Aug 7, 2022
التمدن والتحضر
التحضر غير المستدام سبب كرونا
الوضعية والبراغماتية أن العقل الأداتي هو منطق في التفكير وأسلوب في رؤية العالم
شعاره بسيط هو التقدم العلمي والصناعي والمادي وتعظيم الإنتاجية المادية وتحقيق معدلات متزايدة من الوفرة والرفاهية والاستهلاك،
الحضارة قائمة على إخضاع الغرائز الإنسانية للكبت، مما يؤدي إلى أن ارتواء الحاجات الغريزية عند الإنسان لا يتوافق مع المجتمع المتحضر. فالتنازل القسري، وتحصيل الارتواء، يؤلفان شرطيّ التقدم. ويقول فرويد في هذا الصدد “إن السعادة ليست قيمة حضارية”. إذ أن السعادة ينبغي أن ترتبط بنظام العمل من حيث هو انشغال مستمر، كما أنها ترتبط بنظام التناسل في ظل الزواج الأحادي (أي الزواج من امرأة واحدة فقط)، والقوانين ذات الطابع الاجتماعي، فالتضحية المنظمة بمبدأ الليبيدو، وتحويله قصراً إلى نشاطات وتظاهرات مفيدة اجتماعياً، إنما هو الحضارة
تغيير لطبيعة الإنسان التي خلقت على الفطرة، عن طريق تنحيت مبدأ اللذة المباشرة في سبيل الخضوع للأمر الواقع، بمعنى أنه كلما ازدادت الحضارة نمواً انتصر مبدأ الواقع على مبدأ اللذة، وازداد التحكم في الغرائز الطبيعية عن طريق النظم والقوانين التي تفرضها الحضارة المتقدمة، مع الإشارة إلى أن مبدأ اللذة لا يختفي تماماً، وإنما يظل يعبر عن نفسه بواسطة صور غير مباشرة يحاول عبرها التخلص من سيطرة مبدأ الواقع عن طريق الأحلام والإبداع الفني والخيال، وبذلك تصبح تلك الصور عبارة عن متنفس ليعبّر المكبوت عن نفسه. فيصبح الكبت الثمن الذي يدفعه الإنسان لقاء تقدمه الحضاري (فؤاد زكريا: هربرت ماركيوز،
كما يُفرض على الإنسان في ظل هذه الحضارة العمل لكي ينتج، بدلاً من أن يستجيب لدوافعه الطبيعية (الغريزية) وعلى وجه التحديد الجنسية. مادامت الموارد لا تكفي لجعل أفراد المجتمع بلا عمل، فالإيروس إذا ترك دون رقابة يمنع الإنسان من العمل، ويحرم المجتمع من وسائل العيش، من هنا كان لا بد من طرحه جانباً والتركيز على العمل والإنتاج،
لأن الإيروس عاجز وبكل بساطة حسب تعبير فرويد عن إقامة الحضارة، لذلك كان من واجب إنكاره إذا أراد المجتمع أن يقيم لنفسه حضارة مرتكزة على الجهد والعمل.
بصورة أدق هي العمل لتحصيل خيرات الاستهلاك وزيادتها.
عمل دون لذة
ينظر إلى العمل، ليس على اعتباره صفة ليبيدية (نسبةً إلى الليبيدو) بل على اعتباره جهدا، والجهد يعني دائماً انعدام اللذة، وإن حالة انعدام اللذة ينبغي أن تفرض على الإنسان. بمعنى أنه إذا كانت الحضارة هي من عمل إيروس بصورة رئيسية، فإنها قبل كل شيء هي بتر لليبيدو، لأن الحضارة تكتسب جانباً كبيراً من الطاقة النفسية توجهه إلى أهداف حضارية لتبعده بعيداً عن الحياة الجنسية
نجد أن الحضارة بكل إمكاناتها تسعى إلى تحويل الغرائز عن أهدافها المؤدية لبلوغ اللذة، عن طريق إحباطها بالنسبة لتحقيق هذه الأهداف، فمن الطبيعي أن تبدأ الحضارة بالتطور والارتقاء عند ما يصبح الهدف الأولي (وهو الارتواء الكامل للحاجات) لاغياً فعلاً
الارتواء المباشر
الارتواء المؤجل
اللذة
تقييد اللذة
السرور (اللعب)
التعب (العمل)
الانفعالية
الإنتاجية
غياب الكبت
الأمن
فرويد في هذا الجانب أن إبدال مبدأ اللذة بمبدأ الواقع هو أكبر حدث صادم في تطور الإنسانية على الإطلاق
مبدأ الواقع اليوم يتحقق من خلال نظام من المؤسسات، فيتعلم الفرد من خلال التنشئة الاجتماعية في ظل هذا النظام ضرورات الخضوع لمبدأ الواقع، كما لو كانت ضرورات القانون أو النظام، فينقلها بدوره إلى الأجيال القادمة
يتفق ماركيوز مع فرويد فيما تقدم حول قمعية الحضارة الراهنة ويوصّف المجتمع الصناعي
القمع الشديد، دون أن يصاحبه إشباع حقيقي أو متعة حقيقية، أنه أبعد ما يكون عن طبيعته الأصلية التلقائية. فكلّ شيء فيه مخطط ومدروس، يستهدف إغراق الإنسان المعاصر بالصّور والتعبيرات والإيماءات الجنسية التي تحفل بها الصحف وأفلام السينما، ولكن دون إشباع حقيقي ولو شئنا الدقة لقلنا إن ما يقدم إلى الإنسان المعاصر، ليس هو الجنس ذاته، بل بديل عنه، إنه خيالات وأوهام تحل محله وتزيد من طابع القمع المسيطر على نظرة المجتمع إلى الجنس، هذا النفاق ذو الوجه المزدوج، الذي لا يمكن أن يعدّ حرماناً، ولا إشباعاً لا بد أن ينتهي، لكي يحل محله انطلاق وتحرر لقوى الإنسان الغريزية، وعلى رأسها الجنس، وذلك من خلال حضارة الإيروس التي ينتهي بها القمع (فؤاد زكريا: هربرت ماركيوز، ص ص 76 – 77).
القمع الجنسي في المجتمع المعاصر لا يتم بصورة مباشرة ومعلنة، وإنما يتم بصورة تبدو تلقائية وطبيعية سوية، ولا تتعارض مع ما هو سائد من صور للحرية الجنسية، لذا يرى ماركيوز أنه من الممكن أن تصل الحرية الجنسية إلى أقصى مدى يتصوره الإنسان، لكنها لا تستطيع أن تتخطى الحدود التي وضعها النظام القائم للجنس
هذا التحرّر المزعوم يخدم القمع العام الراهن أكثر مما يناوئه
يعاني الفرد من الحرمان لتقلص مطالبه غير القابلة للتوافق مع المجتمع القائم. فاللذة من هذا النوع تولد الخضوع
الوفرة عن طريق التقدم التكنولوجي وانتشار الآلية (الأوتوماتيكية) التي تسير بذاتها، ممّا يتيح للمجتمع الانتقال إلى شكل جديد من أشكال الحضارة لا يعود فيه العمل الشاق ضرورياً، بل يتفرّغ الإنسان لتحقيق طبيعته الحيوية، مما يؤدي إلى القضاء على كل أشكال الاغتراب التي يتعرّض لها الإنسان. بهذا نجد أن الإنتاجية الوفيرة لهذا المجتمع تكرس لصالح قواه الإنسانية التي تحقق ذاته لأول مرة في تاريخه الطويل
المجتمع الصناعي المعاصر لم يستغلّ هذه الوفرة الإنتاجية في القضاء على القمع والكبت الذي يعاني منه الإنسان، ولا في إشباع حاجاته الحقيقية، بل لإشباع جشع المنتجين إلى الرّبح وإلى المزيد من الإنتاج، فأصبح الكبت في العصر الحالي قمعاً إرادياً من صنع الإنسان ليس كما وصفه فرويد كبت بحكم الضرورة الطبيعية، بمعنى آخر يرى ماركيوز بالمحصلة أن العوامل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية هي التي تؤدي إلى القمع السائد الآن، وهي تدفع المجتمع إلى تطبيق أساليب معينة في توزيع ثروته. وتحتّم سيطرة البعض على البعض الآخر.
ما بعد الحداثة
مرحلة ما بعد الدولة القومية تركز على التكنولوجيا أكثر من الإنسان، إذ يجري الحديث عن سوسيولوجيا المعلومات والمعرفة ومجتمع الشبكة وثورة التكنولوجيا، فهي بهذا مشغولة ببنية هذه الثورة وطبيعتها، أكثر ممّا هي مشغولة بعالم الإنسان، ولعلها لن تكون قادرة على قراءته تماماً، بالنظر إلى أن ثورة المعلومات جعلت المجتمع في حالة من التغير اللامستقر والثورة الدائمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق