الاثنين، 9 نوفمبر 2020

الحلّاج" و"ابن تيميّة": الصراع على مفاهيميّة الله

 من اعتقد ما يعتقده الحلّاج من المقالات التي قتل الحلّاج عليها، فهو كافر مرتدّ باتفاق المسلمين؛ فإنَّ المسلمين إنَّما قتلوه على الحلول والاتحاد، ونحو ذلك من مقالات أهل الزندقة والإلحاد، كقوله: أنا الله، وقوله: إله في السماء وإله في الأرض".[1] ثمَّ يكمل "ابن تيميّة" كلامه عن الحلّاج: "ومن قال: إنَّ الله نطق على لسان الحلّاج، وإنَّ الكلام المسموع من الحلّاج كان كلام الله، وكان الله هو القائل على لسانه: أنا الله، فهو كافر باتفاق المسلمين؛ فإنَّ الله لا يحلّ في البشر، ولا تكلّم على لسان بشر، ولكن يرسل الرسل بكلامه، فيقولون عليه ما أمرهم ببلاغه، فيقول على ألسنة الرسل ما أمرهم ببلاغه، فيقول على ألسنة الرسل ما أمرهم بقوله، كما قال النّبي صلى الله عليه وسلم "أما إنَّ الله قال على لسان نبيّه سمع الله لمن حمده".[2]

يظهر الإسلام ويبطن الإلحاد إلى أصحابه، صار زنديقاً، فلمّا أخذ وحُبس، أظهر التوبة، والفقهاء متنازعون في قبول توبة الزنديق، فأكثرهم لا يقبلها، وهو مذهب مالك وأهل المدينة، ومذهب أحمد في أشهر الرّوايتين عنه، وهو أحد القولين في مذهب أبي حنيفة، ووجه في مذهب الشافعي؛ والقول الآخر تقبل توبته. وقد اتفقوا على أنَّه إذا قتل مثل هذا، لا يُقال قتل ظلماً"

الله المُتجلّي في التصوُّر الإسلامي الجمعي هو إله الفقه أكثر منه إله التاريخ أو إله التفسير 

صورة الله التي أنتجها "الحلّاج" لم تتمثل خطورتها في أفقيتها فحسب، بل في تهديدها لمصالح المؤسَّسة الدينيَّة الرسميَّة 

عجبتُ منـك ومنّــــي   يــا مُنيْـة المُتمنّــي

أدنيتنـي منـــك حتّــى   ظننـــتُ أنّـــك أنّي

وغبتُ في الوجد حتى   أفنيتني بــــك عنّي

 لا تقبل المهادنة أو التأويل، في حين أنَّ لغة "ابن كثير" لغة أقلّ حديّةً وصداميّة، وإن كانت قد أدانت الحلّاج، كما أدانته لغة "ابن تيميّة". وبرأيي أنَّ الاختلاف الواضح بين اللّغتين يعود إلى الطبيعة التكوينيَّة التي يتمثلها "ابن تيميّة" في الثقافة الإسلاميَّة، فهو واحد من أكبر المُعبّرين عن الرّوح الكُليَّة للعالَم الإسلامي، تلك الروح التي حسمت على المستوى الجمعي مفهوم الله، بصفته أحد نواظم الاجتماع الإنساني** لذلك لا يرد الا عالم اجتماع عبد الجواد ياسين وأحمد زايد والمغربي فيه واحد جن واخر علي الوردي . لذا كان على "ابن تيميّة" أن يعبّر عن طبيعة هذه الروح التي اجترحت مفاهيميّتها حول الله، وقد أتى هذا التعبير عن التمظهرات التي اصطلح عليها لتلك المفاهيميّة بلغةٍ صادمة ولا تقبل التأويل:

من اعتقد ما يعتقده الحلّاج من المقالات التي قتل الحّلاج عليها، فهو كافر مرتد باتفاق المسلمين". فهذه اللّغة الصريحة والواضحة لا تُهادِن، لأنَّها تُدافع عن مفاهيميَّة الله التي صاغتها المؤسَّسة الدينيَّة الرّسميَّة، وصارت مصالحها الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والعسكريَّة والنفسيَّة والآيديولوجيَّة والإثنيَّة والسياسيَّة والحضاريَّة، مقترنة اقتراناً مشيميّاً بهذه المفاهيميَّة.

 وبما أنَّ هذه المفاهيميَّة كانت قد تجلّت إحدى تجلّياتها الكُبرى في المُدوّنة الفقهيَّة، فقد كان لـ "ابن تيميّة" أن يأخذ على عاتقه مسألة الدفاع الشرس عن هذه المفاهيميَّة، فهو ناطق كبير باسمها. ومثل هذه المواقف تتطلب حزماً وعدم الدخول في مجاملات قد تحتمل تأويلاً مغايراً أو صفقة تصالحيَّة أو عفواً خاصَّاً. بل الأَوْلَى -لكي يتحقّق المُدافع عن هذه المفاهيميَّة في نسقه الشمولي- أن يكون حازماً وصارماً، ولا تظهر عليه أيّ علامة أو ملمح حنون أو ضاحك، بل الحزم سيّد الموقف. وهذا ما سنلمسه بوضوح عند "ابن تيميّة"، على عكس "ابن كثير" ابن المؤسَّسة ذاتها، إلّا أنَّه أقلّ حدَّة وصداميَّة، قلت: وقد أخطأ الحلّاج في المقامين الأخيرين، فلم يتّبع التنزيل، ولم يبقَ على الاستقامة، بل تحوَّل عنها إلى الاعوجاج والبدعة والضلالة، نسأل الله العافية".

الله المُتجلّي في التصوُّر الإسلامي الجمعي هو إله الفقه أكثر منه إله التاريخ أو إله التفسير، فالفقه تجاوز كلّ المناطق التي اشتغل عليها النسق المعرفي الإسلامي، حتى ذلك النسق الذي كان من اختصاص الأصول. ولو تتبّعنا سلسلة الشخصيّات الأكثر حضوراً في العالَم الإسلامي، ابتداءً من الشافعي وليس انتهاءً بالدكتور محمَّد شحرور، فسنلاحظ أنَّ الحضور الكبير هو للشخصيّات الفقهيَّة التي لا تفتأ تجترّ -المرَّة تلو الأخرى- المفهوم ذاته لله. فالله وفقاً لتلك المفاهيميَّة هو إله عمودي، يقف على قمة السُلّم الوجودي، بصفته الفاعل الأوَّل فيه، وكلّ ما عداه دونه في المرتبة، لذا ينبغي أن تقوم المعادلة الأساسيَّة بين الله والإنسان على نمطٍ من المقاربة العموديَّة، التي تستلزم وسطاء يُجسّرون الهوَّة الأنطولوجيَّة بين قمَّة الوجود وقاعه، ووفقاً لكلام "ابن تيميّة" -وهو إكمال لكلام المؤسَّسة الدينيَّة الرسميَّة- فالشخص الأوَّل في تجسير الهوَّة بين الله والإنسان هو النّبي وما حمله من تعاليم تُرشد الإنسان -في طريقٍ افترض قوامتها وقيوميتها- سواء السبيل.

لذلك الولي الفقيه خامنئي علي انه رتبة من مجتهد الي اية الله بتفسير ظلال القرآن  والمشهورين المفتون لانها تتحدي القضاة والمستشار وحقوق الانسان *******

الشافعي الاصولي الاكبر بكتاب الرسالة  الغزالي تهافت الفلاسفة لمنقذ من الضلال الي احياء علوم الدين  ابن تيمية ابن السلفية الوهابية والراسمالية الطفيلية لمراد وهبة النفطية التي تنتهي اليوم بالامارات القائدة بالفضاء والذكاء الاصطناعي 

ابن تيميّة الواثق والحاسم- هو المُعبّر عن روح هذه المؤسَّسة بصيغتها الرسميَّة. فالله الذي أنتجته هذه المؤسَّسة وشرعنت وجوده في العالَم، بحاجةٍ من ثمَّ إلى من يتبنَّى مشروعيَّة وجوده لغاية تحويطها معرفيّاً والدفاع عنها ضدّ كلّ من يبادر إلى نقدها أو اجتراح نسقيَّة جديدة لها، لذا لم يتساهل "ابن تيميّة" أو يتسامح مع "الحلّاج"، لأنَّه لا يردّد صوته الخاص في الجوهر، بل صوت المؤسَّسة الدينيَّة الإسلاميَّة بصيغتها الرسميَّة. فصورة الله التي أنتجها "الحلّاج" لم تتمثل خطورتها في أفقيتها فحسب، بل في تهديدها لمصالح تلك المؤسَّسة الدينيَّة الرسميَّة، التي قامت أساساً على صورة الله العموديَّة. ** كتاب الحرية في الاسلام مركز الدراسات الانسانية بمصر 

فالله وفقاً للحلاج:

أدنيتني منك حتّى        ظننت أنّك أنّي

فهو ليس بحاجةٍ إلى وسطاء يتوسَّطون لردم الهوَّة التي تفترضها المؤسَّسة الدينيَّة الرسميَّة، بين المُوجد الأوَّل (الله) وتمظهره الأكبر في العالَم (الإنسان). بل الإنسان وجهاً لوجه مع الله وفقاً لهذه الرؤية الأفقيًّة، فهو نِدٌّ له في كلّ شيء، وليس لأحدٍ منهما أن يقف على أكتاف الآخر، ويستدعي مقولات سيّد وعبد، بل العلاقة بين حُرَّين، ليس لأحدٍ منهما سيادة قهريَّة على الآخر، بالأحرى ثمَّة علاقة حبيَّة بينهما تنعدم فيها الصيغ الإكراهيَّة كتلك التي أنتجتها المؤسَّسة الدينيَّة الرسميَّة والقائمة أساساً على (افعل/ لا تفعل)، مع ما يستلزمه هذا الشرط القهري من حوافز وروادع تنتظر أحد طرفي المعادلة، وهو باليقين الطرف الأضعف المتمثل بالإنسان.

سينتصر نموذج المسيري وسيد قطب ويوسف القرضاوي بسيولة مع الاحتفاظ بالله كمركز 

 مُنتهكاً للصيغة البطريركيَّة التي اصطلحت اصطلاحاً أخيراً على مفاهيميَّة الله في الاجتماع الإنساني. كنيسة ارثوذكسية 

من هنا، لم يكن الصراع بين "الحلّاج" و"ابن تيميّة" صراعاً شخصيّاً بقدر ما هو صراع على مفهوم الله

لأيّ شخص يروم البحث عن مفهوم جديد لله، بعيداً عمَّا تريده السلطة الدينيَّة الرسميَّةـ كان صراعاً دامياً. فإله الحلّاج إله ليس مرفوضاً رفضاً قاطعاً فحسب، بل ينبغي معاقبة من أنتجه عقاباً شديداً لكي لا تتكرّر الحالة،

أيّ طرح مشابه لطرحه، سواء في صيغة صوفيَّة أو فلسفيَّة...إلخ- اليوم وتُدينه إدانة شديدة، وصلت/ ستصل في كثير من الأحيان إلى التصفية الجسديَّة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق