Jul 25, 2020
لا تهدف الأموال الساخنة للاستثمار طويل الأمد أو البقاء في مكانها، في الوقت الذي تعطي انطباع أن الأوضاع جيدة قاصدة من ذلك رفع أسعار الأسهم والسندات وتوهم المستثمرين في الأسواق المالية أن الأمور تسير على ما يرام فيتوجه الجميع للشراء لترتفع الأسعار بشكل غير مبرر وتتشكل فقاعة سرعان ما تنفجر عندما يقرر أصحاب تلك الأموال بيع ما يملكونه من أسهم وسندات بأسعار مرتفعة بعدما اشتروها بأسعار رخيصة ليجنوا من وراء هذه العملية أرباح هائلة وسريعة ويخرجونها إلى خارج الدورة الاقتصادية.
انفجار القفاعة والبدء في عملية البيع ينقل العدوى للجميع لتبدأ حركة بيع تودي بانخفاض مؤشرات الأسواق إلى مستويات كبيرة، وينخفض سعر صرف العملة بسبب نزيف حاد في العملة الأجنبية ناجمة عن هروب رأس المال الأجنبي لقاء التخلي عن العملة المحلية.
الأموال الساخنة خطر، فمن الممكن أن تنسحب هذه الأموال وبشكل مفاجئ عند حدوث أي خطر، وهو ما يفاقم من ازمة سوق الصرف وسعر الدولار. وبالطبع، لن تتحول الأموال الساخنة لأموال مستقرة تفيد الاقتصاد القومي كما اثبتت التجارب، والحل هو جذب استثمارات أجنبية مباشرة يتم من خلالها إقامة مشروعات صناعية وزراعية وسياحية وخدمية وانتاجية، وفي نفس الوقت تزيد السيولة الدولارية داخل السوق وتدعم العملة الحلية، وهذا الأمر في حاجة لاستقرار سياسي وأمني حقيقي، وكذا بحاجة لاستقرار في التشريعات والقوانين المنظمة للاستثمار، وخفض معدلات الفساد والبيروقراطية.
*
يقصد بـ"التسخين الاقتصادي" النمو الاقتصادي السريع الذي يقود إلى "فقاعة اقتصادية" قد تضر بالأسواق المالية والنمو المتوازن الذي ينتهي إلى الركود أو حدوث كساد كبير شبيه بما حدث في أعقاب أزمات المال العالمية.
يدعو مليارديرات وأساتذة اقتصاد إلى تلافي كارثة "التسخين الاقتصادي" عبر رفع نسبة الفائدة المصرفية ومواجهة الارتفاع الشرس في معدلات التضخم و"فقاعة أصول" بتشديد السياسة النقدية وإنهاء برامج شراء السندات الحكومية.
القيمة السوقية للأصول الأميركية ارتفعت إلى مستويات قريبة من المعدلات التي أدت إلى كارثة الانهيار الكبير الذي حدث في "وول ستريت" وسببت الكساد الكبير في 1928
كما ارتفعت أسعار العقارات الأميركية بمعدلات فوق المعدلات التي أدت إلى انهيار أسواق المال في عام 2008-2009.
البنوك المركزية ضخت أموالاً لتحفيز الاقتصاد العالمي خلال العام الماضي تفوق كثيراً الحاجة الحقيقية، وهو ما رفع من حجم السيولة في السوق.
ومنذ بداية جائحة كورونا في العام الماضي، ارتفعت ميزانية بنك الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) بنحو 5 تريليونات دولار إلى 7.69 تريليونات دولار. ولا يزال الفيدرالي يواصل شراء سندات دين شهرياً تبلغ قيمتها 120 مليار دولار.
كما أن معدل الفائدة الأميركية يقارب الصفر ويراوح بين صفر و025%، وهو ما يعني أن المصارف التجارية والمؤسسات المالية تحصل على سيولة شبه مجانية وتقوم بضخها في الأسواق وإقراضها للمستهلكين. وبالتالي تفاعل من التسخين الاقتصادي، وكانت نتيجته الارتفاع السريع الذي شهدته أسعار العقارات والعديد من الأصول في سوق "وول ستريت".
تشير إحصائيات جامعة ميشغان الأميركية في مسحها الأخير إلى أن أسعار السلع الاستهلاكية في أميركا ارتفعت بمعدل سنوي بلغ 6.25%، كما أن معدل التضخم السنوي ارتفع إلى 4.6%.
إدارة بايدن أقرت برنامج تحفيز يقدر بـ 1.9 تريليون دولار، وتتجه نحو ضخ 2.3 تريليونات دولار أخرى على شكل استثمارات في البنية التحتية
وهو ما يعني أن الأموال التي ضخت في الاقتصاد منذ صعود بايدن للحكم تفوق كثيراً خسائر الاقتصاد، وأن هذا سيقود إلى النمو السريع و"تسخين الاقتصاد" التي تهدد بدورة كساد في المستقبل حينما تنفجر "فقاعة الموجودات".
يحذر الاقتصادي الأميركي لاشمان من أن المركزي الأوروبي يخاطر عبر مواصلة هذه السياسة النقدية بزيادة الضغوط التضخمية في دول منطقة اليورو الغنية، وعلى رأسها ألمانيا التي يشهد اقتصادها نمواً سريعاً.
يواصل البنك شراء السندات الحكومية في دول بمنطقة اليورو، من بينها سندات إيطاليا والبرتغال وإسبانيا واليونان.
يعلق لاشمان على ذلك التوجه قائلاً إن هذه السياسة التحفيزية المتواصلة تهدّد بأزمة ديون بمنطقة اليورو شبيهة بتلك التي حدثت في بداية العقد الماضي وأفلست بسببها العديد من الدول وكادت تؤدي إلى تفكك مشروع الاتحاد الأوروبي لولا تدخل صندوق النقد.
في ذات الشأن، انتقد المستثمر الكبير والملياردير الأميركي، دريكن ميلر، سياسات الاحتياطي الفيدرالي التي واصلت ضخ التريليونات في السوق دون النظر إلى العواقب السالبة التي ستترتب على السيولة النقدية في السوق.
قال ميلر في تعليقات نقلتها مجلة "فوربس" إن "هنالك قلقاً بين المستثمرين من مخاطر حدوث اضطراب في أسواق المال بسبب الارتفاع المتواصل في معدل التضخم".
وصف عمليات التحفيز التي تمت منذ العام الماضي بأنها غير مسبوقة في التاريخ الأميركي القريب وهي الكبرى منذ الحرب العالمية الثانية "1939-1945".
"تهدد استقرار سعر صرف الدولار، كما تهدد بانهيار الأصول المالية".
الملياردير الأميركي، دريكن ميلر: "قلق بين المستثمرين من مخاطر حدوث اضطراب في أسواق المال بسبب الارتفاع المتواصل في معدل التضخم"
كان سعر صرف الدولار قد شهد تقلبات حادة خلال العام الجاري بسبب مخاوف المستثمرين من التضخم والارتفاع الكبير الذي شهده العائدة على سندات الخزينة الأميركية أجل 10 سنوات.
تسعى إدارة الرئيس جو بايدن إلى تحجيم التمدد الاقتصادي والتجاري الأميركي في العالم خلال العام الجاري عبر إنشاء تحالفات مع الاقتصادات الرأسمالية الكبرى مثل بريطانيا.
ولكن اقتصاديين يعطون أولوية لمكافحة "التسخين الاقتصادي" ويتخوفون من مخاطره على الانتعاش الأميركي غير المتوازن، حينما يعود بنك الاحتياط الفيدرالي في المستقبل لسياسة رفع سعر الفائدة ويلتفت لمكافحة التضخم، وذلك ببساطة لأن العديد من الأصول ذات المخاطر العالية ربما ستواجه رحلة هروب استثمارية منها ويقود ذلك تلقائياً إلى اضطراب في سوق المال.
ولكن اقتصاديين يعطون أولوية لمكافحة "التسخين الاقتصادي" ويتخوفون من مخاطره على الانتعاش الأميركي غير المتوازن، حينما يعود بنك الاحتياط الفيدرالي في المستقبل لسياسة رفع سعر الفائدة ويلتفت لمكافحة التضخم، وذلك ببساطة لأن العديد من الأصول ذات المخاطر العالية ربما ستواجه رحلة هروب استثمارية منها ويقود ذلك تلقائياً إلى اضطراب في سوق المال.
الاحتياط الفيدرالي ومنذ عام 2009 تبنى سياسة نقدية قائمة على "إجبار الأموال على الهجرة من الملاذات الاستثمارية الآمنة إلى الاستثمارات الخطرة، وذلك في سبيل تمويل النمو الاقتصادي الأميركي السريع".
ويلاحظ أن هذه السياسة قادت تدريجياً إلى النمو المتواصل في قيمة سوق المال الأميركي التي ارتفعت بنهاية العام الماضي إلى أكثر من 50 تريليون دولار، وهو ما يعادل أكثر من ضعفي حجم الاقتصاد الأميركي.
قادت سياسة ضخ الأموال الرخيصة في السوق التي نجحت في إنقاذ الاقتصاد من ضربات جائحة كورونا.
لكن هذه السياسات قادت إلى مخاطر عديدة في الولايات المتحدة، من بينها اختلال الدخول وتوزيع الثروة، إذ رفعت من ثروات من يملكون المليارات على حساب الطبقات العمالية وذوي الياقات البيضاء وكادت تقضي على الطبقة الوسطى التي تعد العمود الفقري في استقرار النظام الديمقراطي الغربي.
*Jun 7, 2021
في ما اعتبر أكبر طرح في تاريخها، شهدت البورصة المصرية، الأسبوع الماضي، واحداً من أهم أحداثها خلال السنوات الأخيرة، حين طرح سهم شركة "إي فاينانس" الحكومية المتخصصة في التكنولوجيا المالية للاكتتاب العام، فوصلت قيمته إلى ما يقرب من 5.8 مليارات جنيه مصري (الدولار = 15.7 جنيهاً)، متجاوزاً قيمة طرح الشركة المصرية للاتصالات عام 2005، والذي بلغت قيمته وقتها 5.1 مليارات جنيه.
وبعدما جرت تغطية الاكتتاب بطلبات بلغت 61 ضعف عدد الأسهم المعروضة للبيع، قفز سعر السهم في أولى جلسات التداول مرتفعاً بنسبة 79%، قبل أن يتراجع قليلاً لينهي تعاملات اليوم على ارتفاع بنسبة تتجاوز 50%، ولتصل القيمة السوقية للشركة التي يتم حالياً تداول 26.1% من أسهمها في البورصة المصرية إلى نحو 33.6 مليار جنيه مصري، تعادل أكثر من ملياري دولار، احتلت بها المرتبة الثانية بين أكبر الشركات المصرية بعد البنك التجاري الدولي، أكبر وأهم شركة يجرى تداول أسهمها في البورصة المصرية.
ونجح طرح "إي فاينانس" في جذب طلب كبير من مستثمري الأسواق الناشئة الدولية وفي مجال التكنولوجيا المالية، إضافة إلى المستثمرين من المؤسسات والأفراد في دول مجلس التعاون الخليجي والمحليين، وفقاً لمذكرة أصدرها بنك الاستثمار "رينيسانس كابيتال"، المدير المشارك للطرح.
ومع تداول السهم في البورصة المصرية، تعالت الأصوات ما بين منتقد ومدافع عن مثل تلك العمليات، كما يحدث دائماً مع كل طرح، ناجح أو فاشل، في مصر أو غيرها من دول العالم. فمن ناحية، كان هناك مهاجمون غير مرحبين بتلك العمليات، اعتبروا أنها تسمح لأصحاب الأموال الساخنة من الأجانب بتحقيق معدلات ربحية شديدة الارتفاع على أموالهم، ليقوموا بعدها ببيع ما يمتلكون من أسهم، مع إعادة تحويل أموالهم، مضافاً إليها الأرباح التي تحققت، إلى الخارج، الأمر الذي يزيد من الضغوط على العملة المصرية، وربما على احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي المصري.
وعلى الجانب الآخر، كانت هناك أصوات ترحب بمثل تلك العمليات التي يرون أنها تجلب عملة أجنبية للبلاد، وتساهم في تنشيط سوق الأوراق المالية وارتفاع القيمة السوقية للشركات، في وقتٍ تحتاج فيه البورصة المصرية إلى مثل هذه "المحفزات"، بعد العديد من التطورات السلبية التي ألمت بها خلال السنوات الأخيرة.
وفي حين لا يوافق هؤلاء على أن المستثمر الأجنبي سيبيع ما في جعبته من أسهم رابحة في الأيام الأولى للتداول، يتب الإشارة إلى أن المستثمرين الأجانب استحوذوا على ما يقرب من 72% من الأسهم المطروحة للبيع من شركة "إي فاينانس"!
تحدث نفس الأمور في الولايات المتحدة، وأسواق الأسهم فيها تعد الأكثر تطوراً على مستوى العالم، إذ لا يستطيع آلاف المستثمرين الشراء في الاكتتابات العامة، ولا يتم تقديم أي أعذار لهم، وقبل الاكتتاب، يوقع هؤلاء ما يفيد بأنهم يعون جيداً طبيعة تلك العمليات، التي قد يترتب عليها عدم حصول مقدم طلب الاكتتاب على أيّ أسهم.
ويحدث أيضاً أن ترتفع الأسعار في الساعات الأولى للتداول إلى أضعاف سعر الاكتتاب، وأحياناً يصل سعر السهم إلى عشرة أضعاف سعر الاكتتاب وربما أكثر. ويحدث أيضاً أن يبيع المستثمرون الأجانب وصناديق التحوط وبنوك الاستثمار ما تمكنوا من الحصول عليه من أسهم بعلاقاتهم وتربيطاتهم، وأحياناً مجاملتهم لأصحاب الطرح، في الساعات الأولى للتداول، بعد تحقيق أرباح باهظة، وتظل هناك فئة تنتقد تلك التعاملات طوال الوقت، ممن يطلق عليهم "الاشتراكيين" من أعضاء الكونجرس من الحزبين.
لكن اللافت للنظر هو أنه في كثير من الأحيان تتسبب تلك الانتقادات والحوارات المجتمعية، بدعم من وسائل الإعلام المختلفة كما جماعات الضغط، في تعديل وتطوير القواعد المنظمة لتلك التعاملات، بما يحقق تطورات تكون عادة في صالح أغلب المواطنين.
وبعدما أجلت الحكومة المصرية تطبيق ضريبة الأرباح الرأسمالية على تعاملات البورصة للمرة الثالثة، بضغط من شركات السمسرة ومديري الصناديق وبنوك الاستثمار خوفاً من تراجع أرباحهم، بدأت الأصوات المنددة بقرار بدء تطبيقها مطلع العام القادم تعلو من جديد، رغم أنها في أقصى حالاتها لن تتجاوز عشرة بالمائة من الأرباح المحققة.
وبينما يتم التحضير أيضاً لفرض ضريبة ثروة على كبار أثرياء الولايات المتحدة، الاقتصاد الأكبر في العالم ورمز الرأسمالية والأسواق الحرة، يقول المدافعون عن هذا التوجه إن أغلب ما سيتم جمعه من ضرائب مقترحة في هذين البندين سيتم توجيهه لتمويل خطة الرئيس الأميركي جوزيف بايدن لدعم الأسر الأميركية، التي يرى أنها تضررت كثيراً بسبب الجائحة، الأمر الذي يجعلنا نتساءل: ألم نكن نحن أحق بتطبيق تلك الأنواع من "الضرائب الرحيمة" في بلدنا الذي يرقد ثلثه تحت خط الفقر الرسمي شديد الانخفاض، بينما يقترب ثلثه الآخر من النزول تحته؟ أم أنّ عشرة بالمائة ضريبة على ما يتم تحقيقه من أرباح سيكون طارداً للمستثمرين؟ أفلا تعقلون!؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق