السبت، 6 أبريل 2019

المقدس بين الدين والعلمانية

"المقدس هو كل ما لا يمكن السخرية منه"
نيتشه
 إذن المقدس هو السند اللاعقلاني للعقل إذ يلتقيان في وحدة متناقضات تتمثل بطبيعة الإنسان الفطرية.
لقد إستمر المقدس الديني وما يتفرع منه من أساطير وغيبيات في الهيمنة على الحياة الثقافية والسياسية والإجتماعية لقرون طويلة، حتى صعود البرجوازية الأوروبية التي أخذت على عاتقها مهمة تهشيم العالم القديم بكل مفاهيمه وقيمه الإقطاعية البالية والشروع في الحداثة. و بحكم التراكم المعرفي والتطور العلمي والتكنولوجي بلغ الإنسان سن الرشد تاريخياً، إذ أدرك أن المقدس الديني قد إستنفذ قدرته على توجيه بوصلة الحياة، بل أصبح يشكل عبئاً خطيراً على كاهل المجتمع الجديد، فلم يكن فقط أداةً فعالة بيد ألطبقات المهيمنة لإدامة هيمنتها، بل أصبح أيضاً مصدراً للتعصب والإنغلاق الفكري المنتج للحروب والإرهاب، فقد استمرت الحروب الدينية بين الدول الأوربية لعشرات السنين، وإندلعت الحروب الأهلية بين الطوائف في داخل الدولة الواحدة وأنتشر الإرهاب والقمع الديني في كل ارجاء القارة الأوربية انذاك.
 وضع الدين لأول مرة موضع التشكيك والتساؤل، كما تعرض التراث الديني إلى المراجعة والتفكيك والنقد. لقد كانت فلسفة التنوير ثورةً فكرية هائلة في هذا المضمار، فبعد أن فند جون لوك الشرعية السماوية للملك، تأرجحت تحديات فكر الأنوار لهيمنة الدين بين إلحادية ديدرو وتشكيك فولتير وأيمان روسو الرافض لإيمان الكنيسة السلطوي. لقد فتح فكر التنوير الآفاق واسعة لدخول عصر العلمانية، فالثورة الأمريكية التي قادها كوكبه من تلامذة فكر التنوير (جفرسن، ادامز، فرانكلين وغيرهم) قد اسست أول دولة علمانية بالتاريخ فصلت الدين عن السياسة تماما، وقد كانت الارض ممهدة لذلك للاسباب التالية : أولا لان الطوائف الدينية تحمل موروث الضحية اصلا، فقد لجأت الى اميركا بسبب الاضطهاد الديني في دولها الأصلية، ولذا فقد رحبت بفصل الدين عن الدولة لتتجنب اضطهاد الدولة لها من جديد، ثانيا كان هناك توازن في حجم الطوائف لايسمح لأحداها بالهيمنة، ثالثا كانت كل طائفة تحاول التوسع بالتبشير بحرية دون تدخل الدولة وقيودها القانونية. تلت الثورة الأمريكية الثورة الفرنسية التي شرعت بابعاد الدين عن الدولة تدريجيا حتى اكتملت دولتها العلمانية في الجمهورية الثالثة عام 1905بعد الغاء معاهدة 1801 مع الفاتيكان وايقاف أي دعم لأي فصيل ديني من خزينة الدولة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق