الأحد، 5 سبتمبر 2021

النزعة الجمهورية المتطرفة، وتحول العلمانية إلى دين ******

Nov 2, 2020

 في مواجهة الأديان الضعيفة في فرنسا (كالإسلام)، وأخيرا بالعداء للمهاجرين

شعبوية ماكرون: أزمة إسلام أم أزمة علمانية فرنسية؟

 إيمانويل تود في كتابه حول «الصراع الطبقي» في القرن 21- في تحالف بين طبقات اجتماعية عليا ماكرونية مع شرائح هوياتية محافظة ذات انغلاق ديني لوبونية (الجبهة الوطنية التي تتزعمها ماري لوبن).

هذا الخليط الشبيه بمنتخبي ترامب بالولايات المتحدة يختلف عن النموذج الأميركي بمعاداة شريحة من هؤلاء الفرنسيين من أصول مسلمة، التي ترفض الانصهار في فرنسا. و"الانصهار" (assimilation) يختلف كليا عن "الاندماج" (integration)، فعلى عكس ما يوحي له ماكرون، تدل الكثير من الدلائل على اندماج رائع لهؤلاء الفرنسيين والمهاجرين في المجتمع الفرنسي، ويعني الاندماج الانخراط الإيجابي لهؤلاء بالحياة الاجتماعية والاقتصادية، وبحد أدنى السياسية، مع المحافظة على الحريات الفردية لهم في المزج الخلاق بين العادات والتقاليد الفرنسية وتلك الباقية من بلاد الأصل. فهم يعيشون التعددية الثقافية في بلد يجنح سياسيوه الشعبيون إلى رفضها والتمسك بالنزعة الجمهورية المتطرفة، التي لم تستوعب أن فرنسا تغيرت بتعدد الإثنيات والديانات التي يحملها هؤلاء، وتغيرت أيضا بتأثير العولمة عليها مثلها مثل أغلب البلدان في العالم. وأن مفاهيمها لليبرالية والعلمانية لم تعد تصلح بشكلها الصلب المغرور مع عصر التعددية الثقافية والأخلاقية والقانونية، التي تجتاح حداثتنا المتأخرة، هذه التعددية التي تشكل أساسا لمقاومة نزعات الشعبوية والاستبدادية السائدة في كثير من الدول في الشمال والجنوب.

خطاب شعبوي

هناك 3 إشكالات في خطاب ماكرون

الدين الإسلامي في أزمة في كافة بقاع العالم

عندما يقولها رئيس جمهورية في بلد أكثريته مسيحية، وفي السنة التي يحضر فيها للانتخابات البلدية الجزئية. فالكثير من المحللين السياسيين يؤكدون أنه يعول على انتخابه من خلال جر الأصوات اليمينية المتطرفة.

الثاني: اعتباره نشر صور مسيئة للرموز الدينية مثل النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- هو شيء طبيعي في سياق حرية التعبير، واعتباره أن ذلك ليس فقط حقا ولكنه واجب، كما بدا لي في برنامج تلفزيوني فرنسي قبل سنتين عندما طلب المذيع من فنان فرنسي من أصل عربي أن يسب النبي، وعندما فعلها قام الجمهور الهائج بالتصفيق: وكأنه طقس العبور للحداثة ذات العلمانية المغرورة. وهذا شعبوي وعنصري في بلد ربط دائما مفهوم الحرية بالمسؤولية الاجتماعية، وحساسيات الأقليات، وحتى في سياسة الدولة الخارجية.

ففي فرنسا من يناقش عدد اليهود الذين ماتوا في المحرقة يعد مرتكبا لجريمة، تدخل صاحبها السجن، ويمنع أيضا الدعوة لمقاطعة البضائع الإسرائيلية. نعم لم تكن يوما من الأيام حرية التعبير مطلقة في ظل الديمقراطيات الراسخة. 

على عكس بيان الخارجية الفرنسية المدعية أن "المتطرفين" هم من ينتقدون الموقف الفرنسي ومقاطعة البضائع الفرنسية، لقد قامت جهات رسمية دينية إسلامية (الأزهر، هيئة كبار العلماء في السعودية، وزراء الأوقاف في كثير من الدول الإسلامية) بإدانة الموقف الفرنسي بمساسه الرخيص برمز ديني فقط للإساءة. وطبعا كالمعتاد تحرك بعض الأصوات العلمانية المتطرفة العربية للاستهزاء بهذه المواقف، واعتبار أنه كان على هذه المؤسسات إدانة الإمبريالية الأميركية والتحرك لقضايا أكثر مادية، وهذا يدل أن الاستخفاف بالرموز الدينية ليس حكرا على فرنسا؛ ولكن على نخب عربية لم تفهم أن العلمانية هي صيرورة محلية وليست قالبا فرنسيا للتقليد.

هجومه ودعوته لمنع أي حركة أو حزب ينتمي إلى ما يسميه الإسلام السياسي في فرنسا، وهو كما كل أنظمة الثورات المضادة كالإمارات ومصر، حيث إن أي معارضة منظمة ضد سلطة استبدادية أو شعبوية تعدّ معادية للعلمانية. ولا عجب في أن ماكرون حليف انتهازي لهاتين الدولتين لأسباب أهمها اقتصادية (خاصة بيع الأسلحة)، 

أزمة العلمانية الفرنسية

سأركز هنا بالتحديد على أزمة اللايكية (العلمانية) الفرنسية، وأوضح هنا أنني لست ضد الدولة العلمانية أو ما يحب أن يسميها بعض المفكرين الإسلاميين بالدولة المدنية أو ما سماها عبد الوهاب المسيري بالعلمانية الجزئية أو العلمانية الأخلاقية أو الإنسانية، بمعنى أنها دولة تفصل فيها مؤسسات الدولة عن المؤسسات الدينية في ظل مفهوم المواطنة للجميع، بغض النظر إن كانوا يتبعون لدين ما أو لا دينيين (أي تبني سياسات المواطنة في الدولة الوطنية، وليس فقط سياسات لصالح طائفة المؤمنين

وفعلا لقد أصبحت الدولة العلمانية هي السائدة في العالم بما فيها العالم الإسلامي، وحتى في دول يحكمها حزب ذو توجهات إسلامية (ضمن تحالفات أخرى بالطبع) مثل تركيا، ماليزيا، تونس أو المغرب. وإذا كانت هذه العلمانية الأخلاقية كونية في قضية الفصل أو التمايز بمعنى حماية الدين من سلطة الدولة وحماية الدولة من هيمنة الإكليروس الديني، فليس هناك أي دليل سوسيولوجي أن هذه العلمنة ترتبط بنقصان التدين ولا بمنع المتدينين من ممارسة السياسة من خلال إضفاء الأخلاق عليها، كما هو الحال في كثير من بلدان العالم بما في ذلك العالم الإسلامي.

سأختصر بنية الأزمة المفاهيمية لللايكية الفرنسية بأربع نقاط:

أولا: أتفق مع الأنثروبولوجي الأميركي طلال أسد والفيلسوفة الفرنسية سيسيل لابورد، أن العلمانية خاصة في فرنسا قد فهمت الدين على الطريقة المسيحية، وبالتحديد اختزاله على الاعتقاد الفردي وحرية الضمير، وخاصة على الطريقة البروتستانتية، ومكانه بالتالي الفضاءات الخاصة كالبيت والكنيسة، هكذا تصبح الطقوس والمعاملات بين البشر مجرد استعراضات دعائية للدين. فمثلا سوف يؤخذ موقف من الحجاب الإسلامي في المدارس والمؤسسات العامة على أنه دعوة للتدين، وهذا ممنوع في العلمانية. ويتحول بعض دعاة اليسار الفرنسي العلمانوي إلى "فقهاء" ليثبتوا أن الحجاب ليس من الإسلام، منتهكين بذلك أبسط الحريات في أن الفرد من يحدد معنى سلوكه الاجتماعي، أو أن الحجاب هو رمز "لعبودية المرأة" مسقطين معنى ثقافيا منبثقا من الثقافة الأوروبية على مجتمعات أخرى، وهذا نسميه في العلوم الاجتماعية بالمركزية الإثنية.

إن منع الحجاب في المدارس والمؤسسات العامة هو انتهاك صريح لحرية ممارسة الأديان والمسوغ (شبه الوحيد) هو الاشمئزاز عند الفرنسيين ذوي نزعة "الثقافة الواحدة" (cultural majoritism) من الحجاب. وقد أدانت الفيلسوفة الأميركية مارثا نوسباوم في كتابها الرائع "الاختباء من الإنسانية: الاشمئزاز، والخزي، والقانون" (Hiding from humanity disgust, shame, and the law) أي قوننة تنبني على الاشمئزاز من تصرفات الآخرين، وهذا حكم عام فيجب ألا تبنى الأحكام الأخلاقية أو القانونية لمنع أفعال ما على الاشمئزاز، فمن له مسوغات ضد المثلية، مثلا، عليه استحضارها، لا أن يكتفي بالدعوة لقوننة ضد هذه الفئة؛ بسبب الاشمئزاز من فعل المثلية. يبدو هذا التطرف اللاييكي الفرنسي شاذا مقارنة مع العلمانية السمحة الأوروبية، حيث تلبس بعض الشرطيات النرويجيات المسلمات الحجاب، ويلبس بعض رجال الشرطة السيخ الشباب التربان.

ثانيا: العلمانية تحمل قيما مدنية عظيمة وكذلك  الأديان؛ لكن هذه القيم، حتى الخيرة منها، تدخل في تنافس وتصارع، وبعضها يصبح جزءا من الثقافة بحيث يصعب تمييز ما هو فعلا من بقايا تعاليم دينية أم من مصادر قيمية أخرى، على عكس مطلب جون رولز، لا يمكن مطالبة المواطنين بتحمل مسؤولية أخلاقية لتبرير قناعاتهم السياسية بشكل مستقل عن معتقداتهم الدينية. يعترف يورغن هابرماس بمكانة الدين في المجال العام؛ لكنه يحصرها فقط في المداولات غير الرسمية، ويستبعدها من المجال المؤسسي، ويرى بأنه يجب على المجتمعات الدينية الانخراط في التفكير الذاتي التأملي من أجل تطوير موقف معرفي تجاه ادعاءات الأديان الأخرى ووجهات النظر الأخرى تجاه المعرفة العلمانية، وخاصة العلمية، وتجاه أولوية التبريرات العلمانية في الساحة السياسية؛ لكن هل من الممكن بالفعل فصل الأسباب "الدينية" عن "العلمانية"؟

يقوم الزعماء الدينيون والمواطنون بإعادة صياغة لاهوتهم في سياقات سياسية جديدة. إذ لا يمكن منع الحجج الدينية من المجال العام والاكتفاء بالحجج الثقافية الأخرى؛ بل ينبغي أن يحكم عليها إن كانت حجج استبدادية أم لا،كما فعلت الفيلسوفة الإيرلندية، ميف كوك، وذلك بدعوتها أن يؤخذ عاملَي "السياق" و"التاريخ" في الحجج، إذ يكون للقراءة التأويلية للكتب المقدسة كما للفلسفة الأخلاقية الدور الرئيس لتأمين عدم استبدادية الحجج والتسويغات، إذن المشكلة ليست بالضرورة بالحجة الدينية، فقد يتحوّل الطرح العلماني الإقصائي إلى عقيدة شمولية أخرى

 تتصرّف كما لو أنها تلم بكل قضايا الإنسان -وإن على نحو سلبي من خلال اللامبالاة- وهو ما يحولها إلى مرجعية ملزمة بأوامر تكاد تتصف بالإطلاقية نفسها التي تتميز بها الأوامر العقائدية الديانية.

وكما أن هناك دعوة للاعتراف بوجود اللادينيين في المجتمع ومنظومتهم الأخلاقية المدنية، فالمطلوب الاعتراف بمن يحمل قيما لها جذور دينية، وهذا ما أكد عليه الفيلسوف الألماني أكسيل هونيت، في أهمية الاعتراف بالتعددية في المجتمع بأبعادها الثلاثة الحب والحق والتضامن: أن نحب بعضنا البعض بحيث يزرع الحب بين أفراد الجماعة الثقة في النفس، وبالتالي الثقة في الغير، فيشعر الكل بالأمن العاطفي، والحق  يعني الاعتراف القانوني، ويضمن حرية الأفراد واستقلالهم الذاتي، ويجعلهم يشعرون باحترام الذوات الأخرى لهم. وأخيرا التضامن الاجتماعي، وأساسه التقدير من الآخرين بحسب الأعمال المُنجزة والأدوار؛ أي تلك العلاقة التي تنجدل فيها الذوات بالمسار الشخصي للآخرين، بحيث تقوم روابط التقدير الاجتماعي.

حكمة في اللغة والكلام ****

إن إحساس الفرد داخل المجتمع بالاحتقار، وعدم الاعتراف يدفعه إلى ارتكاب سلوكيات عنيفة يرسل من خلالها رسائل للمطالبة بالانتباه له والاعتراف به. إن هناك شعور بدفع من هم ليسوا من ذوي نزعة الثقافة الواحدة من اعترافهم بالتعددية الإثنية والثقافية في فرنسا، وتهميشهم اجتماعيا واقتصاديا من خلال لا الإسلاموفوبيا فقط؛ لكن بسياسات تمييزية وإقصائية مؤسساتية، على الأقل لأولئك الذين يرفضون الانصهار. وليس من نافلة القول أن الأحزاب الفرنسية تختار وزيرا أو نوابا من أصول عربية أو إسلامية لأشخاص قد أثبتوا لا انصهارهم في الثقافة الفرنسية فقط؛ بل أيضا ممن هم في إنكار للتعددية الثقافية، وبالتالي هم الأشد بأسا على الجالية المسلمة في فرنسا من غيرهم.

ثالثا: فصل السياسة عن الدين ليس له معنى إلا بالمعنى التقني لكلمة السياسة، فتسيس الدين والدور الأخلاقي الذي يؤديه الدين سلبا أم إيجابا أصبح واضحا في كثير من الدول العلمانية، وتأثير الكنيسة على التصويت أصبح أمرا سائدا في كثير من الدول الديمقراطية، كما تؤثر على اليسار أو اليمين. فنفس مريدي كنيسة "العنصرة" (Pentecostal) في البرازيل، الذين صوتوا للزعيم اليساري لويس لولا دا سيلفا (وكان لديهم 100 نائب في برلمان 2016) قد صوتوا هذه السنة لجايير بولسونارو. إذ لم يعد مقبولا التركيز فقط على الدور السلبي للتدين سياسيا واجتماعيا؛ بسبب دوره في بعث العنف والطائفية والخنوع الاجتماعي والسياسي، فهذا التدين نفسه في سياقات أخرى يمكن أن يؤدي دورا في التقدم والتضامن الاجتماعيين ومقاومة الكولونيالية والاستبداد.

 فالدعوي (والفقيه) سيقنع الناس بحرمة الخمور؛ لكن السياسي والقانوني قد لا يمنع بيعها، لأنه من حق المسيحي وغير المتدين أن يتناولها. وهذا الفصل ليس أوتوماتيكيا، فقد نبه خليل العناني إلى المعيقات الفكرية والبنيوية لأزمة الإخوان المسلمين في مصر وصعوبة الفصل/التمييز بين الدعوي والسياسي. وعلى ضوء كل ما سبق، فإن استخدام مصطلح "الإسلام السياسي" يفقد معناه؛ لأن فضفاضيته لا تفرق بين السلفية الوهابية، والسلفية المحافظة والإحيائية والإسلامية الجديدة.

هذا التنميط التعميمي لا يعترف بأن هناك فكرا إسلاميا سياسيا متعددا ومتنوعا، منه الوسطي ومنه المتطرف، يحمله أفراد أو حركات إسلامية أو إسلام رسمي إلى حد سواء. وغالبا ما استُخدم تصنيف الإسلام السياسي باعتباره قدحا بمجموعات حركية معينة، والإيحاء أن اتجاهها واحد يتألف من قارئي سيد قطب من الإخوان المسلمين إلى القاعدة. وغالبا ما يستخدم هذا النعت حاملو الإسلام الرسمي الذين يعتبرون إسلامهم ليس سياسيا؛ ففي الخليج مثلا يتم وصم أي معارض أنه إخواني (وهكذا تمت استباحة دم خاشقجي، حسب بعض التصريحات السياسية والتغريدات التويترية الشعبية في السعودية). ولذا يصبح الإخواني صنوا للاحتجاجي. إذن هناك ببساطة انزلاق بالمعنى فبمناداتهم بعدم شرعية "الإسلام السياسي" هم في الحقيقة يدعون لعدم شرعية الاحتجاج. وعليه 

 ينبغي تحيين توصيف المخيال السياسي للحركات الإسلامية ليأخذ بعين الاعتبار صيرورة بعض الحركات السياسية من الإسلامية الجديدة وخاصة في تونس والمغرب. وبأي حال لا يوجد حل أمني مع أي طرف محافظ. وفقط يكون ذلك بالحوار والعودة إلى دولة القانون، وعلى ماكرون البحث عن مسببات تطرف الجهاديين وعنفهم المفرط في غياب الفضاءات السياسية عند حلفائه الأعزاء كالسيسي.

رابعا: إذا كانت فكرة حيادية الدولة ضرورية لاستقلالية المؤسسات الدينية، فهي لا تعني عدم إدارتها للتعددية الدينية، وخاصة في مجتمع متعدد الأعراق والثقافات. سوسيولوجيا، إذا ما نظرنا إلى مجموعة واسعة من النظم السياسية -من الدول الاستبدادية الأكثر قمعا إلى الأنظمة الديمقراطية الليبرالية- نرى أنها كلها تتجه نحو إدارة التعدية الدينية؛ إدارة الدولة، لذلك يمكن أن تكون إيجابية من خلال نظرتها الإيجابية للبعد الأخلاقي للدين (سياسات شاملة، ترقية، دمج/استيعاب، عولمة، سياسات الاعتراف) أو سياسات سلبية (سياسات حصر، تخفيض مستوى المظاهر الدينية، لا مبالاة ثقافية، سياسة عدم اعتراف/إساءة اعتراف).

مع كل أسف تقوم العلمانية الإقصائية الفرنسية بالتركيز على السياسات السلبية، وبدلا من تسهيل وجود تجمع تمثيلي لجمعيات ومراكز الجالية المسلمة (كما هو الحال لدى الجالية اليهودية)، تثبط الدول أي محاولات تمثيلية؛ لأنها لا ترى بأغلبية الممثلين بأنهم من ينادون بالانصهار (طبعا هذا إضافة للشرذمة المرضية للجالية المسلمة بسبب ولاءات لأجهزة أمنية ودينية في بلدان خليجية ومغاربية)، وهي بالتالي تحولت إلى حماية لديانة الأكثرية ضد ديانة الأقليات عندما تتجرأ هذه الديانة أن تكون في الفضاء العام. 

الإسلاموفوبيا في فرنسا تخفي النزعة الاجتماعية المحافظة للكاثوليكية. بقية أطراف فرنسا، مثل غرب فرنسا أو مدن مثل ليون، وفية للأساس الكاثوليكي القديم، وبالتالي ففي حين أن هؤلاء الأشخاص لم يعودوا يمارسون الكاثوليكية، فإنهم ما زالوا مملوئين بروحها. طبعا لقد بالغ تود في تركيزه فقط على الكاثوليكية الكلاسيكية. وهذا يجب ألا يخفي عنصرية بعض العلمانيين بكرههم للتدين الإسلامي في الفضاء العام.

 الإرهاب اليميني القادم موجها ضد الجوامع في فرنسا.

*******

بالانعزالية الإسلامية، والتي يعني بها الممارسات الدينية والثقافية لبعض مسلمي فرنسا، والتي يراها ماكرون تهدّد قيم الجمهورية الفرنسية، وتسعى إلى "إقامة نظام مواز" و"إنكار الجمهورية"

 العلمانية الفرنسية وفي نموذجها اللائكي، الذي فشل فشلا ذريعا في استيعاب كافة شرائح المجتمع الفرنسي على مدار نصف القرن الماضي
تحييد الدولة عن التدخل في المجال الديني؛ إلا أنه تحول على مدار العقود الماضية إلى طريقة وآلية لمراقبة وتقنين سلوك المواطنين والتحكم في منظوماتهم القيمية والأخلاقية بشكل قسري، وبشكل يتعارض مع مبادئ الحرية والليبرالية التي ترفع فرنسا شعارها أو هكذا تدّعي. وقد فشل هذا النموذج، كما هو واضح من تكرار حوادث العنف والتمرد الاجتماعي والثقافي، في استيعاب ودمج مكونات مهمة داخل المجتمع الفرنسي خاصة المكوّن الإسلامي. ولا يتعلق الأمر بالدمج الاقتصادي والاجتماعي، حيث يعاني كثير من المسلمين من التهميش والإهمال والفقر وسوء الأوضاع المعيشية عبر سياسات ممنهجة تم تكريسها على مدار عقود، فضلا عن التعامل معهم باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية، والتمييز الذي يحدث ضدهم في مجالات التعليم والعمل والترقي الوظيفي والاجتماعي.. إلخ، وإنما الدمج السياسي والثقافي الذي يقوم على الاعتراف بالتعددية الدينية والثقافية واحترامها. كذلك لا يمكن تجاهل نظرة الاحتقار والازدراء التي يتعامل بها السياسيون والمثقفون في فرنسا مع المسلمين،

ولن ننسى حين وصفهم الرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي، يوما بالـ"حثالة"، وذلك حين انتفض شباب الأحياء في ضواحي باريس خاصة التي تقطنها جاليات مسلمة احتجاجا على أوضاعهم المعيشية.

يتحدث ماكرون عن "نظام مواز" للحياة الدينية والثقافية والتعليمية لدى شرائح من مسلمي فرنسا يرفضون الاندماج في النظام العام والالتزام بقيم "الجمهورية الفرنسية"، حسب زعمه. وإذا كان هذا الأمر صحيحا، فالذي يجب أن يُلام هنا ليس مسلمو فرنسا، ولكن تُلام الدولة الفرنسية التي فشلت بشكل كبير في دمج هؤلاء دمجا لينا وبناء ليس من خلال الإكراه والقسر، وإنما من خلال الاعتراف بالتعددية والتنوع. فمحاولة خلق "أمة فرنسية" متجانسة ليس سوى مجرد خيال أو حلم لن يتحقق، ليس بسبب رفض المسلمين أو غيرهم أن يكونوا جزءا من تلك الأمة المتخيلة، وإنما بسبب السياسات والإجراءات التي تتبعها الحكومات الفرنسية المتعاقبة، والتي لا تعترف بحقوق هؤلاء باعتبارهم مواطنين، ولا تحترم خلفياتهم الدينية والثقافية. ما تزال فرنسا تتعامل بعقلية "استعمارية" مع مسلميها ومواطنيها خاصة الجيل الذي جاء في الستينيات والسبعينيات كـ"عمال زائرين" (guest workers)  كما كانوا يسمّون من أجل المساعدة في النهضة الاقتصادية لفرنسا؛ ولكنهم استقروا هناك ولم يعودوا لبلدانهم خاصة في شمال أفريقيا. وما تزال ترسم سياساتها تجاههم باعتبارهم "مهاجرين"، وليسوا مواطنين لديهم نفس الحقوق التي يتمتع بها "الفرنسي الأبيض".

يذكرنا تعاطي فرنسا مع مسلميها و"مهاجريها" بتعاطي أميركا مع السود الأميركيين أو الأميركيين من أصل أفريقي؛ أي أن مشكلة المسلمين في فرنسا أشبه بمشكلة السود بأميركا، الذين يعانون من التهميش البنيوي في مختلف مناحي المجتمع. فهم باستمرار موضع اشتباه وشك وعدم ثقة من الدولة ومؤسساتها، كذلك لا يختلف حديث ماكرون عن "الإسلام الراديكالي" عن حديث الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن الموضوع نفسه، والذي لا يخلو من جهل وخلط بين قلة من المتطرفين وبقية المسلمين الذي يتجاوز عددهم مليار ونصف المليار نسمة. وهو خلط يبدو متعمدا أحيانا من أجل التخلص من تيارات الإسلام السياسي. وهنا لا يجب تجاهل التحالف القوي بين ماكرون والسلطويين العرب خاصة في مصر والسعودية والإمارات، الذي يستهدف تلك التيارات، ولا يفرّق بين معتدل ومتطرف.

بكلمات أخرى، يبدو أن النموذج اللائكي الفرنسي قد وصل إلى طريق مسدود بعد حوالي قرن ونيف من إقراره، ولا شك في أنه يعيش اليوم أزمة حقيقية لا مخرج منها إلا من خلال إعادة النظر في بنية هذا النموذج ومرجعيته الأخلاقية، وذلك بشكل يساعد على دمج المهاجرين سواء مسلمين أو غيرهم من الأقليات، دمجا حقيقيا من خلال الاعتراف بحقهم في اختيار مرجعيتهم الدينية والأخلاقية، وإنهاء سياسات التهميش والتمييز بحقهم، والتعامل معهم باعتبارهم "مواطنين"، وليسوا مجرد عالة أو تهديدا للدولة والمجتمع.

************

استعلاء فرنسي يستند إلى رصيد استعماري دام لم تمرّ به نيوزيلندا،

لا تلزمنا نصائح ماكرون، فعقلاء المسلمين، منذ زمن، يعرفون حقيقة المأزق بين العقل والنقل

في فرنسا والغرب عموما قوانين تحاكم المتهم بمعاداة السامية، وتطارد المشكك في أعداد ضحايا الهولوكوست. أما رفعنا لراية ازدواجية معايير حرية التعبير، والمطالبة بمنح مقدساتنا حصانة مماثلة، فهو شأن لا يخص ماكرون الذي نفرح بمعايرته، في استسهال يؤكد عدم الإحاطة بصعود الاتجاه نحو صنع هذا الإله الصهيوني الذي لا يمسّه نقد. لم تكن معاداة السامية والإقرار بالهولوكوست بهذا الصلف حتى نهاية ستينات القرن العشرين. وبعد انتصار العدو في عدوان 1967، اختلقت القوة المفرطة غطاء أخلاقيا يتذرع بمظلومية تاريخية، جريمة أوروبية لسنا مسؤولين عنها، وهي الهولوكوست. وتم مدّ الخط إلى نهايته بإقرار قوانين تعاقب من يفكر ويبحث هناك. فماذا فعلنا هنا؟


ماكرون يتوجه للإسلام المتشدّد عبر المنبر المُفضل له

"الجزيرة" من مهاجم لماكرون إلى التباهي بإطلالته عبر شاشتها.

أثار اختيار الرئيس الفرنسي لقناة الجزيرة لتوضيح موقفه حول التصريحات المسيئة للإسلام، جدلا واسعا
الاختيار سببه نوعية جمهور “الجزيرة” وليس حياديتها ومصداقيتها.

قصد ماكرون التوجه إلى جمهور مسلم محدد عبر القناة المعروفة بقربها من الإسلاميين والتيارات المتشددة والمتطرفة إضافة إلى تركيا ممثلة بحزب العدالة والتنمية الحاكم، إذ أن هذه الأطراف هي الأكثر هجوما على الرئيس الفرنسي في الآونة الأخيرة، وكثّفت حملتها لمقاطعة البضائع الفرنسية، واستبدالها بالبضائع التركية، خصوصا أن الفئات الأكثر تشددا هي ما تخشى فرنسا وأوروبا من خطرها على أمنها وعودة العمليات الإرهابية.

تجنب المكتب الإعلامي للرئيس الفرنسي القنوات العربية الأخرى التي تحظى بشعبية ومتابعة عالية مثل “العربية” و”سكاي نيوز” على الرغم من أنها الأقرب إلى خطابه والأكثر تفهما لقيم حرية الصحافة وحرية التعبير، ومارست تغطية أكثر تعقلا لقضية الرسوم وأمسكت العصا من المنتصف دون تحامل على المعايير الفرنسية كما هو الحال في القنوات الأخرى ومنها الجزيرة في استغلال القضية لتجييش الرأي العام والجمهور.

اختيار قناة الجزيرة يشير إلى عدم قدرة الفرنسيين على الخروج من حالة ارتباك التفكير في قضية التعامل مع الإسلاميين

وأضاف أن “الرسوم الساخرة في صحفنا، تسخر من السياسيين وأنا أولهم، وهذا أمر عادي، وثمة سخرية من الكثير من الديانات، كل الديانات. وشارلي ايبدو نفسُها سخرت من المسيحيين ومن الديانة اليهودية ومن الأحبار اليهود منذ سنوات ثم كان هناك رسوم ساخرة من النبي محمّد ومن الإسلام. أتفهّم شخصيا المشاعر التي أججتها الرسوم، واحترمها ولكن عليكم أن تعرفوا وظائفي كرئيس جمهورية”.

أوضح علانية هدف ظهوره على “الجزيرة”، بأنه أراد “التأكيد بأن فرنسا بلد حريص على حرية المعتقد”.

مارست القناة القطرية دورا كبيرا في منح قضية تغطية الرسوم الكاريكاتيرية مساحة بارزة على منصاتها، وإدانة تصريحات ماكرون حول الرسوم والإسلام، وبث مظاهرات من بنغلاديش وتركيا وباكستان ودول أخرى تنديدا بالرسوم والتصريحات، تخللتها مشاهد أشخاص غاضبين يمزقون صور ماكرون ويسخرون منه.
نُقل عن عياش دراجي قوله إن “الرئاسة الفرنسية كانت مهتمة جدا بالمقابلة وحريصة على إجرائها مع الجزيرة لشعورهم بحاجه لإيضاح موقفهم بعد الغضب العارم الذي عبّر عنه المسلمون من شتى بقاع الأرض رفضا للإساءة للنبي عليه السلام” .
المفارقة أن إعلاميي وصحافيي قناة الجزيرة الذين كانوا يشنون هجوما على ماكرون وفرنسا ويدعون لمقاطعة المنتجات والعطور الفرنسية واستبدالها بالبضائع التركية والدعاية لموقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “في نصرة النبي والإسلام”، تحولوا فجأة مع ظهور ماكرون عبر الجزيرة، إلى التفاخر والتباهي باختيار الرئيس الفرنسي للقناة، زاعمين أن “الاختيار سببه شعبية الجزيرة ومصداقيتها، وتأثيرها في العالم العربي لأنها منبر المسلمين”.
 الرئيس الفرنسي إذا أراد إيصال رسائله إلى المسلمين يمكنه استهدافهم عبر أي منبر أخر مثل يوتيوب  أو فرانس 24 بلغاتها المتعددة أو القنوات العربية الأخرى الأكثر اعتدالا وليبرالية، إلا أن ماكرون استهدف عبر منبر الجزيرة شريحة معيّنة من المسلمين تشكل خطرا على فرنسا.

#العلمانية_هي_الحل "حماة الدين" مستنفرون

"العلمانية لم تقتل أحدا" كلمات قليلة وردت في تغريدة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على حسابه على تويتر كانت كافية لتفتح نقاشات عربية بشأن فصل الدين عن الدولة، في وقت شهدت فيه فرنسا دخول جماعات الإسلام السياسي لممارسة هوايتهم المفضلة في”تشويه العلمانية”.

La laïcité n’a jamais tué personne.
اللائكية (العلمانية في فرنسا) لم تقتل أحداً
وقوبلت التغريدة بالرفض والسخرية من قبل البعض، خاصة من أنصار الإسلام السياسي وردد الجميع 
المقولة المعروفة إبان الثورة الفرنسية “اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس”
.

عبدالله رشدي – Abdullah ushdy

ما الذي نحتاجه لتتقدم مصرُ وفق منظور علمانيٍّ؟

نحتاج لإتاحة العهر بالتراضي، وإتاحة الشذوذ، وإتاحة الملاهي الليلية، وإتاحة المشاهد المُبتذلَةِ في التلفازِ، وخلع الحجاب، وخلع النقاب، واحتقار التراث الإسلامي، وشتم البخاري وابن تيمية، والتطاول على الأزهر الشريف، والاستهزاء ببعض الشعائر الدينية، وإظهار الصحابة بمظهر البلطجية، والاستهزاء ببعض الأحاديث النبوية، والتحقير من مكانة اللغة العربية.

إذا فعلنا كلَّ ذلك سنصعد إلى الفضاء ونكتشف الكواكب ونجوبُ المجرَّات من خلال متابعتِنا لمجلة “عالم سمسم” قسم الخيالات العلمانية.

واستخدم الإسلاميون هذه الفزاعة بنجاعة تامة ما مكنهم من الانتصار في بعض المعارك السياسية بسهولة.

ولا يستطيع مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي المناداة صراحة بتطبيق العلمانية في بلدانهم خوفا من تكفيرهم وملاحقتهم.

وأدى المد الديني في السنوات الماضية إلى تراجع تأثير القوى العلمانية في الساحة السياسية لكن مؤخرا يحاول مغردون تصحيح المفاهيم التي نشرها رجال الدين.

ودشن مغردون في تحد لسلطة رجال الدين هاشتاغ #العلمانية_هي_الحل.

وأكد مغردون أن “العلمانية المفترى عليها هي ببساطة فصل الدولة عن الدين، ووقوف الدولة على مسافة واحدة من جميع المعتقدات والأديان”.

 عبدالعزيز القناعي

يجب النظر إلى العلمانية اليوم، ليس فقط على كونها آخر نتاج حضاري وصل إليه الإنسان، بل لكونها الفلسفة والآلية التي أنهت عقوداً طويلة من الاستعمار وهيمنة الدين وقهر الشعوب سياسياً.

تدافع اليوم فرنسا عن قيمة أساسية جعلتها امة عظيمة: العلمانية! ونضيف إذا كانت العلمانية سمة الدول المتقدمة، بينما الدول الدينية أو شبه الدينية في تراجع مستمر أخلاقيا واقتصاديا وسياسيا. أليست العلمانية هي الحل؟

“الإسلام السياسي مأساة العرب والمسلمين”، وقال الناشط اليمني علي البخيتي

 #تحيا_العلمانية #تحيا_الحرية.

لو فتحت فرنسا أبوابها لهاجر إليها 99 في المئة من الذين يدعون إلى مقاطعتها. #تحيا_العلمانية.

وتهكم مغردون من أولئك الذين يهربون من بلادهم إلى الدول العلمانية ثم يريدون تطبيق أنظمتهم التي شردتهم.

العلمانية عند العرب لم تعد خياراً أو مغامرة أو اتجاها حزبيا، بل هي ضرورة واجبة لحفظ المجتمعات من الفتن الدينية وتسلط رجال الدين

يا صديقي المتدين السني أو الشيعي: لا يوجد نظام في العالم يستطيع حرمانك من حق اختيار العقيدة والعبادة, تستطيع أن تؤمن بأي شيء، العلمانية فقط تريد أن تمنع رجال الدين من استغلالك سياسيا باسم الدين، العلمانية تريد نظاما عادلا يعيش فيه جميع الناس بحرية وكرامة بغض النظر عن أديانهم وطوائفهم.

الآن بيطلع لي واحد ويقول أنت ليبرالي علماني ضد الدين والشريعة وضد الإسلام وهات من تسميات ما أنزل الله بها من سلطان، أنت تتناسى جماجم المسلمين الذين قتلهم الاستعمار الفرنسي؟ لا لم أنس ذلك ولن أنسى الاحتلال الإسلامي للأندلس، لو فتحنا التاريخ فهو ليس من صالح أحد لا الغرب ولا الشرق

*

هل للعلمانية في فرنسا "وجه كاثوليكي"؟

 خصوصيّة ثقافية مسيحية.
فهذا النموذج العلماني الشامل في الحكم، وإن كان يكفل حريّة المعتقد لجميع المواطنين، إلا أنّه يقارب الإسلام كجسم "غريب"، والمسلمين كـ"ضيوف مؤقتين"، حتى وإن كانوا أبناء الجيل الثالث والرابع من المهاجرين

حين يرى آخرون أنّ المهاجرين المسلمين يعانون، في بلادهم الأصلية، من الاستبداد والفقر، في حين تمنحهم بلاد مثل فرنسا فرصاً وأماناً اجتماعياً، وبالتالي، من واجبهم احترام قوانين المجتمع المضيف.

 إرث الثورة الفرنسية، وفلاسفتها التنويريين الذين نظّروا لفصل الكنيسة عن الدولة والمجتمع.

قانون الفصل بين الكنائس والدولة" الصادر خلال الجمهورية الثالثة عام 1905، فإنّ "الجمهورية (الفرنسية) لا تدين بأي معتقد، ولا تموّل أو تدعم أي طائفة".

فصل ذلك القانون الدولة عن الكنيسة بكافة مؤسساتها التشريعية والتعليمية والإدارية، ومنع الإكليروس من تشكيل أحزاب والانخراط في السياسة، وحوّل دور العبادة إلى ملكيات عامّة، وحظر استخدام الرموز الدينية في المؤسسات الحكومية.

الصراع الحاد مع الإكليروس بعد فرض التنظيم المدني عليه عام 1791، خلال الثورة الفرنسية".

 للمسيحيين على أساس فصل الدولة والمدرسة العمومية عن الكنيسة، وللمسلمين على أساس ربط الإفتاء والمؤسسة الدينية الرسمية بالدولة".

كانت العلمنة "علمنةً للمسيحية نفسها".

"العلمانية الفرنسية "لا تكذب" حين تتحدث عن الفصل الكامل بين الدولة والدين، وعندما تقول أن لا دين لها، لكنها في الأساس كانت قائمة على صوغ علاقة مع الدين منظوراً إليه على أنّه الكنيسة".

"فرنسا الجمهورية الثالثة المسبوغة بمناهضة الإكليروس مطلع القرن العشرين، لا تشبه الجمهورية الخامسة التي تأثرت بميول مؤسسها شارل ديغول المحافظة، ونزعت نحو ردّ الاعتبار تراثياً ومعنوياً للكاثوليكية. لكن حتى الرئيس الاشتراكي فرانسوا ميتران، نزل إلى الشارع ليشارك المؤمنين استقبال ذخائر القديسة تيريزا الطفل يسوع، أواخر الثمانينيات"

 الدولة الفرنسية بنت علاقة مميّزة مع الطوائف الكاثوليكية واليهودية".

ليس نموذج العلمانية بحدّ ذاته، بل حدّة الاستقطاب الراهن التي قد تدفع لظهور ردود فعل "متسلّطة"، من الطرفين، سواء من جهة من يبدون قلقهم من "حملات صليبية علمانية"، أو من جهة الدولة الفرنسية.

تمتثل تيارات سياسية كثيرة حول العالم بنموذج الحكم الفرنسي، كمرجعية للعلمانية الحافظة لحقوق الانسان والراعية للمساواة بين المواطنين.

في المقابل، يرى البعض أنّ الأنظمة الأوروبية العلمانية، لم تحم مجتمعاتها من جرائم الكراهية والعنصرية، ومن صعود التطرّف اليميني خصوصاً في الأعوام الأخيرة. فهل يعني ذلك أنّ فكرة العلمانية باتت منتهية الصلاحية، وتحتاج لإعادة نظر؟

"فكرة الدولة العلمانية العادلة، أكثر أهمية في زمننا اليوم، من أي وقت مضى".
في المجتمعات التعددية المعاصرة (سواء في الدول الغربية أو غيرها) تعدّ العلمانية وسيلة مفيدة وضرورية للعيش بسلام وازدهار. ومع ذلك، فإن العلمانية ليست بالضرورة ديمقراطية وشاملة وتعددية. هناك أيضاً علمانية متسلّطة وعقائدية تستند إلى موقف معادي للدين، على نموذج الستالينية مثلاً".

فالعلمانية على أرضية مسيحية تبقى ذات خلفية مسيحية، أو لنقل ما بعد مسيحية، ويجب ألا تكابر على ذلك. ينطبق الأمر نفسه على العلمانية ذات الخلفية الدينية الإسلامية أو الهندوسية أو البوذية".

في تركيا اليوم، هناك نظام سلطوي ديني، يهدّد التعددية الديمقراطية، لذلك المشكلة ليست في العلمنة بل في التسلّط".

أفضل مثال عن العلمنة التركية، يمكن أن نجده في رواية "ثلج" (2002)، للأديب التركي أورهان باموق، والتي "تتغذى على احترام الدين والروحانية، بموازاة رفض أي شكل من أشكال التسلّط، سواء كان دينياً أو غير ديني".

أصول العلمانية التركية، كما أرساها كمال أتاتروك، عندما "ألغى كمال الخلافة العثمانية، وغير الآذان إلى التركية، وألغى ذكر الدين في الدستور والقوانين".

 فالدين لا يفتي في أمور الدولة، بل تتولّى مديرية الشؤون الدينية في تركيا تنظيم الأحوال الدينية ومدارس إعداد الدعاة، وذلك منذ عهد أتاتورك".

رفض انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي ارتبط بالتشديد على الجذور المسيحية لأوروبا"

هل العلمانية منافية للحريات الدينية؟

كاثوليكية جو بايدن، أو لناحية دعم الإنجيليين لدونالد ترامب،

جوه الشبه بين نماذج العلمنة الكثيرة، لا تلغي وجود مشاكل خاصة بكلّ نموذج على حدىً. "في الولايات المتحدة، مثّل ترامب نموذجاً للتسلّط الشعبوي، تغذّى على استخدام الإنجيليين كأدوات سياسية، أما في بريطانيا، هناك دوماً حديث عن التقوقع الديني على المستويين الثقافي والاجتماعي".

فإنّ الخطر الحقيقي في فرنسا اليوم، "يكمن في الاستقطاب الحاد، مع الدخول في دوامة سامّة تحفّز العدائية والتطرّف المتبادل. سلطويّة الدولة، والميول الدينية السلطوية، تغذّي بعضها البعض، وقد تضع عقبات أمام حريّة التعبير".

الحزب القيادي في الاتحاد السوفياتي، تبنى الإلحاد كعقيدة للدولة، لكنّ الدستور كان يعطي المجال في مادة منه، بالحق في ممارسة الدعاية الدينية كما الدعاية المضادة للدين، سواء بسواء. أما في الواقع، فإن الدولة عملت منذ بداية الاربعينيات ليس على الاستمرار بمحاولة استئصال الكنيسة بل بربط الكنيسة بها أكثر".

"التصوّر اللينيني للتنظيم استوحى نموذج تنظيم الرهبانية اليسوعية. مثلما قام التصور الاخوان إسلامي للتنظيم على محاكاة أسلوب انتظام طريقة صوفية (المريد/ طاعة المرشد) من دون أن يكون الاخوان صوفيين أو البلاشفة يسوعيين

*

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق