السبت، 10 سبتمبر 2022

مسلسل الحلاج الذي كان يعتزم تلفزيون أبوظبي

May 11, 2019

السر يكمن في أن أفكار الحلاج وجلال الدين الرومي وابن عربي وغيرهم من المتصوفة الإنسانيين، العابرين للأديان والطوائف والانتماءات الضيقة، لها جاذبية خاصة ولا سيما في عصرنا هذا. هذا العصر الذي شهدنا فيه أشكالا من التطرف والتوحش الذي كشفت عنه التنظيمات الإسلاموية، والعصر الذي انتشرت فيه أيضا الصراعات الدينية والطائفية على نحو بغيض ومتخلف. وهو العصر الذي اتضح فيه إفلاس وتهافت شعارات الجماعات الإسلامية وعجزها عن إنتاج شيء ذي قيمة.

يقدم الحلاج نموذجا إنسانيا وروحانيا شاملا لفهم طبيعة الإنسان وعلاقته بالخالق. وكما أوضحت في مقال سابق عنه على هذا الموقع، أن أفكار الحلاج تستوعب جميع الأديان والمعتقدات وأنه لا اختلاف بينها من حيث الجوهر، فهي كلها بمثابة فصول في كتاب واحد. أو كما يقول هو ".. إن الأديان هي ألقاب مختلفة وأسام متغايرة، والمقصود منها لا يتغير ولا يختلف". كما أن الله ليس ملكا حصريا لأحد كي يحتكره أو يدافع عنه أو يقتل باسمه، وأن الإنسان حر في أن يعبد الله بالطريقة التي يشاؤها أو لا يعبده أيضا.
الدين تجربة فردية
هذا الفهم الذي يركز على المسؤولية الفردية والتجربة الشخصية في التعامل مع الدين، يحل إشكالية الانتماءات الدينية ويخرج الإنسان من جدل وصراعات الأديان والطوائف، كي يجعل تركيزه في النهاية منصبا على الله وحده بغض النظر عن التسمية التي يطلقها عليه البشر، وعلى إصلاح مجتمعه وتدبير أمور حياته وتكريس نفسه لخدمة الإنسانية جمعاء.
إن هذا بالطبع يتناقض مع الصورة التي يرسمها المتعصبون المسلمون (وباقي المتعصبين في الأديان الأخرى أيضا) للإنسان ودوره في هذه الحياة. هذه الصورة التي تريد أن يظل الإنسان أسيرا لمعارك لا تنتهي بين أتباع الأديان لإثبات أيها أفضل وأيها صحيح وأيها باطل وأيها أحق بالاتباع.. إلخ.
ولإدامة هذا النمط من التفكير لا بد من خلق أعداء وهميين يحاولون الانقضاض على هذا الدين والعمل على تخريبه، ليدخل الإنسان إثرها حالة من الصراع العبثي والذي لا ينتهي ضد خصوم مفترضين داخل المجتمع وخارجه.
هذا التصور هو الذي يسعى المتعصبون لإدامته، كي يظلوا هم في مواقعهم. ومن نافلة القول إنهم سوف يحاربون كل من يحاول تقويض منطقهم هذا أو مساعدة الناس على التحرر من قبضتهم، حتى وإن كان شخصية عاشت قبل أكثر من ألف عام مثل الحلاج.
++++++++++++
تقوم فلسفة الحلاج كما يذكر مؤلفا كتاب التجليات الروحية فى الإسلام، الأب جوزيبى سكاتولين والباحث أحمد حسن أنور على المحبة بين الله والإنسان المخلوق على صورته، فعلى الإنسان أن يحقق حقيقة ذاته بكونه صورة الله الكاملة حتى يصل إلى رؤية الله.. فالله ليس بعيدا عنه، بل هو حاضر موجود فى سره حتى يتجلى من الإنسان لسائر الخلائق.
***********
الإسلام يتباهى فيه الكثيرون بأنه بلا كهنوت ولا سلطة، فى حين أننى أجد أنه لا فرق بين طبقة الأزهر والكنيسة لا فى حضور المراسم فقط بل فى السلطان الكبير والتقديس المتاح لهما فى المجتمع، رغم أن للإنسان مكانة كبيرة جدًّا فى الفكر الروحى المسيحى، بعيدًا عن السلطة والتسلُّط -خصوصًا سلطة الكهنوت- 



 تكرّم الإنسان وتحتفى به، لدرجة أن يقول أحد الآباء الرهبان «إن نفسًا واحدة مخلوقة على صورة الله هى أثمن أمام خالقها من عشرة آلاف من الكواكب بكل محتوياتها»

أن يرى الله اللا مرئى فى هيكله الذى هو الإنسان المرئى



إنسان مخلوق على صورة الله ومحبوب منه، وهذه الصورة وهذا الحب يتجليان فى عدة عناصر أجدها ضد الأصولية

فالعنصر الأول الناجم عن خلق الله للإنسان على صورته هو الحرية،
يثمّن الله حرية الإنسان وينتظر ردّه بل ويقدّره،



*****************

والطريق الصوفى فى رؤية الحلاج هو مسيرة نحو الله من خلال مراحل روحية متعددة تبدأ بالتوبة والزهد حتى أعلى الدرجات الروحية هى المحبة. فالمحبة هى القوة التى تدفع الإنسان فى مسيرته الصوفية.
وأعلى درجة للمحبة عندما يترك الإنسان ذاته فيفنى فى محبوبه الأعلى حتى لا يعود يرى نفسه وجودا مستقلا عنه، بل لا يرى فى الوجود إلا الله.
أنا من أهوى ومن أهوى أنا
نحن روحان حللنا بدنا
فإذا ابصرتنى أبصرته
وإذا ابصرته ابصرتنا
كانت جريمة الحلاج هى الحب، حب الله، فاتهمته السلطات بأنه يتآمر على الدولة واتهمه رجال الدين بالخروج على أحكام السنة والجماعة، وحتى الصوفيين اتهموه بأنه أفشى السر الصوفى لعامة الناس.
والغريب أكثر فى أمر الحلاج أنه رغم تغير الوزراء والفقهاء فإن الجميع طالبوا برقبته، فكان أول من أصدر فتوى القبض عليه هو الفقيه بن داود الظاهرى بناء على طلب الوزير ابن الفرات.
ولكنه استطاع الهرب وتغير الفقيه والوزير وعندما جاء عام 308هـ طلب الوزير الجديد من القاضى المالكى أبى عمر بن يوسف أن يصدر فتوى أخرى للقبض عليه، وطبعا كانت الفتوى جاهزة، وبالفعل قبض عليه.
وبعد محاكمة طويلة حكم عليه بالإعدام، وحمل الحلاج على باب خرسان ببغداد حيث قطعت يداه، ثم صلب وضرب عنقه، ثم حرقت اشلاؤه وألقى رمادها فى نهر دجلة بتهمة أنه ادعى حلول اللاهوت فى الناسوت.
وكان موقف الحلاج مما حدث رائعا وعظيما فلم يهتز أو يرتعد من خشية الصلب ولا المسامير بل أنه ضحك حتى دمعت عيناه عندما رأى ذلك، وقال لأبى بكر الشبلي: هل معك سجادتك، قال: نعم يا شيخ، قال: افرشها لى، ففرشها، فصلى عليها ركعتين.
ثم قال: هؤلاء عبادك قد اجتمعوا لقتلى تعصبا لدينك وتقربا إليك فاغفر لهم، فانك لو كشفت لهم ما كشفت لى لما فعلوا ما فعلوا، ولو سترت عنى ما سترت عنهم لما ابتليت بما ابتليت، فلك الحمد فيما تفعل.
وقال أبوبكر الشبلى: قصدت الحلاج وقد قطعت يداه ورجلاه وصلب على جذع فقلت له: ما التصوف؟. 
فقال: أهون مرقاة منه ما ترى.

فقلت له: ما أعلاه؟
فقال: ليس لك إليه سبيل، ولكن سترى غدا، فان فى الغيب ما شهدته وغاب عنك. فلما كان وقت العشاء جاء الإذن من الخليفة العباسى (المقتدر) بأن تضرب رقبته.
فقال الحرس: قد أمسينا نؤخر إلى الغد. فلما كان من الغد. أنزل من الجذع وقدم لضرب عنقه فقال بأعلى صوته: حسب الواجد افراد الواحد له. ثم قرأ «يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق» سورة الشورى.
ثم ضربت رقبته وصب عليه النفط وأحرق وحمل رماده على رأس مغارة لتنسفه الريح.
وكانت الريح شديدة بالتأكيد فقد حملت رماده على مر السنين فعاش الحلاج ومازال يعيش ملهما بينما مات كل قاتليه، وتلك هى عظمته وعظمة أصحاب القضايا الكبرى فغالبا كل جرائمهم الحب والعدل مثل الحلاج، ولذلك لايموتون أبدا مهما أذرت الريح من رمادهم.
++++++++++++++++++++++++
العارفون يحترقون بالحب في الدنيا»‬ هكذا صاح الشبلي صديق الحلاج في إحدي شطحاته،
وجهك المأمول حجَّتنا
يوم يأتي الناس بالحجج
كان الحلاج ضحية البوح بأسرار الحب وأشادت بما كتبه ماسينيون عن الحلاج وكيف قدمه للغرب ومن ثم للعالم وقد كرّس ماسينيون كل حياته في بحث الحلاج وعالمه الروحي وينشر سيرة الصوفي الشهيد بعد مقتل الحلاج بألف عام.
وكان يردد وهم يقتلونه: اقتلوني يا ثقاتي/ إن في قتلي حياتي
ما حيلة العبد والأقدار جارية.. عليه في كل حَالٍ، أيها الرائي؟
ألقاه في أليم مكتوفا وقال له.. إياك إياك أن تبتل بالماء!
صلاح عبدالصبور: مأساة الحلاج
من أجمل مسرحيات صلاح عبدالصبور تأتي مأساة الحلاج التي أقتطف منها:
-لا يا أصحابي
لا تلقوا بالا لي
أستودعكم كلماتي
- أحببنا كلماته
أكثر مما أحببناه
فتركناه يموت لكي تبقي الكلمات
في البدايات تتجلي النهايات
قال الحلاج:
والله ما طلعت شمسٌ ولا غربت
إلا وحبّك مقرونٌ بأنفاسي
ولا خلوتُ إلي قوم أحدّثهم
إلا وأنت حديثي بين جُلاسي
ولا ذكرتك محزوناً ولا فَرِحا
إلا وأنت بقلبي بين وسواسي
ولا هممتُ بشرب الماء من عطش
إلا رَأَيْتُ خيالاً منك في الكاس
ولو قدرتُ علي الإتيان جئتُكمُ
سعياً علي الوجه أو مشياً علي الراس
ويا فتي الحيّ إن غنيت لي طربا
فغنني واسفا من قلبك القاسي
ما لي وللناس كم يلحونني سفها
ديني لنفسي ودين الناس
**********************
مسلسل مقامات العشق
مسلسل تاريخي يروي سيرة محي الدين ابن عربي، ادرك ابن عربي من دراسات من سبقوه من فلاسفة العرب أن المرء لا ينال مراده الا ان خالف نفسه وأطلق مقولته الشهيرة: "لا ينال غاية رضاه الا من خالف نفسه وهواه"، ولأنه كان يبحث عن الكيفيات سافر ليلتقي العلماء ويسمع منهم وجها لوجه ويسالهم ويجادلهم ويناقشهم. تعلقت روحه بالسفر، وأحب خلوته وفضاءات التأمل التي منحت له في ترحاله، فطاف بلاد الاندلس والمغرب العربي والتقى الكثير من علماء عصره.

********************************
كان ابن تيمية يهاجم الصوفيين الذين يعتنقون مذهب محيى الدين ابن عربى ذلك المذهب الذى يقول بوحدة الوجود. فالموجود واحد، والمخلوق اذا أحب الخالق حل فيه الخالق، وعندما يصل إلى درجة الحب يصل إلى غيبوبة هى السكر. وهى وحدة الشهود كوحدة الوجود، وعندما يصير المتصوف الى هذا الحال يصبح صاحب حال. وحكم صاحب الحال كما يقول ابن عربي: هو حكم المجنون الذى ارتفع عنه القلم، فلا يكتب له ولا عليه. والله يعلم من عباده المحبين له أنهم غير مطالبين بالقيام بما كلفهم به، فأسقط عنهم التكليف. أى أحل لهم ما حرم على غيرهم. وأذن لهم أن يفعلوا ما يشاءون.

وكان من الطبيعى أن يهاجم ابن تيمية المشهور بتشدده هذه الآراء، ويتهمها بالخروج الصريح على الدين، وقال: إن هذا الاتحاد فى الله والفناء فيه الذى يقول به ابن عربى واتباعه، واعتبار وجود المخلوق هو وجود الخالق، هو قول أهل الالحاد الذين هم أضل العباد.

وفناء المعبود فى العابد والمحب فى المحبوب، وحالة السكر التى يغيب فيها الإنسان عن نفسه. ليست من لوازم الطريق إلى الله، ولو كانت كذلك لحدثت للرسول وصحابته. والفناء الذى يدعو إليه السلف الصالح 
من الزهاد والمتصوفة، هو فناء العبدفى الطاعة بحيث يكون الله ورسوله أحب إليهم مما سواهما.



واقتنع جمهور الشيخ ابن تيمية وتلاميذه بآرائه وراحوا يرددون حججه ويسخرون من الصوفيين. لكن كان البعض من كبراء مصر يعتبرون ابن عربى إماما للدين، وعلى رأس هؤلاء الشيخ المنجى شيخ الأمير بيبيرس الجاشنكير، وابن عطاء الله السكندرى المتصوف الشهير.

+++++++++++

ثمة مسألتان رئيسيتان في فكر الحلاج، لا تخلو أي من أقواله أو أشعاره منهما؛ الأولى هي وحدة كل ما في الوجود، والثانية أن الطريقة الوحيدة لإدراك هذه الوحدة تتم عبر إفناء "الأنا" أو "الذات" الفردية في "الأنا" أو "الذات" الكلية، أو حسب مصطلح الحلاج "استهلاك ناسوتية الإنسان في لاهوتية الله".

فالحلاج يرى أن ثمة "واحدا" فقط في الوجود ولا شيء سواه، وهو الله، وأن جميع الموجودات هي تعبيرات عن هذا "الواحد"، مثل أشعة الشمس رغم تعددها فإن مصدرها واحد. ورغم أن مصدر كل شعاع هو الشمس لكن هذه الأشعة لا تقوم مقام الشمس، وهي ليست مساوية لها، كما أنها ليست "مماسة أو ممازجة لها".

حواسنا، بما في ذلك العقل، تتعامل خطأ مع تلك الموجودات باعتبارها موجودات منفصلة وقائمة بذاتها، بينما يرى الحلاج أن ذلك مجرد وهم ناجم عن قصورنا في إدراك الحقيقة والتي يقسمها إلى ثلاثة مستويات: "ضوء المصباح علم الحقيقة، وحرارته حقيقة الحقيقة، والوصول إليه حق الحقيقة".

 الله موجود في كل مكان، ولا يوجد طريق للوصول إليه، لأن الطريق يقتضي وجود اثنين وليس مع الله أحد. ولكن يمكن إدراك الله مع ذلك من خلال النظر إلى سائر المخلوقات، كما يقول "النقطة أصل كل خط، والخط كله نقط مجتمعة. فلا غنى للخط عن النقطة، ولا للنقطة عن الخط. وكل خط مستقيم أو منحرف فهو متحرك عن النقطة بعينها. وكل ما يقع عليه بصر أحد فهو نقطة بين نقطتين. وهذا دليل على تجلي الحق من كل ما يشاهد وترائيه عن كل ما يعاين. ومن هذا قلت: ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله فيه".

شكلت رغبته في الانعتاق من ربقة الجسد والسماح لروحه بالانطلاق مجددا، هاجسا دائما لدى الحلاج، وكانت شديدة إلى درجة أنه لم يمانع في قتله، بل كان يستفز الناس للإقدام على ذلك. فكان يصرح بآراء يعرف بأن ظاهرها يستفز العامة، رغم أن باطنها مختلف تماما.

ومن ذلك قوله "أنا الحق"، ففي الظاهر يفهم منها أنه يدعي الألوهية لنفسه، لكن الحقيقة أنها كانت محاولة منه لنفي نفسه وإثبات وجود الله. ففي اللغة العربية أو أية لغة أخرى، لا نستطيع أن نذكر الله من دون أن نقع في ثنائية "القائل" و"المخاطب".

فدائما هناك "أنا" و"هو"، بينما هناك "واحد" فقط.
الطريقة الوحيدة لتجاوز ذلك هي فناء الذات في الله، مثلما تعود القطرة إلى الماء. وبهذا المعنى كانت مقولة "أنا الحق" هي الطريقة الوحيدة للإشارة إلى الله من دون الوقوع في الثنائية أو "الشرك".
وتظهر معاناة الحلاج الشديدة مع الجسد في مناجاته المستمرة مع الله، بعد أن كشف له أمورا سترت عن أغلب الناس. وفي ذلك يقول:
أأنت أم أنا هذا في إلهين .. حاشاك حاشاك من إثبات اثنين
هوية لك في لائيتي أبدا .. كلي على الكل تلبيس بوجهين
فأين ذاتك عني حيث كنت أرى .. فقد تبين ذاتي حيث لا أين
وأين وجهك مقصود بناظرتي .. في باطن القلب أم في ناظر العين
بيني وبينك أنّيٌ يزاحمني .. فارفع بأنّيك أنّيي من البين
وفي اليوم الذي قتل فيه ضحك كثيرا ودمعت عيناه، ومما قاله: "هؤلاء عبادك قد اجتمعوا لقتلي تعصبا لدينك وتقربا إليك. فاغفر لهم، فإنك لو كشفت لهم ما كشفت لي لما فعلوا، ولو سترت عني ما سترت عنهم لما ابتليت بما ابتليت. فلك الحمد في ما تفعل ولك الحمد في ما تريد".
تصوف عصري
ثمة جانب آخر لدى الحلاج، جدير بالاهتمام وهو نظرته الكونية، مثله في ذلك مثل جلال الدين الرومي (604 ـ 672 هـ/ 1207 ـ 1273 م)، حيث بنى دعوته الروحانية على أسس إنسانية شاملة، من دون تعصب لدين أو جنس أو قومية بعينها.
فقد سافر إلى مناطق ما وراء النهر، والهند والصين حيث تعرف على أساتذة اليوغا واطلع على علومها ومارسها عندما عاد إلى بغداد. وكان لافتا موقفه من وحدة الأديان وضرورة عدم التفرقة بينها
قال: يا بني، الأديان كلها لله عز وجل، شغل بكل دين طائفة لا اختيارا فيهم بل اختيارا عليهم. فمن لام أحدا ببطلان ما هو عليه فقد حكم أنه اختار ذلك لنفسه (...) واعلم أن اليهودية والنصرانية والإسلام وغير ذلك من الأديان هي ألقاب مختلفة وأسام متغايرة، والمقصود منها لا يتغير ولا يختلف".
عمران سلمان
+++++++++++++

الحلاج.. الشـاعر والمتصوف الزنديق!

احمد نجم 2013

 أحد رواد مذهب الزادتشتية والتى تقوم على مذهب التأثير الروحى فى الدين والفلسفة، وكان يؤمن بتوحد الخالق فى مخلوقاته، وكان يرى أن الأهم جوهر الإنسان لا سلوكه، والتصوف عنده لم يكن مسلكا فرديا وإنما جهاد فى سبيل أحقاق الحق

 أنكر ركنا أساسيا من أركان الدين، حيث دعى إلى إسقاط فريضة الحج والاستعاضة عنها بالدوران- وقت الحج- حول حجرة طاهرة فى البيت، والقيام ببعض أعمال الخير مثل إطعام الفقراء وتوزع الأموال عليهم.

أنـا أنت بلا شـــــــك                                      فسبحانك سبحانى!
وتوحيدك توحيدى                                         وعصيانك عصيانى

ولما أجلــد يــــــارب                                     إذا قيل هو الزانـــى؟

فهو لا يعتقد بمعاقية المخطئ، لأنه- واستغفر الله- كان يعتقد أنه والله شىء واحد.. طبقا لما يسمى يعقيده الحلول..
مزجت روحــــك فى روحى كمـــا                       تمـــزج الخمـــر بالمــــــاء الزلال
فــإذا مســـك شىء مســــــــــــنـى                      فإذا أنت أنا فى كــــــــــــل حال
هكذا وكأنه يشاهد الله فى ذاته.. ومرة أخرى يقول:

والغريب أنه كان أحيانا ما يجمح ويخالف ما يقوله مثل:
 
ما حيلة العبد والأقــــدار جـــــارية                      عليه فى كـــل حال أيها الـرأى؟
ألقاه فى اليم مكتــوفا، وقــــــــال له                      إيــاك إيــاك أن تبتـــــل بالمـــاء!
فهو هنا يعتقد بالجبر وأن الإنسان مسير وليس مخيرا.

ويقول العديد من المفسرين والنقاد إن كثرة مجاهدة الحلاج لنفسه وأخذها بالشدة وسفره المتعدد ودراسته للكثير من المذاهب والفلسفات السائدة فى عصره.. جعلته يخرج عن المألوف ويخالف أساتذته الذين علموه التصوف، والذين ناقشوه فيما يقول وحاولوا نصحه وإرشاده دون جدوى.. حيث يرى د. شوقى ضيف أن دراسته للمسيحية ومعرفته بنظرية الناسوت واللاهوت اللذين يؤلفان الطبيعة الثنائية للمسيح، جعله يعتقد باتحاد الناسوت وهو الروح الإنسانى فى اللاهوت وهو الروح الإلهى، وبذلك يظهر الله بصورته فى الإنسان.. وهو ما قاله فى كتابه «الطواسين» حيث يقول:

سبحان من أظهر ناسوته                                  ســر ســـــنا لاهوتــه الثاقب
ثم بدا لخلقه ظاهــــــرا                                    فى صورة الأكـــــل الشارب
حتى لقد عاينه خلقـــه                              كلحظة الحاجب بالحاجب!
والغريب أنه أحيانا ما يكتب شعرا، وكأنه أفاق من سكرته، شعرا كله خشوع، وطاعة واستعطاف وندم وزهد مثل ما قال:
 
دنيا تخادعنــــــى                                          كأنى لست أعرف حالها
حظرا الإله حرامها                                       وأنا أجتنبت حـــــــلالها
مدت إلى يمينهـــا                                         فرددتها وشمالهـــــــــــا
ورأيتها محتاجـــه                                         فوهبت جملتها لهــــــــا
ومتى عرفت وصالها                                          حتى أخاف ملالهـــــــا؟

بل صرح فى أبيات أخرى باسم «الله» سبحانه وهيا م قلبة وانصراف همومه وراحت فكرة بذكر الحروف التى يتكون منها اسم الخالق «الله»:
 
أحـــرف أربــــع بهــــا هـــــام قلبــــى                  وتلاشت بها همـــومى وفكــرى
ألف تألف الخــــــــــلائق بالصفــــح                     ولام على الملامـــــة تجـــــــــرى
ثم لام زيــــــادة فــى المعــــــــــــانى                   ثم هـــاء بهـــا أهيــــــــــم وأدرى

ومع ذلك تجده فى موضع آخر ينكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة ويسقط ركن من أركان الإسلام وهو فريضة الحج:
 
يالائمى فى هواه كم تلــــــــــــــوم فلـــو                 عرفـــت منـــه الذى عنيت لم تلم
للناس حــــــج ولى حـــج إلى سكـــنى                   تهدى الأضاحى وأهدى مهجتى ودمى
تطــــــــــــوف بالبيت قوم لا بجارحــة                   بالله طافوا فأغنــــــــاهم عن الحرم
 
ونختم بأجمل ما قاله الحلاج شعرا.. حيث حب الله لا يفارقه وذكره لا يغيب، ومع ذلك فهو يستنكر ما يقوله الناس عنه.. من سفه وزندقة.. فمال الناس وماله.. لهم دينهم وله دينه!

والله ما طلعت شمس ولا غربت                         إلا وحبك مقــــرون بأنفاسى
ولا خلوت إلى قوم أحــــدثهم                             إلا وأنت حديثى بين جلاسى
ولا ذكرتك محزونا ولا فرحا                             إلا وأنت بقلبى بين وســواسى
ولا همست بشرب الماء من عطش                               إلا رأيت خيالا منك فى الكـاسى
ولو قـــدرت على الإتيـــان جئتكم                        سعيا على الوجـــــه أومشيا على الرأس
مالى وللنـــــاس كم يلحوننى سفها                        دينى لنفسـى ودين النـــاس للنـــاس

رحم الله أبو المغيث الحسين بن منصور (الحلاج) وغفر الله له!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق