من في الأعوام الأخيرة تأتي قضية تجديد الخطاب الديني، وقد جرت من حولها نقاشات بل وجدل كبير، بين من يرون أن الاقتراب من الثوابت أمر لا يمكن القبول به، وفريق آخر يذهب في طريق حتمية مواكبة العصر، من خلال السير في طريق ما يسمى فقه النوازل أو المستجدات.
التجديد لا يمكن بحال من الأحوال أن يمس ثوابت الدين ولا العقيدة، وإنما يمكن السعي به في إطار فقه المعاملات الحياتية، تلك التي ينتابها المد والجزر، والتي تتغير بتغير أوضاع الحياة وأطوارها، أشكالها وأنواعها.
*
لا بديل عن تغيير الخطاب الدينى
Feb 4, 2020 Feb 3, 2020
لم أسترح لملاحظات شيخ الأزهر على أستاذ فلسفة الأديان بشأن طريقة إعداده للخطاب وتعليقه على الكتاب الذى أهداه إياه، وكذا تشبيه تجديد الفكر الدينى بتجديد منزل الوالد وهو تشبيه خانه التوفيق من الجانبين.
ذكر د. الطيب أن تعليمات الإسلام أصبحت محصورة عندنا فى الزواج والطلاق والتوريث أما ما عدا ذلك فهو منسوخ من الغرب بدءا من عادات الطعام إلى استخدام السيارات وطرق التعليم وغيرها.. ولا أدرى هل كان علينا أن نتمسك بحياة العرب منذ أكثر من ١٤٠٠ عام كى نصبح مسلمين حقا؟!. ثم أشار سيادته عابرا إلى فشلنا فى مجال الصناعة بحيث لا نستطيع صناعة إطار سيارة على الرغم من دراسة العلوم والهندسة والطيران وغيرها من العلوم الحديثة.. ولم أفهم العلاقة!.
دافع شيخ الأزهر بقوة عن مذهب الأشعرية باعتباره منهج الأزهريين وهو منهج وسط بين دعاة العقل المطلق (المعتزلة) وبين الجامدين عند حدود النص وظاهره، ولكنه فى حقيقته اجتهاد بشر يخطئ ويصيب ويكفينى كإنسان مسلم أن أقول إنى مسلم وكفى فالإسلام لا يعرف التحزب ولا التمذهب.
غضب شيخ الأزهر مما سماه الهجوم المتواصل على التراث الإسلامى، والتراث كما أفهمه هو ببساطة خلاصة ما خلفته (ورّثته) الأجيال السابقة إلى الأجيال الحالية، وهو فى الإسلام تراث ثابت هو القرآن الكريم بمبادئه الكلية مثل العدل والحرية والمساواة وغيرها، وتراث متغير يشمل اجتهادات العلماء السابقين فى فهم نصوص القرآن وتطبيقها على الواقع وكذا الأحاديث النبوية الشريفة وهو فى نهاية المطاف جهد إنسانى متواصل عبر التاريخ وسوف يستمر إلى يوم الدين، ومن واجبنا تجاه الأجيال المقبلة أن نسهم- كل حسب تخصصه وتفكيره- فى التغيير والتعديل طبقا لمقتضيات العصر، ولذلك فقد عجبت وأسفت لغياب بعض الشخصيات ذات الثقل الدينى المحترم مثل د سعد الدين الهلالى وغيره عن حضور مثل هذا المؤتمر الذى يفترض أنه يجمع كل الآراء فمن المسؤل؟.
(ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ)، وخاصة إذا علمنا أن كلا المتحدثين من أساتذة الجامعة الأجلاء.
إن كل ما حدث ويحدث فى المجتمع المصرى هو فى رأيى نتيجة مباشرة للاحتكاك مع الفقه الوهابى المتشدد منذ منتصف السبعينيات والذى استغلته بقوة جماعة الشر لنشر سمومها فى أرض الكنانة توطئة للاستيلاء على الحكم بعد الاستيلاء على عقول الناس، وبالفعل فقد بدأت أولا بالعمل على نشر الحجاب على أنه فريضة إسلامية وكأن جدودنا لم يكونوا من قبل مسلمين، كما جاء فى حديث الزعيم الراحل عبد الناصر حين أخبره مرشدهم الأسبق بضرورة تحجيب المصريين ولكنه رفض.. ثم سمعته بنفسى من القيادى المحبوس عصام العريان فى مكتبى بقصر العينى حيث قال «يكفينا أننا نجحنا فى نشر الحجاب كوسيلة لنشر فكر الجماعة»، وكلنا يعلم أنه لا يوجد ما يسمى زى إسلامى على الإطلاق.. لا حجاب ولا نقاب وكل ما ورد فى هذا الشأن هو ضروة التحشم واحترام وصيانة الجسد الإنسانى من العبث للرجل والمرأة على السواء، وعلى كل مسلم أن يطبق ذلك بالكيفية إلى يراها ثم يكون حسابه فى نهاية المطاف عند ربه سبحانه وتعالىن أما ما عدا ذلك فقد كان مقصورا على زوجات الرسول الكريم باعتبارهن أمهات المؤمنين.. ثم أعقب ذلك كل أشكال التدين الشكلى من لحية وجلباب وكذا فى طريقة التخاطب والمصافحة وغيرها.
إننا فى حاجة ماسة إلى فكر جديد يتوافق مع العصر وفى نفس الوقت يظهر عظمة الإسلام الحقيقية فى الحث على طلب العلم وإعمار الأرض والتمسك بالقيم العليا.. الحرية والعدالة والصدق والإخلاص والرفق والأمانة وغيرها.
*
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق