الدين الرسمي والشعبي
Oct 29, 2020 Mar 19, 2021
أزمة المؤسسة الدينية وعن إشكالات دورها ومهماتها، وعن التحديات الجديدة التي يفرضها الواقع المعاصر، وفي مقدمتها: الخوف من الحركات الدينية الصاعدة منذ عشرينيات القرن الماضي، وتهالك المرجعية الدينية وسحب سلطة هذه المؤسسات لصالح نجوم الفضائيات الدينية والزخم الديني والدعوي على شبكة الإنترنت
الصعود للبدائل التي ملأت فراغات خلَّفتها أزمة المؤسسة الدينية الإسلامية المعاصرة وراءها، وقيام تلك البدائل بكثير من الأدوار التقليدية التي كان معهوداً في السابق أن تقوم بها المؤسسة الدينية، بل وأن تحتكرها
"مؤسسات المتن"، شأن الأزهر في مصر، والزيتونة في تونس، وهيئة كبار العلماء في السعودية، تمييزاً لها عما نطلق عليه مسمى "مؤسسات الهامش"، تلك التي تحظى بشهرة أوسع ربما ولكن بمصداقية أقل،
*
التديّن الشعبي والتديّن الشعبوي
2019-05-09
التديّن الشعبي تديّنٌ عفويّ برئ، يتوارثه الناسُ جيلًا بعد جيل منذ عصر الرسالة. وهذا التديّنُ متصالحٌ مع طرائقِ عيشهم وطبيعةِ حياتهم، ولا يجدون تناشزًا فيه مع فنونِهم الشعبية وفلكلورِهم، ولا يشكّل عبئًا على علاقاتهم بمحيطهم، ولا يفرض عليهم سلوكًا متشدّدًا في علاقاتهم الاجتماعية بالمُختلِف في الدين أو المذهب أو الهوية أو الثقافة. لا تحضر في التديّن الشعبي التدقيقاتُ الفقهيةُ التفصيلية، وفتاوى الاحتياط بالجمع بين الحكم الترخيصي والأصلي، مثل الجمع بين القصر والتمام والصوم والقضاء في السفر. إنه تديّنٌ لا يعرف التشدّدَ والمبالغةَ في الاحتياط، يؤدي المتديّنُ فيه الصلاةَ والصومَ والفرائضَ المتفاعلةَ مع الثقافة المحلية. حدودُ التسامحِ، في هذا النمطِ من التديّن، ليست ضيقةً في التعامل مع المُختلِف في الدين والمعتقد والمذهب.
لكن التديّنَ الشعبيّ طالما وقع ضحيةً للجهل، وافترسته الخرافة، لأن الأميةَ والفقرَ والمرضَ لا تغادر مواطنَ الجماعاتِ الشعبية في القرى والأرياف والأحياء الفقيرة وأحزمة البؤس في المدن، وهذه العوامل تمثّل بيئةً خصبةً لظهور الخرافات والمعتقدات الغرائبية. وعلى الرغم من نفحاتِ الروح الرحيمة في هذا التديّن وحضورِ الأخلاقيات، لكن يلتبس أحيانًا في هذا التديّن ما هو أخلاقيّ بما هو شكليّ، ويصعب على الناس التمييزُ بين الدينيّ والدنيويّ والمقدّس وغيرِه، لذلك تتسع دائرةُ المقدّس باستمرار، لتستوعبَ غيرَ المقدّس وتدمجه في فضائها
لا تسكن الريف ان رمت العلي ان المذلة لهل الريف ميراث
فحديثهم هات العلف حط الكلف
وتمثّل هذه الجماعاتُ بيئةً ملائمةً لولادةِ شكلٍ آخر من التديّن وتغلغلِه في مجالات حياتها المختلفة، وهو ما نعبّر عنه بـ "التديّن الشعبويّ"، والذي هو نمطُ تديّنٍ شكلي ذرائعيّ، يظهرُ في مختلفِ الأديان، لكنه ينشط كلّما تبلّد العقلُ أكثر، واشتدَّ تزييفُ الوعي،
، بعد أن يحدث انزياحٌ للتديّن عن مجاله، وترحيلٌ لوظيفتِه، فبدلًا من توظيف الدين في بناءِ الحياة الروحية، وإيقاظِ الضمير الأخلاقي، تصبح الشعائرُ المُفتعَلةُ، لأغراضٍ لا صلةَ لها بوظيفة الدين الروحية والأخلاقية، هي محورُ التديّن، ويحدث تطابقٌ بين مفهومِ التديّن ومصاديقِ هذا النوع من الشعائر المُفتعَلةُ، ويفتقدُ هذا التديّنُ الحسَّ الأخلاقي، وتنضبُ فيه الطاقةُ الروحية. وعادة ما يتحوّل التديّنُ الشعبوي إلى سلعةٍ يتداولها الأفرادُ لامتلاكِ رصيدٍ يُعلي من مكانةِ ودورِ الفرد في الجماعة، وترسّخ بواسطته المؤسّساتُ حضورَها المجتمعي، لذلك يدخل سوقَ مزايدات مبتذلة أحيانًا. التديّنُ بهذا النمط يعني أن الشخصَ الذي يبحث عن دورٍ ومكانةٍ في الجماعة لابدّ أن ينخرطَ في مهرجانات الشعائر، فكلّما كان حضورُه فيها أكثرَ صار أكثرَ تديّنًا، على وفق معايير السوق الدينية لهذا التديّنِ، واكتسب بذلك مكانةً استثنائيةً عند الجمهور، ووجاهةً اجتماعيةً مرموقة، ومقامًا دينيًا رفيعًا.
تبرعُ أكثرُ السلطات السياسية وبعضُ المؤسّسات الدينية في تكريسِ التديّن الشعبويّ، واستغلالِه لأغراضٍ على الضدِّ من وظيفة الدين الحقيقية، فيُتخَذُ التديّنُ وسيلةً للاستحواذ على السلطة والثروة. إنه ضربٌ من تنويم العقل وتفشي الجهل الذي يتخذ من الدين غطاء، لذلك تتشوّه فيه براءةُ الروح، ولا تتجلّى فيه عفويةُ وطهارةُ النمط الفطريّ للتديّن الشعبيّ.
وعادةً لا يخلو التديّنُ الشعبويّ من افتعالٍ يتولاه دجالون يضلّلون الناسَ لغايات غيرِ سامية، يمتلكون وسائلَ بارعة في تجييشِ مشاعر الناس، وإذكاءِ انفعالاتهم النفسية، والإفراطِ في استغلالِ المقدّس لتغذيةِ هذه الانفعالات وتفجيرِها متى شاؤوا. يسرف من يضلّلون الناسَ لغايات غيرِ سامية في إنتاجِ شعائر لم ترد في النصوص الدينية المعروفة، ولم يعرفها الناس من قبل، ويوظفون لترويجها مختلفَ وسائل التأثير على الرأي العام، ويختلقون من أجل زجِّ الناس فيها شائعاتٍ تثير الرغبةَ والشغفَ للانخراط فيها، تتناغم وأذواقَ عامة الناس، وتوقد مشاعرَهم، وتثير حساسياتِهم النفسية، وتفجّر ذاكرتَهم الطائفيةَ الجريحة.
في هذا النمط من التديّن يلتبس مفهومُ المقدّس، فيجري تقديسُ غيرِ المقدّس، ويُنسى المقدّسُ. إنه تديّنٌ تفترسه الوثنيةُ والخرافة، وهو أشبه بالشعوذة منه بالتديّن. ويستهلك في هذا النمط من التديّن ما هو شكليّ كلَّ ما هو أخلاقي، وتنضب منابعُ إلهام الروح فيه. في هذا التديّن يزحف المقدّسُ على ما هو دنيويّ فتتقدّس أشياءُ وأيامُ وأماكنُ غيرُ مقدّسةٍ بمرور الزمان، وتتفشّى ظاهرةُ تقديس أشخاصٍ لا يمتلكون الحدَّ الأدنى من طهارةِ الروح وسلامةِ القلب وصحوةِ الضميرِ الأخلاقي. ويجهض هذا النوعُ من التديّن محاولاتِ إحياء الحياة الروحية، والتربيةَ على القيم الأصيلة، وبناءَ التفكير العقلاني. التديّنُ الشعبويّ يصيّر العقلَ رميمًا، ولا يضع المقدّسَ في حدوده إلّا العقلُ. إذا لم يضع العقلُ حدودًا للمقدّس يمسي كثيرٌ من الأشياء غيرِ المقدّسة أوثانًا، بل يمسي المقدّس وثنًا. وكلّما اتسع تقديسُ غير المقدّس انحطت مكانةُ الإنسان، وأُهدرت كرامتُه، وانطفأ ضميرُه الأخلاقي، وتشوهّت حياتُه الروحية، وتبلّدت حاستُه الجمالية، ودخلَ عقلُه حالةَ سبات.
وهناك نمطٌ آخر من التديّن وهو التديّن السياسي، ظهر منذ تأسيس الأخوان المسلمين سنة 1928، وتعزّز حضورُه لدى الجماعات الدينية التي نشأت بعد ذلك، وهو تديّنٌ مسكونٌ بالسياسة، لذلك يقترنُ بالسعي للاستحواذِ على الدولة والسلطة والثروة. وهو ضربٌ من التديّنِ استبدت الغايةُ السياسيةُ للدينِ في أدبياتِاته وثقافته وما تنشده أحلامُه، فحجبت المنخرطين فيه عن تبصّرِ أيّ أفق روحي وأخلاقي وجمالي للمعنى الديني خارجَ هذه الغاية. لذلك لا يعبأ هذا التديّن كثيرًا بالقيم والحياة الروحية، ويحرص على الشكل، ولا يهتمُّ بمضمونِ الشريعة ومقاصدِها.
لقد تفشّى هذا الشكلُ من التديّن لدى الجماعاتِ الدينيةِ في نصفِ القرن الأخير، بعد أن غادروا المرحلةَ السريّةَ في عهد الأنظمةِ القمعيةِ، وتخلّصوا من بطش الحكّام المستبدّين، وتفاقمَ بشكل مخيف بعد وصول هذه الجماعات للسلطة. وينكشف ما هو مُضمَرٌ في هذا التديّن لحظةَ تستحوذُ هذه الجماعاتُ على السلطة، إذ يفتقرُ تديّنُ بعض رجال السلطة من أتباعها إلى الأخلاق، ويتراجع حضورُ الحسِّ الدينيّ لدى أكثر من يحتل موقعًا في السلطة، بالشكل الذي يمنعه من تجاوز الحدود التي يسمح بها القانونُ والأخلاقُ والشريعةُ.
وبغيةَ الاحتفاظ برصيده الديني في الجماعة التي ينتمي إليها يحرص رجلُ السلطةِ على تبرير سلوكه ومواقفه من خلال اللجوء إلى الحيلِ الفقهية، وفتاوى "مجهول المالك"، وكلِّ ما يسوّغ له الاستحواذَ على المال العام، فيتخذها قناعًا يختفي سلوكُه اللامشروعُ خلفَه.
تحرص الجماعاتُ الدينيةُ في تربية أفرادها على التمسّك الحرفيّ بالأحكام الفقهية، لأنها لا ترى حدودًا للإسلام خارجَ المدونة الفقهية، وتشدّد في أدبياتها على ما يخصّ الفكر السياسي، والتكييفَ الفقهي للسياسة والإدارة والاقتصاد والمصارف والمؤسسات المتنوعة في الدولة.
وينتج عن اقترانِ التربية في هذا التديّن بالتخويف، حالاتُ حذرٍ وتوجّسٍ وسوءِ ظن بالآخر، لذلك تضمحلّ فيه منابعُ محبةِ الناس والعفو والغفران والرحمةِ في التعامل معهم، بل يتحول أحيانًا إلى بيئةٍ لنموّ نزعاتِ الكراهية.
حدودُ التسامحِ ضيقةٌ في هذا النمطِ من التديّن، فهو غالبًا لا يعرف حقَّ الإنسان في الخطأ، ولم يتكرّس في تقاليد التربية في هذا التديّن الحقُّ في الاختلاف، لذلك لا يستطيع أغلب الأشخاص الذين يتمسكون بهذا النوع من التديّن تحمّلَ أصحاب المعتقدات الأخرى، ويتعذّر على كثيرٍ منهم العملُ مع من يختلف معه في رؤيته للعالم، ويصعب عليهم قبولُ التفكير الذي لا يتطابق مع تفكيرهم، لذلك نجدهم عندما يتحدثون عن المُختلِف يسود لغتَهم تخويفٌ منه، وتحذيرٌ من دسائسه ومكائده ومؤمراته. يعيشُ الشبابُ المنخرطون في هذا التديّن حالةَ توجسٍ من المختلف، بنحوٍ يصابُ فيه بعضُهم بالشلل النفسي في إدارة علاقاته خارج جماعته. وأحيانًا تصلُ الحالةُ عند بعض أفراده إلى أن يتحولَ هجاءُ المُختلِف واتهامُه إلى مهنته الأبدية، بل ربما يشعرُ أن استمرارَ حضوره في العالَم يقترنُ بهجاءِ المُختلِف والانشغالِ به، من دون أن ينشغلَ هو بنفسِه وإصلاحِ أحواله. وتشيع بين أفراده كتاباتٌ تضع المسلمَ في مواجهة أبدية مع العالم1 ، ونتيجةً لانتشارِ هذه الكتابات وتأثيرِها الشديد يولد موقفٌ عدائيّ من كلِّ ما ينتمي للغرب الحديث، ويمتدّ ليشمل مختلفَ العلوم والفنون والآداب وكلَّ ما يمثّل معارفَ الحداثة وقيمَها ومكاسبَها. ومن الطريف أن بعضَ أشدِّ الكتاب مناهضةً لقيم الحداثة ومعارفها يقيمون في الغرب، ويحملون جنسياتِه منذ سنوات طويلة، ويتشبّثون بكلِّ الحقوق والحريات التي منحتها لهم الحداثةُ السياسيةُ والأنظمةُ الديمقراطية في الدول الغربية.
في تقاليد هذا التديّن يعجزُ أكثرُ الأفراد عن بناء الذات، لأنهم يستهلكون كلَّ طاقتهم بمعارك أكثرُها مُفتعَلٌ مع المُختلِف، وتبعًا لذلك يعجزون عن بناءِ العقول والأرواح والضمائر والأوطان.
وهناك نمطٌ آخر للتديّن يتمحور حول الفتاوى الواردةِ في المدونة الفقهية، ويهتمُّ بتطبيق الفتاوى حرفيًا على كلِّ واقعة في الحياة الشخصية والاجتماعية، تُختزَل في هذا التديّن الشريعةُ بالفقه، ولا يكترثُ كثيرًا بتربية الروحِ، وترسيخ الضميرِ الأخلاقي، وتنميةِ الذوقِ الفنيّ، وإلهامِ الحسِّ الجمالي، مادام المتديّنُ مُلتزِمًا بتطبيق الفتوى على الواقعة الحياتية. نجد أحيانًا في هذا النمطِ من التديّن ما هو أخلاقي، لكن طالما صار هذا التديّنُ غطاءً للتديّن الشكلي.
لا يشدّدُ هذا التصنيفُ للتديّن على أن كلَّ نمطٍ من أنماطه المذكورة مستقلٌ بذاته ولا يلتبسُ بغيره، فالتديّن الشعبي يتداخل أحيانًا بما هو شعبوي، والتديّنُ الشعبوي أوضحُ مثال للتديّنِ الشكلي، وأحيانًا يكونُ التديّنُ السياسي مثالًا للتديّن الشكلي.
كما يشير تصنيفُنا لأنماط التديّن إلى أن الدينَ يتخذُ شكلَ المحيط المجتمعي الذي يحلُّ فيه، ويصطبغُ بنوع الشخصية البشرية وطبيعةِ العمران ومختلف الظروف التي يعيشها الناس. الدينُ مثلما يؤثّرُ في حياة الناس يتأثرُ بثقافاتِهم وتقاليدِهم وطرائقِ عيشهم. وهذا يعني أن حضورَ الدين بالشكل الذي يكون معه فاعلًا إيجابيًا في البناء والتنمية يتوقفُ على نمطِ تديّنٍ مُلهِمٍ للروح والضمير الأخلاقي والحسّ الجمالي، ويرتبطُ ذلك عضويًا بإعادةِ بناءِ أنظمة التربية والتعليم في ضوء مكاسب العلوم والمعارف الحديثة، والاهتمامِ بالقيم الكونية المشتركة بين البشر، وخلقِ وعي جديدٍ مواكبٍ للتحولات الكبرى في العالم.
د. عبدالجبار الرفاعي
................
مثل: " قادة الغرب يقولون دمروا الإسلام أبيدوا أهله" لجلال العالم، وعشرات العنوانات غيره. كان الدعاةُ السلفيون يوزعون هذا الكتيب بكثافة في مدارس الخليج والسعودية. وهو كتيب يعتمد إثارة الشباب واستفزاز غيرتهم الدينية، من خلال نقل معلومات تخويفية، كثير منها ليس دقيقًا ومضلل.
التدين الشعبي والأخلاق
التدين الشعبي لا علاقة وثيقة له بالأخلاق. بل إنه لا يلتزم بمحتويات الدين إلا بشكل انتقائي تماماً. على الأغلب يركز التدين الشعبي الإسلامي على الصلاة والصيام، ويلي ذلك الحج. خلاف ذلك، يستبيح المسلم في سياق هذا الفهم "المحرمات" المختلفة، خصوصاً تلك المتصلة بالجوانب المالية- الاقتصادية. الرجال عموماً يتهاونون في فيما يخص الجانب الجنسي و"حقهم" في إقامة العلاقات العاطفية بدون أية ضوابط...الخ
كانت جدتي المولودة أيام الحكم العثماني أمية لا تقرأ ولا تكتب. وكانت تظن أن محمد علي كلاي عربي (=مسلم) وأنه إلى الجنة لأن أمة محمد كلها الى الجنة.
ومهما ارتكبت جدتي من "معاصي" فإن ذلك لا ينفي حقها المفروغ منه في الجنة بسبب انها من أمة محمد، وأنها تصلي وتصوم. ولذلك لم تكن جدتي تتورع عن القسم بالله بأغلظ الأيمان، ان الفاكهة أعلى الصندوق نفسها أسفل الصندوق (وجه البكسة زي قاعها) كانت تكذب عمداً من أجل تحقيق بعض الربح المالي عن طريق خداع المشتري. في المقابل ما كانت لتجرؤ على خداع المشتري اليهودي (الاسرائيلي) لأنه كان سيمتنع عن الدفع إن اتضح ان البضاعة لا تطابق المواصفات المتفق عليها.
جدتي كانت تبيع العنب للخمارة مع أن الخمرة حرام، لكن بيع العنب ليصبح خمراً ليس فيه من مشكلة. مجاملة شخص يشرب الخمرة و"يكفر" بالدين ليست شيئاً مزعجاً إن كان سيشتري منها بضعة صناديق من الفاكهة. رحلت جدتي وهي تكذب بشكل طبيعي تماما، وتحنث باليمين، وتغش الناس في المعاملات مثلها مثل بقية أفراد المجتمع الذي "يخطب" عن الأخلاق طوال الوقت، و "يردح" للغرب المنحل، ولكنه ينتهك قواعد الأخلاق كلها.
ومهما ارتكبت جدتي من "معاصي" فإن ذلك لا ينفي حقها المفروغ منه في الجنة بسبب انها من أمة محمد، وأنها تصلي وتصوم. ولذلك لم تكن جدتي تتورع عن القسم بالله بأغلظ الأيمان، ان الفاكهة أعلى الصندوق نفسها أسفل الصندوق (وجه البكسة زي قاعها) كانت تكذب عمداً من أجل تحقيق بعض الربح المالي عن طريق خداع المشتري. في المقابل ما كانت لتجرؤ على خداع المشتري اليهودي (الاسرائيلي) لأنه كان سيمتنع عن الدفع إن اتضح ان البضاعة لا تطابق المواصفات المتفق عليها.
جدتي كانت تبيع العنب للخمارة مع أن الخمرة حرام، لكن بيع العنب ليصبح خمراً ليس فيه من مشكلة. مجاملة شخص يشرب الخمرة و"يكفر" بالدين ليست شيئاً مزعجاً إن كان سيشتري منها بضعة صناديق من الفاكهة. رحلت جدتي وهي تكذب بشكل طبيعي تماما، وتحنث باليمين، وتغش الناس في المعاملات مثلها مثل بقية أفراد المجتمع الذي "يخطب" عن الأخلاق طوال الوقت، و "يردح" للغرب المنحل، ولكنه ينتهك قواعد الأخلاق كلها.
التدين الشعبي ليس حكراً على البسطاء: يمكن أن يكون الشخص في مستوى مدرس جامعة أو معلم مدرسة، أو مهندس، ولكنه مع ذلك يمارس التدين الشعبي الذي يسمح له مثلاً أن يخدع أقرب الناس إليه ويكذب عليهم في الأول من رمضان من أجل أن يحقق ربحاً تافهاً لا يسمن ولا يغني من جوع.
هذا النوع من الناس للأسف يظل مع ذلك تربة خصبة لجماعة "الدين السياسي" لأنه على طريقة جدتي يرى نفسه بوصلة الدين بينما يرى أن حسن نصر الله وولده الشهيد كافران لأنهما من الشيعة. فالمهم هو الالتزام بالدين السني المعروف وبعدها يمكن أن نفعل أي شيء: الكذب، السرقة، الغش، التعاون مع الاستعمار، ....الخ ذلك أن الإيمان بهذا الفهم الطائفي هو المهم وليس الفعل مهما كانت أهميته.
في سياق رمضان واقتراب عيد الفطر، كل عام وأخواتي وإخوتي في الإسلام بخير بمن فيهم الشيعة الإسماعيلية والشيعة الزيدية والاثني عشرية...الخ والسنة الوهابية والأشعرية والطحاوية والحنبلية والتيمية ...الخ وكذلك المرجئة والمعتزلة، وخصوصاً الأغلبية اللطيفة من فئة التدين الشعبي التي تفعل الموبقات كلها لكنها "تتكل" على عفو الله. كل عام وانتم بخير، وتقبل الله طاعاتكم.
هذا النوع من الناس للأسف يظل مع ذلك تربة خصبة لجماعة "الدين السياسي" لأنه على طريقة جدتي يرى نفسه بوصلة الدين بينما يرى أن حسن نصر الله وولده الشهيد كافران لأنهما من الشيعة. فالمهم هو الالتزام بالدين السني المعروف وبعدها يمكن أن نفعل أي شيء: الكذب، السرقة، الغش، التعاون مع الاستعمار، ....الخ ذلك أن الإيمان بهذا الفهم الطائفي هو المهم وليس الفعل مهما كانت أهميته.
في سياق رمضان واقتراب عيد الفطر، كل عام وأخواتي وإخوتي في الإسلام بخير بمن فيهم الشيعة الإسماعيلية والشيعة الزيدية والاثني عشرية...الخ والسنة الوهابية والأشعرية والطحاوية والحنبلية والتيمية ...الخ وكذلك المرجئة والمعتزلة، وخصوصاً الأغلبية اللطيفة من فئة التدين الشعبي التي تفعل الموبقات كلها لكنها "تتكل" على عفو الله. كل عام وانتم بخير، وتقبل الله طاعاتكم.
الدين الشعبي والدين العالمي: المواجهة وإعادة التأويل
التدين الشعبي
هو إجابة فردية ضمن سياق جماعي لحاجة عميقة تفترض تلبية الواجب الديني الموروث، وهو نمط لا يميل في الغالب إلى المعارضة، ويتقيد ولو ظاهرياً بالولاء للسلطة السياسية القائمة، والتقاليد السائدة دون البحث عن شرعيتها ومناقشة أسسها
1. التصوف.
2. وزيارة الأولياء.
3. الاحتفالات، والطقوس، والشعائر الجماعية.
إن الشعائر والطقوس - بحسب مارك أوجيه - تعبر عن تكافل المجموعة وهي تقويها، ولا وجود لدين دون كتاب الطقوس
هذا يعني أن للطقوس والشعائر أهمية كبيرة في مكونات الدين، ومن الصعب غياب أو تغييب أدائها ولو لمدة معينة. لذلك، نجد المعتقد الديني الطقسي أو ما يمكن تسميته بــ "الضمير الديني الشعبي" في أزمة كورونا حاضرا وبقوة.
بين الدين والعرف؛ فالتناقض المتبادل بين الدين والمعتقدات الشعبية هو ما يعين إطار الدين الشعبي ومادته بالنظر إلى أن هذه المعتقدات تقترب من تكوين ديني اعتقادي بوصفه نظاماً لصيقاً للدين يرتكز
تقابلية العلاقة مع علماء الدِّين الرسميين.
الاستحضار الكبير للقداسَة، وعلى التقليد النوعي، والممارسات التوفيقية.
التَّفسيرات الرَّمزية، والحضور الكبير للجانب الطقسي، بل الاعتماد على الرأسمال الرمزي للجماعة والطائفة الدينية.
تمركز التعبُّد حول شخص الولي، والقدِّيس أكثر منه على النُّصوص والتَّعاليم المجرَّدة، والإيمان بالعجائب الخارقة وبالكرامات والبرَكَة، وتأويل النُّصوص تأويلا خاصا.
الشعبي مقولة بُنيت أساسا على العلاقات الرمزية بين الثقافة "الرفيعة" و"الهامشية"
مالت أغلب القطاعات الشعبية الفقيرة إلى نمط التدين الشعبي، كذلك ترسخ هذا النمط من التدين في المجتمعات التقليدية الحضرية
غياب النص ومن ثم غياب التأويل، أو اعتماد تأويل أو قراءة خاصة منتجة في إطار الممارسة الشعبية المستمرة.
في بعض الأحيان، يتجاوز هذا النمط من التدين النص والعمل بشكل صريح وعلني مخالف للنص برعاية رموز هذا النمط من التدين؛ أي دون الرجوع للمؤسسة الدينية الرسمية
مصطلح "المؤسسة الدينية الرسمية"، خضوعها لإشراف أجهزة الدولة الرسمية، فبعض المؤسسات احتفظت باستقلاليتها المعنوية والمادية، ولا دور لوزارة الأوقاف عليها منذ زمن بعيد، بل نعني من "الرسمية" اعتراف أغلب اتباعها بها وإقرارهم بسلطانها المعنوي والروحي
هيمنة التقديس، وإضفائه على كل ممارسة شعبية، في إطار ديني.
الولاء للرمز الديني بشكل أو بآخر.
التدين الشعبي غالبا ما يتجاوز النص، أو يقوم بتأويله تأويلا يناسب المحيط والظرف المعاش، إلا أنه في الوقت ذاته يظهر ولاء كبيرا للرمز الديني، ربما غير حاضر في بيئة التدين الرسمي أو المؤسسي، ولأن (الرمز هو علامة تقارب، بواسطته يحدث التعارف بين حلفاء وينت الاتحاد بين مؤمنين. فالوظيفة الأولى للرّمز هي إرساء رابطة علاقة بين الناس، بتلك الوظيفة كمرجع يحدّد الرمز فعلاً اجتماعياً. فمنذ م. موس نُظر إلى الرمزيّة على أساس أنها واقعة داخل المجتمع. وحدها الوظيفة معتبرة في تلك الرؤية الإناسية المرجعية للرمز
مع هذا الولاء الكبير للرمز الديني، المتمثل بشخصية تتمتع بالورع والتقوى، نجد الولاء للمعتقد المتجذر تاريخيا، عبر الطقوس وغيرها، أحيانا يفوق الولاء الرمزي، ولذلك نشهد أحيانا ما يرقى للخرق في تراتبية واستمرارية الولاء وتجاوز الرمز، إذا ما شعر اتباع التدين الشعبي حصول ما يعدونه تهديدا لهويتهم التاريخية المتجذرة في النفوس.
لهذا تصبح الثقافة الخاصة، والطقوس في أهم جوانب تلك الثقافة، ملجأ للجماعات، فتلعب دورًا أساسيًا في تصليبها، أيًّا كانت دينية أو وطنية أو غيرهما، وهي تمثل درعا لحمايتها، ووسيلة لاستمرارها وتوريثها وتعميقها وانتشارها، ومن هنا يكمن الاستبسال لدى كثير من المنتمين إليها عبر المشاركة في تلك الطقوس وإحيائها، والدفاع عنها بكل الشراسة الممكنة. إن حماية الهوية يعني تمتين خطوط الدفاع الأولى التي تمثلها الطقوس، وهذا أمر طبيعي جدًّا، فهي تحمل في ذاتها دفاعا عن الذات الشخصية، وعن الجماعة: حاضرها ومستقبلها.
سلطة التدين الشعبي
ميشال مسلان: "أن الشيء المقدس هو قبل كل شيء رمز"
مدى التداخل بين المقدس والرمز، لكن يبدو أن أحدهما يرتبط بالآخر، وإذا أخذنا بالمفهوم الواسع لمصطلح السلطة، سواء كان في مجال علم النفس أو الاجتماع أو السياق الديني، نجد هناك نوع من التأثير والقوة، بل والإمرة والطاعة، التي هي من مؤيدات وحضور السلطة
جدل كبير في الأوساط الاجتماعية، وحتى قسم من الجهات الرسمية التي تخشى سلطة التدين الشعبي حول طريقة دفن المتوفى بسبب الفايروس - corona - وحكم تكفينه، مما استدعى تدخل المرجعية الدينية، بوصفها المثال الحي للتدين الرسمي النصي.
الأزمات كشفت عن ممارسات متعددة ومتنوعة، يمثل بعض منها صورة مشرقة في التكافل والتعاون، حتى لو كان بتوجيه معين، وكشفت أيضا عن ممارسات لا ترتضيها حتى النصوص الدينية التأسيسية، وربما لا يمكننا وضعها في إطار ممارسات شعبية دينية، مثل: عدم احترام الخصوصية... فشاهدنا في أغلب الدول العربية والإسلامية، ومنها العراق انتهاكا صارخا للخصوصية، فعند اكتشاف أو الشك بوجود حالة مرضية تتعلق بوباء كورونا، تأتي سيارة الإسعاف وتقوم بتصوير البيت، وكأن المصاب بالفيروس مجرم يلقى عليه القبض.
نمط التدين الشعبي يمكن أن يحدث أثرا فاعلا بما يملك من سلطة معنوية مؤثرة، فمثلما كان أحد الحلول لمواجهة الفكر المتطرف، يمكن الإفادة منه في مجالات أخرى عبر توجيهه توجيها صحيحا، يخدم المتدينين به والمجتمع الذي ينتشر به، وأعتقد أن عماد التدين الشعبي هو "حضور الجانب الرمزي"؛ فالتدين الشعبي مثال واضح على الأنظمة الرمزية، لكنه بحاجة إلى الدراسة والنقد ووضع الحلول للعوائق الاجتماعية التي تطرأ عليه،
*
التدين الشعبى نجد فيه سماحة التدين الصوفى ونجد فيه تزمت الخطاب الأصولى الرسمى أو الأزهرى، ونجد فيه عنف وصخب وتشنج الخطاب السلفى والجهادى، ولذلك يتسم التدين الشعبى ببراءته الشديدة أحياناً، وغوغائيته فى معظم الأحيان، أما الخطاب الدينى الاستنارى، أو الذى ينطلق من منطلقات التاريخ والتأويل فلا يمثل تيارًا، وقد يتردد صداه لدى النخبة المعزولة والمطاردة.
المقدس أو الدينى عادة ما يحاط بهالة من الخوف والترهيب بما يضفى عليه طابعًا مجاوزًا لما هو إنسانى أو دنيوى أو نسبى. ومن هنا نسأل كيف يمكن تجديد ما هو مقدس أو كيف يمكن أن يكون هناك حوار بين المقدسات أو المطلقات؟.
التجديد البنيوى للواقع الاقتصادى والسياسى والثقافى، فالتغيير الدينى هو بمثابة المتغير التابع لهذه المتغيرات
التسامح إزاء نقد المسلمات والأفكار والشخصيات والمؤسسات الدينية، لكنك عندما تسمع من يقول لك إن الصحابة خط أحمر، والأزهر خط أحمر، والشعراوى وغيره من الدعاة خط أحمر إذن لن يوجد حرية فكر أو حرية دينية، ومن ثم يصبح الحديث عن تجديد الخطاب الدينى عبثيًا لا مقبولاً.
تاريخ كل من اليهودية والمسيحية يشهد على أنه قد تم نقدهما وتفكيكهما، بل وتجريحهما وازدرائهما بصورة لا يمكن لأحد أن يتخيلها، ومع ذلك مازالت اليهودية قائمة، ومازالت المسيحية تسود معظم بلدان أوروبا. إن لدينا حساسية مفرطة تجاه ما هو مقدس، ومساحة المقدس فى حياتنا تكاد تمتد لتشمل حتى الشخصيات الدينية والرموز غير المقدسة، وهذه مسألة تحتاج لفهم أنثروبولوجى وأركيولوجى للبحث فى جذور هذا الهوس بالتقديس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق