تجنَّدت أجهزة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وأذرعه الإعلامية والأمنية، بمناسبة وفاة زوجة الرئيس الأسبق، أنور السادات، لتضخيم هذا الحادث وإظهاره غير عادي
كل تلك الأعمال بمشاركة السيسي نفسه، وكل مسؤولي نظامه في الجنازة الرسمية التي أقيمت لها، من أجل هدفٍ واحدٍ، توجيه رسائل مباشرة وغير مباشرة إلى الشعب المصري أولاً، وإلى الأطراف الدولية ثانياً. وتتعلق بنهج السادات، وبالدور الذي ارتضاه السيسي لنفسه لبثّ الروح في ذلك النهج، وتأكيد استمرار سيره في مسيرة التطبيع الذي خطَّها، علَّ ذلك يصبّ في جهده الدائم لتثبيت حكمه أكثر، وسط الاهتزازات المحيطة.
ليس لدى السيسي من الأسباب الموجبة التي تدفعه إلى تنظيم جنازة عسكرية لجيهان السادات، أو ما يبرّر له ذلك، وهي التي لم تتقلَّد يوماً منصباً رسمياً في البلاد، لا خلال فترة حكم زوجها ولا بعده. بل حتى إن نيلها الدكتوراه في الأدب المقارن، وعلى أساسها أصبحت محاضرةً في جامعة القاهرة وجامعة أميركية، رافقه لغطٌ كثير يومها، بشأن من أعدَّ لها البحوث التي تقدّمت بها لنيل الشهادة. وعلاوة على أنها أول جنازة عسكرية لامرأة في تاريخ مصر، فإنها تأتي في ظروف القلق التي يعيشها الشعب المصري على مستقبله، بسبب النزاع الذي يصاحب إكمال تشييد سد النهضة الإثيوبي، واقتراب فترة الملء الثانية لخزّانه التي ستحجز مياه الفيضان وتحبسها عن مصر والسودان، وهي الخطوة التي ربما تعد بداية التهديد الجدّي للحياة في البلدين. وإذا لم تكفِ السيسي الجنازة العسكرية لإعادة الاعتبار لنظام السادات الذي اعتمد إهانة المصريين عبر الصلح مع عدوهم الإسرائيلي الذي قتل أبناءهم، يأتي نعي الرئاسة المصرية المرأة ليكمل ذلك.
فالسيسي قال، في الندوة التثقيفية للقوات المسلحة، في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، إن تلك الحرب كانت محاولة انتحارٍ، بسبب الفارق بين الجيشين، المصري والإسرائيلي، مقللاً من تضحيات أبناء الشعب المصري وما أنجزه خلالها. أما حديث الرئاسة عن السادات باعتباره بطلاً للسلام، ففيه تعظيم لذلك السلام مع الإسرائيليين الذي يحتفظ المصريون في ذاكرتهم بكثير من أنواع الهوان الذي ألمَّ بهم بسببه.
استحضار إقامة السيسي جنازةً عسكريةً لمبارك، وسط أبهة التكريم التي أحاطت بموته، متعمداً بذلك الإيحاء للمصريين بأن الرجل الذي خلعته ثورتكم، ها أنا ذا أُعيد الاعتبار إليه وإلى صورة النظام التي كان يمثلها قبل تلك الثورة. يومها، تعجَّب المصريون كيف تقام جنازة عسكرية له، إذ إن إدانته ونجليه، في قضية القصور الرئاسية، وهي التي اعتبرها محللون "مخلّة بالشرف" تمنع إقامة جنازة عسكرية له. هذا إذا ما أردنا غضّ النظر عن أنه حوكم بتهم الإضرار بالمال العام وقتل أبناء الشعب المصري خلال ثورة يناير، في ما عرف يومها بحادثة "موقعة الجمل" التي راح ضحيتها قتلى وجرحى من المعتصمين في ميدان التحرير في القاهرة.
ولا عجب في إغداق السيسي على جيهان كل هذا الإغداق، إذ كانت من أول المطبِّلين لانقلابه، وقالت في لقاء تلفزيوني: "ربنا أرسل لنا الرئيس عبد الفتاح السيسي لكي ينقذ مصر من حكم الإخوان المسلمين". وليس غريباً، في هذا السياق، إشارة التلفزيون المصري والأذرع الإعلامية إلى أن من يعطون مصر (ويقصد من يقفون إلى جانب نظامها)، فإن مصر لا تنساهم. فكرني بمقال فيلم القرار
*
عسكرية جيهان السادات
زوجات أم حاكمات؟
تُقام الجنازات العسكرية أيضا لموتى مدنيين، في مصر وغيرها. ولكنه عجيبٌ أن عبد الفتاح السيسي أقام لجيهان السادات الأولى من نوعها لامرأةٍ في مصر (وفي العالم أيضا؟ لا أعرف)
*
Jul 12, 2021
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق