الأحد، 31 أكتوبر 2021

متاهة الاستهلاك ************************اشتر الآن وادفع لاحقًا

Jun 23, 2019

شعار الجميع: أنا أستهلك إذن أنا موجود
الســـــؤال عما إذا كان الاســـــتهلاك سعادة زائفة تختبئ
تحت ســـــتار النزعة الاســـــتهلاكية والوعود الفارغة الجوفـــــاء
الأول، هو الرغبة في الانتشار
السريع والشهرة الواسعة والربح
المادي،
وحينها يعد النص سلعة
تجارية تخضع لآليات السوق وذائقة
فئة محددة من الجمهور، فتصبح
مفاهيم مثل المتعة والتسلية والإبهار
من السمات التأسيسية والأصيلة
في العمل
السعادة الزائفة
مع نهم الاستهلاك المفرط أصبح مايهم
الناس في المجتمعات الحديثة اغتراف كل
ما يمكنهم اغترافه من الأشـــياء والأموال،
غيـــر عابئـــين بما يتبقـــى لســـواهم.
وقد
أدى هـــذا النمط الجشـــع من الاســـتهلاك
إلى انزواء جميـــع الأفكار المتعلقة بمعنى
الحيـــاة ومفاهيـــم العيش المشـــتركة من
عقول المجموعات المستهلكة، وصار النهم
لاقتناء الســـلع من ملابـــس وإلكترونيات
وســـيارات ّ يغيب الإحســـاس الإنســـاني
بالواجب الاجتماعي، وما يجب أن ينهض
بـــه المـــرء إزاء الحيـــاة وتطورهـــا وآفاق
غدهـــا، واقتصر النشـــاط البشـــري على
الإشباع السريع للمتع المتاحة، فأصبحت
الحياة كأنها
اللحظةالمعاشـــة حســـب،
وبات مـــا يعنـــي الجمـــوع النهمة عيش
الآن، وما يوفره النمط الاســـتهلاكي من
خـــداع توفير الســـعادة المضللة والاكتفاء
الذي لن يحصل قط.
فخاطبـــت وســـائل
الإعلان المغرية التي ّ يروج لها ّ المســـوقون
البارعـــون الجانـــب الرغائبي الخفي لدى
الناس: رغبـــة الظهور بصورة أفضل عبر
الأزيـــاء، ورغبـــة الرضا عـــن النفس عبر
عمليات نحت الأجســـام، وتجميل الوجوه
حسب المعايير السائدة المفروضة من قبل
الإعلام، وهيمنت الشـــهوات القائمة على
جوع للتملـــك على نمط تفكير المســـتهلك
الـــذي يظـــن ً واهمـــا أن ســـعادته ســـوف
تتحقق إذا ّ قلد
النموذجالسائد ً جماليا،
وأن يتماثـــل مـــع نموذجـــه المشـــتهى من
نجوم الســـينما والإعـــلام
ومغني البوب
والشـــخصيات المشـــهورة علـــى وســـائل
التواصل
وقـــد تركـــت الأفـــكار الموجهـــة، التي
ّ تسوقها برامج التوك شو كبرنامج
أوبرا
وينفـــري
وبرنامج ايلـــين ديجينيرسوبرامج المســـابقات العربيـــة، آثارها في
الذائقـــة العامـــة والســـلوك الإنســـاني،
وعملت على إزاحة قيـــم وأعراف تقليدية
مستتبة معينة، وإحلال قيم الفردانية ما
بعد الحداثية محلها
التلاعب بالعين
وكذلك بالصورة
  
مثلث البحـــث الاقتصادي:
الإنتـــاج
التوزيع الاســـتهلاك.
بعصر الأنوار
بعقلانيتـــه الحديثـــة، التـــي ّ تشـــبعت
بالنظرة الاستغلالية للطبيعة والإنسان
الذي استنزفت الرأســـمالية "قوة
عمله
ثم قدراته الماليـــة القليلة
مع غيره من
الطبقات الأكثـــر ثراء- تحـــت إغواءات
الاستهلاك التي لا تنتهي.
ومـــع توالـــي الثـــورات الصناعية،
منـــذ كوبرنيكوس إلـــى ما يتـــردد الآن
عـــن دخولنـــا عصـــر الثـــورة الرابعـــة
 


ثقافة الاستهلاك، سمة العصر بلا أدنى منازع، فقد توسعت قائمة الطلبات

للفرد، حتى أصبح الجشـــــع ســـــمة الأفراد والمجتمعات؛ لا الشركات فقط


إن أخطـــر أنواع الاســـتهلاك هو ذلك

النوع من حب التباهي والظهور بمظهر

المثقف والعالم
ثقافـــة تراجـــع فيها العلـــم والعمق

المعرفي، وأخلاقيـــات المثقف المبني على

البحث والتدقيق في المعلومة وصحتها؛
ومن ثـــم تفكيكها قبل أن يتفـــوه بها أو
يكتبها؛

*

ثقافة الاستهلاك وزعزعة المجتمعات العربية

الثقافة هي الطرق والأنماط والسلوكيات التي اعتادها البشر، في حياتهم، وفي كلامهم، وفي أدبهم، فقد توارثوها أجيالاً بعد أجيال، حتى صارت مرجعيات ثابتة، وضوابط وأعرافا وتقاليد سائدة، ومن ثم فمن يخرج عليها يُعدُّ غريبًا عنهم، ومخالفًا لهويتهم.

أصبحت ثقافتنا هشة أو سطحية أو ضحلة. فمثلاً إذا نظرنا إلى العلاقات الاجتماعية والروابط الأسرية سنجدها سطحية، فاقدة لجوهرها، لم تعد مبنية على مبادئ منظمة أو قواعد ثابتة. صارت الصلات والروابط الاجتماعية تمجد الماديات وتهتم بالمتع الحسية والمظاهر الجسدية، فانحرفت المجتمعات بذلك عن مراعاة الذوق الخاص والفكر، وركزت على السعادة الجسدية المباشرة من ملبس ومأكل ومشرب وجنس واحتفالات وكرنفالات شعبية.

فعلى سبيل المثال في مجال الإعلام تحولت وسائل الإعلام من منابر تنقل الثقافة الرفيعة إلى دعاية للثقافة الاستهلاكية، فالتلفاز وهو أبرز الوسائل الإعلانية عن السلع الاستهلاكية، صار لا يقدم لك معلومة مباشرة عن المنتج المعروض وحسب، بل يركز على تقديم صور خيالية تصور لك الحياة الواقعية في ظل هذا المنتج،

كما أن الشخصيات العامة والمشاهير صارت بمثابة الرموز المؤثرة في اتجاهات، واختيارات النشء والشباب، يظهر ذلك بوضوح أيضًا في التلفاز والإعلانات حيث يتم اختيار شخصيات مجتمعية من فنانين ومطربين ونجوم مشهورين يتحولون إلى أبواق إعلانية، وذلك من أجل تأييد وتعضيد السلعة المعلن عنها، لأن ظهورهم لحظة الإعلان عنها سيساعد على الترويج للسلع والمنتجات الغذائية والملابس والمأكولات والمشروبات ومنتجات العناية بالجسد

*

الثقافة الاستهلاكية.. ضرورة ملحة

2014

فإن للثقافة الاستهلاكية جوانب مادية واضحة، إذ إنها تلتفت بالأساس إلى عملية استهلاك مادي، لكن فهم هذه الجوانب لا يكتمل إلا بفهم الجوانب المعنوية المتصلة بها، والتي توسع من دائرة الثقافة الاستهلاكية لتشمل المعاني والرموز والصور المصاحبة لعملية الاستهلاك المادية.

المجتمع اليوم أصبح في حاجة ماسة لامتلاك الثقافة الاستهلاكية، نظراً للارتفاعات الكبيرة والمتتالية التي طرأت على كلفة المعيشة، لذا فإنهم يعانون مشكلة تنظيم الدخل، وكذلك تحديد الأولويات، ومعرفة البدائل المناسبة.

إن من أولوية اهتماماتنا خلق هذه الثقافة، لرفع وعي المستهلك، وتعليمه العادات الاستهلاكية الإيجابية، لذلك نحن نحتاج إلى الثقافة الاستهلاكية لنكون مهيأين عندما تحدث تحولات اقتصادية، خصوصاً في ما يتعلق بالارتفاع في الأسعار.

فالارتفاعات لابد أن تنعكس في النتيجة النهائية على تفكير الأفراد المستهلكين، في إعادة 
صياغة أولوياتهم، بما يعني ترشيد الاستهلاك.

قد نرى شريحة أخرى من المستهلكين يلجؤون إلى الاقتراض أو إلى أكثر من وسيلة للحصول على إيرادات إضافية، فالعديد منا أصبح مديناً للبنوك، لتغطية احتياجاته الاستهلاكية، إذ لم يعد الدخل قادراً على الوفاء بأقساط تلك القروض.

لذا لابد لكل المعنيين بشأن حماية المستهلك تثقيفه بما يحقق له الحد الأدنى من الثقافة الاستهلاكية.

العقود التجارية 
عزيزي التاجر احرص دائماً على توثيق أدق التفاصيل المتعلقة بالعقود والصفقات التجارية، سواء مع التجار الآخرين أو مع المستهلكين، ضماناً لحقوق جميع الأطراف المتعاقدة، حيث إنه في بعض الأحيان يلجأ التاجر إلى عقد اتفاقات شفهية لا يتم توثيقها، وبعد مدة يجد التاجر نفسه مطالب بتنفيذها، لكنه لا يذكر تفاصيلها، ما يسبب ذلك خلافاً بين الأطراف المتعاقدة.

*

في العمق: الثقافة الاستهلاكية للمواطن وتقنين السلوك الاجتماعي

2019 عمان 
عدد السكان 4.636 مليون2017

عض الأسر من عادات استهلاكية في مراسم العزاء والأفراح (الزواج وأعياد الميلاد) وما يتبعها من عادات الإسراف والتبذير والتكاليف المالية المترتبة على النحر والذبائح، أو ما تسهم به غلاء المهور وتعدد المتطلبات المالية والشروط التي يُطلب من الخاطب أو الزوج تقديمها، من التزامات مالية تستنزف موارد المجتمع والأفراد، في ظل ما يصاحب هذه العادات من قناعات مجتمعية ومسلمات لا يقبل التنازل عنها، ويصبح عدم الإتيان بها قصورا في دور العائلة والأسرة، وتقليلا من شأن ما التزمت به من عادات أو نُهج سابقة، وتتفاخر الأسر والعوائل في بعض الولايات بها كإحدى السمات التي تتميز بها والعادات المتأصلة فيه، وكأنها تعكس قيم الكرم والضيافة العربية والعمانية، يطرح أهمية تقنين مثل هذه العادات الاستهلاكية وإعادة النظر فيها والوقوف على أسبابها ومسبباتها ونواتجها على الأسرة والمجتمع واتخاذ الإجراءات القانونية والضبطية لها، موجهات وقائية وعلاجية لبناء ثقافة استهلاكية متوازنة في فقه المواطن اليومي وممارساته الحياتية.

 تنمية سلوك الادخار لدى الأبناء وتحفيزهم على إدراك القيمة المضافة الناتجة عن وعيهم بالعادات الرشيدة، وتعزيز ثقافة الاستثمار وتوفير قنواته، والتركيز على ثقافة المشروعات المنتجة، وفي هذا الشأن نفذ المركز في أكتوبر من عام 2018،

 2018، استطلاع رأي للعمانيين حول الادخار والاستثمار، وأظهرت نتائجه، أن 8 من كل 10 من العمانيين يعتقدون أن الفرد يجب أن يدخر جزءا من دخله بشكل منتظم. بينما يرى 12% أن الفرد يجب أن يدخر بشكل منتظم إذا سنح له دخله أو ظرفه بذلك، وفي المقابل (5%) لا يعتقدون بضرورة الادخار، وأن 46% يفضلون الاحتفاظ بالأموال المدخرة في حسابات بنكية وأن 23% من المواطنين يفضلون الاحتفاظ بالأموال في شكل عقارات. وأن أكثر طرق الادخار التي يستخدمها العمانيون هي الاشتراك في الجمعيات والاحتفاظ بالأموال في حسابات بنكية (53% لكل منها)، وأن 59% من الأفراد في العمر (18-29) سنة يدخرون أموالهم عن طريق الاشتراك في الجمعيات، في حين أن الأفراد في عمر (30-49) سنة يحتفظون بأموالهم في العقارات. أما بالنسبة للأفراد من 50 سنة فأكثر يحتفظ 54% منهم بأموالهم في حسابات بنكية، وأن 64% من العمانيين يدخرون جزءا من دخلهم تحسبا للظروف الطارئة وتأمينا لمستقبلهم، وأن 82% من المواطنين صرحوا بأن عدم كفاية الدخل أو تحمل الديون هو السبب الرئيسي لعدم ادخارهم، كما أن نصف العمانيين يفضلون الاستثمار في العقارات وأكثر من ثلث العمانيين يفضلون الاستثمار في مشروع خاص أو التجارة، كما أن 4 من كل 10 من العمانيين يقومون بتدوين وتسجيل ما يتعلق بدخلهم وإنفاقهم. وأن 26% من مصادر المعلومات التي يستخدمها المواطن في مجالات الادخار والاستثمار جاءت عبر المواقع المتخصصة على الإنترنت والتواصل مع المختصين بمجال الاستثمار، كما أن نسبة الادخار ارتفعت بين الإناث لتصل إلى 89% مقارنة بـ78% بين الذكور.

*Oct 3, 2021


الثقافة الاستهلاكية تؤثر على تكوين النظرة الصحيحة لمفهوم القيم والحياة عند الشباب


(الدولار الأميركي =2.8 دينار تونسي) وتشمل أجهزة الكمبيوتر المحمولة، هواتف أبل، المعدات الرياضية، مستحضرات التجميل، السفر والسياحة.

المغريات تصبح مسألة الادخار والتوفير غاية في الصعوبة.

الاستدانة والقروض نظرا لاحتياجات التسوق، وخاصة شراء مستحضرات التجميل والملابس والمنتجات الإلكترونية وما إلى ذلك، والتي تكون في الغالب خارج نطاق قدراتهم المادية. وتتزايد ديونهم أكثر وأكثر نظرا لعدم وجود مصدر دخل كاف.

تغيير وظائفهم بشكل متكرر، وربما يؤجلون فكرة الزواج كثيرا، وينشغلون أكثر بإنفاق نقودهم لشراء بعض المأكولات والمشروبات، بدلا من التوفير لشراء منزل أو الادخار لأجل طويل.

ويعتبر النمط الاستهلاكي من أبرز المعوقات التي تقف بوجه الادخار، خصوصا مع ارتفاع القروض الاستهلاكية، حيث يحمّل الشباب الكثير من الأعباء الشهرية غير المبررة.

ومن الأسباب الشخصية التي يمكن أن تبعد الأشخاص عن الادخار، جهل شباب اليوم بأهمية هذه الأداة الاقتصادية وما يمكن أن تغير في حياتهم، بالإضافة إلى التوجه نحو المغريات الاستهلاكية بصور غير مبررة ومن دون وجود حاجة ضرورية فعليا.

انخفض الراتب الشهري أو الأرباح، تنخفض معها نسبة الادخار، والعكس صحيح. لكن معظم الأشخاص حتى ممن يدخرون بانتظام، لا يعملون وفق هذه المعادلة، إذ يحافظون على معدل ثابت للادخار بغض النظر عن الارتفاع الذي يطرأ على رواتبهم.

يرى الكثير من الشباب الإقبال على أحدث المنتجات العصرية أمرا طبيعيا، ويذهب أخصائيون اجتماعيون إلى القول إن شباب اليوم خصوصا مع الأزمات المتتالية السياسية والاقتصادية وآخرها الصحية يلجأون إلى النمط الاستهلاكي لمقاومة الضغوط الاجتماعية والاقتصادية.

الجيل الجديد من الشباب نهل من ثقافة حديثة ترافقت مع انفتاح المجتمع سواء من خلال الفضائيات أو من خلال الإنترنت”، ولاحظ أنه “لا يمكن مقارنة هذا الجيل مع غيره من الأجيال”.

 الشريحة العمرية بين 18 و35 سنة، أن 84 في المئة من الشباب يولون أهمية كبرى للمظهر الخارجي.

ضعف الإقبال على الأنشطة الثقافية والترفيهية مقابل الاهتمام بالمظهر الخارجي، وحتى مستويات الإنفاق كبيرة في هذا الباب سواء التجميل أو اللباس.

بمجرد تجاوز الديون قدرة التحمل الشخصي، من السهل تحفيز السلوك غير العقلاني وخلق مناخات ملائمة لتنامي الجريمة

 ساهمت التسهيلات لاقتراض الأموال، والإغراء المتعمد للاستهلاك المفرط، والتدفقات اللانهائية من مصائد القروض في استهلاك الشباب بالاقتراض.

كلما زاد الاستهلاك المفرط كلما صعب القضاء على الشهوات المتزايدة. وبمجرد تجاوز الديون قدرة التحمل الشخصي، فمن السهل تحفيز السلوك غير العقلاني. وعلى العكس من ذلك، فكلما كان التركيز على المهنة والادخار، أو حتى عدم وجود وقت للإنفاق، دخل إلى مسار جيد وحياة العمل مليئة بالأمل.

وارتفعت مؤخرا وتيرة حوادث العنف والاغتصاب والسطو المسلح في تونس، وعزا خبراء في علوم النفس والاجتماع أسباب ارتفاع معدلات الجرائم في تونس مؤخرا إلى اختلال منظومة القيم وتنامي أنماط العنف الافتراضي وتغيير النمط الاستهلاكي في البلاد.

*

الاستهلاك.. تسويق عاطفي وجاذبية زائفة

Jun 7, 2020

الاستهلاك ليس مجرد فعل اعتباطي أو رغبة ذاتية حرة، إنه نظام ثقافي كامل، يقوم على أفكار مدروسة بدقة، تتسرب إلى لاوعي الفرد في ما يتعلق بمشاعره، وإلى وعيه في ما يتعلق بأفكاره، إنها منظومة كاملة تسير على التحكم في وعي ولاوعي الفرد أو المجموعة، لخلق مستهلكين مسيرين وكأنهم مخدّرون بهوس، يتسوقون بحرية في الظاهر بينما هم في الواقع تحت تأثيرات متعددة مخدرة للإدراك، تجعلهم كالعميان في المولات، إذن الأمر ليس ببساطة الإشهار أو التسويق التقليدي الساعي إلى الترغيب في الشراء، إنه أبعد من ذلك، إنه ثقافة وبث أفكار نجحت في أن تتحول إلى مشاعر.

ترتبط النزعة الاستهلاكية وانتشارها بما بات يُعرف بالعولمة وما نتج عنها من سلوكيات وممارسات اقتصادية، بالإضافة إلى هيمنة رأس المال وتغوّله وسعي الشركات الكبرى للاستحواذ على الأسواق في عالم مفتوح لا تحكمه أيّ أخلاقيات أو معايير إنسانية أو نظم محددة.

ولعل الفجوة أو الفارق الاقتصادي المهول بين الدول الغربية المتطورة صناعيا ودول العالم الثالث، قد وسّع الفجوة الكبيرة في مستوى الحياة وأنماطها، وفي الوقت الذي بات فيه الناس في الدول الصناعية أسرى لرأس المال تكبلهم الديون والبطاقات الائتمانية، ما زال نظراؤهم في دول العالم الثالث في منأى نسبي عن هذه الهيمنة.

 لكن مجتمعات العالم الثالث تحولت، بفضل هذا الفارق الكبير، إلى أسواق مفتوحة ومستسلمة لطوفان البضائع والسلع الواردة من العالم الصناعي، الأمر الذي نتجت عنه سلوكيات جديدة، حدّت من تطور الصناعات وعطلت حركة الإنتاج في تلك البلدان بسبب انعدام القدرة على المنافسة، ومع ذلك ظلت العادات الخاطئة والتقاليد البالية تلعب دورا كبيرا في النزعة الاستهلاكية لمواطني تلك البلدان، على الرغم من عدم تطور تجارة الإنترنت ونظم الدفع الآلي فيها، فتحول الاستلاب الذي يعاني منه الأفراد في المجتمعات الغربية إلى حالة من التفاخر اللاواعي في بلداننا.

إنّ مظاهر الاستلاب في الغرب مثلا تتمحور حول الرضوخ للديون السهلة واعتماد النظام الآلي في الدفع وانكشاف خصوصيات الأفراد وميولهم أمام شركات الإنتاج الكبرى التي باتت، بطريقة أو بأخرى، تعرف أدقّ التفصيلات عن طبيعة حياتهم ونظامهم الغذائي والسلع التي يميلون إليها، سواء عن طريق مشترياتهم والدفع في البطاقات الإلكترونية وبطاقات الائتمان أو من خلال صفحاتهم الخاصّة في مواقع التواصل الاجتماعي، فتستهدفهم بواسطة الإعلانات المغرية لترسيخ تلك الميول لديهم وتنميتها.

على الرغم من أن الأفراد في مجتمعات العالم الثالث ما زالوا بعيدين عن هذا المستوى المتقدم من الخدمات المتطورة، إلّا أن سعيهم لركوب موجة التقليد والتشبه بالغرب ومحاولتهم المستميتة لمواكبة التكنولوجيا الجديدة وشراء السلع وتقليد الصرعات التي تطلقها دور الأزياء ومن ورائها شركات الإنتاج الكبرى، قد حولهم إلى مجتمعات استهلاكية غير منتجة، ونمّى لديهم سلوكيات مجتمعية دخيلة لكنّها تترسخ باستمرار، أدت في المحصلة إلى تغيير نمط العلاقات الاجتماعية والاقتصادية.

لكن ما هي ثقافة الاستهلاك وهيمنة نزعة الاستحواذ والتباهي بامتلاك الأشياء غير الضرورية؟

في الواقع يعرف معظمنا أننا لا نحتاج حقا لأحدث سيارة أو أسرع تقنية أو أحدث صرعات الملابس، لكننا مع ذلك نستمر في الاستهلاك لأننا نريد هذه الأشياء، لأن وسائل الإعلام تخبرنا بأننا نحتاج إلى الانضمام إلى مجموعاتنا الاجتماعية ومجاراتها في ما تفعل.

لكن من جهة أخرى، عندما نفكر في الاستحواذ والاستسلام لرغبة الإنفاق، يمكن أن يتحول انتباهنا إلى الداخل وحدوث بعض النكوص في الفكر أو الفعل. وهو منطلق جيد للبحث العميق في ثقافة الاستهلاك ومخاطر الوعي الذاتي، لأنّنا على الأقل نعلم أننا مستيقظون وبكامل وعينا عندما نمارس تلك الرغبة. تعزو أغلب الدراسات السلوكية بدايات نزعة الاستهلاك إلى التوسع الصناعي في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. فمع اكتشاف مصادر جديدة للطاقة وتقنيات التصنيع، أدّى الإنتاج الصناعي إلى إغراق السوق بمجموعة من المنتجات الاستهلاكية مثل الملابس الجاهزة والأجهزة المنزلية.

بحلول القرن العشرين ارتفع الإنتاج بشكل كبير إلى درجة أن العديد من المعاصرين باتوا يخشون أن يكون العرض قد تجاوز الطلب وأن المجتمعات ستواجه قريبا العواقب المالية المدمرة لهذا الإنتاج الزائد. فحاول رجال الأعمال تجنب هذه الكارثة بواسطة تطوير استراتيجيات تسويق جديدة غيّرت مفاهيم التوزيع وحفّزت ثقافة جديدة لشحذ رغبة المستهلك.

ومن أولى هذه المحفزات تحول عملية التسوق -كحاجة إنسانيةـ إلى متعة استهلاكية، فعمدت الشركات الرأسمالية الكبرى إلى فتح المتاجر الكبيرة وتوفير كافة أنواع البضائع تحت سقف واحد، كما وفرت أماكن للراحة والاسترخاء وتناول الأطعمة والمشروبات فيها بالإضافة إلى توفير أماكن خاصّة لمجالسة الأطفال ولهوهم من أجل إتاحة الفرصة لذويهم بالتمتّع والشراء، وهو ما بات يُعرف في أيّامنا هذه بنظام الـ”مولات” الذي بات يركز على تقديم العروض المغرية وأساليب جذب المتبضعين وتزويدهم ببطاقات امتياز وهمية تخولهم الحصول على بعض الخصومات أو التخفيضات غير المجدية.

تطوير ثقافة الاستهلاك

فكرني بالشيوعي الذي دخل جنة الراسمالية السوق الذي يحتوي علي كل شىء فسقطت الشيوعية 

لقد أدت نزعة الشراء، مع ظهور كتالوجات الطلب بالبريد، والمجلات واسعة الانتشار، والعلامات التجارية المتميزة، إلى زيادة رغبة المستهلك. كما عززت صناعة السيارات ثقافة الاستهلاك الجديدة بواسطة تشجيع استخدام بطاقات الائتمان، وأصبح الشراء بالتقسيط متاحا للجميع تقريبا. وعلى سبيل المثال، ازداد الإنفاق الاستهلاكي للأجهزة المنزلية بنسبة تزيد على 300 في المئة عما كان عليه في عشرينات القرن الماضي.

وقد أدى تأسيس ما بات يُعرف بالشركات الصناعية متعددة الجنسية التي تقيمها الدول الصناعية الكبرى في الدول الفقيرة واستغلال تدني الأجور فيها، إلى جعل السيارات والهواتف النقّالة وملابس العلامات التجارية المعروفة في متناول ذوي الدخل المتوسط أو المحدود، الأمر الذي رسّخ نزعة استهلاكية غير مسيطر عليها.

لقد حاول الكثير من الخبراء دراسة ما بات يُعرف بثقافة المستهلك أو المجتمع الاستهلاكي، مركزين بالدرجة الأساس على تصنيف ذلك السلوك (الاستهلاك الواعي أو الرشيد أو الرمزي أو الاستهلاك بحكم العادة المتصلة بالروتين)، إضافة إلى نوع آخر يسمّى الاستهلاك الاستثنائي (في المناسبات الخاصة والعطلات). وكل ذلك عن طريق ربط الاستهلاك الفردي بالتغييرات الاجتماعية والثقافية والسياسية الشاملة وطبيعة المستهلكين كفاعلين في الأسواق المحلية والعالمية.

 الاستهلاك كجانب من جوانب الحياة اليوميّة، بما في ذلك العادات داخل الأسر وفي أوساط الأطفال والشباب كمستهلكين محتملين من منظور متعدد الثقافات، بالاستناد إلى البحوث الاجتماعية والأنثروبولوجية في ما بات يُعرف بالاقتصاد الأخلاقي المتخصص في دراسة مجموعات المستهلكين غير المستقرة وردودها، ورصد العمليات الاجتماعية-الثقافية المتعلقة بتطوير الاستهلاك في السياقات المعولمة، ومحاولة إيجاد الروابط بين الدراسات التسويقية التي تنطلق من نظريات العلوم الاجتماعية. فمن ناحية تقوم الشركات بتطوير منهجيات “عالمية” وعملية انعكاسية قابلة للتطبيق في مجال التسويق، ومن ناحية أخرى تسعى لجعل الاستهلاك محفزا لترسيخ الهويات وتحديد نوع معين من العلاقات الاجتماعية والثقافية.

التسويق العاطفي


إنّ المشترين اليوم مشغولون جدا، وليس لديهم الوقت أو الطاقة لمقارنة مزايا سلعة ما مع سلعة أخرى أو تحديد مدى حاجتهم الفعلية إليها.

تطور التقنيات وانتشار ظاهرة المتاجر الإلكترونية وتيسير سبل الدفع، فإن رغبة المستهلك بالاقتناء باتت مرتبطة بنقرة صغيرة على فأرة الكومبيوتر قبل أن ينتقل للبحث عن سلعة أخرى، وتجمع أغلب الدراسات على أن ما يُقدر بنحو 90 في المئة من قرارات الشراء تتم بشكل غريزي لا واع.

وهو الأمر الذي باتت تعتمده أغلب الشركات الكبرى في التسويق، لجهة بناء انطباع إيجابي لدى الجمهور على مستوى اللاوعي. وهو ما يعني توظيف الصور والقصص التي تبني علاقات إيجابية مع العلامات التجارية في عقول الناس التي تختلط فيها تلك الأفكار والصور والخبرات والمشاعر بطريقة تحفز رغبة الشراء.

تحاول العديد من العلامات التجارية الوصول إلى المستهلكين بواسطة ما بات يُعرف بالجاذبية الزائفة أو التسويق العاطفي، حسب عالم النفس الحائز على جائزة نوبل دانييل كانيمان، الذي يعزو عدم عقلانية القرارات الشرائية للتحفيز اللاواعي الذي تتسبب به وسائل الترويج والإعلانات الجذابة التي باتت تستند إلى علم النفس الاقتصادي عن طريق خبراء ومستشارين متخصصين في كيفية اشتغال السلوكيات اللاواعية لدى الإنسان وطرق الوصول إليها وتحفيزها.

 ويوصي هؤلاء في الغالب باختيار موظفين أنيقين ذوي حضور مؤثر يسمح بتحفيز المشاعر لدى الجمهور وتوظيف الانطباع الأوّل الذي يتشكل، حسب علماء النفس، في أقل من ثانية، بواسطة النظر إلى تعابير الوجه والملابس وحركة الجسم.
وعلى سبيل المثال تقوم شركة آبل وشعارها البسيط والأنيق، بمحاكاة ما أسماه ستيف جوبز بالاحتياجات البشرية ذات المستوى الأعلى، أو تلك التي لها علاقة بالإبداع واحترام الخلق الذاتي، فركزت الشركة، حسب جوبز، على تلبية هذه الاحتياجات وتوفير منصة تقنية لإطلاق العنان للإبداع الشخصي، الأمر الذي يشعر هؤلاء المهتمين بأنّهم جزء من الثورة التكنولوجية والرقي العصري، أو بالأحرى جزء من تلك الحركة الثقافية، وليس من المستغرب اعتماد جل مصممي الرسوم والفنون التقنية أجهزة Mac في عملهم حتى أصبحت مرتبطة، كعرف لا واع بالإبداع مع مرور الزمن.
*

الاستهلاك كمرضٍ للأمَّة

 يستهلك هذا العالم مُنتجات مُختلفة، لا تُصنَع أغلبيّتها محلياً، ويُفضّلها المرء على كلِّ ما يُنتَج في ربوع بلاده.
 عالمٍ طغت عليه ثقافة ليبراليَّة رأسماليَّة لا يهمّها سوى الربح المادّي المَحْض، ولو على حساب صحّة الإنسان الجسديّة والعقليّة والنفسيّة وعلاقاته العائليّة والاجتماعيّة، أصبح الاستهلاك، منذ حركات التَّصنيع الأولى، نمط حياة قائماً بذاته، له خصوصيّاته ومقوّماته وميادينه المختلفة.
يرتبط الاستهلاك في وعي الناس ولاوعيهم بالرفاهية والخير والبركات، لكنَّه يُعدُّ في العُمق سجناً كبيراً يختاره المرء في بعض المرات طواعيةً، ويُفرَض عليه في الكثير من الأوقات بوسائل شتّى، عن طريق أدوات الدّعاية والتسويق للمُنتجات المختلفة، مما يحتاج إليه الإنسان وما لا يحتاجه أبداً، ولكنّه يقتنيه، على الرغم من ذلك، من أجل الاقتناء فقط.
سَلْب الإنسان حريّته وإلحاقه بعالم البضائع، ليُصبح بضاعةً تُباع وتُشترى، تُستعمَل أو تُستغَلّ، وتُرمى أو تُهمَل في ركنٍ ما، ما لم تعد لها قيمة شرائيّة تسمح بأن تبقى موضِع اهتمام السوق.
هذا العالم مبنيّ على أساس التلاعُب بالكرامة الإنسانيّة،
لكي تتضخَّم أرباحه، يُراهِن على إغراق السوق العربية بأكبر كميّةٍ من البضائع المختلفة، وعلى تقديم الجديد دائماً، سواء على مستوى الطراز أو البضائع نفسها. وتكون النّتيجة حدوث حركة استهلاكيّة دائبة،
 نساءٍ ورجالٍ لا يفوتهم أيّ جديد في السوق.
ولا يحقّ للمرء أن يسأل مَن لا يملك بالتأكيد ثمن ما يقتنيه من أين له ذلك! لأنَّ "المِلكية الخاصة" هي الآلهة الجديدة التي ابتدعتها الرأسمالية: "إنَّ الاقتناء والامتلاك والربح من الحقوق المُقدَّسة للفرد في المجتمع الصناعي. ولا يلعب إشكال مصدر هذا المُلْك أو ما إذا كان امتلاكه مرتبطاً بأية مسؤولية كانت، أيّ دور يُذكَر. والمبدأ الشائِع في هذا المجال هو: "ليس من حقّ أيّ أحد أن يسألني أين وكيف حصلت على ما أملكه أو ماذا أعمل به. إنَّ حقّي في هذا الإطار غير محدود ومُطلَق". (إريك فروم، الامتلاك أو الوجود، 1956).
ولا يقتصر الاستهلاك على البضائع التكنولوجيَّة، من هواتف محمولة وحواسيب وألعاب إلكترونية وأدوات منزلية وسيارات... بل يتعدّاه ليقتحم ثقافة الإنسان العربي الغذائيَّة، مع كلّ ما يترتَّب على ذلك من مشاكل صحّية ونتائج نفسيّة.
انتشار الأمراض النفس-جسديّة لدينا، والتي يُسبِّب "الاستهلاك" المُعاصِر غالبيّتها العُظمى بما لا يدع مجالاً للشك، فالوجبات التي تُنعَت بـ"الخفيفة" هي في العُمق معامل كيماوية ملغومة بكلّ أسباب أمراض القلب والشرايين والجهاز الهضمي والتنفّسي، لأنّ نسبة السكّر والملح والدهنيات وكلّ الكيماويات التي تُحسّن الذوق مرتفعة فيها إلى درجةٍ عاليةٍ جداً.
برامج ومُسابقات ترفيهية همّها الأساسي "تنويم" المشاهِد أو المُستَمِع مغناطيسياً في وَهْم عوالِم تُبهره وتوحي إليه بأنَّ باستطاعة أيٍّ كان أن يصبح نجماً في الغناء أو السينما أو الكتابة، ناهيك بـ"استعمار" الكثير من المحطّات التلفزية الأجنبية وأفلامها وبرامجها صالونات العرب، وطبعهم بما يطبع به المواطن الغربي كذلك، بـ"تلقينه" أنَّ عليه أن يكون "مُستهلِكاً جيداً"، بما أنه أضاع حقّه في أن يكون "مواطِناً جيداً"، أي مُنتقداً للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المُزرية التي يعيشها.
التبعيّة العمياء لمنطق الاستهلاك
لم يعد المرء يُميِّز بدقّةٍ بين أناه والبضاعة، فالإنسان لم يعد ما هو عليه، بل ما يملكه، لأنَّ عُمق الامتلاك الاستهلاكيّ يتمثّل بإحكام السيطرة على الآخرين، فباقتنائي شيئاً ما، أتوهَّم أنني أتحكَّم به، لأنه ملكي، وأتماهى مع فكرة امتلاكي له، إلى أن أصبح جزءاً منه أو يصبح جزءاً مني، حتى يظهر في السوق ما توهمني وسائل الدعاية الاستهلاكية بأنه أهمّ منه.
مقادير تهيئة شخصية مُكتئبة في مطبخ الاستهلاك قد توفّرت، بل أكثر من هذا، يصبح الإنسان العربي فأر تجارب لمُختبرات التصنيع الغربية، وأداة فعَّالة لإلهائه عن مشاكله الحقيقية، فالفردانية التي تغنَّت بها ثقافات التنوير الغربي أصبحت لدينا أنانية غير مقنعة، والحرية أصبحت فوضى، والالتزام السياسي بقضيةٍ ما أصبح تدجيناً مرناً مقابل بعض الدولارات لجحافل من الشباب العربي في مختلف أقطار العالم العربي لبثِّ الفتنة.
الخوف، القلق، عدم الثقة، الشكّ في كلّ شيء، بما فيها الذات، الاكتئاب الفردي والجماعي، والهلوَسات... وتسويق البضائع الغربية في الأسواق العربية، وبالتالي إبقاء العرب في تبعيّةٍ دائمةٍ للغرب على هذا المستوى.
 استهلاك ما تُنتجه الصّناعة الحربيّة الغربيّة، تحت الضغط المباشر لسياسات غربية نجحت في استمرار التّفرقة بين "الأشقاء" العرب وترهيب بعضهم من بعض، وافتعال نزاعات تنتهي بحروبٍ داميةٍ طويلة الأمَد في الدّول العربيّة، فكم اقتنى الحكّام العرب معدَّات حربية من الغرب، لا يُمكن أن تُستعمَل إلا بمُساعدة اختصاصيين غربيين أو هي معدَّات قديمة مُعرَّضة للصَدأ في صحارى بلداننا!
لجوء مُترفي العرب إلى استهلاك إكسسوارات تكون قيمتها المادية كافية لبناء مدرسة أو مستشفى في مدينةٍ عربيةٍ ما. وفي هذا الإطار، يدخل اقتناء ساعات يدويّة بأثمانٍ خياليّة، أو مراحيض ذهبية بأكثر من مليون دولار، أو سيارات فارِهة... 
ولا يقتصر هذا النوع من الاستهلاك على حكّام الإمارات والممالك العربيّة البتروليّة، بل يمتدُّ أيضاً إلى دول أقلّ ما يُقال عنها إنها فقيرة، من مثل شمال أفريقيا.
الاستهلاك، كأداة لتطويع العالم العربيّ، هو سلاح فعَّال في يد الغرب، يستعمله من دون إعلان حربٍ شاملةٍ على العرب، ويمكن تأطيره في ما يُسمّى عبثاً "الحروب الناعِمة"، فتُسلَب من الإنسان العربي كلّ مقوّمات شخصيّته الأصلية والأصيلة، ويُلبَس عباءة الطاعة العمياء للغرب، ويُدفَع الحكّام العرب من خلاله، إما إلى التقاتُل في ما بينهم وإما إلى الإسراف في أموال شعوبهم التي اؤتمنوا عليها، بنيَّة صرفها لتأمين رفاهية هذه الشعوب، لا قهرها وحرمانها من أسُس الحياة الكريمة. 
 ندعو إلى مُقاطعة المُنتجات الإسرائيليَّة، مهما كان نوعها، كما ندعو إلى مُقاطعة البضائع الغربية، جملةً وتفصيلاً، وهي الوسيلة الوحيدة لنا لنشفى من أمراضنا ونستعيد حريّتنا وكرامتنا من الغرب نفسه، ومِمَّن نصَّبهم بالقوَّة حكّاماً علينا
*
دهاء تجاري يعتمد محفزات مرئية تحرك غريزة الشراء لدى الإنسان
لا أسوأ من فكرة “اِشتر الآن وادفع لاحقا” لأن “لاحقا” هذه لا تبالي بالقلق الذي يمكن أن تتسبب به الديون للمشتري، فهي ببساطة تقدم لك إغراء الشراء، ولا تقترح عليك حلول الدفع!
يعاني أغلب البريطانيين والأميركيين من مرض اقتصادي واجتماعي مستمر اسمه القرض العقاري، أوصل العديد منهم إلى الانهيار الأسري والانتحار، في لحظة العجز المستمرة عن تسديد أقساط قرض المنزل للمصرف الدائن.
هذا المرض لا ينجو منه إلا الأثرياء القادرون على دفع مبلغ شراء المنزل دفعة واحدة، أو الذين استكملوا تسديد القرض وصارت منازلهم ملكا لهم، حتى هؤلاء يتوقون إلى منزل أكبر وقرض جديد.
مرض القرض العقاري عادة ما يستمر مع الموظف صاحب الراتب المتوسط أكثر من عشرين عاما، فيبقى عبدا للعمل من أجل الاطمئنان على الاستمرار في الشعور بأن المنزل سيكون يوما ما ملكه.
مكر الشركات والمتاجر نقل العدوى إلى مرض جديد يشبه القرض العقاري لكن بمبالغ أقل، خلال أزمة الإغلاق إثر انتشار وباء كورونا؛ فقد عرضت التسوق على الإنترنت والدفع لاحقا. لكن العدوى مستمرة بين المتسوقين خصوصا في بريطانيا حتى بعد إنهاء الإغلاق. وقدرت ديون المتاجر على المتسوقين مؤخرا بأربعة مليارات جنيه إسترليني.
الدفع الآجل يحمل نفس إغراء المقامرة، خصوصا عند الذين لا يخططون لدفوعاتهم الشهرية، فمتعة الاستهلاك بالشراء لا تستمر طويلا، لكن قلق تأخير الدفع له آثار نفسية على الإنسان تهدد علاقته بالمحيط الأسري.
الطموح حق مشروع كما حلم الثراء، لكن القناعة أيضا كنز حقيقي للاستقرار النفسي. والتجارب علمتنا ما معنى الإنفاق بقدر ما يملك الإنسان عندما لا يكون مضطرا إلى الاستدانة. الدهاء التجاري يعمل على كسر تلك القناعات الإنسانية من أجل هدف واحد لا يعبأ بالمستهلك ويتمثل في زيادة أرصدة مالكي الشركات، بينما يحتاج الإنسان المتوازن إلى عدم فقْد صوابه وعدم الخضوع إلى غريزة الشراء.

الجنس والدين و كرة القدم

Mar 2, 2021

برامج التوك شو الحدث أو الخبر أو الموضوع المهيمن على البرامج فستان ممثلة أو غرق مركب أو فتيات قدمن محتوى على «تيك توك» أو سد النهضة أو مباراة كرة قدم أو الانتخابات الرئاسية الأمريكية أو محمد صلاح أو ابن شخص مهم لكن منفلت لم ير تربية أو تنشئة أو محمد رمضان أو غير ذلك

هذا التحديد لما يشغل البال ويملأ ساحات الكلام أمر مفهوم ودور معلوم لكل وسائل الإعلام فى جميع أنحاء العالم، وإن كان ذلك بطرق مختلفة ولأهداف متفاوتة. لكن ما يعنينى أكثر هو ما الذى يشغل بال المصريين فى حال انقطعت عنهم وسائل الإعلام المحلى منها والدولى؟ بالطبع اهتمامات البشر الأولية هى المأكل والمشرب والملبس. لكن ماذا يشغل بالنا بعد الاحتياجات الأولية؟ بالوضع الراهن وفى ضوء الأحوال السائدة، أتوقع أن يكون الجنس والدين، والدين والجنس، والجنس فى الدين، والدين فى الجنس، والدين بدون جنس، والجنس بدون دين مع قليل من كرة القدم وبعض من شكوى متطلبات الحياة هى أكثر الموضوعات التى تشغل البال. المؤكد أن هناك فئة أو فئات ربما تهتم بقضايا فكرية أخرى أكثر تنوعاً، لكن واقع الحال من حولنا يؤكد أن هذا هو ما يشغل بال أغلبنا. 

صحيح أن مثل هذه المسائل تحتاج استطلاعات رأى وبحوث رأى عام وسبل قياس وغيرها من القياسات العلمية، لكن هذا غير متوفر حالياً. المتوفر حالياً هو رؤى العين

نحن شعب نميل إلى شكل من أشكال التدين؟ نعم! لكن هذا الشكل تغير كثيراً فى النصف قرن الأخير من كونه التدين الفطرى حيث حب العبد للخالق ولمن حوله من البشر، إلى شكل هجين مستورد يغلب عليه الشكل الزاعق والمحتوى الضعيف المتناقض. ما علاقة الجنس إذن؟ حتى تجمل هذا الشكل من التدين، عليك أن تخفف من حدته وقسوته، وحبذا لو تدغدغ بعضاً من مشاعر عملت على جمودها وقسوتها. لذلك تم تقديم الجنس عبر الإغراق فيه من باب الحلال والحرام، حتى هيمن الدين والجنس على الأدمغة.

ألعاب فيديو تخلصك من الاكتئاب والشعور بالوحدة. رأس المالأهم من رأس الإنسان ***

  العلاج السلوكي المعرفي الحل الأمثل للوقاية والعلاج من القلق والاكتئاب.

 الدخول في أحد العوالم الافتراضية) التي تسبب وتولد الطاقة الإيجابية والتخلص من مشاعر القلق والاكتئاب.

*

عالم يُمرضنا بالاكتئاب ثم ينهب فلوسنا بمضادات الاكتئاب!

د. منى حلمى

غالبية عظمى بالملايين لا يملكون إلا أجسادهم المُنهَكة فى مهانة البطالة، أو تحت عجلات الإنتاج الرأسمالى الشرس، وعقولهم المغسولة بإعلام، يبيع لهم وهم الحرية، ولا يعبد إلا رأس المال، وتكدس الأرباح، وعرى النساء، وسلطة الرجال.

علمنا التاريخ أن اللصوص، والنصابين، والمحتالين، والمرتزقة، والقوّادين، والفاسدين، والجواسيس، والكاذبين، وتجار الأديان، وسماسرة الأوطان، والقتلة، هم أبرع الناس فى الكلام عن الأمانة، والشرف، والصدق، والنزاهة، والعفة، والفضيلة، والعدالة، والحرية، وكرامة وحقوق الإنسان.

كيف لا نمرض، ومن أين تأتى السعادة، والعالم كله مؤسَّس على مبدأ أن الفلوس أهم من الإنسان؟!. الفقير لا يجد أحدًا يحترمه، ولا يعمل له أى حساب على الإطلاق. بينما اللى معاه فلوس متشال من على الأرض شيل، يتعمل له مليون حساب، لا يهم على الإطلاق من أين جاءت الفلوس. الغنى له كل شىء، والفقير ليس لديه إلا الدعاء إلى الله.

نتطلع إلى مستقبل لا يؤرخه البطش، والنهب، وسلب ثروات الشعوب، وقتل أرواح البشر من أجل رفاهية «قلة»، لا تشبع، متمدينة الملامح، همجية السلوك. قلة من البشر، رأس المال لديها أهم من رأس الإنسان، وصوت دوران ماكينات الأسلحة أجمل وأهم وأرقى من صوت أوتار الكمان، وهمسات العشق.

حضارة تُمرضنا بالاكتئاب، ثم تنتج لنا مضادات الاكتئاب، لتمتص أموالنا، كما امتصت صحتنا، وسعادتنا. هى مجبرة، لأنها بدون ضحاياها لن تستمر فى البقاء.

أليس من حقنا، نحن مواطنى ومواطنات الأرض، أن نعلن احتجاجنا على قوانين هذا الكوكب؟. قوانين تصر على أن تجردنا من إنسانيتنا. تصر على أن تُفقدنا الأمل فى عالم بديل. تصر على أن تضعف مناعتنا لكى نتحول إلى آلات، أو صفقات استثمارية، أو وجوه لا ملامح لها.. لا حلم لأصحابها.. لا رأى لهم.. لا موقف لهم.. لا سند لهم. فقط جيوب منتفخة، وأرصدة بنكية متضخمة، أو عمالة يذهب نصف دخلها على مضادات الأرق، واستهلاك أغلبه لا ضرورة له.

قوانين وضعها بشر مثلنا. وإذا كانت قوانين من صنع البشر، فلماذا لا تتغير؟. لماذا هى راسخة على قلوبنا تصيبنا بالذبحة الإنسانية، المزمنة. لا شفاء منها. لا فكاك منها. إذا كانت قوانين من صنع البشر، الذين يموتون، فلماذا هى خالدة، وتبدو لا عمر لها، مثل الشمس والجبال والبحار؟!.

الحرية» تلك الكلمة البديعة، التى شغلت الفلاسفة، والمتمردين من النساء والرجال، على مدى العصور.

«الحرية» هى كل شىء، وبدونها لا معنى لأى شىء. هى الدواء، والغاية، والصحة، والسعادة. هى البدء، وهى المنتهى.


انهيار الحضارات الإنسانية *********

Nov 18, 2019

يرى المؤرّخ (أرنولد توينبي) أن «الحضارات تحمل في طيّاتها أسباب موتها وفنائها»،

أهمّ عواملِ انهيار الحضارات، انهيار قِيمها الأخلاقية والدّينية.. وقد تأثّر (توينبي) بمقدّمة مؤسس علم الاجتماع المؤرخ (عبدالرحمن بن خلدون) الذي وصف أسبابًا رئيسةً للانهيار التدريجي الحتمي للدُّول، فعلى سبيل المثال يقول: «فافهم ذلك واعتبر به، أنّ غاية العُمران هي الحضارةُ والترف، وأنّه إذا بلغ غايته انقلبَ إلى الفساد وأخذ في الهرم كالأعمار الطبيعيةِ للحيوانات، بل نقول إنّ الأخلاق الحاصلةَ من الحضارة والترف، هي أصلُ الفساد».

وتاريخيًا، ارتبط الظُّلم الاجتماعي بإشراق شمس الحضارة الإنسانية ونشوء الدُّول، فمعها نشَأت الطبقية الاجتماعية والتقسيمات العرقية والامتيازات الشخصية، وتمّ تطويع بعض التعاليم الدّينية لتخدم ذلك كلّه، وهنا يقول (ابن خلدون): «الظّلم مؤذنٌ بخراب العُمران، وذلك مؤذنٌ بانقطاع النوع البشري، وهنا الحكمة من تحريم الظّلم وهي لحفظ الدّين والنفس والعقل والنسل والمال»، ويرى الدكتور (علي الوردي) أنه: «كلّما كانت الحضارةُ أكثر تقدّمًا في المُجتمع، كانت العقيدةُ الدينية أضعفَ فيه»، في إشارة إلى تأثّر القيم الدّينية بالتطوّر الحضاري.

وقد يظنُّ بعضهم أنه يُمكنهم الانتقاءُ من الحضارة الحديثة ما يناسبُ قِيَمهم وتقاليدَهم الموروثة، ومنع ما لا يتناسبُ مع أمزجتهم، لكّن الحضارةَ في عصرنا الحالـي لا تعترفُ بالحدود ولا تهتمُّ بالاختلافات، فهي -بتقنيتها الحديثة وتداخلات أنظمتها العالمية- تقتحمُ على الناس دُورَهم اقتحامًا، وتضطّرهم للتعامل مع خيرها وشرّها.. ومع نفعها، إلا أنّ تعامل الإنسان مع الحضارة الحديثة أدى إلـى انتشار آثارٍ خطيرة كالإشعاعات النووية والانحباس الحراري وذوبان الجليد واختلال التوازن البيئي، فضلًا عن تفشّي الحروب والصراعات والمُشكلات الاقتصادية والإنسانية كالفقرِ وكوارث المجاعات والأوبئة والتهجيرِ الجماعي والاضطرابات السياسية والعنفِ الاجتماعي، وهي عوامل تضمن انهيار الحضارات لا محالة.

*

هل نحن في طريقنا إلى انهيار حضاري؟

  • ليوك كيمب
  • خبير في عوامل انهيار الحضارات

العوامل التي تدفع الحضارات إلى الانهيار

تغير المناخ: قد يترتب على تغير المناح تداعيات كارثية، مثل نقص المحاصيل الزراعية، والمجاعات، والتصحر. وقد لوحظ أن انهيار حضارات أناسازي وتيواناكو، والإمبراطورية الأكدية وحضارة المايا والإمبراطورية الرومانية، قد تزامن مع تغيرات مناخية مفاجئة تمثلت في موجات جفاف.

التدهور البيئي: عندما يفوق استهلاك المجتمعات للموارد الطبيعية قدرة الأرض على تجديدها فستكون النتيجة تدمير البيئة. وأشار الكثير من الباحثين إلى أن القطع الجائر للأشجار وتلوث المياه وتدهور التربة وفقدان التنوع الحيوي، كلها عوامل تعجل بانهيار الحضارات.

انعدام المساواة وحكم الأقلية: التفاوت في توزيع الثروات والمشاركة السياسية، وكذلك انحصار السلطة في يد قلة من الناس والمركزية في اتخاذ القرارات من أهم العوامل التي تؤدي إلى انفراط عقد المجتمع وتمزقه، وفوق ذلك، تعوق قدرة أفراده على الاستجابة للمشكلات البيئية والاجتماعية والاقتصادية.

تشير دراسات إحصائية عن مجتمعات سابقة إلى أن العنف السياسي رديف التزايد السكاني وانعدام المساواة. وكلما زاد عدد السكان، فاق المعروض من العمالة معدل الطلب عليها، وتراجعت أجور العمال وبالتالي ازداد الأثرياء ثراء والفقراء فقرا. وهذا التفاوت في توزيع الثروات يؤدي إلى تفكك المجتمع وظهور الاضطرابات السياسية.

تعقيد المجتمع: يرى المؤرخ والخبير جوزيف تينتر أن المجتمعات تنهار تحت وطأة التعقيد والتشابك والبيروقراطية. فالمجتمعات تزداد تعقيدا وتشعبا كلما واجهت مشكلات جديدة. لكن مردود التطور والتعقيد يقل تدريجيا ويقود البلاد إلى الانهيار.

ويقاس تعقيد المجتمعات بمعيار عائد الطاقة المستثمرة، وهي النسبة بين حجم الطاقة المنتجة من الموارد الطبيعية والطاقة المطلوبة لاستخراجها. ولاحظ العالم السياسي توماس هومر ديكسون أن التدهور البيئي في الإمبراطورية الرومانية أدى إلى تراجع عائد الطاقة المستثمرة ومن ثم سقوط الإمبراطورية.

صدمات خارجية: ويقصد بها الحروب والكوراث الطبيعية والمجاعات والأوبئة. إذ دمر الغزاة الإسبان إمبراطورية الآزتيك. وقد زالت أغلب الحضارات التي كانت تعتمد على الزراعة بسبب أوبئة فتاكة. وأحيانا تتعاقب الكوارث على الدولة وتؤدي إلى نهايتها.

الحظ العاثر: تشير تحليلات إحصائية إلى أن بعض الإمبراطوريات انهارت بشكل عشوائي. وقد يرجع ذلك إلى كثرة الحروب والصراعات التي خاضتها من أجل البقاء.

إذ أن الفجوة بين الفقراء والأثرياء آخذة في الاتساع. فقد وصل نصيب الأثرياء، الذين يمثلون واحدا في المئة من إجمالي سكان العالم، إلى 20 في المئة من إجمالي الدخل العالمي، وزاد نصيبهم من ثروات العالم من 25 في المئة في الثمانينيات من القرن الماضي إلى 40 في المئة في عام 2016، هذا بخلاف الأموال التي يهربها الأثرياء إلى الملاذات الضريبية. 

2019

وتشير دراسات إلى أن مردود إنتاج الوقود الأحفوري ينخفض انخفاضا مطردا، بسبب نضوب بعض الحقول الغنية بالنفط والغاز. ومع الأسف فإن الطاقة المتولدة من مصادر الطاقة المتجددة البديلة للوقود الأحفوري أقل من الطاقة المستثمرة لاستخراجها أو تعادلها.


تقديس الأصدقاء او الأشخاص و شيطنة الأعداء

Feb 1, 2019
كان ميكيافيلى ينصح أميره فى مؤلفه الشهير «الأمير»: «إياك إياك أن تحتقر أعداءك حتى لا تبالغ فى عدم تقدير حقيقة قوتهم أو مميزاتهم فتخسر معاركك معهم».
وفى الجزء الثالث من رواية «ماريو بوزو» الشهيرة التى تحولت إلى فيلم شهير، وهو «الأب الروحى»، يقول الأب «المؤسس» لعصابة المافيا الشهيرة، لابنه «الوريث» للزعامة: «لا تكره أعداءك حتى لا يتشوش تقديرك لهم».
وأزمة العقل السياسى العربى، والنفسية الإنسانية العربية المعاصرة، هى أنها «إما أن تحب إلى درجة التقديس فلا ترى أى عيب فيمَن تحب، أو تكره إلى حد الشيطنة الكاملة فلا ترى أى صفة إيجابية فيمن تكره».
ذلك كله ينصرف على أحكامنا على التاريخ وعلى الحاضر، وأيضاً على رسم صورة المستقبل.
الحكم فى عالمنا العربى على الأشخاص، والقرارات، والأحداث كله «شخصى، عاطفى، ذاتى، غير موضوعى» بامتياز.
نحن قوم لا نستطيع أن نرى أخطاء أنفسنا ولا احترام إيجابيات أعدائنا.
مثلاً: قد أختلف فكرياً أو عقائدياً مع «حزب الله» اللبنانى، لكن هذا لا يمنع أن أحترم كونه حركة مقاومة، منضبطة ثورياً وفكرياً.
مثلاً: قد أكره المشروع الصهيونى الإسرائيلى، لكن هذا لا يمنع أن أقدّر «الالتزام الوطنى للإسرائيليين بهذا المشروع»، وخدمتهم للحلم بكل إخلاص، وتفوقهم فى مجالات العلم والتكنولوجيا والزراعة والصناعات العسكرية.
قد أختلف مع سياسات حكام قطر التى أدت إلى تمزيق الأمة العربية، لكن لا بد من ملاحظة أنهم يُحسنون إدارة مواردهم، ولديهم شبكة علاقات سياسية قوية ومؤثرة تفوق عشرات المرات الوزن النسبى الحقيقى لبلادهم.
أبسط مثال هو أن تكون لديك القدرة على حسن تقدير فريق كرة القدم المنافس للفريق الذى تشجعه حتى لو هزمه.
اعتقد صدام حسين أنه قادر على غزو إيران فى أيام، وقسم إسرائيل إلى نصفين بصواريخه، ودحر أى خطط أمريكية لغزو بلاده.. وفشل.
اعتقد معمر القذافى أنه قادر على خلافة جمال عبدالناصر وزعامة الأمة العربية، وأن يصبح ملك أفريقيا المتوج.. وفشل.
اعتقد حكام كوريا الشمالية منذ الأب المؤسس «كيم آيل سونج» حتى الحفيد «جونج»، أن بلادهم قادرة على محو كوريا الجنوبية فى ثوانٍ والوصول بصواريخهم الباليستية إلى قلب الولايات المتحدة الأمريكية.. وفشلوا.
واعتقدت إيران أنها قادرة على السيطرة الأبدية على كل من بغداد والمنامة وصنعاء ودمشق وغزة، وها هى تعانى وتدفع فاتورة مؤلمة عسكرياً ومادياً تُلقى بظلالها على اقتصادها.
واعتقد ترامب أنه قادر على تأديب العالم بعقوباته الاقتصادية، فاتفق معظم قادة العالم على مواجهته ومحاولة التحايل على عقوباته، من الصين إلى اليابان، ومن المكسيك إلى كندا، ومن إيران إلى سوريا.
قد لا نحب هذا النظام أو هذا الحاكم، ولكن هذا لا يمنع أن نحسن تقدير أسلوب إدارته للصراع أو الأزمة معنا.
حتى تكره هذا النظام، أو هذه الدولة، فيجب عدم التهوين بقدرتها العسكرية أو ثروتها النفطية أو ثرواتها المادية أو شبكة علاقاتها الدولية.
لا تبالغ فى الخوف، ولا تستخفّ لدرجة إهمال وجود خصم لك، كل المطلوب منك -فقط- أن تعطى صديقك أو عدوك وزنه النسبى الحقيقى دون زيادة أو نقصان.
باختصار.. أحسِن التقدير دون أن تغلبك مشاعرك، سواء كنت «مع» أو «ضد».

*

الانعتاق من تقديس الأشخاص يأتي في مقدمة الشروط الأساسية للنمو والتقدم

تقديس الأشخاص ظاهرة تتصف بها المجتمعات المتخلفة المغلوبة على أمرها، والتقديس يعني ان ينظر لشخص ما انه منزه من الخطأ، وأن نقده من المحرمات ولا يجوز محاسبته على ما يقترف من أخطاء وأن ما يقوله ويعمله هو عين الصواب، فهو القائد الملهم والزعيم الأوحد، وكل ما يصدر منه هو حكم ووصايا واجبة التنفيذ. ويحصل هذا الافراط في التعظيم في ثقافات مغلقة وذات رؤية أحادية، حيث أن المتحمسين لهذا الفرد لا يرون سوى مزاياه ويضخمونها حتى يتجاوزوا بها كل حد مقبول ويحيلوه إلى رمز باهر وشاهق لا يحق لأحد التحديق به! بل يوجبون على المجتمع.. الإصغاء له والدوران حول أقواله وكأنه ليس من طينة البشر، غير مدركين ان السيرة الحياتية لأي شخصية مهما علت شأنها هي عبارة عن موضوع يخضع للدراسة والنقد والتحليل، وان تلك الشخصيات ماهي الا بشر مثلنا لها غرائز كما سائر البشر. تحب وتكره وتأكل وتشرب وتخطئ وتصيب. وظاهرة التقديس في المجتمعات البشرية لها جذورها التاريخية،

خصوصاً الشباب أن لا أحد فوق النقد مهما كان، فبميزان النقد يمكن تقويم الخلل والخطأ. والمشكلة هي ان هؤلاء يعتبرون أنفسهم فوق المساءلة وفوق الشبهات واحياناً فوق القانون، وبالتالي فأنهم من يحيطون أنفسهم بهالة مقدسة يمارسون من خلالها ما يشاءون سواء كانت أفعالهم صواباً أم خطأ. أن المبالغة في رفع شأن مثل هذه الشخصيات له جانب آخر ينعكس بالسلب عليها فأننا حين نرفع هؤلاء الى عنان السماء ونجعل منهم رموزاً مقدسة نثير حفيظة الآخرين عليهم، فيدفعهم هذا إلى محاولة الحط من قدرهم؛ فأنت أنشأت جبهات معادية لمن أغدقت عليهم المدح ومنحتهم عظيم الصفات.

*

رأي صواب لا يحتمل الخطأ .. !

يقول الدكتور علي الوردي في كتابة خوارق اللاشعور: ” إن من البلاهة إن نحاول إقناع غيرنا برأي من الآراء بنفس البراهين التي نقنع بها أنفسنا, يجدر بنا إن نغير وجهة إطاره الفكري أولا.. وإذ ذلك سنجده قد مال إلى الإصغاء إلى براهيننا بشكل يدعو للعجب”. إن إدراكنا لحقيقة الإطار الفكري لدى الآخرين ومقدمات ما يبتنى عليه من قراءات وأراء وأفكار, يساهم بشكل كبير في تجنبنا الوقوع في فخ النزاعات الفكرية والنقاشات التي لا تفضي إلى نتائج مرضية.

إن القناعات الشخصية سواء أكانت سياسية أو دينية أو غيرها لا تعدو عن كونها خاضعة لمقاييس نسبية و مقدمات وعوامل بيئة وثقافية ومؤثرات فطرية مختلفة , فالإنسان عادة ما ينظر إلى الأشياء من خلال إطاره الفكري الذي اعتاد اللجوء إليه لاستلال قراءاته واستنباط مخرجاته الفكرية إزاء القضايا والأحداث والمستجدات.

إن الانغلاق الفكري والتاطر بحزمة من الأفكار و المحددات الضيقة ستؤدي بالنتيجة إلى اضمحلال نزعة البحث والتحري الفطرية لدى الإنسان وتصيبه بالخمول والاتكاء على قاعدة رملية هزيلة لا تقوى على مقارعة الحداثة والمتغيرات الثقافية , مؤدية به إلى منزلق التخندق والتعصب والاستغراب, ونكران كل ما لا يراه من خلال زاويته الفكرية الضيقة, بغض النظر عن كونها – قاعدة المنطلقات الفكرية- صائبة أو خاطئة, فمدار الحديث يدور حول التمحور في دائرة التأطر والانغلاق حول متبنيات بعينها, بعيدا عن المرونة وتملي وجه الصواب أو احتماله. إن غياب التجرد في قراءة الأحداث وفق ما يتوفر من معطيات واقعية وبأدوات عقلية ومنطقية؛ يؤدي إلى خلق أزمات كارثية في البنية التكوينية للمجتمع بكل مفاصله, ويسهم بشكل أو بأخر, إلى الإسهاب في التمادي والتغول في فرض الذات والإرادة على حساب الآخرين, بل يتعدى إلى أكثر من ذلك ليصل إلى مراحل متقدمة في منهجة الآخرين و ادلجتهم واتخاذهم أدوات ضغط وتأثير لتمرير الأجندة وصناعة رأي عام ضاغط, قبال السياقات المنطقية العامة وتوجهات الآخرين و رادتهم, من خلال التأثير في سلوكيات الذوات من السطحيين, الذين يعدون ارض خصبة لنمو هذه الظاهرة وتناميها بشكل مضطر, مما يسهل عملية اقتيادهم وبرمجتهم بما يتسق وأطرهم الفكرية وما ينسجم ويتناغم مع تطلعاتهم المرحلية, التي من الممكن إن تحمل بين جنباتها شيء من الواقعة الممتزجة بالفوضى في الإجراءات والآليات المتبعة للوصول لغاياتها مشروعة..

*

تقديس الأشخاص أحد منابع الجهل والجور والتخلف

إذا بالغت أية أمة في تعظيم فرد واحد من سالف علمائها أو حصرت فهم الحقيقة ببضعة أفراد ممن كان لهم نصيب من التميز أو الشهرة من أبنائها وتوقفت بمعارفها عند انجازات أولئك الأفذاذ فإنها بذلك تعلن أنها تجهل أصالة النقص البشري الملازم حتى للعظماء المبدعين كما تجهل أن لكل جيل نصيبه من العظمة والإبداع وأن المعرفة الإنسانية عملية تراكمية تنمو باستمرار ،وقد تفجرت في العصور الأخيرة تفجرا لا مثيل له وأن هذه المزية التراكمية في العلوم والوسائل تجعل اللاحقين أقدر على التحقق والإنجاز والإبداع وبهذا الجهل للطبيعة البشرية أو التجاهل لحقائق التاريخ والواقع وما يزخر به من علوم وتسهيلات ومعارف تجور الأمة على نفسها وتحبط جهود اللاحقين من أجيالها وتحكم على ذاتها بالتخلف الأبدي والهوان المقيم..

إن بين الجهل والجور والتخلف تلازماً عضوياً فهو ثالوث مترابط يخنق عقل المجتمع ويلغي فردية الإنسان ويوقف حركة التاريخ ويعطل مسيرة الحضارة فمع استمرار جهل المجتمع بما له وما عليه يحصل الجور ومع الجور تسوء الأخلاق وتتدهور الضمائر ويتفاقم الجهل وباجتماع الجهل والجور وسوء الأخلاق وفساد الضمائر تسود الأنانية الشرسة ويتوطد التخلف وباستحكام هذه الشبكة من الآفات والمعوقات وتبادل التغذية بين أطرافها تتوالد عناصر الانحطاط وتترسّخ أركان الإفلاس الحضاري فتنسد الآفاق وتنغلق العقول ويشتد التعصب ويسود الاجترار ويختفي الإبداع ويتوجّس الناس من أي طارئ في الأفكار والأذواق والممارسات ويحتمون بما ألفوه ويبالغون في تعظيم الأشخاص الثقات وينقلب التقدير إلى تقديس وبذلك يستحكم الانغلاق ويتوقف النمو وتبدأ مرحلة الجفاف والتيبّس..

إن المبالغة في تعظيم المتميزين من الأشخاص هي أغزر منابع الجهل والظلم والتخلف إنها اخطبوط يغتال العقول ويكثّف الأوهام ويحجب الحقائق ويفسد الأذواق ويخرّب قدرات التقييم ويحيل الناس إلى إمَّعات مأسورين لأقوال فرد أو بضعة أفراد ممن كان لهم حظ من الذيوع والشهرة خاصة إذا كان هؤلاء من الأموات الذين توارثت الأجيال تعظيمهم وتشبعت بكيل الثناء الغامر لهم وأحاطهم البعد الزماني بهالات التبجيل والتفخيم وجعلهم فوق مستوى المراجعة أو النقد أو التدارك...

إن الناس قد اعتادوا التعامل مع غيرهم من الأفراد العاديين وهم يبنون أحكامهم على المظاهر ولا يستطيعون اكتشاف التميّز المعنوي الذهني والأخلاقي بل إن أبّهة المظاهر هي التي تأسرهم وتنال إعجابهم وتستحوذ على اهتمامهم لذلك فإن الناس في الغالب لا يعترفون لأحد من الأحياء بالتميز غير المرئي والمحسوس فيبقى الأشخاص الاستثنائيون مغبونين في حياتهم إلا إذا أبرزت أحدهم ظروف استثنائية لا تعود الى قدرة الناس على اكتشاف امتيازه وإنما لأن الأوضاع استوجبت الاستفادة منه فينال المكانة التي يستحقها في حياته أما الغالب على المتميز فإنه يتجرع آلام التهميش والاستخفاف وعدم الاعتراف فإذا تعاقبت القرون ظهر فجأة الاهتمام به وهنا يتدخل سحر الغياب وهالات البعد الزماني فتتضخم الصورة تضخماً مفرطاً ويصبح ترديد أقواله محطة مغلقة من محطات الدوران الهابط وليس نقطة من نقاط الانطلاق الصاعد وبهذا يكون التعظيم المفرط عائقاً حقيقياً من عوائق النمو المعرفي والحضاري ومنبعاً متجدداً من منابع الجهل والظلم والتخلف..

إن تقدم المجتمعات يتوقف على التكامل بين الإبداع والاتباع فإذا لم يتحقق هذا التكامل بقي المجتمع متخلفاً لكن كل إبداع ما هو إلا لبنة واحدة في صرح البناء الحضاري الذي يستمر تشييده فإذا حصل التوقف عند مرحلة معينة من مراحل الإبداع أو نال أحد المبدعين من التعظيم ما يجعل الناس يرفضون أي إبداع يأتي بعده فإن ذلك يعني توقف البناء وبداية التآكل الحضاري وتدهور المجتمع وتلبّك الثقافة..

من أين أتتنا عقلية تقديس الأشخاص؟!


من مشاكلنا الأخلاقية المساهمة فيما نحن فيه من ركون عن باقي الأمم المتقدمة: صناعة الفرد المُقَدِّس للأشخاص. صناعة الناظر للأشخاص كمقدَّسينَ. تكوين عقول راضخة راضية بجبروت الطغاة. تكوين عقول لا تقتات ولا تتنفس إلا في بيئات الطاعة والولاء المذموم. يا ترى من أين تأتي عقلية تقديس الأشخاص؟ ومن وراء جو قداسة الأشخاص؟ 
مما فهمته من شؤون الحياة الاجتماعية أن عقلية تقديس الأشخاص لها علاقة وطيدة بالبيئات المتخلفة أو قل: إن عقول تقديس الأشخاص لا تنبت وتستشري إلا في جغرافيا التخلف، والمنتج الحقيقي للعقل المقدِّس للأشخاص في حقيقة الأمر: المجتمع ككل. المجتمع بمؤسساته؛ أي كان الشكل المؤسّسي سواء بشكله القديم أم الجديد، وبما يَضخُ من أفكار ومعاني في عقول أفراده؛ وفي نظري القاصر بطبعي كإنسان أن هناك مؤسسات لها اليد الطولى في تكوين العقل المقدِّس للأشخاص؛ العقل الذي لا يمكنه أن يعيش إلا في بيئات تُقدِّس الأشخاص. العقل الذي لا يبتهج ولا يُسر إلا في بيئات تقديس الأشخاص. العقل الباحث عن من يتقدَّس أو من يُّدفع بِه لِيَّتقدَّس، هي المؤسسات التالية: الأسرة، المدرسة، الإعلام، ومن خلال هذا المقال سنوضح باقتضاب ما تقوم به هذه المؤسسات في سبيل بذر بذور قداسة الأشخاص.

أولا الأسرة: من أولى نوات المجتمع في تكوين العقلية المقدسة وسيادتها، وبالتالي حظها ليس بالتعيس في مسألة نبض حياة الشخصية المقدِّسة. تزرعُ الأُسرة في الطِّفلِ وهو صغير: خصلة تقديس وتعظيم أشخاص بعينهم، من خلال قناة الخوف والرهبة؛ والتي أول من يشرعن لها حق البث: الأب عن طريق الفزع والقلق الزائد لأبنائه من جنابه، والنظر إليه كشخص مقدَّس، وكسلطة عليا لا يمكن الوصول إليها بأي شكل من الأشكال.

وتعمل الأم القطب –الأول- من حيث التأثير في الأسرة على تكريس هذه السلطة -سلطة الأب-، من خلال تخويف الأبناء من الأب، وسرد قصص مرعبة عنه؛ قد تكون أقرب للخيال منها للحقيقة في حال تمرد الأبناء عليها. ظهور الأب في الوسط العائلي بنفسية قاسية نفسية غامضة تتسم بالغلظة والخشونة. الأب: هو تلك الشخصية الغامضة المتعالية المتجبرة لا حيز للعطف والحنان في قلبها إلا ماقلَّ.

من هنا نزرع في نفوس أبناءنا أنه لابد من وجود الشخص المهاب المقدس الذي لا تعقيب ولا مراجعة لأوامره في حياتنا. من هنا تكبر الأجيال وقد تتطور وترتقي في شتى المجالات، ولكن تبقى سمة القداسة ملازمة لها، وتبقى دائمة البحث عن من يتقدس. ثانيا المدرسة: تلعب المدرسة دوراً محورياً في صناعة العقل المُمَجِّد المقدِّس للأشخاصِ، وذلك من خلال تأييد المؤسسات المجتمعية في رؤياها وإكمال رسالتها، نظرياً وتطبيقياً، وإضافة بصمتها الخاصة ببراعة وتفننٍ.

نظرياً: تكمل المدرسة مهمة تكوين الشخصية المُقدِّسة للأشخاص من خلال نصوص تعليمية تقدم للطالب؛ تتناول شخصيات بذاتها، وتستطرد في مدح عظمتها إلى أن يستقر في مخيلة وعقل وفؤاد الدارس على أنها شخصيات مرموقة سامية من طين غير طينها لها ما يميزها عن باقي الأنامِ، وأن لولا هذه الشخصيات لما وجد من الأساس كل ما يحيط به من أشياء ضرورية وتكميلية؛ ومن بين هذه الشخصيات على سبيل المثال لا الحصر. أدبيا: امرؤ القيس، عنتر ابن شداد، سبويه الجاحظ.... وحتى المعاصرين أمثال العقاد، وطه حسين، والمنفلوطي، ونجيب محفوظ ووو... وغيرهم من الأقحاح، الذين لا يمكن أن يصل لمستواهم كائن من كان، ولا يمكن أن يأتي بِمعشار ما آتوا به، فالإبداع والجمال اللغوي انتهى عندهم ودُفن.
تاريخيا: تقدم أمجاد وانتصارات الأمة كاملة في شخص واحدا، ونتغافل بعقلنا الموروث في حالتيه الجينية والثقافية، عن ما وراء هذا المجد من منظومة متكاملة بدءً من أصغر مولود في الأمة إلى أكبرها، ومن ظروف محيطة متشابكة، بفضل هذا التشابك حدث المجد. وننسى كل هذا ونعلقه بشخص واحد وكأنه كان يعيش لوحده، وبهذا يكبر العقل المقدس للأشخاص فينا بقدر ما نكبر ونظل ندور ونبحث عن من يُقدَّس. تنسب كل الانتصارات الماضية وحتى الحاضرة لشخص واحد ويسلط الضوء عليه كمركز، وكمثال لذلك طرد المسلمين للمغول هنا لا نتذكر من الأحداث سوى الزعيم وفقط ركن الدين ببرس ونتغافل عن الجو السائد حينئذٍ وروح الأمة ومعطياتها المغذية المتكاملة الذي لولاه لما حدث انتصار.
الأفلام الزعائمية التي تتناول شخصيات بعينها كفيلم -أيام السادات- الذي قام بدور البطولة فيه النجم أحمد زكي، أو فلمه الثاني -ناصر ٥٦-، وبما أننا أصبحنا أمة السكن في ما مضى وفي جميع مجلاته وعلى ضوء هذه المجالات فلابد لنا من استدعاء الماضي وذكرياته سينمائيا من خلال أفلام تتناول شخصيات تاريخية بعينها كفيلم -الحجاج- على سبيل المثال مع العلم أنه طاغية وظالم ويكفيه طغياناً وظلماً؛ أنه قتل عبد الله ابن الزبير ابن العوام، ومع هذا الجرم الذي تندى له الجباه وتدمع له العين، إلا أن السينما العربية ما فتئت تقدمه لنا على أنه زعيم وبطل مغوار. وتم توجيهنا ونحن صغارا إلى مشاهدته لنتأثر به من خلال الهالة الكلامية بوجهيها الشعبوي والثقافي التي تدور حوله من شكر وثناء إلا درجة أننا ونحن صغارا لم نعد نرى غير شخصية الحجاج نموذجا للاقتداء، وأصبحنا نحلم بأن نرى هكذا نسخة تتكرر في زماننا. كل هذه الأفلام في حقيقة الأمر ما هي إلا نوع من أنواع تكريس قداسة الأشخاص في نفوس الناس وجعل النفسية من بديهياتها وأولوياتها البحث عن رموز لتقدسها وتلهث ورائها كما تلهث فريسة الضباع خلفها.

*

التّقديس والتَّعظيم وآثارهما

مفهوم التَّقديس والتَّعظيم يستعمل عند النَّاس فيما يتجاوز الحدَّ المشروع له، كما في تقديس بعض الشَّخصيَّات والمواقع والشِّعارات، حتّى وإن كان ذلك منطلقاً من واقعٍ يفرض مثل هذا التَّقديس، 
فعندما نقدِّس شخصاً، حتى لو كان معصوماً ووليّاً، نتوجّه بانفعالاتنا إليه. ومع الزمن، يصبح ارتباطنا به ارتباطاً عاطفياً، بما يحرِّك فينا من مشاعر وجدانيّة، 
إنَّ التّقديس الأعمى للأشخاص وبعض الأفكار، مهما كانت، يساهم إلى حدّ كبير في خنق العقل الفرديّ والجمعيّ، ويمنعه من الرؤية الواضحة والقراءة السّوية لما عند هؤلاء الأشخاص، وما في هذه التجارب من دروسٍ ينبغي التزوّد منها في تصويب أيّ اعوجاج وانحراف..
ويقول الدكتور علي شريعتي في هذا المضمار: "وهل ثمة فائدة تتوخّى وتأثير يتوقّع من التّقديس والتّعظيم، ونحن لا نعلم شيئاً مما فيها؟ وكذا الحال في تعاملنا مع الشخصيات العظيمة التي يمكنها أن تنقذ أمّتنا ومجتمعنا وتنجي الأجيال القادمة، نقدّسها ونثني عليها ولا نعرف عنها أيّ شيء!".

*

“الشيطنة” هي أخطر الأسلحة التي يستخدمها أعداء أمّتنا في حربهم علينا، شيطنة المناضلين والشهداء، شيطنة الرموز والقادة، شيطنة الحركات والجماعات، شيطنة الشعوب والأمم، لأن هذه “الشيطنة” تقيم متاريس العداء والكراهية بين أبناء الأمّة الواحدة، والشعب الواحد، والقضية الواحدة، وتصرف أنظارنا عن أعدائنا وهم أخطر الشياطين التي تهدد حياتنا.

أخطر ما في سلاح “الشيطنة” أنهم ينجحون في استخدامنا ضد بعضنا البعض، فيستدرجون بعضنا إلى شيطنة البعض الآخر، حتى إذا ما فرغوا من شيطنة ذلك البعض عمدوا إلى شيطنة البعض الآخر ممن وقع فريسة خداعهم، وهكذا تتواصل الحروب بيننا حتى يصبح أعداؤنا أسياداً علينا…

ما لم ولن تفهمه السعودية


السعودية درجت على شراء الذمم والرشاوي والدفع لكتبة السلطان وهي غير معتادة على التعامل مع الناس الشرفاء ذوي المواقف المبدئية اللذين لا يحيدوا عنها وبغض النظر عن الأموال التي من الممكن ان تقوم السعودية بدفعها مقابل صمتهم او عدم التعرض لجرائمها التي ترتكب وخاصة في اليمن. هذه الجرائم والمجازر التي ارتكبتها والتي ترقى الى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

بين الرياض وبيروت 

عبد الله الرشيد 
تصريحات
جورج قرداحي فليست بذاتها تستحق الرد، الرياض أكبر من أن تؤثر فيها تصريحات وزير لا قيمة له في بلده لبنان نفسه. الأخطار تتزايد على لبنان لأن إيران حولته إلى دولة مواجهة، ميليشيات «حزب الله» تحارب في المنطقة نيابة عن إيران وتدير عمليات عسكرية واستخباراتية. حولت إيران لبنان إلى مركز لإدارة معاركها الإقليمية والدولية،

بالنسبة للبنانيين، الحكومة السعودية كانت واضحة في بيانها بالتفريق بينهم وبين حكومتهم، وهم مثل اليمنيين الذين لا يحاسبون على أفعال الجماعة الانقلابية في صنعاء. وفي الوقت نفسه الذي صدر قرار إبعاد السفير اللبناني واستدعاء السفير السعودي من بيروت، استمر المطربون 
اللبنانيون في الغناء على مسارح موسم الرياض مع غيرهم من الفنانين العالميين.

وما جاء من تبرير لما قاله قرداحي مهين للعقول، لأن جورج قرداحي معروفة جداً مواقفه الممجدة والمؤيدة لنظام بشار الأسد ضد شعبه، وتنظيم حزب الله الإرهابي ومشروعه الإيراني في المنطقة وصداقته بزعيم حزب المردة سليمان فرنجية (هو الذي رشحه للمنصب الوزاري) والمنتمي إلى تحالف حزب الله، 

*