تجاوز الإنسان الحديث عن هذه “الأخلاق الفردية” ليركز أكثر على “الأخلاق الإجتماعية”، مثل احترام القانون والإخلاص في العمل، واحترام الملكية العامة، ورفض الرشوة والفساد والمحسوبية والواسطة، والتزام الموضوعية والإنصاف والإتقان في التوظيف والإختيار والتصنيع، إلخ.
وكما نعرف جميعا، فنحن فقراء جدا في جانب الأخلاق الاجتماعية، وهي الأخلاق الأهم للاستقرار والتطور والبقاء في عالم اليوم. أما الأخلاق الفردية، فهي مهمة طبعا. لكن، لم يعد العالم الحديث مهتماً بمراقبتها. فسواء شربت الخمر أم لم تشرب، وسواء مارست الجنس بزواج أو بدونه، وسواء ارتدت المرأة لباسا طويلا أو قصيرا وكاشفا، فهذا شأن شخصي لا يهم المجتمع وعائد للفرد ذاته، لأنه لا يضر الآخرين ولا يعتدي على حرياتهم وحقوقهم.
لا نشرب الخمر ولا نزني ولا ننجب أطفالاً غير شرعيين ولا نُشرِع لـ “الشذوذ”.
كما .أن الانسان الحديث تجاوز “أخلاق الاحسان”، لأن فيها احتقاراً غير مباشر للمحتاج. فلم يعد الإنسان العصري محتاجاً للتصدق على الفقراء، لأن الضمان الاجتماعي صار حقا تضمنه الدولة لكل فقير وعاطل. ولم يعد محتاجا للعطف على الضعيف، لأن القانون الحديث يحميه ويجعله قوياً وقادرا على انتزاع حقوقه (بعبارة أخرى: لا ضعيف في دولة النظام والقانون).
احترام الكبير أو طاعة الوالدين لا تلغي شخصية الأبناء وتحولهم إلى تابعين للآباء كما يحدث في مجتمعاتنا الشرقية.
“زنا المحارم” والتحرش بشكل كبير في المجتمعات الشرقية. كما أن الخيانات الزوجية والعلاقات خارج الزواج سلوكيات سائدة في مجتمعاتنا. الفارق الوحيد بيننا وبينهم أن هذه الممارسات تبقى في الظلام. ولأنها لا تُوثّق ولا يتحدث عنها أحد، تعطي انطباعاً زائفاً أن المجتمع بخير.
ما يجعل الجنس أخلاقيا، ليس “العقد” أو “المهر” ولكنه “الرضا”. فما دام الجنس يتم برضا الطرفين، فهو أخلاقي. وما دام الجنس يتم رغماً عن الطرفين أو رغماً عن أحد الأطراف، فهو غير أخلاقي (حتى ولو كان موثقا)
الحالة الأولى يعيش فيها رجل وامراة معاً بدون زواج، لكن برضاهما الكامل. العلاقة هنا أخلاقية بكل معايير الأخلاق الجوهرية. وإذا تزوجا، فعلاقتهما لا زالت بنفس الدرجة من الأخلاقية. لكن، إذا كنا أمام حالة زواج موثق، لكنه تم بدون رضا المرأة أو الرجل، أو بدون رضا المرأة والرجل معاً، فهذه العلاقة غير أخلاقية لأنها اغتصاب موثق بأوراق رسمية.
غالباً ما نتهم الغرب بالإباحية عندما نتحدث عن أخلاق الجنس. وغالباً ما نقصد بالإباحية العلاقات الجنسية والإنجاب دون زواج. لكن الغرب نظم هذا الجانب تنظيماً عرفياً وقانونياً دقيقاً.
فعندما يعيش رجل وامراة معا دون زواج، فهما ملزمان بالإخلاص لبعضهما وعدم ممارسة الجنس مع أي شريك آخر ما دامت العلاقة مستمرة، وهما أيضا ملتزمان سويا أمام المجتمع والقانون برعاية أي مولود ينتج عن هذه العلاقة.
هذا التنظيم الدقيق للعلاقات الجنسية في المجتمع العصري، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يُصنّف على أنه إباحي! ولو فكرنا بعقولنا، لوجدنا أن الزواج بطفلة في الثامنة أو العاشرة أو الثانية عشرة إباحية تحتاج لعلاج؛ ولوجدنا أن تعدد الزوجات لمجرد الرغبة في التنويع الجنسي إباحية غير مقبولة. ولوجدنا أن أفكارنا عن الجنة وعشرات الحور العين والممارسة المستمرة للجنس في الآخرة والتمتع بحالة انتصاب لا تنتهي، هي قمة الخيال الإباحي الذي نُدرِسه لأولادنا كل يوم!
“لا أخلاقية الغرب”.
التقدم المادي الغربي لم يكن ليحدث لو لم يكن هناك تقدم أخلاقي موازٍ،
التقدم المادي سيؤدي بدوره إلى تقدم أخلاقي ما دامت البنية الفوقية (الثقافة ، الأخلاق، الأفكار) تتطور بتطور البنية التحتية (الاقتصاد، العلم، العلاقات الاجتماعية).
النفاق وليس الصدق هو السلوك السائد في مجتمعاتنا، بينما تتميز العلاقات الشخصية والاجتماعية في الغرب بقدر كبير من الصدق والمصداقية. وأرى أن هذا طبيعي جدا، فلا يمكن أن يكون هناك صدق بدون حرية.
ولأن الحرية قيمة مركزية في الغرب، يصبح الصدق سلوكاً طبيعياً وآمناً. بينما في مجتمعات التسلط والإستبداد، قد يؤدي بك الصدق إلى المهالك، لهذا يصبح النفاق والكذب قيماً مركزية من قيم البقاء على قيد الحياة، وأول درس يعلمه الأب الشرقي لأولاده هو أهمية الكذب والنفاق وطأطأة الرأس.
إن أكبر المنظمات العاملة في مكافحة الفقر وإغاثة المنكوبين، مظمات غربية. وفي سلوكهم هذا أروع تجلٍ لأخلاق العطف على الفقير والضعيف ومساعدته. لكنهم تجاوزا مسألة “العطف والإحسان” إلى مسألة “الحق”؛ فمساعدتهم للفقراء ليست إحسانا، لكنها استجابة لحق أساسي والتزام إنساني.
حتى لو أتينا لأخلاق أخرى، مثل الأمانة والتسامح والتقشف والتكافل والتراحم، سنجد الغرب متفوقا علينا في الفهم والتطبيق.
لكن الحقيقة ببساطة أن أي مقارنة بين “الشرق” وبين “الغرب” في المجال الأخلاقي في مثل وضعنا الحالي، سنتهي حتما لصالح الغرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق