كيف تكون الأخلاق بلا دين؟ لا دولة ولا حضارة تحتكر الأخلاق التي هي ميراثٌ إنساني
اختزال مبادئ الأخلاق في إطار ما ورد في كتب التراث، بل وفرضَ على منظومة القيم جموداً أبدياً حين منعها من التجديد والتطور، ممّا يعنى احتكاراً أيديولوجيّاً جائراً للأخلاق؛ أي إنّ الدين أصبح في جوهره مرادفاً للأخلاق، وهو ما يؤدي إلى تهميش مهمّة العقل الأخلاقية؛ بتقديم نموذج صارم لأخلاق ربانية مطلقة يعتبر الجنوح عن أيٍّ منها خطيئة لا تغتفر.
من هنا كانت أشرس الصراعات في التاريخ صراعات دينية، وأبشع المذابح تلك التي ارتكبت باسم السماء، حيث مضى الآلاف إلى حتفهم طوعاً أو كرهاً تحت وطأة الأيديولوجيا الدينية، فهل يمكن أن يؤسس احتكار الدين للأخلاق لأي نوع من الإرادة الحرة؟
بطبيعة الحال، جاءتِ الأديانُ في أزمانها، ووفق قراءة مَن عاصروها؛ لتدعيم منظومة الأخلاق القائمة آنذاك،
مع بزوغ عصر الأنوار، أصبح الدافع العقلي أقوى من المانع الديني، عندما حاول العقل الإنساني كسر أغلال السلطة الدينية والقفز فوق حواجزها المنيعة، ومن ثم النفاذ إلى عوالم أخرى يسمو فيها بالعقل والمنطق، وفق معايير مغايرة لما كان سائداً في القرون الوسطى، وهو ما انعكس بدوره على شتى الطروحات النظرية والمسائل الفلسفية.
وعليه، لم يعد التدين مجرد استجابة للاغتراب الاجتماعي، وأمكن تحرير الأخلاق من احتكار الدين لها، بحيث تحرر الفعل الأخلاقي من كونه فعلاً نفعيّاً، فأخلاقية الفعل الإرادي لم تعد تنتظر حكم السماء، ولم تعد في حاجة إلى مكافأة أخروية (ملكوت) أو تهديد عقابي (جحيم)، حيث إنّ الموجود البشري المؤمن بإنسانيته يستطيع انتهاج ذلك النهج الأخلاقي في أفعاله كمردود طبيعي للحرية القائمة على أساس إنساني، دون انتظار تقييم، وهو ما يخلّص الفعل البشري من النفعية، من خلال تحرير الأخلاق من اللاهوت؛ فالضمير الأخلاقي الديني/ النمطي يهمل الممكنات والقيم الجديدة الناتجة عن التجربة الحديثة للبشرية، ويظل متشبثاً بمنظومة القيم التي تعود بالنفع على الإنسان في حياته الآخرة فحسب، وبالتالي يعبر عن أنساقٍ أخلاقيةٍ جامدة تجاوزت البشرية كثيراً منها.
أنسنة الأخلاق أمر من شأنه أن يؤدي إلى نقلها من مستوى التلقي من ذات عُليا مفارقة، إلى مستوى التفاعل الإيجابي والمثمر مع الوجود وقوانين الطبيعة. وعليه، يمكن التحرر من سطوة الأيديولوجيا، والتعاطى مع المعتقدات الدينية في إطار إنساني يسعى إلى استخدام التراكم المعرفي لوضع رؤية جديدة تتجاوز التراث، وتنزع هيمنة المقدّس اللاهوتي وبشكل يتفاعل إيجابياً مع التحولات الفكرية والفلسفية، ويخترق المشهد الأصولي المغيب في دوائر التخيلات الأسطورية. من خلال تلك الرؤية يتحقق وجود الإنسان في المجتمع والثقافة والتاريخ، حيث يؤدي الجانب المعرفي دوراً محوريّاً في تكريس الشعور بالحرية من عدمه؛ فالتغييب يدفع إلى الإحالة الدائمة على القدر، أمّا المعرفة فتؤدي إلى الوقوف بشكل موضوعي على حقائق الأشياء بحرية كاملة.
وعبر العصور لم تكن تلك المرجعيات الدينية الغارقة في غيابات جبّ المفاهيم الكهنوتية الضيقة، وثقافة القرون الوسطى قادرة على إيجاد تصور سليم لعلاقة الإنسان مع الله، ولم تستطع كذلك التعبير عن تصورات يمكنها تجاوز فكر العقليات الدينية التي رسخت بشكل قمعي أنماطها الفكرية القائمة على إقرار تصور واحد لتلك العلاقة، يقوم على منطق العبودية المطلقة، والقرارات الإلهية المقدّرة سلفاً، فحوّلت الله إلى إمبراطور مطلق يحكم دنيا البشر الفانية.
*
أزمـة الأخلاق التي نعيشها يومياَ
2018
مميزات الدول الغربية هو النظام وإتقان العمل وقد رأيت من ذلك العجب ويتميزون كذلك بالأخلاق واحترام حقوق الغير برغم أن تلك الأخلاق قائمة على النفعية ، فأين نحن من الاخلاق أين إتقان المسلمين في أعمالهم؟ فالمسلم يتقن عمله طلبا للأجر وليس لمجرد النفعية والمصلحة. إين أخلاق المسلمين في التعامل مع بعضهم البعض فلا تجد لدى موظف بجانبه زميله إلا ويكيد له ولا تجد رئيس عمل إلا ويحجم آمال موظفيه نعم إنها ازمة اخلاق العصر الحديث.
جاء رجل إلى الرسول و هو يرتعد و خائف و كان اول مرة يقابل النبي، فقال له النبي: هون عليك فإني لست بملك،إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد و أمشي كما يمشي العبد و إن امي كانت تأكل القديد بمكة,
ومنها خلق الإيثار: كان النبي يخرج لصلاة الفجر كل ليلة و كانت المدينة شديدة البرودة فرأته أمرأة من الأنصار فصنعت للنبي عباءة جلباب من قطيفة وذهبت اليه وقالت: هذه لك يا رسول الله ففرح بها النبي ولبسها وخرج فراه رجل من الأنصار فقال: ما أجمل هذه العباءة أكسينيها يا رسول الله ، فقال له النبي: نعم أكسك إياها وأعطاها للرجل.
صرخة فيلسوف في وجه الاختلال الأخلاقي للغرب
الفرنسي فيليب بينتون عن خديعة الفرد المتوّج من دون صلاحيات
بدءاً من عام 1960 دخل العالم مرحلة أخلاقية جديدة، لم يسبق له أن عاش مثيلاً لها، أو على الأقل من النادر أن نعثر على وضع مشابه، حيث صار كل منا متوجاً على عرش سلطة فردية غير مسبوقة. الفرد الغربي تحديداً، صار مستقلاً، متحرراً، من أي عوائق علوية أو طبيعية تكبح جماحه. كل فرد هو بشكل من الأشكال، إمبراطور على مملكته، يفعل بحياته الخاصة ما يشاء».
ه فهم «المأزق الذي تعيشه المجتمعات الغربية بعد أن سجنت نفسها بمفاهيم محددة تحولت إلى قيود لا تستطيع الفكاك منها». وهي قيود اصطلح على اعتبارها مسلمات لا تناقش سلبياتها مثل «الحرية» و«المساواة» وحقوق الإنسان». العنوان نفسه يذكّر بكتاب أمين معلوف «اختلال العالم» لكن هذا الكاتب الفرنسي يركز بشكل خاص على القيم الغربية ويشن عليها هجوماً عنيفاً.
فضيلة الكتاب أنه يسأل –وهو نادراً ما يحدث- إن كانت هذه المفاهيم التي يعتدّ بها الغرب ويعممها على البشرية خيراً مطلقاً؟
يفرّق الكاتب بين «الحرية» كمفهوم، و«التحرر» الذي سمح للفرد بأن يذهب إلى حد التهتك أحياناً والتعدي على الآخرين أحياناً أخرى. يجد أنه لا بد من السؤال إذا كانت المساواة تعني أيضاً أن نعامل اللامتساوين في الموهبة والمهارات، بالطريقة نفسها؟ ومن بين ما يسأل إن لم تكن عناوين تنضوي تحت راية «حقوق المرأة» هي التي سمحت للرجل باستغلال النساء وتسليعهن في مواضع عديدة، وقبولهن بهذا طوعاً بحجة «التحرر». يثير الكتاب موضوع التعري عدة مرات، ويفرد باباً لـ«المرأة» وموضوع الذهاب في المطالبة بحقوقها إلى مناطق لم تعد مقبولة، وتحدث ارتجاجات اجتماعية كبيرة.
يفرّق الكاتب بين «الحرية» كمفهوم، و«التحرر» الذي سمح للفرد بأن يذهب إلى حد التهتك أحياناً والتعدي على الآخرين أحياناً أخرى. يجد أنه لا بد من السؤال إذا كانت المساواة تعني أيضاً أن نعامل اللامتساوين في الموهبة والمهارات، بالطريقة نفسها؟ ومن بين ما يسأل إن لم تكن عناوين تنضوي تحت راية «حقوق المرأة» هي التي سمحت للرجل باستغلال النساء وتسليعهن في مواضع عديدة، وقبولهن بهذا طوعاً بحجة «التحرر». يثير الكتاب موضوع التعري عدة مرات، ويفرد باباً لـ«المرأة» وموضوع الذهاب في المطالبة بحقوقها إلى مناطق لم تعد مقبولة، وتحدث ارتجاجات اجتماعية كبيرة.
بينتون يعتبر أن ثمة نوعاً من التطرف في التطبيق، يجرّ إلى انحرافات في السلوك واهتزاز في المعايير. وبالتالي فإن هذه الأزمة التي تمر بها الحضارة الغربية، تجعل من الفرد الذي يفترض أن سعادته هي المحور يعيش أزمة هوية تعصف به وتعرضه لضياع كما تجره إلى إعادة البحث عن ذاته.
ومن هنا يفتح الباب لفهم سبب انجرار بعض الأوروبيين إلى الانخراط في حركات إسلامية متطرفة. وهو أيضاً ما يأخذ حيزاً من اهتمام الكاتب، الذي يتحدث عن فراغ في الانتماء، تعيشه الأجيال الجديدة. وهو ما لم يكن جزءاً من معاناة الأجيال التي سبقتها.
فكيف لمجتمع أن يكون متوازناً، حين يربي مواطنيه على أنّ ليس ثمة في العالم ما يمكن أن يضحوا من أجله، وأن الذات هي المحور والهدف والغاية.
فكيف لمجتمع أن يكون متوازناً، حين يربي مواطنيه على أنّ ليس ثمة في العالم ما يمكن أن يضحوا من أجله، وأن الذات هي المحور والهدف والغاية.
حكم القانون يبدو الإنسان الأوروبي، بالنسبة إلى بنيتون كأنه مُنح كل شيء، لكن في العمق ليس الأمر كذلك، لأن الفرد محكوم بمؤثرات وقيود تحيط به من كل جانب، والأهم أنه لا يشعر بوجودها، لأنه منساق بتيار جارف، وهذا في رأيه من أهم سمات العصر الذي نعيش فيه.
«العقلانية اللامتعقلة» عن الخطر النووي الذي يتوسع، التلوث الذي يزداد، البذخ الفاقع مع ارتفاع نسبة الفقر، العمران وهو يأكل المساحات الخضراء، بينما السياسات تبدو كأنها لا تلحظ كل هذه المخاطر أو تأخذها بعين الجدية. وفي باب «الأقوياء والضعفاء» يشرح أن المشكلة لم تعد مواجهة بين الأغنياء والفقراء، بل أصبحت المشكلة أفقية، بعد أن انتشر الفساد والتهرب الضريبي، والتلاعب في السياسة كما في الشركات الخاصة، في مختلف الدول الأوروبية، مستغرباً أن تحتجّ وزارة التربية الفرنسية على ضربة من أم أو أب لطفل على قفاه، بينما لا تعبأ كثيراً للصور وأفلام العنف والدماء التي تنتشر على هواتف التلامذة.
يدعو هذا الكتاب الذي هو أشبه بصرخة احتجاج، إلى سياسة جريئة، وأكثر واقعية، تبحث عن التوازن، للنظر في كل ما يحدث بسبب المساواة المبالغ فيها حدَّ التغاضي عن الجدارة والموهبة في بعض الأحيان. ومعرفة الفرق بين ما يرجع إلى الحرية وما ينتمي إلى استخدامات الحرية التي لا تطاق. وما هي التكنولوجيا وكيفية المحافظة على الحرية الفردية وما يستتبعها من التزامات المواطن، سواء كان معلماً أو أباً أو طفلاً.
المشكلة في العمق ليست تقنية ولا فلسفية بل في النفس البشرية التي تتحايل على كل قانون ومفهوم لتذهب إلى هواها ومبتغاها. وبنيتون يشرح ذلك بالقول: «إن جذر الشر، خلافاً لادعاءات الأيديولوجيين، لا تمكن إزالته بتغيير الظروف السياسية والاجتماعية. هذا الشر متأصل في الإنسان، هو في قلب الإنسان. في نهاية المطاف».
*
كاهنة بهلول: المسلمون يعيشون على فكر من نتاج القرون الوسطى
“أعتقد أن هذه الأزمة تدعونا جميعا للعمل، وخاصة المسلمين عليهم استعادة نصوصهم وقراءتها مرة جديدة، والسماح لأنفسهم بالاطلاع عليها وتفسيرها بالأدوات التي نمتلكها اليوم في القرن الحادي والعشرين، لأن الأزمة التي نواجهها هي أزمة معنى”.
القراءات والتفسيرات الذكورية للنصوص المقدسة أدت إلى فكرة أن النساء لا يمكن أن يصبحن أئمة قائلة “لا يمنع القرآن المرأة إطلاقا من أن تكون إمامة.
“المسجد ليس مكانا بل هو مجتمع”، مؤكدة أن التجمع يتواصل.
الحجاب والحرية والاختلاط بغية تقديم وجه حداثي للتراث الديني والثقافي الإسلامي، يحقق تطلعات الكثير من المسلمين الفرنسيين الليبراليين.
سبقتها آمنة ودود التي أصبحت مثالا يحتذى وكأول امرأة يصلي وراءها مسلمون في الولايات المتحدة، وكذلك الدنماركية شيرين خانخام، وعرفت ألمانيا أول تجربة تقوم فيها امرأة بدور الإمام.
*Jun 16, 2021
أخلاق الدين وأخلاق الضمير
لهؤلاء، إن كنت علمانيا أو لا دينيا أو ملحدا، فأنت بالتأكيد شخص بدون أخلاق ولا قيم، تمارس الجنس مع أمك وأختك وابنتك، قد تسرق وتخون الأمانة، تسكر وتغش وتعنف والديك.
إن كنتِ امرأة، فأنت بالتأكيد تمارسين الجنس مع جميع الرجال وربما مع الأطفال والحيوانات أيضا. تمارسين الجنس الجماعي وتشربين المواد الكحولية (لا يهم إن كنت ترغبين في شربها أم تفضلين عصير البرتقال. بالنسبة لهم، ما دمتِ علمانية أو ملحدة أو مدافعة عن قيم الحداثة والحريات الفردية، فأنت بالضرورة تشربين المواد الكحولية وتمارسين الجنس بدون أي رادع وتجهضين كل خمسة أيام دون إي إحساس بالذنب. ألست علمانية حداثية؟).
للأمانة، وحين يتعلق الأمر بالنساء، فهذا تصور قد يشترك فيه الإسلاميون مع بعض الحداثيين. ضمن هؤلاء أيضا، قد نجد عينة تعتبر أن كل امرأة حداثية هي بالضرورة امرأة تمارس الجنس بدون أي ضوابط، ليس بناء على اختياراتها لكن متى ما أتيحت لها الفرصة لذلك.
كما أنها تشرب الكحول بالضرورة؛ رغم أن الكحول ليس رديفا للحداثة ولا الامتناع عنه رديف للتخونج، بل قد يكون مسألة ذوق لا غير. لا يدركون بشكل كاف أن الحداثية التي تحررت من ضغط المجتمع على جسدها، تتعامل معه باحترام كاف يجعلها تمارس الجنس مع شريك تختاره، وحين ترغب في ذلك... وهذا وازعها الأخلاقي الذي يؤطرها! لكن، للأسف، في التخلف المرتبط بأجساد النساء، قد يلتقي الكثير من الإسلاميين مع الكثير من الحداثيين (أو أشباههم؟).
الإسلاميين لا يستطيعون أن يتصوروا لك أي منظومة قيم، ما دمتَ، بالنسبة لهم، خارج منظومة القيم الوحيدة التي يعرفونها ويعترفون بها: الدين والتدين.
لا يفصلون الدين عن الأخلاق، بل ويعتقدون أن الدين هو المحرك الوحيد للأخلاق: أن تكون متدينا، فأنت تخاف الله وتخاف جهنم، وبالتالي، فأنت لا ترتكب المعاصي. فهل الخوف من جهنم وحده يستطيع أن يؤطر سلوك الفرد؟
بالمقابل، فأن تكون علمانيا مدافعا عن فصل الدين عن الحياة العامة، أو ملحدا أو لا دينيا، فبالتالي لن يكون لك أي رادع. وكأن الخوف من عقاب الله وحده يستطيع أن يؤطر سلوك الفرد، وليس إيمانه بقيم المواطنة والعيش المشترك والسلوكيات الإيجابية.
الشرفي نفس الاخير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق