Jul 10, 2021
السني، بقيادة تركيا والشيعي بقيادة إيران، في مقابل مشروع الدول الوطنية التي لا مشروعات خارجية لديها ولا أفكار للتصدير، ولا تورط خارجي لا يتعلَّق بحماية حدودها ومصالحها الوطنية.
«الإسلاموية» ليست من الإسلام
2019
يختزل الإسلام في السياسة، طبعاً كل الأديان لها أبعاد ونتائج سياسية، سواء الإسلام أو لمسيحية أو اليهودية؛ لأن كل فعل اجتماعي، مهما كان، من المرجح أن تكون له نتائج سياسية في التاريخ، ومن ثم فالإسلام -كديانة- كانت له نتائج سياسية، لكن اختزال دين معين في برنامج سياسي هذا ما يخرج بنا عن الجانب الديني ويدخل بنا في إطار توظيف الدين.
تطبيق الدستور الذي لا يسمح باستغلال الدين في السياسة.
لو اختزلت في السياسة ما سميت أدياناً، بل أفكار سياسية، أو أيديولوجيات سياسية، والإسلام -كديانة- يتضمن العديد من الأبعاد قد تكون لها نتائج سياسية، لكن لا يمكن اختزال كل الدين الإسلامي في السياسة،
أطلق عليها خطأ «الثورات العربية»، والتي استحوذ عليها الإسلاميون؛ لأن جميعها انتهت، إما إلى الفشل أو إلى حروب طائفية ودينية، أو إلى فشل إدارة الحكم، وعودة الأنظمة القديمة نتيجة هذا الفشل، فلا يوجد لديهم مشروع سياسي إسلامي، بل يوجد مشروع اللادولة.
الأشخاص الذين يصلون إلى الحكم وليس لهم مشروع دولة يبقى لهم مشروع اللادولة، بمعنى الفوضى الاجتماعية، ومع الأسف.. هذا ما حصل في بلدان ما سمي بـ«الربيع العربي»، وهذا ما حصل حتى قبل ذلك في العراق مثلاً، صحيح أنه تعرض إلى الاحتلال عام 2003،
حكم العراق بعد 2003 خاصة بعد انسحاب القوات الأمريكية قام على المقاسمة الطائفية، ونعلم أنه تم بذلك إحياء الصراع الطائفي.
وذاك حال السودان أيضاً، الذي شهد حروباً ومواجهاتٍ منذ إعلان ادعاء تطبيق الشريعة، وانقسم إلى السودان وجنوب السودان، وجنوب جنوب السودان، فضلاً عن منطقة دارفور الملتهبة، إذاً.. كل هذه التجارب التي وصفت زوراً بـ«الإسلامية» انتهت بالفشل.
إن الإسلام -كديانة- يستطيع أن يتلاءم مع الحداثة، لكن تسييس الإسلام ليس ديانة، بل هو اختزال للإسلام في السياسة، والسياسة لا تقوم على المطلقات، بل على التفاوض والاقتسام، وتقوم على التغيير الدائم لموازين القوى والانتخابات الدورية، وأي طرف يحاول أن يقيم السياسة على المطلقات، سواء الدينية أو غيرها سيؤدي ذلك حتماً إلى الدكتاتورية أو إلى الفوضى، وهما وجهان لعملة واحدة، إذ يسعى لفرض معتقداته وسلوكه على الآخرين، فإما أن يهيمن عليهم، أو يدخل معهم في صراع دون نهاية.
النظرية السياسية الرابعة الراي العام علي قناة تن
مع نظام الخلافة وضد النظام الجمهوري، وهو ليس الحالة الوحيدة الموجودة في تونس، لكن ربما الحالة الوحيدة المعلنة،
التصالح مع التاريخ أو الخروج من الجغرافيا
الرباعية العربية "مصر السعوديية الإمارات العربية و البحرين" في مقابل الرباعية الإسلاموية "تركيا و قطر و إيران و جماعة الإخوان". بمعني أخر "الإسلام غير الإسلاموي" في مقابل "الإسلاموية بشقيها السني و الشيعي"، الدولة الوطنية في مقابل الفكر الميلشياوي الجماعاتي العابر لحدود الدولة الوطنية، البناء مقابل الهدم،
الإسلام الإنسانوي.. موت الإسلاموية
نمط التدين الوحيد القادر على استيعاب كافة "الإسلامات" "أي أنماط التدين باسم الإسلام" غير الإسلاموية، بل يمكن القول إنه "إسلام الإسلامات" من هذه الزاوية. قوة الإسلام الإنسانوي تكمن في كونه يقوم على فكرة محورية معينة و هي فكرة التسامح والتعايش بين مختلف الإسلامات غير الإسلاموية. مشكلة الإسلاموية "الإسلام السياسي" تكمن في كونها نافية لبقية "الإسلامات"، وقد تنجح الإسلاموية في هذه اللحظة أو تلك من لحظات التاريخ، ولكن ما أن تنتهي اللحظة حتى يصبح "نفي الآخر" كعب أخيل الذي يُهزم منه هذا النوع من التدين. أما الإسلام الإنسانوي فهو، نظرياً على الأقل، نمط تدين حقيقته المطلقة هي أنه لا يملك الحقيقة المطلقة، أي أنه يبقى نصاً مفتوحاً، على عكس النصوص المغلقة في الإسلاموية.
القيم الأساسية للمواطنة و العيش المشترك: 1. احتكارهم الحقيقة والدين حيث تقدم الإسلاموية تفسيرا واحدا للدّين وللتاريخ الإسلامي على أنه من الحقائق الثابتة، بل و تسعى لفرض هذا التفسير – دون غيره – بالقوة على المجتمع
2. عزلة منتسبيهم الشعورية عن المجتمع، 3. الاستعلاء بنمط تدينهم على المجتمع، 4. سيادة شعار "أينما تكون مصلحة الجماعة فثم وجه الله" في ممارستهم السياسية، 5. تحول المجتمع لحالة الصراع الدائم، ليصبح مجتمعا منقسما على نفسه وصولا للحروب الأهلية، 6. غياب مفهوم المواطنة، 7. وسيادة فكرة ولاء الفرد للجماعة و امتدادتها العابرة لحدود الدولة الوطنية، 8. سيادة مبدأ التكفير المبرر للعنف في نهجها السياسي للوصول للحكم، مستندة إلى الاعتقاد بكونها الفرقة الناجية الحارسة للدين، 9. حصر التفكير على القضايا "العقائدية" الخلافية القديمة، مما يجعل المجتمع رهينة لفقه العصور القديمة و بمعزل تام عن حركة العلم والفلسفة والتقدم البشري. 10. الخلط بين الدين والسياسية فيدنس الديني بإنزاله لمستوى السياسي ويرفع من شأن السياسي بتقديسه فينتج خلطة أيديولوجية يختلط فيها الرأي والتفسير بالنص المقدس، فيتداخلان ويكونان تدينًا جديدًا ينفجر إن عاجلا أم آجلا في وجه كل من لن ينضوي تحت لوائه.
****
درس التاريخ يعلمنا أن خلافة الراشدين نفسها لم تنتقل بالشورى السلمية التي يتحدث عنها وهو الأمر الذي تشهد عليه دماء المسلمين التي سالت بغزارة في الجمل وصفين والنهروان!
عبد الحي يوسف
متى أصبحت تؤمن بصندوق الانتخابات؟ فأجاب بالآتي: "ليس الآن، أنا أؤمن بأن الإسلام لا يعترف بحكم يأتي عن طريق القهر والقوة، والخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم كلهم جاؤوا عن شورى، الحكم عبارة عن عقد اجتماعي قائم على الرضا والاختيار مثل غيره من العقود، بموجبه يكون الحاكم خادما للرعية، له حقوق وعليه واجبات،
الإسلام" بالعموم توحي بأن هناك تصورا مثاليا مجردا للحكم الإسلامي الصحيح لم يتم تطبيقه بعد، وهو مثال لا يعترف بحكم يأتي عن طريق القهر والقوة، وهذا ضرب من التزييف لأنه أيضا يتعارض مع حقائق التاريخ.
********
Oct 13, 2020
صراع سياسي بغلاف ديني
يسعى الإسلام السياسي بكل الوسائل المتاحة إلى أن يجرّ الإسلام الشعبي إلى حروبه وصراعاته، وآخرها حربه على فرنسا التي اندلعت منذ أيام، لهدفين أساسيين تقف وراءهما تركيا: الأول، استعراض قوة أردوغان ونفوذه في العالم الإسلامي وخاصة في المنطقة العربية، والثانية تتعلق بخلط الأوراق في ما يتعلق بحملة مقاطعة البضائع التركية وتحويلها إلى حملة لمقاطعة البضائع الفرنسية من خلال محاولات رخيصة للتلاعب بمشاعر البسطاء من المسلمين غير المؤدلجين، وغير المدركين لحقيقة الموقف الفرنسي، ولا لعمليات التزوير والتزييف المتعمّدة التي نفذتها غرف جماعة الإخوان وتوابعها بهدف التجييش ضد باريس.
لقد أثبتت حادثة اغتيال مدرّس التاريخ الفرنسي صامويل باتي منتصف أكتوبر، أن الإسلام السياسي بات يمثل خطرا حقيقيا على السلم العالمي في ظل نزعته التوسعية التي يجسدها حاليا مشروع أردوغان، والتي لا تستهدف مجتمعات الدول المسلمة فحسب وإنما كذلك المجتمعات الأخرى الحاضنة لجاليات إسلامية مهمّة، وعلى رأسها مجتمعات أوروبا الغربية، ومنها فرنسا التي يعمل الإسلاميون منذ سنوات على جرّها إلى مواجهة مفتوحة في شمال أفريقيا ودول الصحراء الكبرى، إلى جانب نشاط يومي محموم لاختراق مجتمعها من الداخل.
الثاني من أكتوبر الجاري قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن الإسلام يعيش اليوم أزمة في كل مكان في العالم، وإن على فرنسا التصدي لما وصفها بالانعزالية الإسلامية الساعية إلى إقامة نظام مواز وإنكار الجمهورية الفرنسية، معلنا عن سياساته ضد ما سمّاه “التشدد الإسلامي الذي يتخذ العنف منهجا له”، وطارحا مشروع قانون ضد “الانفصال الشعوري”، بهدف “مكافحة من يوظفون الدين للتشكيك في قيم الجمهورية”.
في 16 أكتوبر، قام الطالب الشيشاني عبدالله أنزوروف الذي لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، والحاصل على اللجوء إلى فرنسا، بذبح أستاذ التاريخ صامويل باتي من الوريد إلى الوريد، بدعوى قيامه بعرض رسوم كاريكاتيرية مسيئة للرسول أمام طلبته، وذلك ضمن حصة دراسية حرية التعبير، وهو ما أثار حالة من الهلع في المجتمع الفرنسي، ثم خرج الرئيس ماكرون ليعلن في حفل تأبين باتي في جامعة السوربون أن المدرّس قُتل بيد جبناء لأنه كان يجسّد القيم العلمانية والديمقراطية في الجمهورية الفرنسية، مشدّدا على أن بلاده لن تتخلى عن الرسوم الكاريكاتيرية، مما أثار ضده موجة من الانتقادات وحملات الاستهداف تزعمها أردوغان وأبواق الإخوان وانضم إليها بعض ممن يضعون أنفسهم في دائرة الإسلام المعتدل.
عندما قال الرئيس الفرنسي إن بلاده لن تتخلى عن الرسوم الكاريكاتيرية، كانت يقصد الكاريكاتير كعنوان للحرية في فرنسا، لا أحد يستطيع أن يجبر الفرنسيين على تغيير ثوابتهم التي كرسّوها منذ ثورتهم في العام 1789 عندما أقرت الجمعية التأسيسية أن “كل مواطن يستطيع التحدث والكتابة والطباعة بحرية”، في ثاني إعلان لحرية التعبير في العالم بعد أن تبنّت الولايات المتحدة دستورها في عام 1776، وحرية الإعلام تبناها قانون 29 يوليو 1881 الذي يزيل متطلبات الترخيص قبل البث.
يدرك ماكرون أن قيم الجمهورية لا تسمح له بالتدخل في الحريات العامة في بلادها، وخاصة حرية التعبير، وما قامت به مجلة “شارلي إيبدو” الساخرة من ترويج لرسوم نراها كمسلمين مسيئة لرسولنا الكريم، يدخل في سياق عام، حيث لم تدخّر هذه المجلة جهدا في الإساءة لموسى بن عمران وعيسى بن مريم ورموز المسيحية واليهودية وبقية الديانات المنتشرة على الأرض كالبوذية والهندوسية، وهي ترى في ذلك تعبيرا عن رؤيتها للعالم والوجود، وممارسة تلقائية لحقها في التعبير عن خطها التحريري، وعن حريتها في انتقاد الأديان ضمن منظومة تتحرك من داخل المجتمع الفرنسي الذي يحترم الرأي والرأي الآخر.
علينا أن نعترف أننا أمام صراع قد يتخذ صبغة دموية، فالمسلمون عموما وخاصة في المنطقة العربية لا يزالون منفصلين على قيم ثقافة الغرب. ورغم مزاعم الإسلام السياسي لدينا بأنه ديمقراطي ويؤمن بالحريات، إلا أنه لم يدخل بعد عصر التنوير الذي دخلته أوروبا في القرن الثامن عشر، وتأسست عليه قيم الليبرالية العلمانية والديمقراطية بوجهها الغربي الذي نعرفه، ويزعم الإسلاميون أنهم يسيرون على نهجه وهم أبعد ما يكونون عنه، بسبب عدم قدرتهم على التجاوب مع ما يصفه ماكرون بخروج الإنسان عن مرحلة القصور العقلي وبلوغه سن النضج أو سن الرشد، معرّفا القصور العقلي على أنه “التبعية للآخرين وعدم القدرة على التفكير الشخصي أو السلوك في الحياة أو اتخاذ أي قرار دون استشارة الشخص الوصي علينا.”
إن مشكلتنا الكبرى هي أننا أمام قوى دينية، ورغم تراوحها بين المعتدل والمتطرف والشعبي والسياسي، إلا أنها تجتمع على أساس رفض خطاب العقل، ولا تزال ترى أن استمرار نفوذها لا يكون إلا بترسيخ ثقافة القطيع، وقطع الطريق أمام كل محاولة جدّية للاجتهاد أو الإصلاح أو التنوير وتحرير العقل من سلطة المقدس، وهو ما لا يمكن للغرب أن يفهمه وبيننا وبينه مسافة أكثر من مئتي عام لفهم علاقة الإنسان بالدين، والتي يراها هو علاقة شخصية مرتبطة بالحرية الفردية، بينما نراها نحن حالة عامّة موروثة تكرّس إيمانا جمعيا غير قابل للاختراق، وتوجب الحرب على من يتمرد عليها.
عندما قام الرئيس التركي بالتحريض على فرنسا والرئيس ماكرون، لم يكن همّه الأول هو الدين أو النبي محمد، وإنما كان ينطلق من صراعه الجيوسياسي مع الفرنسيين في شرق المتوسط وليبيا وعموما شمال أفريقيا ومنطقة الصحراء الكبرى، مرورا بلبنان، ووصولا إلى ساحة الصراع بين أرمينيا وأذربيجان. ولدى أردوغان قناعة بأن ماكرون حليف معلن لدول تعتبرها أنقرة عدوة لها، إضافة إلى موقف فرنسا الواضح منذ عقود من رغبة تركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
كما أن تركيا بدأت تعاني من نتائج المقاطعة العربية لسلعها، وخاصة في السعودية والإمارات والأردن والتي بدأت تتمدد إلى مصر وأجزاء من ليبيا وبعض الدول الأخرى، وعندما أطلق ماكرون تصريحاته، استغلها أردوغان في الدفع إلى حملة مقاطعة للسلع الفرنسية، من أجل التغطية على الحملة الأولى وتمييعها وتحويل الأنظار عنها، وقام الإعلام الإخواني الممول من قطر بدوره في ذلك، بهدف التلاعب بعاطفة الإسلام الشعبي ووضعه بين خيارين وهميين: تركيا المسلمة أو فرنسا المعادية للإسلام.
ورغم أن أحزاب الإسلام السياسي، التي لا تزال تعوّل على الغرب في تبني مشروعها الديمقراطي الزائف، حاولت النأي بنفسها في علاقة بالأزمة في فرنسا على الأقل من الجانب الرسمي، إلا أنها تقود المعركة من وراء الستار، وتدفع بأنصارها إلى التحرك وبقوة عبر التظاهر والمقاطعة والتجييش الإلكتروني والإعلامي ضد ماكرون، ليس دفاعا عن الرسول، وإنما من أجل عيون أردوغان الذي يعتبر معركته مع باريس معركة مصير ووجود، إما أن يكسبها فيحقق أحلامه الإمبراطورية وإما أن يخسرها فتنكسر أطماعه التوسعية.
*
إيران وتركيا ـ "الأصدقاء الجدد" للفلسطينيين
Jun 23, 2020
تلتزم تركيا وإيران أكثر من أي بلد آخر في الشرق الأوسط بمواقف لصالح القضية الفلسطينية. وللبلدين أسباب ملموسة لاتخاذ هذا النهج، لأن البلدين لا يتمتعان حاليا بسمعة جيدة في المنطقة.
10 شباط/ فبراير. ايران ستواصل الوقوف إلى جنب الشعب الفلسطيني ودعم حقه في "إعادة أرضه وتحريرها". وأضاف ظريف عبر تويتر:"القدس ستبقى عاصمة الفلسطينيين ونحن نتطلع إلى تحريرها الكامل". وفي شريط فيديو مرفق أعلن أن الشعب الإيراني وحكومته سيواصلون دعم الفلسطينيين بغض النظر عن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على البلاد.
تركيا لن تسمح أبدا أن يتبعثر مخطط السلام للشرق الأوسط في المنطقة من خلال ما يُسمى صفقة القرن"، كما أعلن لآأردوغان على هامش مؤتمر في ماليزيا. وخطة ترامب "ليست إلا حلما يهدد السلام في المنطقة. لن نسمح بأن يصبح حقيقة".
تصريحات أردوغان إضافة إلى ظريف وخامنئي هي الأقوى التي سُجلت في المنطقة منذ الكشف عن خطة ترامب.
تركيا وايران: دولتان على هامش العالم العربي
أنهما من الناحية اللغوية لا ينتميان للعالم العربي. وهذا الموقع اللغوي الهامشي كان له نتيجة سياسية بحيث أن البلدين لم يتمكنا أبدا من التحول إلى صلب "العالم العربي". ومواطنوهم المؤمنون يرون أنفسهم متحدين من خلال الانتماء المشترك لكتاب الاسلام المقدس المكتوب باللغة العربية، القرآن.
وتماشى مع هذا الدور الهامشي أن ايران تحت الشاه محمد رضا بهلوي المنهار في 1979 اتبعت نهجا مؤيدا للغرب من الناحية الثقافية كانت صبغته العلمانية أقوى من غالبية الدول العربية المجاورة. وماتزال تركيا تتحمل إرثها التاريخي. فالدولة السابقة التي انهارت في 1922 كانت تُعتبر في الولايات العربية التي تسيطر عليها قوة ايتعمارية انتفض العرب ضدها لاسيما في وقت الحرب العالمية الأولى.
وبوجودها في ليبيا وكذلك التزامها في شمال سوريا تسببت تركيا في المنطقة في تحشيد عدة دول ضدها. ومخططاتها الخاصة بليبيا تصطدم بمقاومة مصر والإمارات العربية المتحدة والعربية السعودية. وهذه الدول تقف أيضا ضد الوجود التركي في سوريا. فالبلاد المدمرة بالحرب يمكن أن تنهار كليا وتنزلق في فوضى.
وفي مناطق الحكم الذاتي تساند تركيا في آن واحد المتنافسين السياسيين فتح وحركة حماس. وهي تقوم بذلك سياسيا واقتصاديا.
تريد تركيا دعم الفلسطينيين في التأكيد على طلباتهم المعلنة في أراضي تسيطر عليها اليوم إسرائيل.
بهذا النوع من السياسة تظهر تركيا كدولة تدعم القضية الفلسطينية أكثر من آخرين. وهذا يجلب لها في أجزاء من العالم العربي تعاطفا ـ أقل من جانب الحكومات.
وحتى ايران تكافح من أجل الحصول على تعاطف في العالم العربي. فحتى مقتل قائد فيلق القدس، قاسم سليماني كانت القيادة في طهران في بعض الدول العربية تواجه انتقادا قويا، لاسيما في لبنان والعراق حيث احتج الكثير من الناس ضد التأثير الإيراني في كلا البلدين. هنا وهناك تظاهر شيعة وسنة معا من أجل دولة ملتزمة بالرفاهية الوطنية بعيدا عن الاعتبارات الدينية. وتغير الوضع بمقتل سليماني في مطار بغداد، ولاسيما أنّ بعض المتظاهرين الشيعة رأوا مجددا في ايران القوة التي تحميهم ضد التجاوزات الأمريكية.
*
وزن الحضارات في مكيال الدول.. إيران وتركيا نموذجا
حسن إسميك
مع تراجع الأدوار العربية واحتدام الصراع بين المشاريع الإقليمية في المنطقة المتأزمة نشط الدوران الإيراني والتركي في المشهد العام وتم إعادة إحياء التنافس التاريخي بين هاتين القوتين على النفوذ والهيمنة.
الفارسية والعثمانية على قدر واحد من النزعة التوسّعية
لطالما شكّل الاصطدام ما بين القديم والحديث صراعاً متصلاً، يدخل في صلب كل عمل طامح لصناعة النفوذ أو لبناء المستقبل.. هذا ما نراه بشكل خاص عند الدول التي تنحدر من حضارات عريقة وتاريخ زاخر من الامتداد والهيمنة. وفي السياق العام لهذا الصراع “تتأرشف” بعض الدول وتتهمّش على الساحة العالمية بفعل انغماسها المفرط في تاريخها، في حين يلمع نجم البعض الآخر كقوة فاعلة ومؤثرة، بفضل إعادة تدوير ماضيها والاستفادة منه. فتارةً يدفع التاريخ الدول نحو التطور والمزيد من القوة، وتارة يسحبها نحو الخلف ويزيد من التحديات العامة تحدياً جديداً وثقلاً يعرقل مسيرة تقدمها.
حالة “إيران وتركيا”، إذ أن كل واحدة من هاتين القوتين الإقليميتين منشغلةٌ بالإرث التاريخي الخاص بها من جهة، ومنهمكة بإرساء الحاضر والتطلع إلى الغد من جهة أخرى، هذا عدا عن التنافس الصامت والحاصل بينهما في المشهد العالمي الحالي، رغم ما تبديانه من اتفاق حول عدة ملفات ساخنة في المنطقة، ورغم مظلة الإسلام السياسي التي تجمعهما. ولاستكمال مجمل الرؤيا المعاصرة التي تحيط بـ”الجارين اللدودين” في الوقت الحالي، لا بد من العودة إلى الماضي لاستكشاف التباين بين الحضارتين، دون التغاضي عن التاريخ الطويل والمشترك الناتج عن التقارب الجغرافي واللغوي، ناهيك عن تقاطع الأحلام التوسعية المتماثلة في مراحل القوة.
لا تنطلق مواقف إيران وتركيا إزاء التفاعلات والتغيرات في العالم من استجابة عفوية ولحظية، بل تعكس جذوراً تاريخية حددت المصالح والأولويات الوطنية لكلا الدولتين في مناسبات مختلفة، فلطالما انطلقتا من الإرث الإمبراطوري الذي يمتد بالنسبة إلى إيران (الفارسية) إلى ما قبل الميلاد وحتى ظهور الحقبة الإسلامية، في حين يمتد بالنسبة إلى تركيا إلى أكثر من ستة قرون تقريباً، يوم اكتملت الشخصية التركية “الهجينة” – المعتمدة على الثقافات التي وطئت وأحاطت بأرضها – على يد العثمانيين.
ولا يمكن هنا إلا المرور على العداء العربي بشكل عام، والخليجي بشكل خاص تجاه إيران، والذي يمكن إعادته إلى جملة من الأسباب كان من أهمها استغلال طهران السياسي للدين وللمذهبية، ومحاولة تصدير الثورة لتحقيق الأطماع التوسعية في المنطقة، عدا عن “قلق المكانة” الناتج عن المنافسة القديمة/المتجددة بين الحضارتين العربية والفارسية. في حين مالت الكفة العربية الرسمية، في مناسبات كثيرة، نحو تركيا لاعتبارات مرتبطة بادعائها خلافة المسلمين عبر قرون طويلة، على الرغم من احتلالها – المسمى فتحاً – لمعظم أجزاء العالم العربي الإسلامي قرابة أربعمئة عام تكاد تخلو من أيّ إرث حضاري، اللهم عدا المجال العمراني في بعض المدن العربية القريبة من العاصمة إسطنبول.
وعلى الرغم من أن الخلاف العربي حول أيّ الدولتين هي الأجدر بالتحالف معها ما يزال في أوجه، إلا أن المقاربة الموضوعية للأمر تؤكد أن التقارب المذهبي “السني” مع تركيا غير كافٍ أبداً، بالمقابل فإن توقف إيران عن توظيف الاختلاف المذهبي في الشأن السياسي، وعن محاولاتها المستمرة تصدير “ثورتها” إلى الدول العربية بما يهدد أمن العرب وسيادتهم، يجعلها الحليف الأفضل. على أمل وفي انتظار أن تستعيد الدول العربية بعضاً من قوتها ومكانتها، لتشكيل شخصية عربية قادرة على حمل همومها بنفسها، دون الاستناد إلى إيران أو تركيا أو سواها من القوى الإقليمية الأخرى.
*
خلال القرن الماضي ربط كثير من القوميين العرب بين الإسلام والعروبة، بل أن بعضهم اعتبر أن الإسلام هو أحد تجلّيات العروبة، وفي نفس الوقت نشأت في المنطقة العربية أغلب حركات الإسلام السياسي، ولكن هذه الحركات لا تتولى حاليا الحكم في أي دولة عربية باستثناء قطاع غزة الصغير الذي تحكمه حركة حماس، بل أن نسبة كبيرة من شعوب الدول العربية تحمل مشاعر سلبية تجاه أحزاب ومنظمات الإسلام السياسي وكذلك تجاه رجال الدين الانتهازيين المرتبطين بالحكام، الذي يطلق عليهم اسم شيوخ السلطان.
حكم إسلامي ذو مرجعية شيعية يتولّى السلطة في إيران منذ أكثر من 4 عقود، كما يحكم تركيا منذ عقدين حزب العدالة والتنمية الإسلامي، كما وصلت إلى السلطة في أفغانستان قبل أيام حركة طالبان التي تسعى إلى إقامة حكم إسلامي، وحتى باكستان فقد تم إنشاؤها عام 1947 على أساس أنها دولة مسلمة ومنذ ذلك الوقت تلعب القوى السياسية الإسلامية المتشددة والمعتدلة دورا رئيسيا في رسم سياساتها الداخلية والخارجية، أي أن رجال الدين مازالوا يلعبون دورا كبيرا في حياة المسلمين من غير العرب، بينما تراجع دورهم كثيرا عند الشعوب الناطقة بالعربية.
ملاحظة شدّة التديّن عند الشعوب غير الناطقة باللغة العربية في ردود فعلها على أي كتاب أو فيلم أو رسوم يعتبرها الإسلاميون مسيئة للإسلام، فبينما تقتصر ردود الفعل في الدول العربية على بيانات شجب تصدرها المؤسسات الدينية الرسمية، يخرج مئات الآلاف في مظاهرات غاضبة "للدفاع عن الإسلام" في دول مثل باكستان وبنغلادش وإندونيسيا، ويتأكد ذلك في دراسات وإحصائيات تم إجراؤها خلال العقد الأخير، فبينما اشارت دراسة لمؤسسة غالوب، اعتمدت على سؤال "هل الدين جزء هام من حياتك اليومية" إلى أن نسبة اللادينيين في بنغلادش صفر في المائة، وفي إندونيسيا واحد في المائة فقط، كانت النسبة في سوريا والعراق 15 في المائة.
5 إلى 9 في المئة من سكان المملكة العربية السعودية يعتبرون أنفسهم ملحدين، كما قال 19 في المئة أنهم لا دينيون، وهي نسبة قريبة من تلك الموجودة في الولايات المتحدة، مع أن السعودية واحدة من الدول الـ13 التي تحكم على الملحدين بالموت وجميع هذه الدول إسلامية، كذلك أوضحت دراستان منفصلتان لشبكة البارومتر العربي أجريت الأولى عام 2013، وأشارت إلى أن نسبة الملحدين في المغرب كانت 2.5 في المائة، ولكن هذه النسبة ارتفعت أربعة أضعاف إلى 10 في المائة عام 2019، وقالت نفس الدراسة أن نسبة اللادينيين قد تجاوزت في تونس الثلاثين في المائة، وفي ليبيا 25 في المائة وفي الجزائر 15 في المائة.
لعبت شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وندوات اليوتيوب دورا مهما في ارتفاع نسبة اللادينيين في المنطقة العربية حتى أن بعضهم ردد عبارة مثل "إن الإسلام الذي انتشر بالسيف سينتهي بالفيس"، لأنه أتاح لهؤلاء التواصل بحرية وتناول كافة المواضيع التي كان يحرم تناولها في وسائل الإعلام التقليدية، وصحيح أن هذه العبارة مبالغ فيها ولكنها تشير إلى الحجم الكبير لظاهرة الخروج من الدين والتي يمكن التأكد منها من الأعداد التي تشاهد الندوات التي تنتقد الفهم السائد للإسلام التي تصل في كثير من الأحيان إلى مئات الآلاف.
الصحفي البريطاني براين ويتكر في كتابه "عرب بلا رب" الصادر عام 2014 الطريق التي يقطعها بعض المثقفين العرب في مشوارهم الذي ينتهي بالخروج من الإسلام والذي يبدأ بصدمات يسببها تفسير بعض النصوص التي تتحدث عن الخوارق والمعجزات والجن والسحر أو بعض مبادئ الدين المنافية لروح العصر مثل العبودية والجهاد والفتوحات وحكم الردّة والنظرة الدونية للمرأة التي جعلت 40 في المائة من الملحدين العرب من النساء، نتيجة ما يعتبرنه ذكورية الدين والعقبات التي يضعها أمام حرية المرأة ومساواتها وكرامتها، خصوصا النصوص التي تعتبر المرأة مجرد متاع للرجل أو التي تحرّم الحب بينما تحلّل السبي والاغتصاب وزواج الأطفال.
ما يدفع شباب اليوم للإلحاد ليس كتب داروين أو ماركس بل كتب البخاري وابن تيمية والخميني وسيد قطب والخطاب المتطرف الذي يحرّم أي شيء مفيد أو ممتع مثل العلم والفن، كما أورد الصحفي في كتابه ملاحظة مهمة وهي أن "أغلب اللادينيين العرب كانوا متدينين أو خرجوا من أسر متدينة وأغلبهم درس الدين جيدا واطلع على نصوصه الأصلية"، وعبارة النصوص الأصلية تحديدا قد تساعد في فهم سبب انتشار ظاهرة الخروج من الإسلام عند العرب أكثر من غيرهم، لأن الاطلاع الحقيقي والمعرفة العميقة بالنصوص الدينية غير متاح سوى أمام من كانت لغتهم الأم العربية.
أي من المرجّح والمنطقي أن يقوم رجال الدين الذين يدرّسون الإسلام لغير العرب باختيار آيات وأحاديث بعينها يرونها تخدم هدفهم ويتجاهلون ما سواها،
كما أن السبب الثاني لابتعاد بعض العرب عن الإسلام هو التجارب التي مرّوا بها تحت مسمّى تطبيق الشريعة، مثل ما عاناه السوريون والعراقيون تحت حكم داعش والقاعدة والميليشيات الشيعية التابعة لإيران، أو تجربة المصريين مع حكم الإخوان المسلمين، أو ما عايشته بعض شعوب الخليج مع هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلال العقود الماضية، ويمكن تأكيد ذلك عند متابعة تزايد حالات الخروج من الدين في إيران نتيجة عقود من الحكم الإسلامي، ففي دراسة لمؤسسة جمان للإحصاء عبر الإنترنت في عام 2020 قال 8.8 في المئة من الإيرانيين أنهم ملحدون، وقال 22.2 في المائة أنهم لا يتبعون دينا معينا، وصرّح 40 في المئة منهم بأنهم لا يعرّفون أنفسهم كمسلمين، أي أن التعرّض لتجربة حكم "إسلامي" تدفع أعدادا أكبر للابتعاد عن الإسلام.
مؤامرة عالمية تستهدف الإسلام، ولكن تراجع شعبيتهم سيستمر حتى يقتنعوا بالتوقف عن محاولة حكم الشعوب باسم الدين، أو التدخل في أدق تفاصيل الحياة اليومية للمسلمين عبر البرامج المختصة بإصدار فتاوى يقدمها رجال دين تنقصهم المعرفة التخصصية في أغلب مناحي الحياة، والأهم من ذلك إعادة النظر في كتب تراث، وتنقيتها من كل ما يرفضه العقل والعلم وثقافة العصر.
*
فالمرتد عن عروبته لخدمة الأجنبي يتساوى مع المرتد عن الإسلام
الإسلام السياسي أو الأحزاب المستترة بالدين في البلاد العربية لعبت دوراً خيانياً ضد بلادها، ولعل نشأة جماعة الإخوان في مصر كانت برعاية بريطانية من قبل هيئة قناة السويس لاستنهاض الشعور الديني ضد التيار القومي العروبي الذي بدأ يتحرك بعد الحرب العالمية الثانية مطالبا بالاستقلال عن الاستعمار في أغلب الأقطار العربية.
كانت السياسة البريطانية هي ضرب التيار التحرري القومي بواسطة التيار الديني العميل للغرب.. وهو ما حدث حتى الآن.
في العراق لعب التيار الديني المذهبي دوراً في إسقاط النظام والتحالف مع قوات الغزو ثم إيران للهيمنة على العراق، وحاول الإسلام السياسي في ليبيا وما زال تسليم مقدرات ليبيا إلى تركيا.
الغريب أن الإسلام السياسي في إيران يستند إلى القومية الفارسية ويعظّمها، والإسلام السياسي في تركيا يستند إلى القومية التركية ويعمل من أجلها، بينما الإسلام السياسي في البلاد العربية عدوه الوحيد ليس الاستعمار الأجنبي بل القومية العربية وكأنما تم اختلاقه لمواجهة العروبة فقط وخدمة الأجنبي.
فعدد الضحايا من العرب المسلمين برصاص داعش والنصرة والقاعدة والحشد الشعبي وتنظيمات الأخوان، أكبر من عدد الضحايا برصاص الأعداء الأجانب، وهذا يكفي للدلالة على خيانة ونفاق هذه التيارات الموبقة.. فالمرتد عن عروبته لخدمة الأجنبي يتساوى مع المرتد عن الإسلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق