من الأمور اليسيرة سرد الكلمات عن طموحات برامج التنمية المستدامة وأهدافها السبعة عشر التي تعهدت قيادات الدول منذ أربعة أعوام ببلوغها مع حلول عام 2030، ثم يتبين مع مرور الأيام تعثر خطوات تنفيذها في كثير من البلدان النامية. فقد تقدمت للأمم المتحدة حتى اليوم عشر دول عربية مع ثلاث وتسعين دولة أخرى بتصورات لبلوغ هذه الأهداف، وستتبعها ست دول عربية وثلاث وأربعون دولة أخرى متقدمة ونامية، في يوليو (تموز) المقبل. وتناولت تصورات الدول أبعاداً أربعة، تتضمن نمواً اقتصادياً شاملاً للكافة يقضى على الفقر المدقع، وتنمية اجتماعية ترتقى بنوعية التعليم والرعاية الصحية، ومراعاة كاملة لاعتبارات البيئة وتغيرات المناخ، والتزاماً بقواعد الحوكمة وما تمليه دولة القانون.
وقد أُعدت دراسة حديثة صدرت عن صندوق النقد الدولى لتحديد تكاليف التنمية المستدامة أُجريت على 155 دولة، منها 34 دولة ذات اقتصاد متقدم و49 دولة منخفضة الدخل و72 دولة ذات اقتصادات ناشئة. وحددت الدراسة خمسة مجالات فقط لإجراء مراجعة تكاليف تطويرها وفقاً لمتطلبات التنمية المحددة في برامج 2030، وهى مجالات التعليم والصحة والطرق والكهرباء والمياه. وتبين من هذه الدراسة أن الدول منخفضة الدخل تحتاج لزيادة سنوية في إنفاقها بمتوسط 15 في المائة من دخولها القومية. والقطاعان الأكثر احتياجاً للإنفاق هما التعليم والطرق بمقدار 4 نقاط مئوية لكل منهما، وتأتى الصحة في المرتبة الثانية بمقدار 3 نقاط، ثم قطاع الكهرباء بمقدار نقطتين مئويتين، والمياه بمقدار نقطة مئوية. أما الدول ذات الاقتصادات الناشئة، ذات الدخول الأكبر، فتحتاج زيادة في الإنفاق السنوى تقدر بنحو 4 في المائة من دخولها القومية.
وإذا حولت هذه النقاط المئوية إلى تكلفة بالدولار فستصل إلى 500 مليار دولار للدول الأقل دخلاً و2100 مليار دولار للدول ذات الأسواق الناشئة. إن هذه الأرقام كاشفة عن أن استمرار نهج تمويل التنمية المتبع دون تغيير لن يحقق الأهداف المعلنة، وأن تطويراً عاجلاً وشاملاً أصبح ضرورياً. فالموازنات العامة للدول النامية، إلا قليلاً، منهكة ومحملة بأعباء ديون تضاعفت في السنوات الأخيرة. فمن سيتحمل تكلفة تمويل التنمية؟.. هناك أربعة مسارات للتمويل وتعبئة الموارد:
الأول: يتمثل في مراجعة جذرية شاملة لكفاءة الإنفاق العام وزيادة موارده من الضرائب والإيرادات السيادية. فكلما قلت كفاءة الإنفاق العام ازدادت الموارد المطلوبة لتحقيق أهداف التنمية من الإنفاق، وتتنوع أشكال عدم الكفاءة من تضارب الأولويات وخسائر كيانات تابعة للدولة وتسرب وإهدار المال العام. كما يمكن تحقيق زيادات في الإيرادات الضريبية تصل إلى 5 في المائة من الدخل القومى في الأجل المتوسط، باتباع استراتيجية لزيادة الإيرادات تعتمد على النمو الاقتصادى وحسن توصيف القاعدة الضريبية وتوازن العبء الضريبى واستخدام تكنولوجيا المعلومات والتوجه نحو محلية التنمية في المدن والمحافظات وتوطينها بتعبئة الموارد المحلية.
وقد حققت دولة جورجيا نقلة نوعية تستحق الدراسة لزيادة إيراداتها الضريبية من خلال تيسير القوانين، وتبسيط إجراءات التحصيل، والتخلص من غابة معقدة من التشريعات البالية التي أكثرت من الرسوم والأعباء وقللت من الحصيلة، واعتمدت نظاماً متكاملاً لتكنولوجيا المعلومات خفّض من تكلفة التحصيل وحجم التهرب الضريبى ودعم الإفصاح والشفافية.
ثانياً: التزام الدول الأغنى بتعهداتها نحو تمويل التنمية بمساندة الدول الأفقر بمقدار 0.7 في المائة من دخولها القومية. فهناك 4 دول فقط من مجموع 29 دولة توفى بالتزاماتها السنوية بانتظام، ويصل مقدار المساعدات الإنمائية الحكومية حالياً إلى متوسط 145 مليار دولار، ويضيف وفاء كل الدول المتقدمة بالتزاماتها 230 مليار دولار سنوياً، توجه للتنمية في الدول الأفقر والدول متوسطة الدخل. ورغم المطالب المتكررة في هذا الشأن، لم تتحقق زيادات تذكر في هذا المسار، وإن كان لا ضرر هناك من استمرار المطالبة، فالضرر يكمن في انتظار ما قد لا يأتى.
ثالثاً: زيادة التمويل الدولى الخاص الموجه للتنمية. من أهم أشكال هذا التمويل الاستثمار الأجنبى المباشر، ونلاحظ من تقرير منظمة «الأنكتاد» أنه قد انخفض في رقمه الإجمالى بنحو 23 في المائة ليصل إلى 1430 مليار دولار، وتراجع في الدول المتقدمة بمقدار 37 في المائة، وانخفض في الدول ذات الأسواق الناشئة بمقدار 27 في المائة، ولكنه ثبت دون تغير في الأسواق النامية وبلغ 671 مليار دولار. وتستطيع الدول النامية بما في ذلك الدول العربية زيادة حصتها منه إذا حققت تحسناً في مناخ الاستثمار ومؤشرات التنافسية وإتاحة فرص استثمار مجدية بالمشروعات الخاصة المحلية والأجنبية مع تحجيم مزاحمة الاستثمار الحكومى لها وتعزيز فرص المشاركة وتقاسم العائد والمخاطرة. وتجدر هنا الإشارة إلى أهمية إصلاح النظم الضريبية دولياً ومحلياً، التي ترتب عليها أن تتكلف الدول النامية سنوياً ما يعادل 1.3 في المائة من دخولها القومية أو ما يعادل 200 مليار دولار سنوياً من جراء تحويل الشركات لأرباحها للمناطق ذات الدخل المنخفض وفقاً للمعمول به للقواعد الدولية للضرائب على الشركات.
إن هذه الخسائر المبينة التي تلحق بالدول النامية والتى أعلنت عن أرقامها أخيراً السيدة كريستين لاجارد، مديرة صندوق النقد الدولى، تتطلب سرعة تنفيذ مقترحات مجموعة العشرين ومنظمة التعاون الاقتصادى في هذا الصدد بما يحفظ مصالح الدول النامية ويقيم نظاماً ضريبياً أكثر عدلاً يتفادى مثالب النظام القائم الذي تخطاه الزمن وضيّع أموالاً على أصحاب الحق فيها.
رابعاً: إسهام القطاع الخاص المحلى في التنمية، إذ يتجاوز دور القطاع الخاص مجرد محاولة تجسير فجوة تمويل التنمية من خلال مدخراته وأدائه للضرائب المختلفة، فهو مساهم مباشر بها من خلال استثماراته ومشروعاته التي يعمل بها أغلب العاملين في القطاع الإنتاجى. وفى القطاع الخاص في إطار من المنافسة، تتحقق مجالات تطوير الابتكارات وتنميتها. وقد أسهم تجمع شركات القطاع الخاص في اليابان المسمى «كيدانرن» في تطوير منهج عملى أطلقت عليه اسم «مجتمع 5.0» كدلالة على تطور المجتمع ونشاطه الاقتصادى، بدأت من الاعتماد على الصيد، ثم الزراعة، ثم الصناعة، ثم المعلومات، وهى الآن في مرحلة الابتكار والإبداع اعتماداً على الاقتصاد الرقمى وتكنولوجيا المعلومات. يعتمد هذا المنهج على توجه عملى براجماتى في علاج معضلات التنمية والعمل على التنوع وزيادة القيمة المضافة وإدراج الاستدامة في الأنشطة الرئيسية للشركات، وليس كعمل خيرى فقط يدرج في الأعمال الطوعية.
من الخطأ الظن أن تحقيق أهداف التنمية سيأتى على المنوال ذاته الدارج في إعداد موازنات افتقدت الاسترشاد بأولويات التنمية، واستنفدت بنود إنفاقها في استهلاك جارٍ، ولن يتحقق تمويل التنمية بالاكتفاء بالإنفاق العام فقط، وإن تحققت زيادات في الإيرادات العامة.. فبرامج التنمية المستدامة تتطلب استثماراً هائلاً في التنمية البشرية، وتستلزم استثماراً ضخماً في البنية الأساسية التقليدية، فضلاً عن بنية التحول للاقتصاد الرقمى، وتحتاج لاستثمار مكلف في «نظم التوقى» من المخاطر والصدمات بما في ذلك تطوير نظم الضمان الاجتماعى. ولا يوجد سبيل منفرد لتمويل التنمية المستدامة يغنى عن الآخر.. والدول الأقدر على تحقيق أهدافها الطموحة هي التي تستطيع تعبئة التمويل العام والخاص والمحلى والأجنبى معاً وتوجيهها بكفاءة وفاعلية مع إدراك كامل لأولوياتها.
************************
كان الوزير يتحدث عن حاجته إلى ١١ مليار جنيه بصفة عاجلة، وإلا فإن الوزارة تقريباً سوف تغلق أبوابها، وكانت الوزيرة تتكلم عن حاجتها إلى ٣٣ ملياراً، بصفة عاجلة أيضاً، وإلا فإن العواقب على وزارتها لن تختلف كثيراً عن العواقب التى لوّح بها طارق شوقى على مستوى وزارته!.
وظنى أن بلداً يشكو فيه الوزيران من أن العين بصيرة واليد قصيرة، إلى هذا الحد، هو بلد لا تعرف ضرائبه الانضباط!.. فالضرائب المنضبطة يكفى عائدها للإنفاق على الخدمات العامة ويزيد!.
+++++++++++++++++++++
الدين الخارجي
أظهرت بيانات البنك المركزى المصرى، أمس، ارتفاع الدين الخارجى إلى ١٠٦ مليارات دولار، بنهاية مارس الماضى لأول مرة، مقابل ٩٦.٦ مليار فى ديسمبر الماضى، بزيادة ١٠% خلال الربع الأول من العام المالى الجارى.
تفعيل خطة زمنية معلنة للسيطرة على الدين العام، وخفضه، مشددًا على ضرورة وضع حدود للدين الخارجى، وإعلانه بشكل منتظم من جانب البنك المركزى، لأن زيادة الدين الخارجى بشكل مطرد تؤثر على الأجيال القادمة، ويجب قياس نسبته إلى مدى القدرة على توليد نقد أجنبى، وعدم الاكتفاء بربطه بالناتج المحلى الإجمالى فقط.
أنا أعجز عن فهم ألغاز وتفاصيل الاقتصاد والاموال فمنذ يومين صدرت تصريحات بزيادة معدلات النمو الاقتصادى واليوم توجد زيادة فى الدين الخارجى،،،نحن نريد المحصلة بطرح هذا من ذاك ولا تشغلنا التفاصيل
نجحت الحكومة فى خفض معدل الدين العام الحكومى للناتج المحلى إلى أن وصل إلى 90.5% نهاية يونيو 2019 بدلا من 108% نهاية يونيو 2017، وفيما يلى نرصد 5 معلومات هامة عن نجاح خطة الحكومة فى هذا الصدد:
- الحكومة تعمل على تحقيق معدلات نمو سنوية لا تقل عن 6% فى المتوسط، وفائض أولى سنوى مستدام فى حدود 2% حتى العام المالى 2021-2022 .
- نسبة الدين الحكومى للناتج المحلى بلغت 108% نهاية يونيه 2017 .
- نسبة الدين الحكومى للناتج المحلى بلغت 90.5% نهاية يونيه 2019.
- الحكومة تستهدف أن تكون النسبة 82.5% نهاية يونيه 2020.
- الحكومة تستهدف خفض معدل الدين الحكومى للناتج المحلى ليصل إلى 77.5% بنهاية يونيو 2022.
+++++++++++++++++
أرقام الاقتصاد الوردية لم تلمس حياة المصريين
تجمع الأوســـــاط الشعبية المصرية وخاصة الذين يعيشون تحت خط الفقر أن مؤشـــــرات خروج بلدهم من عنق زجاجة الأزمة الاقتصادية لم تكن لها تأثيرات ملموســـــة على حياتهم رغم تأكيد الأوســـــاط الاقتصادية نجاح خطوات الإصلاح القاسية حتى الآن.
أرقام الاقتصاد الوردية لم تلمس حياة المصريين
تجمع الأوســـــاط الشعبية المصرية وخاصة الذين يعيشون تحت خط الفقر أن مؤشـــــرات خروج بلدهم من عنق زجاجة الأزمة الاقتصادية لم تكن لها تأثيرات ملموســـــة على حياتهم رغم تأكيد الأوســـــاط الاقتصادية نجاح خطوات الإصلاح القاسية حتى الآن.
وعلـــى الـــورق، تظهـــر البيانـــات أن
ُطلقـــت بدعـــم مـــن
الإصلاحـــات التـــي أ
صنـــدوق النقـــد الدولي فـــي 2016 تؤتي
أكلها.
فالتضخم سجل الشهر الماضي أدنى
مســـتوياته في أربع ســـنوات، رغم جولة
من الزيادات في أسعار الوقود.
كمـــا هبـــط معـــدل البطالة إلـــى 5.7
بالمئـــة في الربـــع الثاني لهـــذا العام من
9.9 بالمئة بمقارنة سنوية، وشهد القطاع
الخـــاص غير النفطـــي نمـــوا طفيفا في
يوليو.
وتشـــيد تقاريـــر بحثيـــة لمصرفيـــين
بمصر كواحدة من أكثر الأسواق الناشئة
نشـــاطا، مـــع ارتفـــاع الاســـتثمارات في
الدين.
وقـــام البنك المركـــزي، مبديا ثقته في
أن التضخـــم تحـــت الســـيطرة، بخفض
أســـعار الفائدة بمقدار 150 نقطة أساس
الأسبوع الماضي، ويتوقع محللون المزيد
من الخفض.
لكن المصريين العاديين يشـــتكون من
أنهـــم لا يـــرون أي تحســـن فـــي حياتهم
اليوميـــة بعـــد ســـنوات من زيـــادات في
الأســـعار وخفض لقيمة العملة والتقشف
في مقابل قرض من صندوق النقد الدولي
بقيمة 12 مليار دولار.
وأصبح المصريون، الذين ُطلب منهم
الصبـــر خمس ســـنوات من أجـــل حياة
أفضل، يشعرون بإحباط متزايد.
وقالت رينيســـنس كابيتـــال، ومقرها
المملكـــة المتحدة، فـــي تقرير فـــي يونيو
الماضـــي إن “الإصلاحات فـــي مصر هي
الأفضل من وجهة نظرنا في شرق أوروبا
والشـــرق الأوســـط وأفريقيـــا، وربما في
الأسواق الناشئة بشكل عام”.
وأظهـــرت بيانات رســـمية في يوليو
الماضي أن نســـبة من يعيشون تحت خط
الفقر ارتفعت إلى 5.32 بالمئة في الســـنة
الماليـــة 2017-2018 ،مـــن 8.27 بالمئـــة في
السنة المالية 2015-2
الاقتصاد نما بقوة، لكن
لم يصل لمرحلة خلق
وظائف بشكل كبير
إن المواطنين الفقراء هم من يدفع
الثمن في نهاية الأمر.
ولتخفيـــف أثر الإجراءات التقشـــفية
والتضخـــم، وضعـــت الحكومـــة برامج
تستهدف الفئات المتضررة.
وقال أنجوس بليررئيس مركزأبحاث
ســـيجنت، ومقره القاهرة، إن “الحكومة
ينبغـــي أن تســـتثمر في مشـــروعات أقل
حجمـــا فـــي البنيـــة التحتيـــة، بـــدلا من
التركيز على مشـــروعات عملاقة. ويجب
أن تدخل في شـــراكة مع القطاع الخاص
لمساعدته على النمو بخطى أسرع”.
وأضاف “يشهد الاقتصاد نموا قويا،
لكنه لم يصل بعد إلى مرحلة خلق وظائف
بشـــكل كبير، لكن المشـــهد بشكل عام، من
منظور الاقتصاد الكلي، يتحسن”.
وأشاد السيسي بصبر المصريين في
مواجهـــة إجراءات التقشـــف وتعهد بأن
الإصلاحات ستحسن مستويات المعيشة.
وقال العام الماضي “نحن نطلب أمرا
واحدا فقط وهو الصبر وسترون العجب
العجاب”، لكن المواطن محسن يشتكي من
أن الانتظار طال كثيرا.
+++++++++++++++++++
في القمة العربية
اول كتاب اقتصادي عن الثورة الصناعية الاولي حافظ ابراهيم ومطران ترجم
عدم عدالة توزيع الدخل 10 بالميه معاهم 60 بالميه الدخل الاسوء بالعالم
اعلي بطالة في العالم نساء اكثر من نساء
تجارة الكترونية بالعلم والمال تبني الناس ملكهم لم يبني ملك علي جهل واقلالي احتفال ببنك مصر
++++++++++++++++
في القمة العربية
اول كتاب اقتصادي عن الثورة الصناعية الاولي حافظ ابراهيم ومطران ترجم
عدم عدالة توزيع الدخل 10 بالميه معاهم 60 بالميه الدخل الاسوء بالعالم
اعلي بطالة في العالم نساء اكثر من نساء
تجارة الكترونية بالعلم والمال تبني الناس ملكهم لم يبني ملك علي جهل واقلالي احتفال ببنك مصر
++++++++++++++++
عن كرة القدم ومستقبل التجارة الدولية
عند اطلاعك على قوائم لتصنيف الكتب الأكثر تأثيراً على عموم الناس حول العالم فستجد كتاباً صغيراً عن قواعد لعبة كرة القدم يتصدر هذه القوائم. صدر هذا الكتاب عام 1863 في لندن وكتبته مجموعة من محبي كرة القدم التي أصبحت بعد ذلك اللعبة الأكثر شعبية على الإطلاق في العالم أجمع. تضمن الكتاب 13 قاعدة تحكيمية عن المسموح والممنوع عند لعب كرة القدم، وأدرجه الكاتب والبرلماني الإنجليزي ميلفين براج ضمن كتابه المعنون «12 كتاباً غيرت العالم». ويستحق هذا الكتاب البسيط هذا التصنيف لأنه وضع ببساطة وييسر القواعد الواجبة الاتباع في ممارسة اللعبة، فأينما وجدت كرة قدم وانتظم فريقان للعبها متنافسين على الفوز بمباراة لها اتبعوا القواعد والمعايير والأحكام المنظمة للعبة، سواء كانت المنافسة محلية في ساحة شعبية في قرية صغيرة أو على ملاعب تحيطها مدرجات مهيبة أعدت لمسابقات دوري المحترفين أو كأس العالم؛ هكذا سيخبرك البرازيلي بيليه والأرجنتيني مارادونا والمصري محمد صلاح والفرنسي ذو الأصول الجزائرية زيدان.
استصحب قواعد وأحكام كرة القدم وتأثيرها لشرح وجيز لموضوع قد يبدو أكثر تعقيداً ويتعلق بما يعرف بسلاسل القيمة العالمية وما يترتب على الارتباط بها في حركة التجارة الدولية وتأثيرها على عمليات الإنتاج وفرص العمل والنمو الاقتصادي. فقد خصص التقرير الأخير للبنك الدولي عن التنمية في العالم موضوعه لهذا العام عن التجارة والتنمية في عصر سلاسل القيمة العالمية، والتي يقصد بها الأشخاص والأنشطة المشاركين حول العالم في إنتاج سلعة أو خدمة بما في ذلك توريد الخامات والمكونات حتى إتمام المنتج وتسويقه وتوزيعه وبيعه وتقديم ما يخصه من خدمات ما بعد البيع. وتختلف التجارة عبر سلاسل القيمة عن نظم التجارة العادية بأنها ترفع الكفاءة من خلال مزيد من التخصص، كما أنها من خلال العلاقات المستمرة بين الشركات والمنشآت الإنتاجية وبعضها البعض والتي تتجاوز مجرد عقد صفقات متناثرة، تزيد فرص التعاون في مجال التطوير التكنولوجي والحصول على التمويل ومدخلات الإنتاج المختلفة.
+++++++++++++++
عن {نوبل} وفقراء العرب
ردَّتْ جائزة نوبل لهذا العام الاعتبار للحلول الاقتصادية العملية المبنية على بحوث تطبيقية تفيد عموم الناس. فقد مُنحت جائزة نوبل في الاقتصاد الأسبوع الماضي لثلاثة من الاقتصاديين المعروفين بدراساتهم التجريبية والتطبيقية للمساهمة في علاج مشكلات الفقر والارتقاء بالرعاية الصحية للفقراء. الاقتصادي الأول هو الأميركي مايك كريمر الأستاذ بجامعة هارفارد، والثاني أبيجيت بانرجي أستاذ الاقتصاد الهندي، وثالثتهم الاقتصادية الفرنسية إثر دوفلو، والأخيران يعملان معاً في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. والثلاثة رواد لمدرسة تحليلية متطورة تطبق اختبارات، معمول بها في مجالات الطب والصحة العامة، لقياس أثر أنواع من العلاج على مجموعات كبيرة وعلى عينات لحالات مختارة عشوائياً، وتحت ضوابط محددة لقياس أثر التدخل الطبي على حالات المرضى.
عن الإقطاع الرقمي وسادة اقتصاد العالم الجديد
لم تكن مصادفة أن يتصدر موضوع تطور استخدامات الذكاء الصناعي وآثارها غلافي عددين صدرا مؤخراً، الأول لمجلة «الإكونوميست» البريطانية تحت عنوان «سادة الكون» وتقصد به الماكينات الذكية، والآخر لمجلة فصلية متخصصة في العلوم الإنسانية حاولت فيه الرد على سؤال حول ما إذا كانت هذه التكنولوجيا الجديدة ومستجداتها ستسهم في مزيد من الحريات، أم أنها ستقيد ما تبقى منها؟ وتركتنا الأخيرة دون إجابة مطمئنة. وما هذان الإصداران، وكثير من الكتابات العلمية والاقتصادية الحديثة؛ مما أطلقت عليه في مقالات سابقة مصطلح «المربكات الكبرى»، إلا تذكرة بأنه في عالم شديد التغير لن تفلح السياسات والاستراتيجيات التقليدية في مواجهة التحديات والمعارك الجديدة.
عندما تفقد الكلمات معناها
يُنسب إلى الفيلسوف الصيني كونفوشيوس مقولة مفادها أنه «عندما تفقد الكلمات معناها يفقد الناس حريتهم». وفي تفسير لهذه المقولة أن تضليل الناس بكلمات متضاربة من شأنه أن يُفقدهم الثقة فيما يدور حولهم وفي علاقاتهم بعضهم ببعض، ويمنعهم من اتخاذ ما يناسبهم من قرارات لتدبير أمورهم، بما يُحدث اضطراباً وفوضى.
وفي مجالات الاقتصاد والاستثمار وإدارة المشروعات تُعقد المؤتمرات والندوات والاجتماعات فتتردد عبارات يكررها المتحدثون ربما لإظهار معرفة أو استعراض خبرة، أو تكرار لما يقوله آخرون ينقلون عنهم دون بينة أو حسن إدراك للسياق الذي تُذكر فيه مثل هذه العبارات المرسلة والتعبيرات الطنانة.
وتضم القائمة أمثلة كثيرة لمثل هذه التعبيرات نختار أربعة من أشهرها في عالم الاقتصاد والمال، أولها «التفكير خارج الصندوق»، وهي ترجمة لعبارة «thinking outside the box»، ويلقيها المتحدث مظهراً الدعوة للابتكار والتجديد والتمرد على ما درج استخدامه من أساليب. ثم يُفاجأ المستمع بأن ما يذكره المتحدث بعد هذه العبارة لا يتجاوز كثيراً ما هو مألوف، فلا تجديد فيه ولا تطوير عما هو معروف. وفي السياسات الاقتصادية قد ترى أنه لم يُحسن تنفيذ الإجراءات المتعارف عليها لعلاج مشكلة معينة، ولم توضع في إطارها الزمني المناسب، ولم يتم التنسيق بينها وبين غيرها من إجراءات، ولم توضح للناس بعناية فتفشل. فالعيب إذن ليس في الصندوق وما فيه، ولكن في قلة حيلة القائمين على السياسة الاقتصادية. ولن يفيد هؤلاء الاستعانة بما هو خارج الصندوق شيئاً، إذا لم يطوروا هم من مهاراتهم وكفاءة تعاملهم مع أدوات السياسة التقليدية قبل المغامرة بما يعتقدون أنه جديد ومن خارج الصندوق.
والعبارة الثانية التي تتردد كثيراً على الألسنة هي «تساقط ثمار النمو»، وهي ترجمة لتعبير «trickle down effect»، وقد ظنها البعض خطأً أنها استراتيجية اقتصادية ناجعة تقوم على التركيز في بعض المناطق والقطاعات فينتقل أثر النمو منها إلى سواها. وقد وصف الاقتصادي الشهير جون كينيث غالبريث هذه الجملة غير الموفقة بأنها كمن يوصي بإطعام حصان بأكثر مما يكفيه ليتساقط الطعام من حوله فتلتقطه الطيور الهائمة. فالنمو لا يسقط ثماراً على أحد تلقائياً، بل هي سياسات تصمَّم من البداية وتعتمد على الاستثمار في البنية الأساسية التي تربط أطراف الاقتصاد وتتدفق من خلالها أنشطته، والارتقاء بجودة رأس المال البشري من خلال التعليم والتدريب والرعاية الصحية، وإتاحة الفرص العادلة للجميع حتى يعود النمو بالنفع على عموم الناس، وإلا تركزت عائداته أبداً ولن تتساقط إلا على ذوي الحظ أو الحظوة.
والعبارة الثانية التي تتردد كثيراً على الألسنة هي «تساقط ثمار النمو»، وهي ترجمة لتعبير «trickle down effect»، وقد ظنها البعض خطأً أنها استراتيجية اقتصادية ناجعة تقوم على التركيز في بعض المناطق والقطاعات فينتقل أثر النمو منها إلى سواها. وقد وصف الاقتصادي الشهير جون كينيث غالبريث هذه الجملة غير الموفقة بأنها كمن يوصي بإطعام حصان بأكثر مما يكفيه ليتساقط الطعام من حوله فتلتقطه الطيور الهائمة. فالنمو لا يسقط ثماراً على أحد تلقائياً، بل هي سياسات تصمَّم من البداية وتعتمد على الاستثمار في البنية الأساسية التي تربط أطراف الاقتصاد وتتدفق من خلالها أنشطته، والارتقاء بجودة رأس المال البشري من خلال التعليم والتدريب والرعاية الصحية، وإتاحة الفرص العادلة للجميع حتى يعود النمو بالنفع على عموم الناس، وإلا تركزت عائداته أبداً ولن تتساقط إلا على ذوي الحظ أو الحظوة.
ومما يردده بعض المتحدثين عبارة ثالثة وهي «التقاط الثمار القريبة»، كترجمة لتعبير «low - hanging fruit». وهي من التعبيرات التي قد تضلل أولويات العمل بجعلها منصبّة على أهداف قصيرة الأجل، على حساب الجهود الطموحة التي تسعى لتحقيق أهداف أطول أجلاً وأكثر نفعاً واستدامة. من الواجب التوازن بين الاحتياجات العاجلة أو إظهار القدرة على تحقيق النتائج والإنجازات كسباً للثقة، ولكن يجب ألا يأتي هذا خصماً من القدرة على تحقيق التقدم والتنمية المستدامة. وقد تابعنا، في ظل اعتياد كثير من الناس استعجال النتائج، أنه إذا ما ذُكرت برامج التنمية المستدامة التي أعلنتها الأمم المتحدة في عام 2015 على أن تنتهي في عام 2030، جاءت ردود أفعال البعض بأنها بعيدة المدى رغم أنها لا تتجاوز ثلاث خطط خمسية فقط، أو خمسة برامج مالية قوام كل منها ثلاث سنوات؛ وقد مر من مدة تنفيذها حتى اليوم ما يقترب من ثلث الفترة المرصودة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ومنها القضاء التام على الفقر المدقع وسوء التغذية والجوع، والارتقاء بالتعليم والصحة والبيئة حول العالم. فهل حقق المتعلقون بالثمار القريبة ما يسعون إليه؟
ورابع التعبيرات المشهورة التي تتكرر بمناسبة ومن دون مناسبة «الحل المربح لكل الأطراف» وهي ترجمة لتعبير «win win solution». ولا يتحقق مثل هذا الحل إلا في وضع لا يمكن أن تتحقق فيه زيادة منفعة طرف إلا بخسارة طرف آخر، أي أن التخلي عن هذا الوضع سيحول الأمر إلى ما يُطلق عليها مباراة صفرية النتائج، فمكسب طرف هو خسارة للطرف الآخر مثل ما يحدث في مباريات كرة القدم. ويورد الاقتصاديان ديكزيت ونيلبوف في كتابيهما المهم عن التفكير الاستراتيجي، حالات متعددة لمباريات غير صفرية النتائج منها تفاوض العمال مع أرباب العمل لتعديل الأجور بما يمنع حالات الإضراب التي قد تُنزل الضرر بالطرفين، ففي اتفاقهما درء لخسارة الطرفين، وإن كان المكسب المتحقق من الاتفاق قد لا يكون متكافئاً بالضرورة. وكثيراً ما يُطلق تعبير الحل المُربح لكل الأطراف في غير موضعه، ففي أحوال كثيرة قد يكون هناك طرف غائب لا يدخل في اعتبار المتفاوضين أو أطراف الصفقات وقد يتحمل هذا الطرف تكاليف وأعباء دون نفع يُذكر. فقد تُجرى صفقات ومعاملات تجارية يربح أطرافها مالياً ولكن تهدر فيها البيئة وتسبب التلوث فيتحمل المجتمع تكاليف مكافحة التلوث والرعاية الصحية. فأين هذا الحل المزعوم المربح للجميع؟
ولنا فيما قام به أحمد تيمور باشا في كتابه المصنف عن التعبيرات والأمثال العامية، سابقة طيبة في أنه لم يتوقف عند الجمع والتبويب، بل قام بالشرح والتعليق وبقدر من المقارنة والتحقيق. إن مثل هذه التعبيرات المتواترة التي تتكرر على الألسنة في مجالات الاقتصاد والاستثمار قد تترتب عليها أضرار جمّة إذا ما أُخرجت عن سياقها أو إذا ما اعتُبرت خطأً أنها من خلاصة الخبرات والتجارب المفيدة، أو إذا أُطلقت على سبيل التعميم، وفي أفضل الأحوال يمكن معاملتها معاملة الأمثال العامية التي ينبغي وضعها في نصابها وألا تؤخذ مأخذ الجد إلا بعد اختبارها.
ولنا فيما قام به أحمد تيمور باشا في كتابه المصنف عن التعبيرات والأمثال العامية، سابقة طيبة في أنه لم يتوقف عند الجمع والتبويب، بل قام بالشرح والتعليق وبقدر من المقارنة والتحقيق. إن مثل هذه التعبيرات المتواترة التي تتكرر على الألسنة في مجالات الاقتصاد والاستثمار قد تترتب عليها أضرار جمّة إذا ما أُخرجت عن سياقها أو إذا ما اعتُبرت خطأً أنها من خلاصة الخبرات والتجارب المفيدة، أو إذا أُطلقت على سبيل التعميم، وفي أفضل الأحوال يمكن معاملتها معاملة الأمثال العامية التي ينبغي وضعها في نصابها وألا تؤخذ مأخذ الجد إلا بعد اختبارها.
+++++++++++++++++
عدالة توزيع الدخول بين تحديات قديمة وفرص جديدة
أفصحت دراسات اقتصادية جديدة عن أن إقليم الشرق الأوسط، الذي يضم البلدان العربية، هو أكثر الأقاليم من ناحية عدم العدالة في توزيع الدخل على مستوى العالم. ففي هذا الإقليم يستحوذ أغنى 10% من سكانه على 64% من الدخل، مقارنةً بالأحوال في أوروبا التي يصل نصيب الشريحة نفسها فيها إلى 37%، وفي الولايات المتحدة نصل النسبة إلى 47%، وفي البرازيل 55%، وجنوب أفريقيا 62%. وتُظهر هذه التقديرات، التي قام بها الاقتصاديون فاكوندو ألفاريدو وليديا أسود وتوماس بيكيتي، أن تركز الدخول في الشرائح العليا يأتي على حساب الطبقة الوسطى فيضيّق عليها مصادر العيش، كما يدفع بالشرائح الأدنى دخلاً إلى مصائد الفقر.
وتختلف جذور اللامساواة بين مجموعات الدول المذكورة، ففي حين ترجع أسباب عدم العدالة في جنوب أفريقيا إلى نظام الفصل العنصري البغيض الذي ساد البلاد حتى أوائل التسعينات من القرن الماضي الذي منح 10% من البيض مزايا جعلتهم في قمة هرم الدخل، فإن عدم العدالة مرجعها في البرازيل إلى عهود طويلة من قهر ما يقترب من ثلث عدد السكان بنظم العبودية، التي استمرت فيها حتى صدرت قوانين منع الرق في عام 1887، بينما تمتد جذور عدم العدالة في توزيع الدخول في المنطقة العربية وإقليم الشرق الأوسط إلى الاعتماد على المصادر الريعية ثم تحويلها إلى أصول مالية وعقارية. وفي جميع الأحوال يرسخ قصور السياسات المالية العامة والإجراءات الضريبية حالات عدم العدالة في توزيع الدخل والثروة.
تتزايد احتمالات حالات عدم العدالة في توزيع الدخل والثروة مع تضافر عوامل مختلفة مثل النشأة والموقع الجغرافي والنوع الاجتماعي والعرق، والتي قد تقلل من فرص الارتقاء وتحسن الدخل من خلال العمل. وقد أورد جارد دياموند في كتابه الأخير تحت عنوان «اضطراب»، أن الحراك الاقتصادي الاجتماعي في بعض الدول مثل الولايات المتحدة محدود، فأكثر من 40% من الذين يولدون لوالدين من الفقراء يظلون فقراء أيضاً في جيلهم عندما يكبرون عمراً، وأن 8% منهم فقط قد يصلون إلى الشرائح الأغنى دخلاً، أما في الدول الاسكندنافية فإن فرص استمرار البقاء في دائرة الفقر لأبناء الفقراء أقل، إذ تبلغ 26% فقط بينما يرتقي أغلبهم في سلم التطور الاقتصادي والاجتماعي بفضل ما تتيحه لهم فرص التعلم والعمل وغيرها من ممكنات التحسن.
وهناك ظاهرتان متزامنتان شهدتهما العقود الثلاثة الأخيرة، الأولى تتمثل في انخفاض اللامساواة في الدخل بين الدول منذ عام 1990 بما عكس تراجع نسبة الفقر المدقع وكذلك ارتفاع معدلات نمو الاقتصادات النامية عن نظيراتها في الدول المتقدمة. أما الظاهرة الثانية فهي ارتفاع حدة عدم العدالة في توزيع الدخول داخل الدول على نحو غير مسبوق خلال الفترة نفسها. ولا يقتصر التباين على الدخول المتحصلة أو الثروات المكتسبة، ولكنه يمتد إلى خلل في مدى عدالة الفرص في الحصول على غذاء مناسب وخدمات الصحة والتعليم والأراضي وغيرها من أصول وموارد لازمة للعيش الكريم.
تتزايد احتمالات حالات عدم العدالة في توزيع الدخل والثروة مع تضافر عوامل مختلفة مثل النشأة والموقع الجغرافي والنوع الاجتماعي والعرق، والتي قد تقلل من فرص الارتقاء وتحسن الدخل من خلال العمل. وقد أورد جارد دياموند في كتابه الأخير تحت عنوان «اضطراب»، أن الحراك الاقتصادي الاجتماعي في بعض الدول مثل الولايات المتحدة محدود، فأكثر من 40% من الذين يولدون لوالدين من الفقراء يظلون فقراء أيضاً في جيلهم عندما يكبرون عمراً، وأن 8% منهم فقط قد يصلون إلى الشرائح الأغنى دخلاً، أما في الدول الاسكندنافية فإن فرص استمرار البقاء في دائرة الفقر لأبناء الفقراء أقل، إذ تبلغ 26% فقط بينما يرتقي أغلبهم في سلم التطور الاقتصادي والاجتماعي بفضل ما تتيحه لهم فرص التعلم والعمل وغيرها من ممكنات التحسن.
وهناك ظاهرتان متزامنتان شهدتهما العقود الثلاثة الأخيرة، الأولى تتمثل في انخفاض اللامساواة في الدخل بين الدول منذ عام 1990 بما عكس تراجع نسبة الفقر المدقع وكذلك ارتفاع معدلات نمو الاقتصادات النامية عن نظيراتها في الدول المتقدمة. أما الظاهرة الثانية فهي ارتفاع حدة عدم العدالة في توزيع الدخول داخل الدول على نحو غير مسبوق خلال الفترة نفسها. ولا يقتصر التباين على الدخول المتحصلة أو الثروات المكتسبة، ولكنه يمتد إلى خلل في مدى عدالة الفرص في الحصول على غذاء مناسب وخدمات الصحة والتعليم والأراضي وغيرها من أصول وموارد لازمة للعيش الكريم.
ولا ينبغي النظر إلى عدم العدالة في توزيع الدخول على أنها من الثوابت الجامدة العصية على التغيير، فلها من إجراءات السياسات وأعمال المؤسسات ما يحسن من أوضاعها ويعزز فرص عموم الناس في الارتقاء بأحوالهم من خلال العمل. ولتفادي موبقات عدم العدالة في توزيع الدخل والثروة وآثارها السلبية على الاستقرار الاجتماعي والسياسي وما تفوّته على الاقتصاد من منافع، فعلى الحكومات أن تتبنى سياسات متكاملة للارتقاء بالعدالة في توزيع الدخول.
وفي هذا الصدد يجب ألا تقتصر هذه السياسات على توزيع المنح والهبات، بل عليها أن تعمل على خمسة محاور:
أولها يتعامل مع جذور اللامساواة من خلال قوانين وسياسات تطبَّق لإزالة العوائق كافة أمام الحصول على فرص عادلة بدايةً من الطفولة المبكرة بتغذية مناسبة وتعليم لائق ورعاية صحية متميزة، بما يضمن أن ما عاناه جيل الآباء من شظف العيش والفقر لا يرثه الأبناء.
ثانياً، ستحتاج هذه السياسات إلى تمويل يعتمد على نظام ضريبي كفء لتعبئة الموارد ويسهم في إعادة توزيع الدخول ويساند نظام الضمان الاجتماعي، وإلى نظام فعال للإنفاق العام يحسن استهداف المستحقين. ولعل منهج توطين التنمية يعين في فاعلية تحقيق استهداف المستحقين من خلال مشاركة المجتمع المحلي في تحديد الاحتياجات وصياغة الأولويات وتنفيذها بما يحقق نفعاً ملموساً لعموم الناس.
ثالثاً، تطوير قواعد البيانات والارتقاء بنظم تحليلها لضمان فاعلية السياسات وعدم إهدار الموارد والعمل على كفاءة تخصيصها وتحديد المستحقين الأَولى بالرعاية والمساندة. وتحتاج سياسات الدخول وتحقيق العدالة في توزيعها إلى تطوير مسوح وبحوث ميزانية الأسرة التي تحتاج إلى تمويل لإجرائها بشكل دوري وتحليل بياناتها بالتكامل مع مصادر المعلومات الأخرى كالبيانات الإدارية والضريبية للحصول على صورة أكثر اكتمالاً عن المجتمع الاقتصادي.
رابعاً، الاستعداد لمتطلبات الثورة الصناعية الرابعة وقوامها أسس الاقتصاد الرقمي وتطور شبكات المعلومات وإتقان علوم الذكاء الاصطناعي، فالتهاون في الاستثمار في هذه المجالات من شأنه أن يُحدث فجوة في فرص التقدم بين الدول وتبايناً في مقومات المنافسة واكتساب الدخول بين الناس في الدولة الواحدة.
خامساً، تنفيذ استراتيجية للنمو الاقتصادي الشامل للجميع باعتبارها السبيل لتحقيق فرص زيادة الدخول مقابل إنتاجية تحققها قطاعات الاقتصاد ومشروعاته، وأن المنافسة بين الاستثمارات المولِّدة لفرص العمل خصوصاً في مراكز تركُّز السكان من شأنها تحقيق التقارب في مستويات الدخول وفقاً لمعايير الإنتاجية والكفاءة. كما أنه ليس من سبيل للحاق الدول الأقل دخلاً بتلك الأعلى منها دخلاً من دون زيادة معدلات النمو الاقتصادي باطراد لا انقطاع في مساره.
وحتى تنجح المساعي المنشودة في إطار المحاور الخمسة المذكورة تنبغي مراجعة دور الدولة والقطاع الخاص فيما يتعلق بالشأن الاجتماعي، فقد أُممِّت خطأً أنشطة كان الأَولى بها القطاع الخاص باعتبارات تكوينه ومنهاج عمله وسعيه للربح، وخُصخصت خطأً أنشطة كان الأَولى بها القطاع الحكومي باعتبارات فلسفة وجوده ومقاصد أنشطته المحققة للنفع العام. وهذا لا يقلل من شأن أعمال خدمية وأنشطة خيرية يمكن أن يقوم بها القطاع الخاص والموسرون، والتي يجب أن تدعم وتحفز لمساندة تطور المجتمع والإسهام في الارتقاء بمجالات كالتعليم والرعاية الصحية ومكافحة الفقر ورعاية ذوي الحاجة من خلال نظم الوقف والتبرع والصدقات والزكاة. وقد كان في سابقات عهد الموسرين العرب، وفي بعض حاضرهم، مَن أسهم في تأسيس المدارس والمبرّات وراعى طلاب العلم وأنشأ الأوقاف للمقاصد الكريمة. وهي أنماط من السلوك والأعمال تبناها كثير من أغنياء الغرب فأنشأوا بها مؤسسات طوّرت التعليم ونظم الرعاية الصحية ومكافحة الفقر والجهل والمرض في بلدانهم وغيرها، وأسهمت في تحقيق أهداف العدالة الاجتماعية.
وفي هذا الصدد يجب ألا تقتصر هذه السياسات على توزيع المنح والهبات، بل عليها أن تعمل على خمسة محاور:
أولها يتعامل مع جذور اللامساواة من خلال قوانين وسياسات تطبَّق لإزالة العوائق كافة أمام الحصول على فرص عادلة بدايةً من الطفولة المبكرة بتغذية مناسبة وتعليم لائق ورعاية صحية متميزة، بما يضمن أن ما عاناه جيل الآباء من شظف العيش والفقر لا يرثه الأبناء.
ثانياً، ستحتاج هذه السياسات إلى تمويل يعتمد على نظام ضريبي كفء لتعبئة الموارد ويسهم في إعادة توزيع الدخول ويساند نظام الضمان الاجتماعي، وإلى نظام فعال للإنفاق العام يحسن استهداف المستحقين. ولعل منهج توطين التنمية يعين في فاعلية تحقيق استهداف المستحقين من خلال مشاركة المجتمع المحلي في تحديد الاحتياجات وصياغة الأولويات وتنفيذها بما يحقق نفعاً ملموساً لعموم الناس.
ثالثاً، تطوير قواعد البيانات والارتقاء بنظم تحليلها لضمان فاعلية السياسات وعدم إهدار الموارد والعمل على كفاءة تخصيصها وتحديد المستحقين الأَولى بالرعاية والمساندة. وتحتاج سياسات الدخول وتحقيق العدالة في توزيعها إلى تطوير مسوح وبحوث ميزانية الأسرة التي تحتاج إلى تمويل لإجرائها بشكل دوري وتحليل بياناتها بالتكامل مع مصادر المعلومات الأخرى كالبيانات الإدارية والضريبية للحصول على صورة أكثر اكتمالاً عن المجتمع الاقتصادي.
رابعاً، الاستعداد لمتطلبات الثورة الصناعية الرابعة وقوامها أسس الاقتصاد الرقمي وتطور شبكات المعلومات وإتقان علوم الذكاء الاصطناعي، فالتهاون في الاستثمار في هذه المجالات من شأنه أن يُحدث فجوة في فرص التقدم بين الدول وتبايناً في مقومات المنافسة واكتساب الدخول بين الناس في الدولة الواحدة.
خامساً، تنفيذ استراتيجية للنمو الاقتصادي الشامل للجميع باعتبارها السبيل لتحقيق فرص زيادة الدخول مقابل إنتاجية تحققها قطاعات الاقتصاد ومشروعاته، وأن المنافسة بين الاستثمارات المولِّدة لفرص العمل خصوصاً في مراكز تركُّز السكان من شأنها تحقيق التقارب في مستويات الدخول وفقاً لمعايير الإنتاجية والكفاءة. كما أنه ليس من سبيل للحاق الدول الأقل دخلاً بتلك الأعلى منها دخلاً من دون زيادة معدلات النمو الاقتصادي باطراد لا انقطاع في مساره.
وحتى تنجح المساعي المنشودة في إطار المحاور الخمسة المذكورة تنبغي مراجعة دور الدولة والقطاع الخاص فيما يتعلق بالشأن الاجتماعي، فقد أُممِّت خطأً أنشطة كان الأَولى بها القطاع الخاص باعتبارات تكوينه ومنهاج عمله وسعيه للربح، وخُصخصت خطأً أنشطة كان الأَولى بها القطاع الحكومي باعتبارات فلسفة وجوده ومقاصد أنشطته المحققة للنفع العام. وهذا لا يقلل من شأن أعمال خدمية وأنشطة خيرية يمكن أن يقوم بها القطاع الخاص والموسرون، والتي يجب أن تدعم وتحفز لمساندة تطور المجتمع والإسهام في الارتقاء بمجالات كالتعليم والرعاية الصحية ومكافحة الفقر ورعاية ذوي الحاجة من خلال نظم الوقف والتبرع والصدقات والزكاة. وقد كان في سابقات عهد الموسرين العرب، وفي بعض حاضرهم، مَن أسهم في تأسيس المدارس والمبرّات وراعى طلاب العلم وأنشأ الأوقاف للمقاصد الكريمة. وهي أنماط من السلوك والأعمال تبناها كثير من أغنياء الغرب فأنشأوا بها مؤسسات طوّرت التعليم ونظم الرعاية الصحية ومكافحة الفقر والجهل والمرض في بلدانهم وغيرها، وأسهمت في تحقيق أهداف العدالة الاجتماعية.
++++++++++++++++
نهج جديد للاستثمار لعلاج معضلة النمو
مديرة صندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد، إلى أن تصف الاقتصاد العالمي بأنه «يشهد مرحلة دقيقة»، وإلى أن يذكر ديفيد مالباس، الرئيس الجديد لمجموعة البنك الدولي، في أول تصريح له للإعلام، أن النمو الاقتصادي العالمي «فقد قوة دفعه» خلال العام المنصرم.
وقد تزامن هذا التراجع في نمو الاقتصاد العالمي مع انحسار أثر حزم التحفيز التي تبنتها الاقتصادات المتقدمة، بعد الأزمة المالية التي اندلعت في عام 2008، والضغوط المالية التي تعاني منها بعض الاقتصادات ذات الأسواق الناشئة، وزيادة حالة عدم اليقين بسبب ما يكتنف توجهات السياسات النقدية وأسعار الفائدة من غموض، والقيود المتزايدة التي تعترض حركة التجارة الدولية، ومخاطر زيادة الديون الخارجية.
وقد تزامن هذا التراجع في نمو الاقتصاد العالمي مع انحسار أثر حزم التحفيز التي تبنتها الاقتصادات المتقدمة، بعد الأزمة المالية التي اندلعت في عام 2008، والضغوط المالية التي تعاني منها بعض الاقتصادات ذات الأسواق الناشئة، وزيادة حالة عدم اليقين بسبب ما يكتنف توجهات السياسات النقدية وأسعار الفائدة من غموض، والقيود المتزايدة التي تعترض حركة التجارة الدولية، ومخاطر زيادة الديون الخارجية.
أما معدلات النمو في الاقتصاد العربي فهي ما زالت تحوم حول متوسط 2 في المائة سنوياً، وتشير التوقعات إلى زيادتها بنحو ثلاثة أرباع النقطة المئوية فقط، حتى عام 2021. هذه الأرقام المتواضعة لا تكفي لتوليد كافة فرص العمل المطلوبة عربياً، والتي قدرت بعشرة ملايين فرصة سنوياً، في بلدان تشهد معدلات بطالة مرتفعة، ولا تلبي متطلبات تحسن متوسطات الدخول، بعدما شهدته من تراجع في عدد من البلدان العربية، وعدم عدالة في توزيعها في أكثرها. كما أن انخفاض معدلات النمو يعرض الدول عالية المديونية لمخاطر جمة، خصوصاً مع استمرار ارتفاع عجز الموازنات العامة.
لا توجد معضلة اقتصادية دون حل، ولكن لكل حل تكلفة تزداد بالإبطاء في اتخاذ القرار بشأنه. ويتطلب علاج تراجع النمو بداية، إدراك أن النمو الاقتصادي وحده لا يكفي لتحقيق التنمية، ولكن من دونه يتعذر القضاء على تحديات الفقر والبطالة، ومن دونه أيضاً يستحيل التقدم في سباق الأمم أو حتى الصمود فيه. هكذا أنبأنا التاريخ الاقتصادي لأوروبا الغربية والولايات المتحدة واليابان، منذ الثورة الصناعية الأولى وحتى الحرب العالمية الثانية. وبهذا يخبرنا حاضر نهضة الصين ودول جنوب شرقي آسيا والهند، واقتصادات أخرى انتهجت سبيل النمو لتحقيق أهداف التنمية، ومن أهمها النجاح المطرد في القضاء على الفقر المُدقع.
مَن ينشد حلولاً ناجعة لمعضلات النمو الاقتصادي وتراجعه، لعله يستأنس بخبرات عملية ناجحة لخصها تقرير عن النمو والتنمية، قاد فريق عمله - الذي كنت أحد أعضائه - البروفسور مايك سبنس، الحائز جائزة «نوبل» في الاقتصاد. وقد اشتركت الدول الأعلى نمواً في سمات خمس تمثلت في: تحقيق استقرار اقتصادي، والانفتاح على العالم تصديراً وجذباً للاستثمارات وجلباً للمعارف؛ والتوجه للمستقبل بمدخرات ومعدلات استثمار مرتفعة، خصوصاً في التعليم والرعاية الصحية، وكفاءة تخصيص الموارد من خلال آليات السوق وحسن الرقابة عليها، والاحتكام لقواعد القانون وأسس الحوكمة والإدارة المتميزة للشأن العام، من خلال سياسات فاعلة ومؤسسات كفؤة.
إذا كانت هذه سمات وخصائص مشتركة جمعت دولاً عالية النمو شاملة التنمية وسريعة التقدم، على النحو الذي شهدته الفترة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى الأزمة المالية الأخيرة، فإن عناصر جديدة لعلاج معضلات النمو في الاقتصادات العربية تستوجب أولوية الإدراج من ذوي الاعتبار مع المستجدات المعاصرة. تتجلى الأهمية مع تطورات شهدها العقد الحالي، وتحديات النمو الجديدة المشار إليها، ومخاطر وفرص الثورة الصناعية الجديدة، وما أطلق عليه «عصر المربكات الكبرى»، التي ارتبطت بثورة تكنولوجيا المعلومات، وتطور قواعد البيانات الكبرى، التي يطلق عليها «النفط الجديد»، وكذلك الطفرات التطبيقية للذكاء الاصطناعي، فضلاً عما يواجه انسياب حركة التجارة والاستثمار من تحديات ومعوقات تقليدية وأخرى مستجدة. يمكن حصر هذه العناصر الجديدة في ثلاثة يجمعها نشاط الاستثمار: استثمار في رأس المال البشري، واستثمار في البنية الأساسية المتقدمة اللازمة للثورة الصناعية الجديدة، والاستثمار الثالث في جهود توطين التنمية.
أولاً، الاستثمار في رأس المال البشري، وهو يتطلب مشاركة ضخمة بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، في استهداف تحقيق التعلم مدى الحياة، واكتساب المهارات المطلوبة للعمل مرتفع الإنتاجية، وليس مجرد الحصول على شهادات باجتياز مراحل للتعليم، يتواكب معها رقي في نوعية الرعاية الصحية والتأمين الصحي الشامل للكافة، ونظم الضمان الاجتماعي. وبالمراجعة المقارنة لأداء البلدان العربية مع سائر بلدان العالم، وفقاً للأرقام القياسية المعنية برأس المال البشري، تجدها في مراكز متراجعة إلا قليلاً. وفي تقديرات حديثة لاحتياجات الصحة والتعليم من زيادة في الإنفاق يتضح احتياجهما لما يقترب من 7 في المائة من الدخل المحلى سنوياً في الدول النامية. وحتى يتحقق العائد الاقتصادي المطلوب يتطلب الأمر نقلة نوعية في سوق العمل وآليات التعاقد، في عصر جديد لتكنولوجيا الإنتاج.
ثانياً، الاستثمار في متطلبات الثورة الصناعية الجديدة، وتشمل تطوير البنية الأساسية المتقدمة، وسبل التعامل مع قواعد البيانات الكبرى، وحماية البيانات وأسس الرقابة على الخصوصية، ودعم الابتكار المعرفي. وتشير تقارير متخصصة عن مدى الاستعداد للتحول الرقمي عالمياً، إلى فجوات في البنية الأساسية تتطلب استثمارات ضخمة في شبكات الإنترنت فائق السرعة، وقدرات المنصات المعتمدة على تكنولوجيا المعلومات، وحفظ واسترجاع وتأمين البيانات والتعامل معها. كما تحتاج الدول العربية أيضاً إلى إيجاد نسق متكامل للذكاء الاصطناعي، وتطبيقاته في الإنتاج ومجالات الحياة المختلفة.
ثالثاً، الاستثمار في توطين التنمية، بمعنى أن تتوطد علاقة أنشطة الاقتصاد مع المجتمعات وأولوياتها، وأن يتشارك أبناء المجتمع المحلي في صياغة السياسات المؤثرة في حياتهم، بما في ذلك نوعية المجال الاقتصادي ومشروعاته الإنتاجية، وآثارها على البيئة والخدمات والتنمية الاجتماعية، وخضوعها لقواعد الشفافية والحوكمة، سواء استقرت هذه المشروعات في قرى الريف أو أحياء الحضر. وهذا أمر يتجاوز الحديث المكرر في أدبيات التنمية المحلية العربية بشأن المركزية واللامركزية؛ فريق ينحاز للأولى وفريق يتحيز للثانية.
إن تقدم وسائل تنفيذ ومتابعة سياسات وبرامج ومشروعات التنمية مع تطور التكنولوجيا، بما يمكن من وضع معايير وقواعد للتطبيق، مع الأخذ في عين الاعتبار الموقع الجغرافي للمنافسة والإشراف والرقابة، بما يحقق نفع عموم الناس، لا يفرق بين سُكنى العواصم أو الأقاليم النائية. فقد يسرت تكنولوجيا المعلومات والتنقل سبل التواصل والمنافسة والنفاذ للأسواق والخدمات لمن أراد. وبدعم التآلف بين الاستثمار ومشروعاته الخاصة والعامة، وأولويات المجتمع المحلي وتطلعاته، يتيسر تحقيق أهداف التنمية، ويزداد الإدراك العام لأهمية الاستثمار في تنويع مصادر النمو وأثره.
لا توجد معضلة اقتصادية دون حل، ولكن لكل حل تكلفة تزداد بالإبطاء في اتخاذ القرار بشأنه. ويتطلب علاج تراجع النمو بداية، إدراك أن النمو الاقتصادي وحده لا يكفي لتحقيق التنمية، ولكن من دونه يتعذر القضاء على تحديات الفقر والبطالة، ومن دونه أيضاً يستحيل التقدم في سباق الأمم أو حتى الصمود فيه. هكذا أنبأنا التاريخ الاقتصادي لأوروبا الغربية والولايات المتحدة واليابان، منذ الثورة الصناعية الأولى وحتى الحرب العالمية الثانية. وبهذا يخبرنا حاضر نهضة الصين ودول جنوب شرقي آسيا والهند، واقتصادات أخرى انتهجت سبيل النمو لتحقيق أهداف التنمية، ومن أهمها النجاح المطرد في القضاء على الفقر المُدقع.
مَن ينشد حلولاً ناجعة لمعضلات النمو الاقتصادي وتراجعه، لعله يستأنس بخبرات عملية ناجحة لخصها تقرير عن النمو والتنمية، قاد فريق عمله - الذي كنت أحد أعضائه - البروفسور مايك سبنس، الحائز جائزة «نوبل» في الاقتصاد. وقد اشتركت الدول الأعلى نمواً في سمات خمس تمثلت في: تحقيق استقرار اقتصادي، والانفتاح على العالم تصديراً وجذباً للاستثمارات وجلباً للمعارف؛ والتوجه للمستقبل بمدخرات ومعدلات استثمار مرتفعة، خصوصاً في التعليم والرعاية الصحية، وكفاءة تخصيص الموارد من خلال آليات السوق وحسن الرقابة عليها، والاحتكام لقواعد القانون وأسس الحوكمة والإدارة المتميزة للشأن العام، من خلال سياسات فاعلة ومؤسسات كفؤة.
إذا كانت هذه سمات وخصائص مشتركة جمعت دولاً عالية النمو شاملة التنمية وسريعة التقدم، على النحو الذي شهدته الفترة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى الأزمة المالية الأخيرة، فإن عناصر جديدة لعلاج معضلات النمو في الاقتصادات العربية تستوجب أولوية الإدراج من ذوي الاعتبار مع المستجدات المعاصرة. تتجلى الأهمية مع تطورات شهدها العقد الحالي، وتحديات النمو الجديدة المشار إليها، ومخاطر وفرص الثورة الصناعية الجديدة، وما أطلق عليه «عصر المربكات الكبرى»، التي ارتبطت بثورة تكنولوجيا المعلومات، وتطور قواعد البيانات الكبرى، التي يطلق عليها «النفط الجديد»، وكذلك الطفرات التطبيقية للذكاء الاصطناعي، فضلاً عما يواجه انسياب حركة التجارة والاستثمار من تحديات ومعوقات تقليدية وأخرى مستجدة. يمكن حصر هذه العناصر الجديدة في ثلاثة يجمعها نشاط الاستثمار: استثمار في رأس المال البشري، واستثمار في البنية الأساسية المتقدمة اللازمة للثورة الصناعية الجديدة، والاستثمار الثالث في جهود توطين التنمية.
أولاً، الاستثمار في رأس المال البشري، وهو يتطلب مشاركة ضخمة بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، في استهداف تحقيق التعلم مدى الحياة، واكتساب المهارات المطلوبة للعمل مرتفع الإنتاجية، وليس مجرد الحصول على شهادات باجتياز مراحل للتعليم، يتواكب معها رقي في نوعية الرعاية الصحية والتأمين الصحي الشامل للكافة، ونظم الضمان الاجتماعي. وبالمراجعة المقارنة لأداء البلدان العربية مع سائر بلدان العالم، وفقاً للأرقام القياسية المعنية برأس المال البشري، تجدها في مراكز متراجعة إلا قليلاً. وفي تقديرات حديثة لاحتياجات الصحة والتعليم من زيادة في الإنفاق يتضح احتياجهما لما يقترب من 7 في المائة من الدخل المحلى سنوياً في الدول النامية. وحتى يتحقق العائد الاقتصادي المطلوب يتطلب الأمر نقلة نوعية في سوق العمل وآليات التعاقد، في عصر جديد لتكنولوجيا الإنتاج.
ثانياً، الاستثمار في متطلبات الثورة الصناعية الجديدة، وتشمل تطوير البنية الأساسية المتقدمة، وسبل التعامل مع قواعد البيانات الكبرى، وحماية البيانات وأسس الرقابة على الخصوصية، ودعم الابتكار المعرفي. وتشير تقارير متخصصة عن مدى الاستعداد للتحول الرقمي عالمياً، إلى فجوات في البنية الأساسية تتطلب استثمارات ضخمة في شبكات الإنترنت فائق السرعة، وقدرات المنصات المعتمدة على تكنولوجيا المعلومات، وحفظ واسترجاع وتأمين البيانات والتعامل معها. كما تحتاج الدول العربية أيضاً إلى إيجاد نسق متكامل للذكاء الاصطناعي، وتطبيقاته في الإنتاج ومجالات الحياة المختلفة.
ثالثاً، الاستثمار في توطين التنمية، بمعنى أن تتوطد علاقة أنشطة الاقتصاد مع المجتمعات وأولوياتها، وأن يتشارك أبناء المجتمع المحلي في صياغة السياسات المؤثرة في حياتهم، بما في ذلك نوعية المجال الاقتصادي ومشروعاته الإنتاجية، وآثارها على البيئة والخدمات والتنمية الاجتماعية، وخضوعها لقواعد الشفافية والحوكمة، سواء استقرت هذه المشروعات في قرى الريف أو أحياء الحضر. وهذا أمر يتجاوز الحديث المكرر في أدبيات التنمية المحلية العربية بشأن المركزية واللامركزية؛ فريق ينحاز للأولى وفريق يتحيز للثانية.
إن تقدم وسائل تنفيذ ومتابعة سياسات وبرامج ومشروعات التنمية مع تطور التكنولوجيا، بما يمكن من وضع معايير وقواعد للتطبيق، مع الأخذ في عين الاعتبار الموقع الجغرافي للمنافسة والإشراف والرقابة، بما يحقق نفع عموم الناس، لا يفرق بين سُكنى العواصم أو الأقاليم النائية. فقد يسرت تكنولوجيا المعلومات والتنقل سبل التواصل والمنافسة والنفاذ للأسواق والخدمات لمن أراد. وبدعم التآلف بين الاستثمار ومشروعاته الخاصة والعامة، وأولويات المجتمع المحلي وتطلعاته، يتيسر تحقيق أهداف التنمية، ويزداد الإدراك العام لأهمية الاستثمار في تنويع مصادر النمو وأثره.
++++++++++++++++++
نسبة الفقر المدقع تتضاعف في المنطقة العربية
2019/11/12
لا يزال الفقر من التحديات الرئيسية التي تواجه التنمية في المنطقة العربية، ورغم تراجع معدّلاته عالميا، إلا أنه تضاعف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل مقلق،
ندوة نظمتها كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة حول “جائزة نوبل.. اقتصاد الفقر أم فقر الاقتصاد”
أطلق التفاوت الحاد بين الفقراء والأغنياء في العديد من الدول موجة احتجاجات عالمية، كان للمنطقة العربية نصيب الأسد منها، في ظل الافتقار لتحقيق نمو اقتصادي وتداخل القضايا السياسية بالتنموية والاقتصادية، وحيث يتجه الغضب الشعبي نحو النظم السياسية التي تحصن النخبة الحاكمة ضد أي تغيير، وإصلاحاتها المقترحة تكون على حساب الشارع.
وتشير تقارير المنظمات الدولية على غرار البنك الدولي ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (أسكوا) إلى أن المنطقة العربية هي الوحيدة في العالم التي ارتفع فيها معدل الفقر المدقع خلال السنوات الست الأخيرة إلى 20 بالمئة من السكان.
ويحذّر محمود محيي الدين، النائب الأول لرئيس البنك الدولي، من السياسات العشوائية التي تفاقم أوضاع الفقراء في المنطقة
ويعدّ الإقليم الاقتصادي العربي الأسوأ في عدم العدالة في توزيع الدخل، إذ يستحوذ أغنى عشرة بالمئة من السكان على نحو ثلثي الدخل القومي، في حين أن العشرة بالمئة الأغنى في أوروبا لا يتجاوز نصيبهم 37 بالمئة وفي الصين 41 بالمئة والهند 55 بالمئة.
أرجع محيي الدين، الفضل للصين في خفض معدلات الفقر المُدقِع عالميا، وهذا النموذج جدير بالفوز بجائزة نوبل في الاقتصاد، حيث نجحت بكين في انتشال أكثر من 850 مليون مواطن من حدة الفقر، ووصفه بأنه “أمر مذهل”.
وتستعد بكين لتعلن العام المقبل أنها خالية تماما من الفقراء، من خلال توفير كساء وغذاء مناسب لكل فرد، ورعاية صحية، وتعليم مجاني في أول تسعة أعوام من المراحل الدراسية.
وأوضح الخبير الاقتصادي أن التجربة الصينية اعتمدت على المؤسسات القائمة منذ عهد ماو تسي تونغ الذي رأس الحزب الشيوعي في عام 1935 في مواجهة الفقر، وليس الاتجاه لهدمها وبناء مؤسسات جديدة. وما عزز من نجاح النموذج الصيني الاهتمام بالسياسات الكلية في مواجهة المشكلة، والتركيز على الاقتصاد السياسي وآلياته وردود الفعل، فضلا عن إدراكهم لجانب سبقوا فيه غيرهم وهو التواصل والإعلام كجزء أساسي من السياسات العامة والاقتصادية.
ولفت محيي الدين إلى أن الجانب الإعلامي مهم جدا في التأثير على الرأي العام لتقبل الاتجاهات الجديدة، وليس تطبيق السياسات أولا ثم الترويج لها لاحقا.
واستخدمت الصين طريق التواصل المباشر، وتمتلك هذه المرونة من القاعدة إلى القمة من خلال آليات التواصل في الحزب الشيوعي وتم ذلك بشكل كفء للغاية.
وحول السلطات المطلقة للحكومات الإقليمية قال محيي الدين إن المسؤولين يؤمنون بأنه كلما ثبت محور السيارة تسارعت إطاراتها وزاد انطلاقها، ومن هذا المنطلق يمنحون حكام الأقاليم سلطات مطلقة، الأمر الذي عزز من توطين عمليات التنمية وانتعاش حياة الأفراد.
وأشار نائب رئيس البنك الدولي إلى أن التجربة الصينية من الممكن أن تصبح فرصة تطوعها الدول العربية للاستفادة منها في تعزيز معدلات النمو وتنشيط الاقتصاد والاستفادة من طاقات الشباب، فالعالم العربي لديه نقاط قوة لا بد من الاستفادة منها، حيث تزداد المجتمعات شبابية في هرمها السكاني، فنحو 60 بالمئة من السكان في الدول العربية تحت سن الثلاثين.
ويتزامن ذلك مع ارتفاع العمر في ذات الوقت، وهي أمور إيجابية إذا أحسن الاستعداد لها بزيادة الاستثمار في التعليم والرعاية الصحية كمكونات رئيسية لرأس المال البشري. ورغم القاعدة الشبابية للعالم العربي، إلا أنه يعاني من أعلى نسبة بطالة في العالم، وصلت إلى 10.6 بالمئة وهي تقترب من ضعف متوسط نسبة البطالة العالمية ومقدارها 5.7 بالمئة، وهي أشد تركزا بين شباب العرب وأعلى بين النساء مقارنة بالرجال.
ويحتاج الاقتصاد العربي لخلق 10 ملايين فرصة عمل جديدة كل عام حتى يتصدى لمعضلة البطالة، ومواجهة الفقر، وعلى أن تتاح هذه الفرص وفقا لسياسات نمو شاملة تعزز من فرص مشاركة النساء في سوق العمل، دعما للتنمية المستدامة التي لا تفتئت على حقوق الناس أو تهدر تصف طاقتهم البشرية عبثا.
عدم اكتمال التجارب في حالات عربية كثيرة سببه العشوائية، ليس عشوائية النموذج المراد تطبيقه لمواجهة التحديات، لكن عندما لا تستقيم عملية تراكم الإصلاح عبر الزمن، بغض النظر عن الاتجاه الذي تتبناه الدول سواء كان اشتراكيا أو رأسماليا.
وأكد أن الدول العربية خالفت في هذا الاتجاه النموذج الصيني القائم على استكمال البناء وتطويره، واتبعت نموذج الهدم والبناء من جديد، وتسببت في التخلف عن ركب التنمية وتفاقم معدلات الفقر.
وللخروج من هذا النفق والقضاء على الفقر، طالب بتعظيم الاستثمار في البشر والرعاية الصحية والحوكمة التي تعني فصل الملكية عن الإدارة والقدرة على إعمال دولة القانون لتعزيز مبادئ الشفافية والإفصاح واستثمار البنية الأساسية والتكنولوجية، ولا تكتمل المنظومة دون إعمال قواعد السوق في توزيع الموارد وأن يكون منظما ومراقبا بما يحقق عدالة المنافسة.
وهذه المبادئ والأطر كانت أهم لبنات نجاح تجارب الصين وفيتنام والهند والبرازيل والمكسيك وكولومبيا، مؤكدا أنه عند الحديث عن الفقر لا بد ألا يجب التوقف عند حدوده فقط، بل لا بد من مراعاة عدالة توزيع الدخل والثروة.
وعن مدى مسؤولية الفقير عن فقره ودور المؤسسات الدولية في مواجهة هذا التحدي، كشف أن هناك 163 دولة عضو في البنك الدولي، استفادت نحو 125 دولة من مساعدته، ونجحت نماذج منها الصين واليابان وكوريا، فكان أول طريق سريع في الصين بتمويل من البنك الدولي وأول مطار أيضا في اليابان وأول قرض لكوريا الجنوبية.
وثمة دول أفريقية نجحت وتسير في الطريق، منها رواندا ولديها برنامج مهم جدا لدى البنك، وبروندي تملك برامج، وإن كانت ليست ناجحة بالشكل الكافي، لكن لديها برامج لمواجهة الفقر، والتباين بين الأمرين يكمن في الإصرار والإرادة السياسية والتوجه الذي تقوم به الدولة التي ترغب في مواجهة تحدي الفقر.
وشدد محيي الدين على أن النجاح والإخفاق مسؤولية الدول في ظل إتاحة البرامج الإنمائية والتمويلية التي تتيحها المؤسسات الدولية، لأن التنمية قضية وطنية محلية العمل داخل نطاق الدول، لكنها لا بد أن تستخدم كل ما يتاح لها من فرص وبرامج تمويلية من المؤسسات الدولية.
وذكر لـ”العرب” أن التقدم التكنولوجي يفتح آفاقا جديدة ويمنح فرصا للتوظيف وتشغيل المشروعات الصغيرة، الأمر الذي يسهم بشكل فاعل في مواجهة الفقر وتوطين التنمية، إذا تم استخدامها بكفاءة، ويعد هذا الاتجاه مصدرا مهمّا يواكب متطلبات الشباب ويعزز نمو مشروعاتهم.
++++++++++++++++++++
الاسستثمار الدول في البينية التحتية والصحة والتصنيع والطاقة والتطوير التكنولوجي
الاسستثمار الدول في البينية التحتية والصحة والتصنيع والطاقة والتطوير التكنولوجي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق