هل كان سيتفجر ذلك الغضب الشعبي دون كتابات فولتير؟ دون الأفكار الثورية التحررية التي أبدعها مثقف يدعى جان جاك روسو؟ دون التفكير النير الذي أظهره مونتسكيو؟ لقد سخروا في الحقيقة عقولهم وأفكارهم لإنتاج الجديد وصنع التغيير: إذ توجه البعض لنقد مساوئ النظام السياسي القائم آنذاك على الحكم الفردي المطلق بحق إلهي، مؤكدين في ذلك على ضرورة تأسيس نظام آخر يرتكز على الحرية والمساواة والعدل ويضمن بذلك كرامة الفرد وإنسانية الإنسان. أما آخرون، فقد استهدفت أقلامهم الكنيسة ونظامها الإكليروسي إذ استحوذت هذه الأخيرة آنذاك على الثروات في المجتمع وسيطرت على العقول ومنعتها من التفكير الحر والعقلاني. نجد ثلة من المثقفين الذين لم يتوانوا في نقد أسس النظام الاجتماعي المقام أساسا على نوع من اللامساواة الطبقية حيث تستحوذ فيه طبقتا رجال الدين والنبلاء على أغلب الامتيازات. إذن فقد أسهمت كتابات كل هؤلاء المثقفين في زعزعة القناعات الثابتة آنذاك وتحريك سواكن العقل، ذلك أن كل هذه الأفكار تحمل في داخلها إرادة صريحة وقوية للتغيير وهذا هو في اعتقادي روح المثقف وجوهره.
علماء الأنثروبولوجيا عصر ‘الإنسان السبرنتيقي’ وهذا ربما ما قد تنبأ به الفيلسوف هيدغر حينما أعلن عن نهاية الفلسفة وبداية عصر “السبرنتيقا”. فلا ريب إذن في القول إن جل هذه التحولات كانت نتيجة لتلك الظاهرة التي ما انفكت تثير تساؤلات وتؤرق عقول العديد من المفكرين ألا وهي ظاهرة “العولمة” التي نجحت أيما نجاح في جعل العالم بأسره- من أكبر مدينة كوزمبوليتانية إلى القرية النائية الصغيرة- مسلعنا وخاضعا لمنطق اقتصاد السوق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق