتنفيذه كان في يد الجناح المتطرف، وشخصيات مثل خيرت الشاطر الذي يعتقد أنه كان يدير الحكومة رغم أنه لم يكن في الحكم.

«طالبان» الدوحة ليسوا «طالبان» كابل. في الإعلام الدولي عزفوا كلاماً يُطرب الغرب، ثم في الأيام التالية سمعنا الحكام الحقيقيين في شوارع العاصمة يتحدثون بشكل مخالف تماماً لما كان يقال في المؤتمرات الصحافية. انتصار «طالبان» هزيمة للجماعات السياسية المدنية الدينية فهي في انحدار، والجماعات الإسلامية المسلحة في تصاعد.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق