الجمعة، 5 نوفمبر 2021

الوهم . الأوهام

  ما أحسن أن تغيب عن الواقع ومشكلاته وهمومه وتضيع فى شيء جميل، فما أجمل الضياع!

الوهم، هو تصورات خيالية لا علاقة لها بالواقع، غير أنها ضرورة على مستوى الأفراد، فهي زورق من لا يعرف السباحة، وسلاح من عجزت يده عن حمل السلاح، إنها الدفاع السهل ضد الانهيارات النفسية التي يراكمها الواقع، من دون الشعور بهذا التراكم، فى أحيان كثيرة، فإذا انفجر، شعوريا ولا شعوريا، جرف الإنسان فى تياره.

الصراع بين الحقيقة والوهم بدأ منذ بدء التاريخ، وقد سبق الوهم إلى احتلال ذهن الإنسان قبل أن تعرف الحقيقة طريقها إليه، وحين وصلت الحقيقة كان الوهم قد زرع أشجاره فيه، وكان التقلب فيها وجني ثمارها ذا إغراء لا يقاوم، إلى أن جاءت الفلسفة، تشق طريقها بصعوبة إلى إزالة بعض أطياف الوهم، غير أن الفلسفة نفسها لم تسلم من عدوى هذا الوهم

 كبار الفلاسفة فى التاريخ لم يسلموا من الوقوع فى قبضة الوهم؛ فهذا افلاطون وأرسطو يعتقدان بأن بعض البشر خلق حرا والبعض الآخرخلق عبدا، وهذا ديكارت يعتقد أن الفرد يولد بأفكار طبيعية، وهذاسبينوزا يتبنى الأفكار الصوفية كوحدة الوجود، ويقال إنه تأثر بابن عربي وبالحلاج. وهناك فى الساحة الثقافية من كتب عن أخطاء الفلاسفة. ولا أتذكر سخرية صلاح جاهين من الفلسفة ومن يغرق في وحلها.

*

 يسقط مفهوم الشعب المؤمن حقا عندما يتحول الإيمان إلى شكل من أشكال التفاصيل الشكلية أو الطقوس اليومية فقط التي يؤديها الكثيرون ربما بدافع تصورهم الناقص عن الإيمان أو ربما بدافع الخوف من "جهنم".

 ازدواجية معايير هذه المجتمعات وقلة فهمها للدين رغم أن المساجد أكثر وفرة من المستوصفات والمدارس والمستشفيات، ولا ننسى المحطات الدينية التي زحمت الفضاء، ولم تثبت أي دراسة علمية أنها أسهمت فعلا في توفير الوعي الحقيقي بمبادئ الدين لا بالمزايدة في المظاهر
مرض التمسك بالقشور الى الدين، وأصبحت مجتمعاتنا الأكثر تمسكا بما تتصور أنه هو الدين أو هو الحضارة أو هو الثقافة أو هو العلم أو حتى هو الإبداع!

ما يسقط في كل عام ويفضح مجتمعاتنا أو يفضحنا هو ضحالة أو كسل المبدعين عندنا، فهم إما ارتضوا أن يكتبوا ما يملى عليهم من أصحاب المحطات أو المسيطرين عليها، وإما استسهلوا تقليد المسلسلات الهوليودية أو البوليودية أو التركية، وكأن حياتنا اليومية ليست حاشدة بالكثير مما يستحق الكتابة وتدوينه في شكل درامي أو أن يتحول إلى مادة خصبة للإبداع.

في كل رمضان تكشف المسلسلات الرمضانية- التي نشاهدها أحيانا بفعل الفضول أو البحث عن جديد أو تكذيب المؤكد– كم فقراء نحن في الإبداع وإنتاج الأعمال الفنية بعد أن ارتضينا أن نكون على آخر سلم العلماء والباحثين.

مسلسلات كثيرها لا يقترب من الواقع المعيش في أي بلد عربي أو أنه الواقع الذي "يبهر" بمعالجات كلها خارجية لا تتماشى مع ما يعيشه ناسنا، 

ربما هو الشهر الذي نتعرى فيه من الكثير من شعاراتنا ومقولاتنا وحتى حكينا اليومي المليء بالأحاديث الدينية على السنة من هم أبعد ما يكونون عن قيم الدين وأكثرهم قربا لقشوره.. مجتمعات أغرقت في معاناتها اليومية أو مغريات الحياة حتى أصبح خبر بناء أطول برج أو مدينة أو حتى "أكبر دكان" يدعو لاحتفالية كبيرة فيما نستجدي من يمنحنا العلاج والدواء ونعمل أن نشتري المعرفة التي لا تشترى حقيقة بالمال وحده ولكن "من يفهم؟".

 معنى الحياة ذاك المعنى الذي فقد في زحمة الأحداث والمسميات والكذب والتطبيل ووصلات "الردح" التي أصبحت شرطاً لأن تكون إعلاميا أو صحافيا في صحفهم ومحطاتهم "المهنية" جدا!

*

 حضارة اللفظ، ولم ننتقل كما يجب إلى حضارة الفعل والإنجاز والابتكار. طبعاً لا ننسى أن العرب في لحظة تاريخية سابقة قطعوا خطوة في طريق التجريب ولم يذعنوا للتنظير فقط، حيث اعتبروا أن الملاحظة والتجربة يمثلان مصدر البحث والتقدم العلمي. وبناء عليه يمكن الاستنتاج أن العرب اتبعوا في إنتاجهم العلمي الاستقراء والملاحظة للوصول إلى نتائج علمية.

نظرية الأوهام الأربعة لفرانسيس بيكون 

الوهم الأول فيما سمّاه أوهام الجنس البشري، وهي أكثر أنواع الأوهام انتشاراً بين البشر، وتعود إلى طبيعة العقل البشري الذي يتوهم أحياناً وجود أشياء ليس لها في الواقع وجود. ووفق هذه الأوهام يتم فرض الميول الذاتية للإنسان على الأشياء وتصبح من المسلّمات، وهي عادة قوالب جاهزة وأفكار مسبقة يتربى عليها في تنشئته الاجتماعية.

 الوهم الثاني حسب فرانسيس بيكون فهو أوهام الكهف، وهو نوع يخص الفرد ونظرته إلى الأشياء التي هي نتاج عملية التنشئة ومن كيفية تفاعله مع مضامين التنشئة الاجتماعية التي تلقاها من مؤسسات التنشئة. يعتبر فرانسيس بيكون أن أوهام الكهف أخطر أنواع الأوهام، واكتشاف الحقيقة مرهون بالتحرر من أوهام الكهف الخاصة بالإنسان الفرد. 

الوهم الثالث بأوهام السوق ذات العلاقة باللغة، والاستعمال الخاطئ للكلمات بالنسبة إلى بيكون يعيق العقل ويحيطه بالمغالطات.

الوهم الرابع إلى أوهام المسرح حيث التعامل مع المعارف السابقة بنظرة مقدسة. وهي أوهام ناتجة عن معتقدات خرافية وقواعد مغلوطة للبرهان.

التفكير العلمي هو الخطة المثلى، ونفترض أن الظروف الراهنة مواتية لعملية التجديد الفكري لأن العالم اليوم شبكي العلاقات، وينتظم التشبيك وفق مؤشرات وتوافقات حقوقية دولية وفرت شيئاً من الحرية التي يمكن استثمارها في معالجة الأوهام من جهة، وفي الانخراط في عمق التجديد من جهة ثانية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق