الجمعة، 30 سبتمبر 2022

الإسلام الرقمي، مصدر تيه أخلاقي **** عبد الصمد الديالمي

Sep 5, 2019 Aug 25, 2021 Apr 9, 2022
Jul 18, 2022

، أصبح الأنترنيت عالِما إسلاميا جديدا يعلم الناس الإسلام على الصعيد الدولي، وفي الوقت ذاته عالِما جديدا ينتج بالجملة علماء إسلام جدد. فالإسلام لم يعد علما يؤخذ فقط من الجامعات التقليدية والحديثة ومن المدارس الدينية والمساجد ومن العلماء والأئمة ومن الزوايا والطرق ومن الجوامع ومن الآباء، بل تراجع دور ك هؤلاء في تنقيله إلى الأجيال الناشئة وأصبح يؤخذ أكثر من الأنترنيت مباشرة.

جل المواقع الإسلامية تعلم المسلم إسلاما مبسطا مختزلا في معرفة القيام بالطقوس العبادية (صلاة، صوم) وفي معرفة المحرمات (شرب الخمر والزنا بالأساس). إن الأنترنيت ينشر من الإسلام متنا بسيطا يلخص الإسلام في بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تشدد على ما ينبغي القيام به من طرف المسلم، وهو الاختزال الذي يجعل هذا الإسلام إسلاما أصوليا يقف عند ظاهر بعض النصوص الدينية المنتقاة من أجل تبسيطه. وهو تبسيط متعمد لأنه يمكن الإسلام المبسط من الانتشار بسرعة ومن التغلغل بسرعة في صفوف أكثرية المسلمين الذين لا يتمتعون بالحصانة العلمية والفكرية، بل وبالحد الأدنى من التعليم. إن عولمة الإسلام المبسط السهل المنال (بفضل الأنترنيت) هو ما يوهم بكل سهولة المسلم العادي أنه عالم متمكن من الإسلام، وهو ما يحول الكثير من المسلمين العاديين إلى "علماء" إسلام جدد وإلى فقهاء جدد وإلى مفتين جدد، سمتهم الأساسية أن لا كفاءة علمية لهم، وأن ولا وعي لهم بمقاصد تبسيط الإسلام الاستراتيجية.

إن عولمة الإسلام المبسط السهل المنال هو ما يوهم بكل سهولة المسلم العادي أنه عالم متمكن من الإسلام

هدف التبسيط الأصولي للإسلام في الرقمي الرئيس هو القطيعة مع الثقافات الإسلامية المتعددة كما تتمظهر في المجتمعات الإسلامية المتنوعة، وهو إظهار التعدد الثقافي والاختلاف التاريخي في التعامل مع الإسلام كخيانة للإسلام وابتعاد عنه. فالتبسيط الأصولي للإسلام فعل يهدف إلى البرهنة على أن الإسلام الأصولي هو الإسلام الصحيح لوحده، وأنه الإسلام الشمولي الأوحد القابل، لأن يقبل من طرف كل مسلم في كل أنحاء العالم. وبالتالي، فهو الإسلام الواجب قبوله عقيدة وعبادة ومعاملة نظرا لبساطته البدائية. إنه إسلام لا يعطي أهمية للواقع الزمكاني الحاضر بكل تعدده وتعقيده.

الأمة الافتراضية
يقوم الإسلام الأصولي على ادعاء مفاده تراجع الإسلام أو انمحاءه من واقع المجتمعات المعاصرة. فالغرب يعرف انتشار المواقع الأصولية نظرا لهامشية الإسلام في المجتمع، وهو ما يخلق لدى المسلم الشعور بأنه يعيش في غربة دينية قاتلة، وبالتالي يجد في المواقع الإسلامية فضاء جماعيا يجعله يشعر بهويته الدينية رغم افتراضية ذلك الفضاء.
الهوية الجهادية الرقمية
"هويتي هي ديني"، "أنا مسلم، إذن أنا موجود"، تلك هي الخلاصات الوجدانية والوجودية التي يتوصل إليها المدمن على المواقع الأصولية. مدمن يمحي كل المكونات الأخرى لهويته من الوعي، ليحتفظ بالمكون الديني لوحده فيسقط في الأحادية الهوياتية؛ أي في ضرب من العمى الهوياتي. إن تسييد البعد الديني الأصولي في هوية المسلم المرقمن يؤدي حتما إلى الوقوع في التشدد مع الآخرين ومع السلطات القائمة، إذ يتحول ذلك المسلم إلى محاسب رقيب يومي ينهى عن المنكر كما لو أنه النموذج المثالي لمجرد أنه يصلي ويصوم ويطلق اللحية (وتضع الحجاب أو النقاب في حالة المرأة).
يتوجب خلق الكثير من المواقع الإسلامية غير الأصولية، لأن محاربة الإسلام الإسلاموي الرقمي محاربة رقمية أيضا
عنف مزدوج، حماية من تيه أخلاقي
بالنسبة إلى المسلم المرقمن بسبب الإسلام الرقمي، تكمن الأخلاق الإسلامية في احترام مواقيت الصلاة وفي الصوم من جهة، وفي تطبيق آلي لظاهر بعض النصوص القرآنية وبعض الأحاديث النبوية المنتقاة. في هذا التشخيص الاختزالي للأخلاق، هناك فقدان للأخلاق الإسلامية من جهة ورفض للأخلاق المدنية من جهة أخرى. فالترقمن الإسلاموي الأصولي يرفض قيمتين إسلاميتين أصيلتين؛ هما قيمتا التسامح الأفقي والتسامي العمودي. بتعبير آخر، لا تقبل للآخر المختلف الديني ولا مفر من الجهاد ضده، ولا محاولة للارتقاء نحو الأفضل في الذات بفضل جهاد أكبر ضد الذات. وطبعا لا مكان لأخلاق مدنية حداثية من خلال تقبل قيمة المساواة بين المسلم وغير المسلم، وبين الرجل المسلم والمرأة المسلمة. هكذا يصبح المسلم المرقمن تائها أخلاقيا، فلا هو بمسلم كامل ولا هو بمواطن حقيقي. من أجل التعويض النفسي عن تيهه، يلجأ إلى العنف ضد اللامسلم وضد المرأة، وهما العدوان القاران البنيويان، دون أدنى شعور بإثم. فهو يقوم بمهمة جهادية وينفذ أمرا إلهيا لا يحتمل التأويل والنظر. إنه عنف مزدوج مُبَنْيِن لشخصية المسلم الرقمي، عنف يعطي معنى لحياته، وهو أيضا آلية دفاعية نفسية تقنع الذات التائهة (أخلاقيا) أنها ليس بتائهة..
خاتمة
لا شك أن هناك بعض المواقع الإلكترونية القليلة جدّا التي تحاول إنتاج إسلام مغاير ومسلم مغاير يقطعان مع المنظور الأصولي الإسلاموي الجهادي العنيف. لكنها مواقع مستصغرة ليس فقط لأنها قليلة،
موقع "أمتي" (Ummati.me)
أجاهد من أجل الحياة لا من أجل الموت، أنا هو المسلم، أنا هي المسلمة". سيرا على هذا المنوال، يمكن التفكير في قيم تسير في نفس الاتجاه من أجل تعريف جديد لمسلم جديد مثل: "أحترم دين الآخر، أنا هو المسلم، أنا هي المسلمة"، "أجاهد من أجل المساواة بين الرجل والمرأة في كافة الحقوق، أنا هو المسلم، أنا هي المسلمة"، "أجاهد من أجل الديموقراطية، الجنسية والجندرية أيضا، أنا هو المسلم، أنا هي المسلمة"...
يتوجب إذن خلق الكثير من المواقع الإسلامية غير الأصولية، لأن محاربة الإسلام الإسلاموي الرقمي محاربة رقمية أيضا
+++++++++++++++

الجنسانية قبل الزّوجية: من الزنا إلى الفساد إلى الحرية الفردية

 ممزق بين مرجعيات ثلاث؛ الأولى إسلامية تعتبر تلك الجنسانية زنا محرما، والثانية قانونية تعرفها كفساد مجرم، وتذهب الثالثة إلى الاعتراف بها كحرية فردية وكحق أساسي من حقوق الإنسان.

انتقال من مفهوم الزنا الذي كان مفهوما سيّدا وسائدا بالإجماع إلى مفهوم الحرية الفردية والحق الإنساني منذ العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين مرورا بمفهوم الفساد الذي تبنته الدولة المغربية منذ 1962 في قانونها الجنائي

الزنا، تلك الكبيرة
في القرآن، نجد تحريم الزنا في الآية التالية: "َولَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا"، (الإسراء، 32). أما حد (عقاب) الزنا الفاحشة، ففي الآية "الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ..." (النور، 2). والمثير للانتباه أن حد الزنا يختلف في الحديث، حيث يقول الرسول: "لا يحلّ دم امرئٍ مسلمٍ إلا بإحدى ثلاث: النّفس بالنّفس، والثيّب (المتزوج) الزّاني، والتّارك لدينه المفارق للجماعة". ما سر الاختلاف بين القرآن وبين الحديث في حد الزنا؟ لماذا نجد الحديث أعنف وأشد من القرآن في معاقبة الزنا؟ هل يحق للسنة نسخ القرآن؟ من أجل تفسير الاختلاف بين النصين المرجعيين، لا بد من التذكير بالآية القائلة: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة". والمقصود بالشيخ والشيخة الرجل والمرأة المحصنين. فالمتزوج (ة) الزاني (ة) يعاقب بالرجم في الحديث بالرجوع إلى حكم تلك الآية، رغم كونها آية منسوخة في سورة الأحزاب، وهي آية رفعها الله من القرآن. وقد أجمع أهل السنة والجماعة على أن حكمها باق، رغم رفعها ونسخها.
وللتوفيق بين حكم القرآن بالجلد (في الآية غير المنسوخة) وحكم الحديث بالقتل
الزنا يعتبر من الكبائر التي تهدد الأمة بالاختلاط في الأنساب والأموال. وقد تم تغليف هذا الخطر الاقتصادي بمقصد الحفاظ على العرض، والعرض أحد مقاصد الشريعة إلى جانب الحياة والدين والعقل والمال. ونظرا لشدة حد الزنا (رجم أو جلد)، تشددت الشريعة في شروط إثباته، حيث ارتأت أن البينة إما شهادة أو إقرار. وتعني الشهادة شهادة أربعة شهود يعاينون الزنا لحظة وقوعه، ويعاينون بالأخص إيلاج الذكر في الفرج. ورغم استحالة هذه الشهادة، فقد حث الفقهاء على عدم الإدلاء بالشهادة في هذا الموضوع احتراما للحياة الخاصة ولعدم إشاعة الفاحشة بين المسلمين. أما الإقرار كبينة على الزنا، فيعني الاعتراف الإرادي الحر من طرف الزاني (ة) أربع مرات متباعدة في الزمن. ويمكن للمقر (ة) إمكانية التراجع عن الاعتراف. ومن إيجابيات الإقرار المثيرة أنه لا يتضمن اسم الشريك في الزنا، فلا يؤدي بالتالي إلى البحث عن الشريك، بل يخص مقترفه فقط. ومن المثير أيضا الحث على عدم ملاحقة الزاني (ة) إذا هرب (ة) أثناء تنفيذ الحد.
الواقع أن علمنة الجنسانية ما هي إلا تعبير غير ديني عن القيم الجنسية السامية التي أوجدها العقل الإنساني بشكل جنيني في الكثير من الديانات

وبما أن تهمة الزنا ترد في معظم الأحيان ضد النساء (لأن جنسانية المرأة تبدأ مع الزواج وتقتصر على الزوج الواحد)، فقد شرع القرآن اللعان كوسيلة تمكن الزوجة من الإفلات من الحد في حال اتهامها بالزنا من طرف الزوج. أيضا، 
ذهب فقهاء السنة (باسثتناء المالكية)، إلى عدم اعتبار الحمل بينة على الزنا نظرا لكون الحمل يمكن أن ينتج عن وطء غير إرادي (نوم عميق، غيبوبة...). وهو ما يمكن اعتباره تمييزا جندريا إيجابيا لصالح الفتاة العازب الحامل، أولا نظرا لخصوصيتها البيولوجية، وثانيا كتعويض عن كونها تعاني من تمييز جندري سلبي (بالمقارنة مع الفتى المسلم الأعزب) يكمن في عدم حقها في الجنس مع ما ملكت يمينها لا قبل الزواج ولا أثناءه ولا بعده.
الجنس كحرية فردية مسروقة
وهذا ما يحدث بالفعل على صعيد الواقع اليومي المغربي الذي يتميز بانفجار جنسي لا مثيل له في الماضي. وتشكل الجنسانية قبل الزوجية المظهر الرئيسي لذلك الانفجار، حيث يبين آخر بحث في الموضوع سنة 2013 (من طرف وزارة الصحة) أن نسبة 56 ٪ من الشباب (من كلا الجنسين) لها ممارسات جنسية قبل زوجية غير فرجية، وأن 25٪ لها ممارسات جنسية كاملة. وهي نسبة عالية جدا تحيل على الملايين من الشبان والشابات. في مقابل هذا الفيض الجنسي، "تعترف" النيابة العامة أن 17280 حالة فساد فقط توبعت سنة 2017. مما يعني أن هذا الرقم ما هو إلا الجزء الظاهر من الجبل الثلجي. وبالتالي يتجلى بوضوح أن الممارسة الجنسية قبل الزوجية موجة عارمة يعجز القمع الجنسي القضائي عن إيقافها ومكافحتها. وبالتالي، أصبح القانون متخلفا عن الواقع وغدا لا يساير تغيره في الحقل الجنسي. ما هو سبب ذلك العجز؟ يعبر الانفجار الجنسي ما قبل الزوجي عن عدم واقعية الدعوة الإسلامية إلى الإمساك الجنسي قبل الزواج بالنظر إلى تأخر سن الزواج (لاعتبارات اقتصادية هيكلية)، وبسبب بزوغ وتغلغل قيم جنسية جديدة، حداثية وتحررية، في المجتمع المغربي. وهي قيم تنتشر بفضل باحثين جامعيين في الموضوع يؤسسون علميا للحرية الجنسية وللحق في الجنس (مثل كاتب هذه الورقة) انطلاقا من دراسات سوسيولوجية ميدانية وتنظيرية. في هذا الإطار، كان عبد الصمد الديالمي أول من طالب سنة 2007، باسمه كمثقف، بحذف الفصول 489 و490 و491 من القانون الجنائي؛ أي بانسحاب الدولة كممارسة للقمع الجنسي من خلال قانون وضعي يعلمن التحريم الديني للجنسانية المثلية، والقبل الزوجية والخارج الزوجية. وللتدقيق، تصبح الخيانة الزوجية مجرد قضية مدنية يطالب فيها الطرف المتضرر بالطلاق وبتعويض مادي؛ بمعنى أن النيابة العامة والشرطة القضائية تتوقفان عن التدخل فيها بفضل حذفها كجنحة من القانون الجنائي.

حرية جنسية معولمة، لكن غير مقننة دوليا

وهي حرية لا تتحقق إلا باحترام الحق في نشاط جنسي متراضي قبل الزواج وأثناءه وبعده، والحق في إنجاب أو عدم إنجاب أطفال خارج الزواج وداخله، والحق في تغيير الجنس البيولوجي تماشيا مع الجنس النفسي (أي مع الهوية الجندرية)... فبالنسبة إلى المنظمة العالمية للصحة وللفيدرالية الدولية للتنظيم العائلي، لا صحة جنسية دون احترام تلك الحقوق الجنسية، ولا مواطنة للإنسان دون حرية جنسية يتصرف بفضلها ككائن راشد ومسؤول. إن الحقوق الجنسية الفردية جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان، وهي حقوق تناهض التمييز واللامساواة على أساس الجنس والجندر والهوية الجندرية والميل الجنسي والحالة الزوجية. من ثم، يدعو المبدأ السابع من "إعلان الفيدرالية الدولية للتنظيم العائلي" إلى إلزام الدول باحترام وحماية وإرضاء الحقوق الجنسية لكل فاعل جنسي دون تمييز.
في نظر الحركة الإسلاموية، الراديكالية منها بالخصوص، تشكل الحرية الجنسية والحقوق الجنسية وحقوق الإنسان بعدا من أبعاد الإمبريالية الثقافية الجديدة. فهي تعتبرها قيما غربية، رأسمالية وليبرالية، تهدد الإسلام والدول الإسلامية. ويرى التحليل الإسلاموي الراديكالي أن النساء والعزاب والمثليين والمزدوجي الجنسانية والمتحولين الجندريين دمى تستعملها القوى الإمبريالية الجديدة قصد نسف الإسلام وهدم المجتمعات الإسلامية من الداخل، وذلك من خلال تحريض تلك الفئات على المطالبة بالحريات والحقوق الجنسية. وبالتالي، هناك دعوة إسلاموية لمقاومة المد التغريبي وهناك جهاد إسلاموي ضد الدول الإسلامية لجبرها على عدم تبني حقوق الإنسان وبرامج الصحة الجنسية والإنجابية. وطبعا تنجح الإسلاموية في ردع القبول القطري للحقوق والحريات الفردية، لأن معظم السلطات السياسية في الدول الإسلامية توظف الإسلام من أجل إضفاء الشرعية على ذاتها. من هنا سهر الكثير من الدول الإسلامية على حماية القيم الجنسية الإسلامية السائدة في الإسلام السائد، وهي القيم التي ترفض الجنسانية غير الزوجية والجنسانية المثلية. من ثم رفض قطري متعدد وعلى مستوى "مؤتمر الدول الإسلامية" لمفاهيم الحرية الجنسية والميل الجنسي والهوية الجندرية، وهو رفض مبدئي أدى إلى عدم التصويت على معاهدات واتفاقيات دولية تلزم الدول بعدم تجريم الحرية والحقوق الجنسية. هكذا ظلت الدول التي تمارس القمع الجنسي على مواطنيها دولا غير جانحة، غير مضطرة لملائمة قوانينها مع القوانين الدولية في الحقل الجنسي، إذ لا وجود لقوانين دولية في ذلك الحقل.
من أجل تجاوز هذه المعضلة، لا بد من نسف الترابط الذي بنته الإسلاموية العالمية بين الحقوق الجنسية والغرب، ولا بد من تبيان أن الحقوق الجنسية تنتمي إلى الحداثة وليس إلى الغرب. فالحداثة بناء تاريخي ساهمت فيه كل الحضارات وكل الأديان دون استثناء، والأمر يتجلى بالخصوص في حقل الحداثة الجنسية. فمن بين أبعاد الحداثة الجنسية الإعلاء من شأن المتعة وجعل المتعة الهدف الرئيس للفعل الجنسي، وهو الشيء الذي ساهم الإسلام في إرسائه، حيث اعترف بشرعية العزل كتقنية مانعة للحمل لتجعل من المتعة الهدف الأول للفعل الجنسي. ثم إن الإسلام اعترف للزوجة بحقها في المتعة الجنسية واعترف لها بالحق في التطليق في حالة عدم رضاها الجنسي. نقطتان كافيتان للتأكيد أن الإسلام ساهم في بناء الحداثة الجنسية كمجموعة من الحقوق الجنسية. والقول بتوسيع تلك الحقوق لا يتنافى مع مقاصدية الإسلام في الحفاظ على العرض. كيف ذلك؟
إن تحريم الجنسانية قبل الزوجية، كان موجها بالأساس إلى الفتاة المسلمة بالنظر إلى تمكين الفتى من التسري قبل الزواج. ويعني ذلك أن إلزام الفتاة بالإمساك الجنسي قبل الزوجي هو إلزامها بالحفاظ على عذريتها قصد تجنب حمل غير شرعي. فالطفل غير الشرعي يهدد الأمن السلالي من حيث إنه يهدد نقاء النسب ويسبب اختلاط الأنساب والأموال. هذا هو الخطر الحقيقي الكامن في مفهوم العرض وفي اعتبار الحنسانية قبل الزوجية فاحشة ودنسا. وبالتالي يتضح أن الإمساك الجنسي قبل الزوجي شكل التقنية الأساسية لمنع الحمل قبل الزواج. اليوم، بالإمكان التوفيق بين الجنسانية قبل الزوجية، وبين منع الحمل وتحديد هوية الوالد بفضل التقنيات العلمية الحديثة. بتعبير أبسط، يمكن اجتناب الحمل قبل الزواج ويمكن تشخيص الوالد وتحويله إلى أب قانوني حتي لا يظل "اللقيط" لقيطا. من هنا يتبين أن تحريم زنا غير المحصن مرتبط بظروف تاريخية واجتماعية معينة وبإمكانيات تقنية محدودة، وهي الظروف التي تم تجاوزها اليوم. فلماذا التشبت بالتحريم أو بالتجريم؟
خاتمة
من الضروري توقف الدول الإسلامية عن تحريم زنا غير المحصن وعن تجريم "الفساد". ومن الضروري أيضا أن تتوقف عن مناهضة التصويت على مشاريع المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تسعى إلى تجريم رفض الحرية والحقوق الجنسية للأفراد؛ وذلك انطلاقا من مساهمة الإسلام في بناء الحداثة الجنسية كحقوق جنسية في المتعة، وفي احترام الحياة الخاصة. فالإسلام يحث على الستر وعلى عدم إشاعة "الفاحشة".
صحيح أن حقوق الإنسان أداة لنقد دول قمعية، وهي وسيلة للسير بالإنسانية إلى ما هو أفضل، لكنها تظل وإلى اليوم حقلا صراعيا، وبالتالي ينبغي العمل على توسيع الحقوق والحريات. والواقع أن علمنة الجنسانية ما هي إلا تعبير غير ديني عن القيم الجنسية السامية التي أوجدها العقل الإنساني بشكل جنيني في الكثير من الديانات، ومن ضمنها الإسلام. فالعلمنة امتداد وتمديد للأديان في إيجابياتها بشكل يتجاوز الخصوصيات قصد توحيد البشر حول العقل.
وبشكل أعم، لا تعني العلمنة إقصاء الإسلام من حياة الفرد، وإنما تعني تطهير الدين من السياسية؛ وذلك من خلال أربعة مبادئ أساسية:
- أولا، لا تضفي السلطة السياسية شرعية إسلامية على نفسها من أجل كسب شرعية سياسية،
- ثانيا، لا تستصدر السلطة السياسية القوانين من النصوص الإسلامية المرجعية،
- ثالثا، لا تفرض السلطة السياسية الإسلام كدين الدولة على مواطنيها، بل تقر دستوريا بحريتي العقيدة والضمير،
- رابعا، لا تجعل السلطة السياسية من المدرسة العمومية مصنعا لإنتاج مسلمين، وإنما فضاء محايدا لدراسة علمية لكل لأديان الرئيسية ومجالا لصناعة المواطن الحر.
إن العلمنة بهذا المعنى، هي الكفيلة لوحدها بتحقيق إيمان صادق وحقيقي لدى الفرد، وهي التي تجعل الدولة تتعامل مع الفرد كإنسان راشد يتحمل مسؤولية اختياراته الحياتية، وعلى رأسها اختياراته الجنسانية.
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++

ضد البؤس الجنسي العربي، إصلاح جنسي حتمي

يعيش العالم العربي الإسلامي، وخصوصا بعض الدول منه، بؤسا جنسيا عارما. والمقصود بالبؤس الجنسي عدم إشباع الرغبة الجنسية وعدم إرضائها، رغم حضورها الملحّ والمستمر. ويكمن ذلك البؤس تحديدا في الانعدام الكلي للنشاط الجنسي المتعوي، أو في ضعف تكراريته، أو في عدم تحقيق ممارسات جنسية متعوية مرغوب فيها نظرا "لشذوذها"، أو في الملل الجنسي مع عدم التمكن من تغيير الشريك أو من تغيير الممارسات الجنسية معه، وذلك مع شعور دائم بالحرمان.

عوامل عضوية ونفسية تمنع الفرد من بلوغ المتعة الجنسية. على رأسها الاختلالات الجنسية الوظيفية، مثل الشعور بالألم أثناء الجماع (dyspareunie) والتشنج المهبلي (vaginisme) والبرود الجنسي (frigidité) والقذف المبكر (éjaculation précoce) والاختلال الانتصابي (dysfonction érectile). من ثم ذهبت المقاربة الطبية والسيكولوجية إلى الاقتصار على علاج الفرد المصاب بأحد تلك الاختلالات (sexothérapie) وإلى الوقوف عند هذا السقف.

 الأكثرية في معظم الدول العربية الإسلامية، يكمن البؤس الجنسي في المفارقة بين الإقدام على الجنس بتكرارية عالية في سن مبكرة دون أية تربية جنسية حامية من مخاطره، وبين تأخر سن الزواج لأسباب مادية مع الاقتناع بمبدأ الزواج وبأفضليته؛ وهي المفارقة التي تؤدي إلى ممارسة الجنس مع السهر على الاحتفاظ بغشاء البكارة، وفي تعويض الممارسة الجنسية الكاملة بممارسات سطحية أو من الخلف أو بممارسات فمية أو استمنائية متبادلة. وفي حالات الافتضاض غير المتبنى، الإقدام على ترميم غشاء البكارة أو وضع غشاء اصطناعي ليلة الزفاف لإيهام الزوج وأسرته بأن العروس عذراء،
وهو كذب يشرعنه المجتمع وفقهاؤه تجنبا للفضيحة وقصدا للستر، مما يدل على أن العذرية الحقيقية لم تبق قيمة اجتماعية، وأنها عوضت بعذرية زائفة تخون الأخلاق الأبيسية والأخلاق المدنية معا. ويكمن البؤس الجنسي العربي في بدء النشاط الجنسي مع عاملة جنسية مقابل مال ودون استعمال غشاء واق من الأمراض. وفي حالات أخرى، يقع حمل غير مقصود وغير مرغوب فيه، مما يخلق مآسي متعددة (إجهاض سري خطير، أم عازب، طفل غير شرعي معرض للضياع). وبشكل عام، تتم الممارسة الجنسية في أي مكان وبأية طريقة كانت بالنظر إلى عدم توفر مكان مناسب للعزاب، شبانا وشابات، بل وللكثير من الأزواج الذين لا يتوفرون على غرفة نوم مستقلة. باختصار، يكمن البؤس الجنسي في سرقة لحظات متعة خاطفة غير مرضية في إطار ما سميناه "ترميقا جنسيا- مجاليا" سنة 2000.

بالاستناد على التشخيص السوسيولوجي للبؤس الجنسي بهذا المعنى الاصطلاحي، لا بد من ربطه بالقمع الجنسي الذى يمارسه المجتمع العربي على الفرد من خلال مختلف مؤسسات الدولة القمعية الهادفة إلى إخضاع الجنس للغائية الإنجابية عبر سجنه في الزواج والأسرة باسم الدين والقانون (الفصول 489 و490 و491 من القانون الجنائي المغربي مثلا). كل ذلك على حساب المتعة التي تشكل الهدف الأساسي والأول للرغبة الجنسية. من ثم تحريم وتجريم كل جنسانية متعوية، قبل زوجية أو خارج زوجية غير المسموح لهما بالإنجاب. وبخصوص الرغبة الجنسية قبل الزواج مثلا، فقد حث الإسلام على التسامي بها؛ أي إلى تحويلها إلى هدف روحي أنبل بفضل الصوم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباء فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء". فالصوم كسر للشهوة الجنسية وتحرر منها. وفي هذا الاتجاه، يضيف الفقهاء المعاصرون الجدد ممارسة الرياضة وغض البصر من أجل مقاومة الرغبة الجنسية وقهرها. لكن الفقهاء أصبحوا اليوم عاجزين عن الاحتفاظ بالتسري (الرق الجنسي) لصالح الرجل، وبزواج المتعة (بالنسبة إلى فقهاء السنة) كآليات لاجتناب البؤس الجنسي. وأصبحوا أيضا محرجين في الدفاع عن الزواج المبكر. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الكاثوليكية مثلا أكثر تشددا من الإسلام في قمع الجنس، حيث تقول بتحريم الجنس قبل الزواج وخارجه وبتبخيس المتعة في الجنسانية الزوجية نفسها وبتحريم الطلاق وبتثمين الرهبنة والإعلاء من شأنها كتسام مهدئ للرغبات الجنسية.

اقترح فرويد التسامي بالرغبة الجنسية كحل في مواجهة البؤس الجنسي الذي كان يعم المجتمعات الغربية نفسها

صحيح أن البؤس الجنسي يمس المجتمعات العربية بأكملها، نظرا لكونها تُجْمِع على تحريم وتجريم كل جنسانية غير زوجية وكل جنسانية مثلية. لكن المستوى الشرعي والقانوني شيء، والواقع الجنسي شيء آخر؛ بمعنى أن التوفر على رأسمال ما يُسَهِّل اختراق القانون والتقليص من شدة البؤس الجنسي. وبالتالي، يتوجب علينا مقاربة سوسيولوجية أكثر دقة للبؤس الجنسي من خلال الفرضيات التالية: 1) كلما انخفض مستوى الطبقة الاجتماعية كلما ارتفع معامل البؤس الجنسي، 2) كلما ارتفع معامل البؤس الجنسي كلما كانت الفئات الاجتماعية هشة (أمثلة فئة الشباب غير المتزوج مقابل فئة الكهول المتزوجين وفئة النساء مقابل فئة الرجال)، 3) كلما ارتفع المستوى التعليمي كلما انخفض معامل البؤس الجنسي. بتعبير آخر، يشكل التوفر على رأسمال مالي (ثروة) أو رأسمال جندري (رجولة) أو رأسمال اجتماعي (كهولة-زواج) أو رأسمال رمزي (تعليم عالي) أداة فعالة للتحايل على القمع الجنسي المؤسساتي.

 الفرضية الأولى بالضبط، يصعب الرهان عليها عند ما يتعلق الأمر بالمقارنة بين الدول العربية النفطية الغنية، وبين الدول العربية اللانفطية الفقيرة، إذ من المتعذر جدّا أن نقر أنه كلما كانت الدولة العربية غنية كلما كان البؤس الجنسي فيها أقل. فالغنى ليس عاملا كافيا لوحده لتجاوز البؤس الجنسي والتخلص منه. وبالتالي هل يجوز الخلوص إلى أن البؤس الجنسي قاسم مشترك بين الدول العربية الغنية (بكافة طبقاتها الاجتماعية)، وبين الطبقات الاجتماعية العربية الفقيرة (في كافة الدول العربية الفقيرة)؟
الثورة الجنسية، طوباوية جميلة
في مواجهة البؤس الجنسي الذي كان يعم المجتمعات الغربية نفسها، كان فرويد قد اقترح التسامي بالرغبة الجنسية كحل، لأنه اختزل البؤس الجنسي في الاختلالات الجنسية الوظيفية، العضوية منها والنفسية. فهو لم ير قط في البؤس الجنسي إنتاجا بنيويا للمجتمع الأبيسي التسلطي الذي يستهدف قمع الفرد الحر، بل وإعاقة ميلاده. وبالتالي لم ينتبه قط للبعد السوسيولوجي للبؤس الجنسي. خلافا لفرويد، ذهب رايش إلى ضرورة تسييس قضية البؤس الجنسي، لأنه رأى فيه نتاجا للقمع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والديني والثقافي المميز لكل مجتمع رأسمالي المسلط بالأساس على الطبقة العاملة. فالرأسمالية تحد من إرضاء الجنسانية المتعوية (دون الإعلاء من الجنسانية الإنجابية) من خلال تحويل الطاقة الجنسية إلى قوة عمل والتركيز على العمل المنتج،
المستلَب (aliéné) بالطبع. وهو في ذلك، قارب البؤس الجنسي من منظور سوسيولوجيا ماركسية يلعب فيها الصراع الطبقي دورا مهما وأساسيا. في هذا الإطار، ذهب إلى أن الغائية الأساسية للغريزة الجنسية هي المتعة وليس الإنجاب، وخير دليل على ذلك جهل الإنسان البدائي للعلاقة بين الجنس والإنجاب، إذ كان هدفه الرئيس تهدئة التوتر الناتج عن الرغبة. وقد لاحظ رايش من خلال ممارسته التحليل-نفسية وانتمائه للحزب الشيوعي معا، أن القمع الجنسي يؤدي إلى العُصاب أو إلى الشذوذ، وأن عدم إرضاء الجنسانية المتعوية يقود إلى تنامي العدوانية والعنف، وإلى الرغبة في الهدم. لذا خلص إلى ضرورة الاعتراف بالمتعة الجنسية كهدف أسمى للدافع الجنسي، وإلى تحرير الجنس من الإنجاب ومن التناسلية. وبشكل أدق، دعت النظرية الفرويد-ماركسية التي وضع إلى القضاء الكلي والنهائي على الزواج وعلى الأسرة، باعتبارهما مؤسسة أبيسية محافـظة تخضع الجنسانية إلى غائية الإنجاب على حساب غائية المتعة لصالح الطبقات السائدة.
 بفضل الأسرة ومأسستها كإطار أوحد لممارسة الجنس، يتم تمرير التحريم الديني لكل أشكال الجنسانية المتعوية في أوساط الشباب، ومن بينها تحريم الاستمناء نفسه على الشباب كمتنفس بديل. فالأسرة إذن هي الوسيط الذي يمرر الإيديولوجيات السلطوية المضادة للجنسانية المتعوية، وهي الوسيط الذي يغرس القمع الجنسي في نفسية الفرد منذ الطفولة، والذي يجعل منه كبشا سياسيا طيعا يخاف الحرية. 
 إن الأسرة هي المُمَرِّر والمُنْقل للموانع الإيديولوجية المضادة للجنس، فتجعل الفرد يستبطن رفض المتعة الجنسية إلى درجة الشعور بالإثم عند الإقدام عليها. ويشكل تحرير الجنسانية من الزوجية تحريرا للمرأة بالخصوص، فالمرأة تتحرر من قيود الأسرة كوحدة إنتاج أبيسية تحتل فيها موقع البرولتاري المستغَّل والدوني.
في هذا الإطار النقدي، غدا الصراع الجنسي أولوية سياسية عند رايش من منظور فرويدي- ماركسي، ومن ثم دعا من خلال نشاطيه المهني (كمحلل نفسي) والحزبي (كمناضل شيوعي) إلى ثورة جنسية شاملة من خلال المطالبة بتحرير الجنس من الزواج (في اتجاه الحب الحر) وبإباحة الإجهاض وبالاعتراف بالطفل "الطبيعي" وبالأم العازب وبالتربية الجنسية للأطفال وبحقوق المثليين. وتقتضي الثورة الجنسية حسب رايش ثورة اجتماعية ضد الاستغلال الرأسمالي وضد التسليع من أجل إمكان تحرر فردي وجمعي شامل.
الإصلاح الجنسي الليبرالي: الجميل القبيح
على الرغم من مطالبته بالقضاء على النظام الرأسمالي الذي يستغل الطاقة الليبيدية في العمل والمردودية الإنتاجية عوض تفريغها الطبيعي في المتعة؛ رفض الحزب الشيوعي السوفياتي طروحات رايش الجنسية الثورية. وفي الوقت ذاته، قاومت البورجوازية والرأسمالية الثورة الجنسية من خلال رفضها للماركسية وللفرويدية معا، باعتبارهما يعارضان معا أخلاقها الجنسية الأبيسية والاستلابية، وباعتبارهما يهددان معا استغلالها لجنسانية الإنسان في الحفاظ على مصالحها وأرباحها.
انطلاقا من هنا، تم الانتقال تدريجيا إلى أنموذج الإصلاح الجنسي من خلال استغلال مكاسب التحليل النفسي الرايشي (الملتزم) والماركسية الداعية إلى إنهاء استغلال الإنسان للإنسان (واستغلال الرجل للمرأة). وبفضل التقدم الطبي أيضا الذي مكن من إبداع وسائل منع حمل فعالة حققت تفكيك الارتباط بين الجنسانية والإنجاب؛ فالثورة الجنسية التي تمت في نهاية الستينيات داخل المجتمع الرأسمالي ثورة داخل منظور إصلاحي يقبل باستمرار مؤسستي الزواج والأسرة مع الإعلاء من الوظيفة الجنسية المتعوية للأسرة الزوجية.
 يعني الإصلاح الجنسي التحويل القانوني للزواج إلى عقد حر لا إكراه فيه بين راشدين، ويعني أيضا المساواة الجندرية في الحقوق الجنسية بين الرجال والنساء (والميميون الثلاثة، المثلي الجنسي، المزدوج الجنسي، المتحول الجندري في بعض المجتمعات التي قطعت أشواطا بعيدة في الإصلاح الجنسي). ويعني تأسيس المساواة بين المرأة والرجل في كافة الحقوق التوقف عن التمييز التفاضلي بينهما على أساس الجندر، وهو ما يؤدي إلى التوقف عن اعتبار المرأة عورة واختزالها في جسد آلي يقوم بوظائف ثلاث: جسد مغري يؤجج رغبات الزوج، ويستجيب لطلباته الجنسية، جسد-رَحِم يضمن للزوج استمرار سلالته، جسد يعمل في البيت قصد تمكين الزوج من استرجاع قوته على العمل. إن الإصلاح الجنسي تحرير للمرأة من البيت والمطبخ وإشراكها في اقتسام الفضاء العمومي على قدم المساواة مع الرجل؛ أي في ولوج حقول المعرفة والمال والسلطة.
أصبح الإصلاح الجنسي ضرورة عمومية في العالم العربي الإسلامي، رغم كونه يبدو للبعض بمثابة ثورة جنسية جدرية
ومن بين التمظهرات الأخرى للإصلاح الجنسي، إباحة الحق في الجنس الرضائي قبل الزواج وإعداد وتطبيق برامج للتربية الجنسية تسعى إلى تمكين الفرد من التعرف على مختلف وسائل منع الحمل وعلى طرائق الحماية من الأمراض المنقولة جنسيا، وإلى تحقيق الصحة الجنسية الفردية والجمعية والحفاظ عليها. وتقوم التربية الجنسية الشاملة على تثمين جنسانية راضية ومتراضية كشرط ضروري للتوازن النفسي، بل وللسعادة الفردية والجمعية، أيضا، يكمن الإصلاح الجنسي اليوم في اعتبار الإنجاب اختيارا والإجهاض حقا، وفي الاعتراف القانوني بالأم العازب وفي شرعية الطفل خارج إطار الزواج.

طبعا، أدى الإصلاح الجنسي في إطار النظام الرأسمالي الليبرالي المعولم الوحشي إلى جنسنة عالية (hyper sexualisation) لكل المجتمعات المعاصرة، وإن بنسب متفاوتة، وتعني تلك الجنسنة إشعال الرغبات الجنسية بمختلف الوسائل وتحويلها إلى طلب دائم؛ أي إلى بحث مستمر عن الإشباع الجنسي من خلال شراء سلع وخدمات جنسية مُسَوَّقَة. إن العمل الجنسي (مع أو دون سياحة جنسية) والبورنوغرافيا والجنس الرقمي والإشهار (المُسَلِّع للجسد) تحريف للإصلاح الجنسي وخيانة لمقاصد الثورة الجنسية ومؤشرات دالة على ما سماه ماركيوز (Marcuse) لا تساميا قمعيا (désublimation répressive). كل ذلك تجاوز لا تسمح به الحقوق الجنسية والإنجابية ولا يتم باسم التحرر الجنسي. إن الفرق بين الحرية الجنسية واللبرلة الجنسية المُسَلِّعة للجنس هو الفرق نفسه بين الإباحة الجنسية والإباحية الجنسية. فالإصلاح الجنسي قول بالحرية الجنسية بمعنى إباحة جنسانية متراضية راشدة غير تجارية ورفض للإباحية الجنسية التسليعية والتسويقية.
نحو إصلاح جنسي عربي دون ليبرالية جنسية
أصبح الإصلاح الجنسي ضرورة عمومية في العالم العربي الإسلامي، رغم كونه يبدو للبعض بمثابة ثورة جنسية جدرية، رغم أنه لا يطالب بالقضاء على الزواج والأسرة. ولكي يتقدم، يحتاج الإصلاح إلى خطوة أولية جريئة تكمن في الحياد القانوني للدولة، انطلاقا من المبدأ التالي: ليس للدولة الحق في تجريم الفرد الممارس للتحريم الديني للجنسانية غير الزوجية، وليس للدولة الحق في تجريم الفرد الممارس للجنسانية غير الزوجية الرضائية غير التجارية بين الراشدين.
والواقع أنه رغم عدم تبني الدول العربية لهذا الحياد القانوني المؤسس للإصلاح الجنسي، فإن معظم تلك الدول تمارس إصلاحا جنسيا غير مكتمل، لكن دون الاعتراف الصريح أنها تعمل فعلا على الإصلاح الجنسي في حدود معينة، ودون استعمال مصطلح الإصلاح الجنسي نفسه. من تمظهرات الإصلاح الجنسي العربي المحتشم عدم متابعة كل مقترفي الجنح الجنسية (جنس قبل زوجي، جنس خارج زوجي، جنس مثلي) وعدم متابعة كل حالات الإجهاض السرية اللاقانونية، وتمكين النساء غير المتزوجات من وسائل منع الحمل (في القطاع العمومي في بعض الدول) ومحاربة العنف ضد النساء ومحاربة الأمراض المنقولة جنسيا، كل ذلك بفضل تنفيذ تربية جنسية لا تقول اسمها بدورها وغير كاملة بدورها
وتتم تلك الخطى العربية الخجولة في طريق الإصلاح الجنسي بفضل ضغط الواقع الجنسي العربي البئيس (حيث تُحَوِّل بعض الدول العربية دولا عربية أخرى إلى سوق جنسية، وهو عنف جنسي، بالإضافة إلى كل ما سبق قوله بصدد تمظهرات البؤس الجنسي الأخرى) من جهة، وبفضل تبيئة وتوطين بعض الحقوق الجنسية والإنجابية باسم الإسلام من خلال التركيز على المتعة الجنسية كحق للزوجة، وعلى إباحة العزل اعترافا بشرعية المتعة في ذاتها ومن أجل ذاتها، وعلى إباحة الحنفية والحنبلية للاستمناء عند شدة التوتر الجنسي تفاديا للزنا من جهة أخرى. فبعض الدول العربية أصبحت تعي أن الكثير من المشاكل الجنسية والعاطفية تنتج عن اللامساواة وعن التسلط والقمع، وفي الوقت ذاته أصبحت أكثر وعيا بخطورة وقع تلك المشاكل على الاستقرار الاجتماعي، بل والسياسي. فالبؤس الجنسي من عوامل العنف اليومي المؤدي إلى عدم الشعور بالأمن، ومن عوامل تحويل المسلم إلى إسلاموي إرهابي يكفر الدولة ويحاربها من خلال جهاد مقدس أعمى. من ثمة أصبح الإصلاح الجنسي العربي ضرورة عمومية، بل أولوية، لأن القضية الجنسية في العالم الإسلامي مسألة صحة ومسألة تنمية ومسألة سلم اجتماعي ومسألة استقرار سياسي، وهي قبل هذا وذاك قضية حرية وسعادة.
++++++++++++++++++++
من التقريب بين المذاهب الإسلامية إلى التعددية المساواتية
 المذاهب العقائدية الرئيسية فأربعة، وهي السنة والشيعة والزيدية والإباضية. وتتوزع المذاهب الفقهية إلى ثمانية: الحنفي، والشافعي، والمالكي، والحنبلي، والجعفري، والزيدي، والإباضي والظاهري. لا بأس من التذكير هنا أن مصادر الفقه المعتبرة هي الكتاب والسنّة والإجماع، وقد أضاف أهل السنة مصادر أخرى كالقياس الذي تميزت به الحنفية واختلفوا في اعتماد مصادر أخرى كالاستصحاب (أي عمل الصحابة) والمصالح المرسلة وسد الذرائع والاستحسان وعمل أهل المدينة.
      المذاهب الإسلامية
  يقوم مذهب "أهل السنة والجماعة" على القول بختم النبوة وأن لا نبي بعد النبي محمد وأن لا إمام يقاربه في الصفات وأن لا وجود لنص يعين الخليفة من بعده وأن للمسلمين حرية اختيار حاكمهم بالشورى.
كما يقر المذهب بالتفضيل بين الصحابة وبأن أفضلهم خلفاؤه الأربعة "الراشدون" حسب ترتيب خلافتهم الزمنية، بمعنى أن علي بن أبي طالب يأتي في المرتبة الرابعة بعد أبي بكر بن أبي قحافة وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان.
            هنا بالضبط يكمن الاختلاف الأكبر مع الشيعة الذين يرون أن الخلافة تعود "شرعا" إلى علي بن أبي طالب أولا لأنه من آل البيت ونظرا لوجود آيات عديدة (أولت في هذا المعنى) وأحاديث مثل: من كنت وليه فعلي وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأبغض من أبغضه وانصر من نصره واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار".
  ويطلق على الشيعة اسم الإمامية لقولهم بالإمامة بعد النبوة، ويسمون بالاثني عشرية لجعلهم الإمامة في اثني عشر إماما وسموا كذلك بالجعفرية نسبة إلى أبرز أئمتهم الإمام السادس جعفر بن محمد. والإمام عند الشيعة هو من نص النبي الكريم على حقه في رئاسة المسلمين من بعده في أمور الدين والدنيا وذلك في أحاديث عدة. ويرى الشيعة أن علي بن أبي طالب (زوج فاطمة ابنة النبي) منع من حقه في الخلافة من طرف بعض الصحابة. من معتقدات الشيعة أيضا استمرار الرئاسة الدينية وظهورها في الأئمة. ويتصف الإمام بالعصمة من الخطأ والنسيان والذنوب كعصمة النبي، وبالتواصل مع الله، بمعنى أن له وحي خاص بمقام "الإمامة". وقد طعن الاثنا عشرية في عدالة معظم الصحابة لأنهم لم يقروا بإمامة علي، فرفضوا الرواية من كل الصحابة وأخذوها فقط ممن أيد منهم عليا وابنه الحسين. وبالتالي نجد أن روايات الشيعة عن النبي مأخوذة بالأساس عن رواية الأئمة حتى لو لم يكونوا ممن عاصروه. نتيجة لذلك، أخذت معظم تعاليم الدين عن الأئمة لأن لهم مقام النيابة عن النبي. من هنا يستمد الإمام حق التشريع لامتلاكه علما ذاتيا فطريا غير مكتسب عن رواية.
   أما الزيدية فتعتبر عادة من مذاهب الشيعة لأنها ترى في علي بن أبي طالب الأحق بالخلافة بعد النبي. الفرق بينها وبين الإمامية يكمن في أنها تعترف بشرعية خلافة من سبقه في الخلافة، فولاية المفضول جائزة عندهم. تميز ثان عن الاثني عشرية يوجد في عدم الاعتراف للإمام بمقام يقارب مقام النبي من حيث العصمة والوحي. ويكمن التميز الثالث في رفض مبدأ "توريث الإمامة" بمعنى أن الإمام لا يستحق الإمامة لكونه من آل البيت فقط، بل لأنه صاحب علم وفضل وجهاد. وتولي الزيدية أهمية خاصة للروايات التي نقلت عن النبي بواسطة الإمام زيد عن آبائه وأجداده. وتشكل تلك الروايات عمدة المذهب الزيدي.
 ومن أشهر عقائد الإباضية تخطئة بعضهم علي بن أبي طالب: أولا في قبوله التحكيم ضد معاوية، ثانيا في شنه حربا على الخوارج في النهروان. وتذهب الإباضية إلى القول بخطإ عائشة في حربها ضد علي في معركة الجمل. رغم كل هذه التهم السياسية ضد علي وعائشة، فإن الإباضية تثبت لهم التوبة. وتقول الإباضية بالرواية كتقنية شرعية لنقل تعاليم الإسلام، لكن لها شروطها الخاصة للحكم بصحة ما ورد من نقولات عن النبي.

 من الاختلاف/الخلاف إلى التقريب
            واضح أن المشتركات بين السنة والاثني عشرية والإباضية والزيدية تكمن في نقط عقائدية أساسية هي وحدانية الله وألوهيته والإيمان برسله وأن الإسلام خاتم الأديان. وطبعا لا يكفي هذا المشترك الأساسي والمؤسس للجمع بين المذاهب لأن الاختلافات بينها كثيرة ليس على مستوى الفقه فقط، وإنما على مستوى العقائد بالخصوص. فالقول بالإمامة يجمع بين الزيدية والشيعة الاثني عشرية لكن القول بالعصمة يفرق بينهما. ويجمع القول بالرواية بين السنة والزيدية والإباضية خلافا لما عليه الشيعة الاثنى عشرية.

فأهل السنة وقفوا عند ما ثبت عن النبي من قول أو فعل أو تقرير (بفضل الرواية) بيد أن الشيعة أضافت السنة المتواترة عن أئمة آل بيت واستندت في ذلك إلى عدد من الآيات القرآنية والأحاديث المتواترة عن النبي. واختلف المذهبان حول الإجماع كذلك. فعند الشيعة يأخذ الإجماع حجيته من المعصوم، أي من النبي أو من الإمام من أهل البيت. عكس ذلك، يقر فقهاء السنة أن للإجماع أصالة يكتسبها من علماء الإسلام، وهم أهل الحل والعقد. فإجماع هؤلاء على مسألة ما يعني الصواب.

 ترجع هذه الاختلافات في أصلها إلى تحول مشكلة الخلافة كمشكلة سياسية إلى مسألة عقائدية "أصولية" تفرعت عنها مذاهب عدة تقوم بتكفير بعضها البعض وتفرعت عنها مذاهب فقهية يخطئ بعضها البعض. فالاختلاف في الرأي تحول إلى خلاف ثم إلى فتنة ثم إلى اغتيالات ثم إلى حروب رغم الحركة التي تبناها من حين لآخر علماء المذاهب الإسلامية.  فالزيدية مثلا اقترحت قصر النقاش بين المذاهب في مسائل العقيدة التي لا جدال حولها كالإيمان بوجود الله ووحدانيته واتصافه بصفات الكمال والإيمان بأن اليوم الآخر آت والإيمان بالنبوة وأنها وسيلة لتبليغ التعاليم الإلهية. مفاد ذلك التركيز على المشترك العقائدي الذي يجمع ويوحد المسلمين.  واتسمت الاباضية بالمرونة وبالتسامح في معاملة سائر المذاهب الأخرى رغم الخلافات المتعددة، فسهروا على عدم تكفير أي مسلم بسبب معتقده المذهبي ما دام ذلك المعتقد مبنيا على تأويل نص شرعي، ولو كان "خاطئا".
            وفي إطار التقريب بين السنة (أتباع مدرسة الصحابة) والشيعة (أتباع مدرسة أهل البيت)، عمل جمال الدين الأفغاني كل ما في وسعه من جهد للتوفيق بين المذهبين إلى درجة أنه صعب تشخيص انتماءه المذهبي. فالبعض رأي فيه عالما شيعيا في حين اعتبره البعض الآخر عالما سنيا. واتهمه فريق ثالث بالترحال المذهبي. والواقع أنه كان داعية للوحدة الإسلامية المتجاوزة لكل انتماء مذهبي.
            وفي سنة 1938، تأسست دار التقريب بين المذاهب الإسلامية في القاهرة من طرف الشيخ محمد تقي القمي، وهو رجل دين إيراني وأصبح أمينها حتى وفاته. وشكلت دار التقريب فضاء لعقد الندوات والمؤتمرات بين علماء السنة والشيعة، كما أصدرت "مجلة رسالة الإسلام" (من 1949 إلى 1972) التي نشرت مقالات عدة لعلماء سنة وشيعة، وبفضل ذلك توصل أولئك العلماء إلى بحوث الفقه المقارن التطبيقيونشرت المجلة الكثير من المقالات التي نزهت المذهب الشيعي عن الاتهامات التي ألصقت به. أكثر من ذلك، تم تدريس الفقه الشيعي في جامعة الأزهر رغم أنها إحدى قلاع المذهب السني في العالم الإسلامي.

لسهههههههههههههه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق