Jun 29, 2022
خذ مثلا طبيبا يكتب أعمالا روائية. يتحسس البعض من هذا بالقول إن الأعمال الروائية والأدب في العموم هو صنعة الدارسين في المجالات الأدبية. تسمع مثل هذا الكلام في عالمنا العربي كثيرا. تسمع من عيّنته أكثر عندما يدافع خريج معهد للصحافة عن مهنة الصحفيين التي يريدها محصورة في خريجي المعهد. خريجو المعهد فيهم وعليهم. بعضهم ألمعيّون يتركون بصمة على المهنة والصنعة، وآخرون متعثرون لن يفيدوا الصحافة في شيء. ولكن بالتأكيد ثمة ما يكفي من الفسحة لآخرين ممن لم يتدربوا على المهنة بشكل أكاديمي، لكن لديهم قدرة على مجاراتها. هؤلاء ليسوا بالضرورة دخلاء.
ثمة اعتزاز مبالغ فيه في التخصص في العالم العربي. التخصص مهمّ بالطبع. لا يمكن أن تسلم نفسك إلى طبيب لم يتخرج من كلية الطب. إذا زاد ارتفاع المبنى عن ثلاثة طوابق، من المهم الاستعانة بمهندس إنشاءات يعرف سمك الأعمدة التي ستحمل المبنى. البنّاء خبير وله ما يقوله في الأمر، لكن تخيل مبنى من عشرين طابقا بلا حسابات إنشائية.
التوسيع في مساحة الإدراك المعرفي
الثورة التقنية. من ينبغي أن يكتب عنها معرفيا للقارئ؟ مهندس خبير بمفرداتها التكنولوجية ولديه قدرة على تقديمها بلغة المثقفين؟ أم مثقف يقرر أن يقلع عن إدمان قراءة وكتابة النصوص الأدبية والفكرية نحو استكشاف عالم يغيرنا يوميا ويحتاج إلى من يعمل على تقريبه للأذهان معرفيا؟
من يكتب عن السرطان؟ المريض بتجربته، أم الطبيب بخبرته، أم العالم الباحث بما يتوصل إليه في مختبره، أم المثقف الذي يدرس ظاهرة المرض بكل جوانبها ويعيها فيقدمها للناس ممن يرون في الأمر شيئا يكتنفه الغموض؟
جائحة كورونا. لا الطبيب كان مستعدا ولا العالم ولا المثقف. من دخل على الخط عندما لاحظ ذهول المجتمعات أمام صدمة الوباء؟ رجال الدين ومشعوذون وجهلة.
لتقط خليط من العلماء والمثقفين الخيط ويقدمون فكرة موضوعية وليست غيبية عن الوباء وتأثيره. بمرور الوقت، زادت الحزمة المعرفية ولم تعد محصورة بالمرض، لكي يدخل عالم الاجتماع لتفسير العزلة والطبيب النفسي لتفسير الكآبة والمفكر الاقتصادي لشرح التأثيرات المختلفة لاختناق المجتمعات بين السياسي والمالي والاقتصادي والنفسي. ولا يزال الباب مفتوحا للاستزادة في هذا المجال.
أول اتهام للمثقفين هو سكناهم في أبراجهم العاجية. اليوم يحتاجون ليس إلى النزول من تلك الأبراج والاستمتاع بأضواء الاعلام الشعبوي، بل استخدام تلك المواقع المرتفعة للإطلالة والنظر وتحويل البصيرة الثقافية إلى بصيرة معرفية. لا ضير أن يصعد إليهم ويشاركهم المشهد من كان بعيدا عن المفردات الثقافية التقليدية لكنه واعٍ بمفردات التقنية أو الصحة أو البيئة أو الذكاء الاصطناعي أو التحليل النفسي والتفسير الاقتصادي والاجتماعي لحياة الناس. في تلك الأبراج، نضع جانبا نقابية التخصص التي لم يعد لها مكان في الوعي المعرفي اليوم.
*
Oct 31, 2021
فالمفكرون المعرفيون هم من غيّر التاريخ ودفعه إلى التحول.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق