الأحد، 31 أكتوبر 2021

انهيار الحضارات الإنسانية *********

Nov 18, 2019

يرى المؤرّخ (أرنولد توينبي) أن «الحضارات تحمل في طيّاتها أسباب موتها وفنائها»،

أهمّ عواملِ انهيار الحضارات، انهيار قِيمها الأخلاقية والدّينية.. وقد تأثّر (توينبي) بمقدّمة مؤسس علم الاجتماع المؤرخ (عبدالرحمن بن خلدون) الذي وصف أسبابًا رئيسةً للانهيار التدريجي الحتمي للدُّول، فعلى سبيل المثال يقول: «فافهم ذلك واعتبر به، أنّ غاية العُمران هي الحضارةُ والترف، وأنّه إذا بلغ غايته انقلبَ إلى الفساد وأخذ في الهرم كالأعمار الطبيعيةِ للحيوانات، بل نقول إنّ الأخلاق الحاصلةَ من الحضارة والترف، هي أصلُ الفساد».

وتاريخيًا، ارتبط الظُّلم الاجتماعي بإشراق شمس الحضارة الإنسانية ونشوء الدُّول، فمعها نشَأت الطبقية الاجتماعية والتقسيمات العرقية والامتيازات الشخصية، وتمّ تطويع بعض التعاليم الدّينية لتخدم ذلك كلّه، وهنا يقول (ابن خلدون): «الظّلم مؤذنٌ بخراب العُمران، وذلك مؤذنٌ بانقطاع النوع البشري، وهنا الحكمة من تحريم الظّلم وهي لحفظ الدّين والنفس والعقل والنسل والمال»، ويرى الدكتور (علي الوردي) أنه: «كلّما كانت الحضارةُ أكثر تقدّمًا في المُجتمع، كانت العقيدةُ الدينية أضعفَ فيه»، في إشارة إلى تأثّر القيم الدّينية بالتطوّر الحضاري.

وقد يظنُّ بعضهم أنه يُمكنهم الانتقاءُ من الحضارة الحديثة ما يناسبُ قِيَمهم وتقاليدَهم الموروثة، ومنع ما لا يتناسبُ مع أمزجتهم، لكّن الحضارةَ في عصرنا الحالـي لا تعترفُ بالحدود ولا تهتمُّ بالاختلافات، فهي -بتقنيتها الحديثة وتداخلات أنظمتها العالمية- تقتحمُ على الناس دُورَهم اقتحامًا، وتضطّرهم للتعامل مع خيرها وشرّها.. ومع نفعها، إلا أنّ تعامل الإنسان مع الحضارة الحديثة أدى إلـى انتشار آثارٍ خطيرة كالإشعاعات النووية والانحباس الحراري وذوبان الجليد واختلال التوازن البيئي، فضلًا عن تفشّي الحروب والصراعات والمُشكلات الاقتصادية والإنسانية كالفقرِ وكوارث المجاعات والأوبئة والتهجيرِ الجماعي والاضطرابات السياسية والعنفِ الاجتماعي، وهي عوامل تضمن انهيار الحضارات لا محالة.

*

هل نحن في طريقنا إلى انهيار حضاري؟

  • ليوك كيمب
  • خبير في عوامل انهيار الحضارات

العوامل التي تدفع الحضارات إلى الانهيار

تغير المناخ: قد يترتب على تغير المناح تداعيات كارثية، مثل نقص المحاصيل الزراعية، والمجاعات، والتصحر. وقد لوحظ أن انهيار حضارات أناسازي وتيواناكو، والإمبراطورية الأكدية وحضارة المايا والإمبراطورية الرومانية، قد تزامن مع تغيرات مناخية مفاجئة تمثلت في موجات جفاف.

التدهور البيئي: عندما يفوق استهلاك المجتمعات للموارد الطبيعية قدرة الأرض على تجديدها فستكون النتيجة تدمير البيئة. وأشار الكثير من الباحثين إلى أن القطع الجائر للأشجار وتلوث المياه وتدهور التربة وفقدان التنوع الحيوي، كلها عوامل تعجل بانهيار الحضارات.

انعدام المساواة وحكم الأقلية: التفاوت في توزيع الثروات والمشاركة السياسية، وكذلك انحصار السلطة في يد قلة من الناس والمركزية في اتخاذ القرارات من أهم العوامل التي تؤدي إلى انفراط عقد المجتمع وتمزقه، وفوق ذلك، تعوق قدرة أفراده على الاستجابة للمشكلات البيئية والاجتماعية والاقتصادية.

تشير دراسات إحصائية عن مجتمعات سابقة إلى أن العنف السياسي رديف التزايد السكاني وانعدام المساواة. وكلما زاد عدد السكان، فاق المعروض من العمالة معدل الطلب عليها، وتراجعت أجور العمال وبالتالي ازداد الأثرياء ثراء والفقراء فقرا. وهذا التفاوت في توزيع الثروات يؤدي إلى تفكك المجتمع وظهور الاضطرابات السياسية.

تعقيد المجتمع: يرى المؤرخ والخبير جوزيف تينتر أن المجتمعات تنهار تحت وطأة التعقيد والتشابك والبيروقراطية. فالمجتمعات تزداد تعقيدا وتشعبا كلما واجهت مشكلات جديدة. لكن مردود التطور والتعقيد يقل تدريجيا ويقود البلاد إلى الانهيار.

ويقاس تعقيد المجتمعات بمعيار عائد الطاقة المستثمرة، وهي النسبة بين حجم الطاقة المنتجة من الموارد الطبيعية والطاقة المطلوبة لاستخراجها. ولاحظ العالم السياسي توماس هومر ديكسون أن التدهور البيئي في الإمبراطورية الرومانية أدى إلى تراجع عائد الطاقة المستثمرة ومن ثم سقوط الإمبراطورية.

صدمات خارجية: ويقصد بها الحروب والكوراث الطبيعية والمجاعات والأوبئة. إذ دمر الغزاة الإسبان إمبراطورية الآزتيك. وقد زالت أغلب الحضارات التي كانت تعتمد على الزراعة بسبب أوبئة فتاكة. وأحيانا تتعاقب الكوارث على الدولة وتؤدي إلى نهايتها.

الحظ العاثر: تشير تحليلات إحصائية إلى أن بعض الإمبراطوريات انهارت بشكل عشوائي. وقد يرجع ذلك إلى كثرة الحروب والصراعات التي خاضتها من أجل البقاء.

إذ أن الفجوة بين الفقراء والأثرياء آخذة في الاتساع. فقد وصل نصيب الأثرياء، الذين يمثلون واحدا في المئة من إجمالي سكان العالم، إلى 20 في المئة من إجمالي الدخل العالمي، وزاد نصيبهم من ثروات العالم من 25 في المئة في الثمانينيات من القرن الماضي إلى 40 في المئة في عام 2016، هذا بخلاف الأموال التي يهربها الأثرياء إلى الملاذات الضريبية. 

2019

وتشير دراسات إلى أن مردود إنتاج الوقود الأحفوري ينخفض انخفاضا مطردا، بسبب نضوب بعض الحقول الغنية بالنفط والغاز. ومع الأسف فإن الطاقة المتولدة من مصادر الطاقة المتجددة البديلة للوقود الأحفوري أقل من الطاقة المستثمرة لاستخراجها أو تعادلها.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق