التفكير الاستنباطي هو عملية استدلال منطقي، تستهدف التوصل لاستنتاج ما، أو معرفة جديدة، بالاعتماد على فروض أو مقدِّمات موضوعة ومعلومات متوافرة، ويأخذ البرهان الاستنباطي شكل تركيبٍ رمزي أو لُغَوي، يضم الجزء الأول منه فرضًا أو أكثر يمهِّد الطريق للوصول إلى استنتاج محتوم، بمعنى أنه إذا كانت الفروض أو المعلومات الواردة في الجزء الأول من التركيب صادقةً، فلا بدَّ أن يكون الاستنتاج الذي يلي في الجزء الثاني صادقًا.
ولتوضيح ذلك نورد المثال الآتي:
الفروض
|
جميع الرياضيين أناس لديهم عضلات مفتولة.
|
المقدمات
|
جميع لاعبي التنس الأرضي المحترفين رياضيُّون.
|
الاستنتاج
|
جميع لاعبي التنس الأرضي المحترفين أناس لديهم عضلات مفتولة.
|
إذا تفحَّصنا مكونات البرهان الاستنباطي أعلاه، لوجدنا أن الفرض الأول يؤسس علاقة مطلقة بين جميع الرياضيين والعضلات المفتولة، بينما يؤسس الفرض الثاني علاقة مطلقة بين جميع لاعبي التنس الأرضي المحترفين وبين كونهم رياضيين، أما الاستنتاج فلم يخرج عن حدود المعلومات الواردة في الفرضين الأول والثاني، وشمل جميع لاعبي التنس الأرضي المحترفين دون غيرهم من اللاعبين، لقد صِيغَ الفرضان بطريقة تجعل من الاستنتاج الذي تَمَّ استنباطُه أمرًا غير قابل للنقاش من الناحية المنطقية، فإذا كان لاعبو التنس الأرضي المحترفون رياضيين، وكان الرياضيون ذوي عضلات مفتولة، فإن لاعبي التنس الأرضي لا بد أن تكون عضلاتهم مفتولة.
فالبناء الذي لا يحقِّق صدق الاستنتاج يجعل البرهان زائفًا حتى لو كانت فروضه أو مقدماته صادقة.
لاحظ بناء البرهان الاستنباطي الآتي:
الفروض/ المقدمات
|
جميع الكلاب حيوانات، (صادق).
جميع القطط حيوانات (صادق).
|
الاستنتاج
|
إذًا جميع الكلاب قطط (كاذب).
|
فالفرضان الأول والثاني هنا صادقان، ولكن الاستنتاج كاذب،
والمشكلة هي في بناء البرهان الذي وضع الكلاب والقطط تحت المملكة الكبرى للحيوانات دون أن يوضح العلاقة بين الصنفين الفرعيين ضمن هذه المملكة، وهكذا يتَّضح أن بعض أنماط البراهين الاستنباطية تنطوي على خلل في البناء، وبالتالي تقيم على أنها غير صحيحة، وبعضها الآخر يكون بناؤه سليمًا يضمن صدق الاستنتاجات المترتبة على فروضه.
ومن الأشكال الصحيحة للقياس المنطقي الافتراضي:
أ- أن يأتي الفرض الفرعي مؤكدًا لمقدمة الفرض الرئيس؛ مثل:
فرض رئيس/ مقدمة كبرى
|
إذا أمطرت تكون السماء ملبَّدة بالغيوم.
|
فرض فرعي غير مؤكد لمقدمة الفرض الرئيس
|
السماء تمطر.
|
نتيجة
|
إذًا فالسماء ملبدة بالغيوم.
|
ب- أن يأتي الفرض الفرعي مناقضًا للشق الثاني من الفرض الرئيس المترتب على مقدمته؛ مثل:
فرض رئيس/ مقدمة كبرى
|
لو أخذ محمد الدواء لكان قد شفي.
|
فرض فرعي مناقض لمترتب مقدمة الفرض الرئيس
|
لم يُشْفَ محمد.
|
نتيجة
|
إذًا لم يأخذ محمد الدواء.
|
وهناك شكل ثالث لا تكون العلاقات فيه واضحة بين الفرضين الرئيس والفرعي، وبالتالي لا يمكن اشتقاق نتيجة صائبة منهما، ولتوضيح ذلك نورد المثال الآتي:
فرض رئيس/ مقدمة كبرى
|
إذا أمطرت سوف تؤجل المباراة.
|
فرض فرعي
|
تنبأ مكتب الأرصاد الجوية بأنها ستمطر.
|
نتيجة
|
إذًا سوف تؤجل المباراة.
|
إن الفرض الفرعي لا ينص بشكل قاطع على أن الأمطار مؤكدة، والفرق واضح بين حالة التقرير وحالة الشك أو التنبؤ، وبالتالي فإن النتيجة التي تم التوصل إليها باطلة ولا تستقيم مع الفروض.
الاستدلال عن طريق الاستنباط المنطقي عملية تفكير مركبة تضم مهارات التفكير الآتية:
• استخدام المنطق.
• التعرف على التناقضات في الموقف.
• تحليل القياس المنطقي.
• حل مشكلات قائمة على إدراك العلاقات المكانية.
مهارات التفكير التقييمي Evaluative Thinking Skills:
التفكير التقييمي يعني النشاط العقلي الذي يستهدف إصدار حكم حول قيمة الأفكار أو الأشياء وسلامتها ونوعيتها، وتعرف ميكر (Meeker, 1969) "القدرة على التقييم" بأنها القدرة على التوصل إلى اتخاذ قرارات وإصدار أحكام حول المحكات والحلول والبدائل واختيار أفضلها، وقد طوَّر عددٌ من الباحثين قوائم تقدير لقياس مهارات التفكير التقييمي، أو القدرة على التقييم بالاعتماد على مكونات نموذج جيلفورد Guilford في البناء العقلي Structure of Intellect، ومن الأمثلة على ذلك مقياس الباحثة ميكر (Meeker, 1969)، ومقياس جامعة بيردو في حل المشكلات (Feldhusen, Houtz & Ringenbach, 1972) ومقياس رنكو وسميث (Runco & Smith, 1992).
ويتكون التفكير التقييمي من ثلاث مهارات أساسية:
أ- إيجاد محكات أو معايير تستند إليها عملية إصدار الأحكام، وتضم:
• التعرف على القضايا والمشكلات المركزية.
• التعرف على الافتراضات الأساسية.
• تقييم الافتراضات.
• التنبؤ بالمترتبات على فعل ما.
• التتابع في المعلومات.
• التخطيط لإستراتيجيات بديلة.
ب- البرهان أو إثبات مدى دقة الادعاءات، ويضم:
• الحكم على مصداقية مصدر المعلومات عن طريق التحري حول مصداقية المرجع المكتوب؛ مثل: سمعة المؤلف أو الكاتب، ودقته، ومجال تخصصه، ودرجة الاتفاق بينه وبين مصادر أخرى للمعلومات، والتحقق من عدم وجود مصالح أو أغراض شخصية وراء كتاباته.
• المشاهدة والحكم على تقارير المشاهدات.
• تحري جوانب التحيز والأنماط والأفكار المبتذلة.
• التعرف على اللغة المشحونة.
• تصنيف المعلومات.
• تحديد الأسباب الواردة وغير الواردة في الموقف.
• مقارنة أوجه الشبه وأوجه الاختلاف.
• تقييم الحجج أو البراهين والمناظرات.
جـ- التعرف على الأخطاء أو الأفكار المغلوطة منطقيًّا وتحديدها، ويندرج تحته:
• التفريق بين الحقائق والآراء.
• التعرف على المعلومات ذات الصلة بالموضوع.
• التعرف على الاستدلال العقلي الواهي أو الاستنتاجات المغلوطة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق