محمد توفيق صدقى: ما زاد من السنة عن الكتاب إن شئنا عملنا به وإن شئنا تركناه.. وما فيها من الحكم نقبلها على العين والرأس
صدقى: على المسلم أن يستنتج جميع ما يجب عليه فى دينه ودنياه بعد مطالعة القرآن الكريم
الأحاديث لم يكتب منها شىء إلا بعد عهد الرسول بمدة تكفى لأن يحصل فيها كثير من التلاعب
صدقى: على المسلم أن يستنتج جميع ما يجب عليه فى دينه ودنياه بعد مطالعة القرآن الكريم
الأحاديث لم يكتب منها شىء إلا بعد عهد الرسول بمدة تكفى لأن يحصل فيها كثير من التلاعب
لا خلاف بين أحد من المسلمين، فى أن متن القرآن الشريف مقطوع به؛ لأنه منقول عن النبى صلى الله عليه وسلم باللفظ بدون زيادة ولا نقصان، ومكتوب فى عصره بأمر منه عليه السلام، بخلاف الأحاديث النبوية فلم يكتب منها شىء مطلقًا إلا بعد عهده بمدة تكفى لأن يحصل فيها من التلاعب والفساد ما قد حصل، ومن ذلك نعلم أن النبى عليه السلام لم يرد أن يبلغ عنه للعالمين شىء بالكتابة سوى القرآن الشريف الذى تكفل الله تعالى بحفظه فى قوله جل شأنه: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ» (الحجر: ٩) فلو كان غير القرآن ضروريًا فى الدين لأَمَرَ النبى بتقييده كتابة ولتكفل الله تعالى بحفظه، ولما جاز لأحد روايته أحيانًا على حسب ما أداه إليه فهمه.
فإنْ قيل: إن النبى لم يأمر بكتابة كلامه لئلا يلتبس بكلام الله، قلت: وكيف ذلك والقرآن معجز بنظمه ولا يمكن لبشر الإتيان بمثله ولِمَ لَمْ يضمن ما فى الأحاديث من الواجبات كما ضمن ما فى القرآن حتى نأمن عليه من التغيير والتحريف والاختلاف، ولما كان بعض الدين قرآنًا والبعض الآخر حديثًا، وما الحكمة فى ذلك، وما الفرق بين الواجب بالقرآن والواجب بالسُّنة؟، فهذه بعض أسئلة ألقيها على الباحثين ليجيبوا عنها إن كان ثَم جواب.
سأل بعض الصحابة النبى صلى الله عليه وسلم: (هل يجب الوضوء من القىء؟) فأجاب عليه السلام: (لو كان واجبًا لوجدته فى كتاب الله تعالى) فهذا الحديث صح أو لم يصح، فالعقل يشهد له ويوافق عليه، وكان يجب أن يكون مبدأ للمسلمين لا يحيدون عنه. ولكن ويا لَلأسف لَحِقَ المسلمين ما لحق غيرهم من الأمم، فدفع بهم فى ظلمات فى بحر لُجىّ يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب، ظلمات بعضها فوق بعض، إذا أخرج أحدٌ منهم يده لا يكاد يراها، ومن لم يجعل الله له من كتابه نورًا فما له من نور.
سأل بعض الصحابة النبى صلى الله عليه وسلم: (هل يجب الوضوء من القىء؟) فأجاب عليه السلام: (لو كان واجبًا لوجدته فى كتاب الله تعالى) فهذا الحديث صح أو لم يصح، فالعقل يشهد له ويوافق عليه، وكان يجب أن يكون مبدأ للمسلمين لا يحيدون عنه. ولكن ويا لَلأسف لَحِقَ المسلمين ما لحق غيرهم من الأمم، فدفع بهم فى ظلمات فى بحر لُجىّ يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب، ظلمات بعضها فوق بعض، إذا أخرج أحدٌ منهم يده لا يكاد يراها، ومن لم يجعل الله له من كتابه نورًا فما له من نور.
وصار من المستحيل أن يعمل الإنسان بدينه بدون أن يقلد غيره ممن أفنوا أعمارهم فى عمل مذهب لهم فأصبح التقليد من أوجب الواجبات فى دين المسلمين بعد أن كان من ألدّ أعداء القرآن المجيد. تنوعت المذاهب واختلفت المشارب وتعددت الآراء فى كل فرع من فروع الفقه حتى تجد فى كل مسألة أن كل ممكن من الممكنات العقلية قد صار مذهبًا لأحد الأئمة ووجب على المقلدين القول «بأن الكل على الحق» فأصبح القول باجتماع الضدين بل النقيضين عقيدة من عقائد الدين بين المسلمين فحق عليهم القول بأن سيتبعون سنن مَنْ قبلهم حتى لو دخلوا جُحْر ضب لدخلوه.
أراد بعضهم أن يزيل عن العين الرمد فقال بسد باب الاجتهاد. وبذلك شفى الرمد بالإعماء، فصار كل من أراد أن يستعمل عقله فى الدين رموه بأنه من المارقين وهكذا ضاع الحق بين الأباطيل: ولولا عناية الله لأزهقت رُوحَه الأضاليلُ.
نظر المجتهدون فى الأحاديث نظرة علموا ما فيها من الاختلاف، وتحققوا أن أكثرها موضوعات، ولما أراد كل منهم أن يستخرج مذهبه اضطر أن يرفض منها ما صح عند غيره، فهل يعقل أن الله يدين العالمين بشىء لا يمكن لأحد أن يميز حقه من باطله؟، وهل يعذر المسلمون فى تركهم القرآن خلف ظهورهم والاشتغال عنه بهذه المذاهب وصرف الوقت فى مراجعة الروايات التى لا تحصى لظنهم أن القرآن غير وافٍ بالدين كله، والله تعالى يقول: «مَّا فَرَّطْنَا فِى الكِتَابِ مِن شَىْءٍ» (الأنعام: ٣٨) وإذا صحت مذاهبهم، فأى تفريط أكبر من ترك القرآن لأكثر واجباتهم فى الصلاة والصوم والحج والزكاة وغير ذلك؟.
دين الله سهل ميسور، والتقليد فيه محظور، فلو كان العمل بما فى الأحاديث واجبًا لَلَزِمَ كل مكلف أن يترك أى شغل آخر ويقضى الليالى الطويلة فى مطالعة المجلدات الضخمة من كتب الحديث، ليعرف الضعيف والصحيح والموضوع، والحسن والموقوف والمرفوع، والناسخ والمنسوخ: فهل فى شرعة الإنصاف أنى.. أكلف خُطَّةً لا تستطاع؟.
يحتج السنيون على صحة قولهم بنحو قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِى الأَمْرِ مِنكُمْ» (النساء:٥٩) ولكننا نحن القرآنيين نقول: إن إطاعة الرسول لا نزاع فيها ولكن النزاع فى مسألة أخرى وهى: هل يفرض علينا الرسول فرضًا لم يفرضه كتاب الله؟،
نظر المجتهدون فى الأحاديث نظرة علموا ما فيها من الاختلاف، وتحققوا أن أكثرها موضوعات، ولما أراد كل منهم أن يستخرج مذهبه اضطر أن يرفض منها ما صح عند غيره، فهل يعقل أن الله يدين العالمين بشىء لا يمكن لأحد أن يميز حقه من باطله؟، وهل يعذر المسلمون فى تركهم القرآن خلف ظهورهم والاشتغال عنه بهذه المذاهب وصرف الوقت فى مراجعة الروايات التى لا تحصى لظنهم أن القرآن غير وافٍ بالدين كله، والله تعالى يقول: «مَّا فَرَّطْنَا فِى الكِتَابِ مِن شَىْءٍ» (الأنعام: ٣٨) وإذا صحت مذاهبهم، فأى تفريط أكبر من ترك القرآن لأكثر واجباتهم فى الصلاة والصوم والحج والزكاة وغير ذلك؟.
دين الله سهل ميسور، والتقليد فيه محظور، فلو كان العمل بما فى الأحاديث واجبًا لَلَزِمَ كل مكلف أن يترك أى شغل آخر ويقضى الليالى الطويلة فى مطالعة المجلدات الضخمة من كتب الحديث، ليعرف الضعيف والصحيح والموضوع، والحسن والموقوف والمرفوع، والناسخ والمنسوخ: فهل فى شرعة الإنصاف أنى.. أكلف خُطَّةً لا تستطاع؟.
يحتج السنيون على صحة قولهم بنحو قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِى الأَمْرِ مِنكُمْ» (النساء:٥٩) ولكننا نحن القرآنيين نقول: إن إطاعة الرسول لا نزاع فيها ولكن النزاع فى مسألة أخرى وهى: هل يفرض علينا الرسول فرضًا لم يفرضه كتاب الله؟،
فإذا كان ذلك صحيحًا فهل لأولياء الأمر أن يفرضوا علينا صلوات سبعًا بدل الخمس أو صيام شهرين بدل الشهر ونحن مأمورون بطاعتهم مثل طاعة الرسول؟، وإذا كان الأمر كذلك فما بال جميع أصحاب المذاهب ميزوا بين أمر الله وأمر الرسول أو بين الواجب والسنة وبين المفروض والمندوب؟، أليس ذلك إقرارًا منهم بالفرق الهائل بين الكتاب والسنة؟.
حن لا نجهل أن كل مذهب منها يقول ببعض فرائض لا أثر لها فى الكتاب، ولكن الذى نلاحظه على أصحابها ونشكرهم عليه أنهم كانوا دائمًا يجتهدون أن يأخذوا دليلهم على الفرضية من الكتاب إن أمكنهم حتى إن كثيرًا منهم قال بعدم وجوب أشياء كان النبى عليه السلام يواظب عليها ويأمر أصحابه بها، إذ لم يجد دليلًا عليها من القرآن، فأبوحنيفة مثلًا قال بأن قراءة الفاتحة فى الصلاة ليست بواجبة؛ لأنه لم يجد أمرًا بذلك فى كتاب الله، وكذلك قال فى الاستنجاء، وذهب الجميع إلى القول بأن المضمضة والاستنشاق ليستا من فرائض الوضوء، وغير ذلك كثير حتى إنك تجدهم يستنبطون كل ما قالوا بأنه فرض من الآية الواردة فيه، وبعد ذلك يقولون بأن ما زاد عليه فهو سنة، ولو لم يثبت أن النبى تركه مرة واحدة، أليس ذلك أثرًا من آثار الفطرة السليمة الباقية فى نفوسهم؟.
إذا نظر ناظر فى جميع المذاهب المعروفة واستخرج منها جميع ما أجمعوا على وجوبه وجد أنه كله مستنبط من القرآن الشريف إلا مسائل قليلة جدًا أذكر منها بعضها لأهميتها كعدد ركعات الصلاة، ومقادير الزكاة وما يتعلق بها.
لا شك عندى أن هاتين المسألتين متواترتان عن النبى صلى الله عليه وسلم فليس ذلك محلاًّ للنزاع، ولكن محل النزاع هو هل كلُّ ما تواتر عن النبى أنه فعله وأمر به يكون واجبًا على الأمة الإسلامية فى جميع الأزمنة والأمكنة، وإن لم يرد له ذكر فى القرآن رأيى أنه لا يجب. وربما كان ما يفعله النبى صلى الله عليه وسلم هو مندوبًا إليه ندبًا شديدًا أو أنه تطبيق لأوامر القرآن الباقية على أحوال الأمة العربية، بحيث إن غيرها من الأمم لها أن تستنبط من الكتاب ما يوافق أمورها وأحوالها كما سنبين ذلك فى مسألة الزكاة.
إذا نظر ناظر فى جميع المذاهب المعروفة واستخرج منها جميع ما أجمعوا على وجوبه وجد أنه كله مستنبط من القرآن الشريف إلا مسائل قليلة جدًا أذكر منها بعضها لأهميتها كعدد ركعات الصلاة، ومقادير الزكاة وما يتعلق بها.
لا شك عندى أن هاتين المسألتين متواترتان عن النبى صلى الله عليه وسلم فليس ذلك محلاًّ للنزاع، ولكن محل النزاع هو هل كلُّ ما تواتر عن النبى أنه فعله وأمر به يكون واجبًا على الأمة الإسلامية فى جميع الأزمنة والأمكنة، وإن لم يرد له ذكر فى القرآن رأيى أنه لا يجب. وربما كان ما يفعله النبى صلى الله عليه وسلم هو مندوبًا إليه ندبًا شديدًا أو أنه تطبيق لأوامر القرآن الباقية على أحوال الأمة العربية، بحيث إن غيرها من الأمم لها أن تستنبط من الكتاب ما يوافق أمورها وأحوالها كما سنبين ذلك فى مسألة الزكاة.
*********************
-إن النبى لما زاد عدد ركعات الصلاة كان يقتصر على ركعتين فى سفره ولو لم يكن هناك خوف من العدو، ولو كان السفر قصيرًا جدا، ولو أقام بالجهة التى سافر إليها بضعة عشر يومًا وزال عنه العناء والتعب، فلو كانت الزيادة واجبة لعُدَّ هذا تهاونًا، وخصوصًا لأن القرآن لم يبح القصر إلا عند الخوف من العدو ولكنهم يقولون تحكمًا: إن هذا هو القصر المراد فى القرآن ولا يبالون بمخالفة الظاهر منه ونحن نسمى ذلك (اكتفاء بالواجب) محافظة على مقام القرآن الشريف ولا نقول فى قوله تعالى: «إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا» (النساء: ١٠١) إن هذا القيد فى الآية المذكورة آنفًا لا مفهوم له كما يقولون اتباعًا لمذاهبهم.
-كان عليه السلام لا يجهر بالقراءة فى الركعتين الأخيرتين، وإن جهر فى الأُوليَيْن ولا يقرأ فيهما بعد الفاتحة شيئًا من القرآن، فهل يدل ذلك على أن منزلتهما أقل من الركعتين الأوليين؟.
-إننا إذا نظرنا إلى عدد الركعات التى كان يصليها النبى فى أوقات الصلاة مع قطع النظر عما سماه المجتهدون سُنة وما سمَّوْه فرضًا نجد أنه لم يحافظ على عدد مخصوص، فكان تارة يزيد وتارة ينقص؛ ولذلك اختلفت المذاهب فى عدد السنن وفى المندوب والمستحب والرغيبة إلى غير ذلك من التقسيمات والأسماء التى ما كان يعرفها الرسول نفسه ولا أصحابه، ثم إن عدد الركعات التى كان يصليها فى الأوقات المختلفة من اليوم هو مختلف أيضًا، فصلاة الصبح مثلًا أربع ركعات والظهر عشر ركعات أو اثنتا عشرة ركعة، ولكن الشىء المطرد الذى نلحظه أنه ما صلى وقتًا أقل من ركعتين ولا تقيد بعدد مخصوص، وهذا يؤيد ما ذهبنا إليه كل التأييد.
د. محمد توفيق يفجر القنبلة.. للمسلم ان يصلى ركعتين على الأقل
لإنسان يجب عليه أن يصلى ركعتين على الأقل.. وله أن يزيد على ذلك دون غلو أو إفراط
مقالته "ليس على المسلم إلا أن يطالع كتاب الله
لنبدأ الآن بالبحث فى مسألة ركعات الصلاة. قال الله تعالى: «وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُواًّ مُّبِينًا * وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ» (النساء: ١٠١- ١٠٢) إلى آخر الآية، فيتضح من هذه الآيات الكريمة أن قصر الصلاة مباح فى السفر إذا خفنا العدو، وأن صلاة الخوف للإمام ركعتان فقط وللمؤتمين واحدة يصلى نصفهم الركعة الأولى معه، ثم يصلى النصف الآخر الركعة الثانية، وهذا هو المتبادر من القرآن الشريف وما ذهب إليه ابن عباس وجابر بن عبد الله ومجاهد فإذا كانت صلاة الخوف ركعة واحدة للمؤتم، وظاهر من السياق أن هذا قصر،
أول ما فُرضت الصلاة كان النبى عليه السلام يصلى دائما ركعتين مدة إقامته بمكة وجزءًا من إقامته بالمدينة، فإن قيل: لعل ذلك كان فى أول الأمر لحدوث عهد المسلمين بالإسلام فناسب أن يكون التكليف حينذاك خفيفًا، قلنا: إن المعهود فى طباع البشر أن يكونوا عند دخولهم فى دين جديد شديدى الرغبة فى القيام بجميع واجباتهم الدينية ويطلبون المزيد، وكلما طال عليهم العهد أخذوا فى التهاون فيها، ولذلك كان المسلمون فى أول الإسلام يقومون الليل بعضه إن لم يكن كله، وكلما ازداد اضطهاد المشركين لهم ازدادوا رغبة فى الصلاة فلو كلفوا بأكثر من ركعتين فى أول الأمر لوجدوا فى أنفسهم من الرغبة الشديدة فى العمل ما لا يجدونه فيما بعد وخصوصًا لأنهم كانوا غير مكلفين بالجهاد ولا بغيره: كالصوم والحج وغيرهما، ثم لو سلَّمنا أن التخفيف فى الصدر الأول كان لمراعاة جانب المسلمين الحديثى العهد بالدين وهم إذ ذاك نفر قليل فلماذا لا يراعى جانب مَنْ دَخَلَ فى الدين فيما بعد وقد كانوا يُعدُّون بالملايين؟، فلهذه الأسباب نحن نتخذ هذه المسألة دليلًا على أن النبى ما كان يكتفى بالركعتين فى ذلك الوقت إلا لبيان أنهما أقل الواجب، ثم زاد عليهما فيما بعد لبيان أن الزيادة أولى.
-إن النبى لما زاد عدد ركعات الصلاة كان يقتصر على ركعتين فى سفره ولو لم يكن هناك خوف من العدو، ولو كان السفر قصيرًا جدا، ولو أقام بالجهة التى سافر إليها بضعة عشر يومًا وزال عنه العناء والتعب، فلو كانت الزيادة واجبة لعُدَّ هذا تهاونًا، وخصوصًا لأن القرآن لم يبح القصر إلا عند الخوف من العدو ولكنهم يقولون تحكمًا: إن هذا هو القصر المراد فى القرآن ولا يبالون بمخالفة الظاهر منه ونحن نسمى ذلك (اكتفاء بالواجب) محافظة على مقام القرآن الشريف ولا نقول فى قوله تعالى: «إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا» (النساء: ١٠١) إن هذا القيد فى الآية المذكورة آنفًا لا مفهوم له كما يقولون اتباعًا لمذاهبهم.
-كان عليه السلام لا يجهر بالقراءة فى الركعتين الأخيرتين، وإن جهر فى الأُوليَيْن ولا يقرأ فيهما بعد الفاتحة شيئًا من القرآن، فهل يدل ذلك على أن منزلتهما أقل من الركعتين الأوليين؟.
-إننا إذا نظرنا إلى عدد الركعات التى كان يصليها النبى فى أوقات الصلاة مع قطع النظر عما سماه المجتهدون سُنة وما سمَّوْه فرضًا نجد أنه لم يحافظ على عدد مخصوص، فكان تارة يزيد وتارة ينقص؛ ولذلك اختلفت المذاهب فى عدد السنن وفى المندوب والمستحب والرغيبة إلى غير ذلك من التقسيمات والأسماء التى ما كان يعرفها الرسول نفسه ولا أصحابه، ثم إن عدد الركعات التى كان يصليها فى الأوقات المختلفة من اليوم هو مختلف أيضًا، فصلاة الصبح مثلًا أربع ركعات والظهر عشر ركعات أو اثنتا عشرة ركعة، ولكن الشىء المطرد الذى نلحظه أنه ما صلى وقتًا أقل من ركعتين ولا تقيد بعدد مخصوص، وهذا يؤيد ما ذهبنا إليه كل التأييد.
وأما كونه كان يصلى بعض هذه الركعات فى الجماعة ويواظب على ذلك، وإذا كانت الصلاة رباعية أو ثلاثية لم يسلم إلا مرة واحدة، وإذا ترك سهوًا بعضها أعاده وسجد للسهو، فكل هذه أشياء لا يصح أن يُردَّ بها علينا، أما صلاة الجماعة فهى غير خاصة بالفرض، فصلاة العيدين والكسوف والخسوف والاستسقاء وغيرها كان يصليها جماعة وكذا صلى بعض النوافل، وأما المواظبة على جعل بعض الصلوات أربعًا أو ثلاثًا فهو لا يدل على وجوب ما فوق الركعتين؛ لأن هذه المواظبة المزعومة غير مسلمة كما بينا ذلك فيما سبق، وإذا سلمت فكم من أشياء واظب عليها طول حياته، وقال بعض الأئمة: إنها غير واجبة مثل الاستنجاء أو الاستجمار، ومثل قراءة الفاتحة فى كل ركعة والمضمضة والاستنشاق، وغير ذلك كثير جدًا.
وأما قرن الركعات بتسليمة واحدة فكم من أشياء قرنت بل مزجت بالفرائض، وقال الأئمة: إنها غير واجبة مثل كثير من أعمال الحج والوضوء والصلاة، ولما لا نتخذ نحن جلوسه صلى الله عليه وسلم دائمًا بين الركعتين الأوليين والركعتين الأخيرتين، إشارة منه إلى فصل الواجب عن غير الواجب، وكذا عدم الجهر فى الأخيرتين وعدم قراءة شىء بعد الفاتحة فيهما، وأما إعادة ما تركه سهوًا وسجود السهو فهو أيضًا غير دليل؛ لأن السبب فيه هو أن النبى عليه السلام لمّا كان ينوى أن يصلى أربع ركعات مثلًا، ويجد أن قلبه اشتغل بشىء آخر أنساه ما هو فيه كان يعد ذلك تقصيرًا وذنبًا؛ فيسجد سجدتى السهو استغفارًا لله تعالى وطلبًا للصفح عنه، وذلك بعد أن يعيد ما كان نوى أن يصليه ونسيه عقابًا للنفس، وإن كان سهوها للفكر فى أمر شريف يليق بالأنبياء، فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين، وليس سجود السهو هذا خاصًا بترك الفرض، بل إذا نسى الإنسان أى شىء مما نوى عمله لله حق عليه أن يفعله، فإذا نوى أن يصلى مثلًا أربع ركعات، فصلى سهوًا ثلاثًا، ثم تذكر فليصل ما نسيه وليسجد لله، قال عليه الصلاة والسلام: (إذا قام أحدكم يصلى أتاه الشيطان فلبَّس عليه حتى لا يدرى كم صلى، فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين). وأما الاحتجاج بالإجماع فهو غير حجة علينا؛ لأن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ما كانوا يعرفون اصطلاحاتنا هذه الفقهية
فلا يميزون بين ما نسميه نحن الآن سُنة أو فرضًا أو مندوبًا أو مستحبًّا، بل كانوا يحافظون على كل شىء رأوا النبى عليه السلام يفعله، وأما إجماع الخَلَف فلا نعبأ به والاستشهاد بحديث «لا تجتمع أمتى على ضلالة» إن صح هذا الحديث عنه عليه الصلاة والسلام، فنحن لا نقول: إن المسلمين اجتمعت فى هذه المسألة على ضلالة، فإن مَنْ عرف أن الواجب عليه ركعتان على الأقل فصلى أربعًا تقليدًا للرسول عليه السلام شكرناه وشكره الله ورسوله وزاده الله أجرًا، وإنما الغرض من هذا البحث هو تمحيص المسائل علميًا ليس إلا، وهو يفيدنا أيضًا فى مسائل أخرى من الوجهة العملية فوائد لا تحصى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق